نحن والعالم



قمة بغداد ترسم خارطة طريق جديدة للإقليم.. خطاب الرئيس السيسى الأقوى والأكثر شمولية

21-5-2025 | 16:59
العزب الطيب الطاهر

تشخيص شامل للأزمات وتصورات واقعية لتجاوزها واحتوائها
 
على مدار نهار كامل وجزء من المساء، احتضنت بغداد السبت الفائت، القمة العربية العادية الدورية الرابعة والثلاثين، بالتزامن مع القمة التنموية الاقتصادية والاجتماعية الخامسة، وكلتاهما أعادت الحيوية للعاصمة العراقية، ووفرت اللجنة العليا المشرفة على انعقادهما كل مقومات إنجاح القمتين، فقد حشدت اللجنة المجسدة لرؤية الدولة العراقية: رئاسة وحكومة وقوى سياسية، موارد وطاقات هائلة لاستضافة فاعليات القمتين، التى لم تقتصرعلى يوم الانعقاد الرسمى، وإنما كانت ثمة اجتماعات تحضيرية تواصلت على مدى الأيام الستة، التى سبقتها بداية من يوم الإثنين قبل الماضى، ما أحاط الوقائع المحيطة بهما بحالة من الزخم سياسيا وإعلاميا، بالذات فيما يتعلق بمخرجاتهما اللتين اشتملتا على ملفات ومتطلبات وبنود، تتقاطع بشكل مباشر مع الواقع العربى بأبعاده المتعددة وحروبه، لاسيما حرب الإبادة على غزة والضفة واستمرار الاعتداءات على سوريا ولبنان، وكذلك الأوضاع المضطربة فى بعض دوله كالسودان وليبيا واليمن والصومال وغيرها، فضلا عن الأبعاد المتعلقة بالأوضاع الأمنية والإستراتيجية، والتكامل الاقتصادى الذى ما زال مفقودا، وإستراتيجيات الأمن الغذائى والأمن المائى بالإضافة إلى التعاطى مع مستحدثات التقدم التقنى والإلكترونى والتى باتت تفرض سطوتها وتداعياتها بقوة على الإقليم العربى.
 
معطيات القمتين تفاعلت بإيجابية مع يواجهه النظام الإقليمى العربى فى المرحلة الراهنة، وفى صدارة هذه المعطيات الخطاب الذى ألقاه الرئيس عبد الفتاح السيسى أمام القمة العادية، والذى نظر إليه بحسبانه المداخلة الأهم والأقوى بفعل مااتسم به شمولية ووضوح وقوة فى التعبيرعن الموقف والرؤية، بعيدا عن اللغة الإنشائية المغلفة بطابع المجاملة، وهو ما يمكن إرجاعه إلى أنه لم يكن موجها للقادة والمشاركين فى القمة فحسب، وإنما للرأى العام فى الإقليم العربى وللأطراف الفاعلة فى النظام العالمى الراهن، كما اتسم بالعقلانية والواقعية بعيدا عن الأطر الرومانسية، ضمن قراءة صحيحة لمفردات المشهد العربى بكل ما ينطوى عليه من نزاعات وحروب وصراعات بينية، وداخل الدولة الواحدة، بفعل نشوء كيانات موازية لسلطة الدولة الوطنية سعت- وما زالت- للخصم من رصيدها، وهز الثقة فى مقدراتها وقدرتها على الإدارة والأداء بالفعالية المطلوبة لأداء مهامها ومواجهة المخاطر المحدقة.
 
والميزة النسبية لهذا الخطاب، أنه تجاوز سياق  التشخيص إلى طرح التصورات والآليات الرامية لتجاوز الواقع العربى بأبعاده المتعددة إستراتيجيا وسياسيا وأمنيا واقتصاديا، خاصة على صعيد الأزمات المستعرة فى الإقليم، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية بمفرداتها المتعددة التى شغلت ثلث الخطاب.
وأراد الرئيس السيسى أن يستغل ما أفرزته جولة ترامب فى ثلاث من دول منظومة مجلس التعاون الخليجى: السعودية وقطر والإمارات، من تقارب اقتصادى وسياسى وإستراتيجى، فطالبه بصفته قائدا يهدف إلى ترسيخ السلام، ببذل كل ما يلزم من جهود وضغوط، لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، تمهيدا لإطلاق عملية سياسية جادة - يكون فيها وسيطا وراعيا - تفضى إلى تسوية نهائية وتحقق سلاما دائما، على غرار الدور التاريخى الذى اضطلعت به الولايات المتحدة، فى تحقيق السلام بين مصر وإسرائيل فى السبعينيات، مثمنا أن  جهوده – أى ترامب - الذى نجح فى يناير المنصرم، فى التوصل إلى اتفاق، لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة.. مشيرا إلى أن هذا الاتفاق، لم يصمد أمام العدوان الإسرائيلى المتجدد، فى محاولة لإجهاض أى مساع نحو الاستقرار.
 
وعلى الرغم من ذلك، تواصل مصر بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة، شريكتيها فى الوساطة – الكلام للرئيس السيسى- بذل الجهود المكثفة لوقف إطلاق النار، مما أسفر أخيرا عن إطلاق سراح الجندى الأمريكى الإسرائيلى "عيدان ألكسندر"، مذكرا بمبادرتها لعقد قمة القاهرة العربية غير العادية، فى الرابع من مارس الماضى التى أكدت الموقف العربى الثابت، برفض تهجير الشعب الفلسطينى، وتبنت خطة إعادة إعمار قطاع غزة، دون تهجير أهله.. وهى الخطة التى لقيت تأييدا واسعا؛ عربيا وإسلاميا ودوليا، كاشفا عن اعتزام مصر تنظيم، مؤتمر دولى للتعافى المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة، فور توقف العدوان، مؤكدا أن قمة القاهرة وجهت رسالة عربية حاسمة للعالم، تؤكد أن إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها "القدس الشرقية"، هو السبيل الأوحد، للخروج من دوامة العنف، التى ما زالت تعصف بالمنطقة، مهددة استقرار شعوبها كافة.. بلا استثناء.
 
وطال خطاب الرئيس السيسى باقى الأزمات العربية الملتهبة من زوايا متعددة، فى القلب منها المحافظة على الدولة الوطنية بمؤسساتها وهياكلها وحماية سيادتها واستقلالها، ورفض التدخل الخارجى فى شئونها الداخلية والحيلولة دون وجود سلطة موازية أو ميليشيات تتجاوز سلطة الدولة، فضلاعن احترام الخصوصيات والمكونات المختلفة للسكان، وتجنب التمييز القائم على العرق أو الدين أو العرق، فعلى صعيد سوريا.. شدد الخطاب على ضرورة ربط قرار الرئيس ترامب برفع العقويات عنها فى سياق منظومة شاملة لا تكتفى بالبعد الاقتصادى والمالى والاستثمارى فحسب، وإنما باتجاه توظيفه على نحو أكثر اتساعا "يحقق مصلحة الشعب السورى، وضمان أن تكون المرحلة الانتقالية شاملة؛ بلا إقصاء أو تهميش والمحافظة على الدولة السورية ووحدتها، ومكافحة الإرهاب وتجنب عودته أو تصديره - وهى رسائل موجهة لأطراف فى الداخل وفى الإقليم - مع انسحاب الاحتلال الإسرائيلى من الجولان، وجميع الأراضى السورية المحتلة".. أى كل من ما شأنه أن يحدث تحولات جوهرية فى المشهد السورى الداخلى ليستعيد عافيته الوطنية، إن صح التعبير.
 
وضمن هذا التوجه تعامل الرئيس السيسى مع الأزمة المستعرة فى السودان منذ أكثرمن عامين، والتى تتماس بشكل مباشر مع الأمن القومى لمصر من ناحية حدودها الجنوبية، محددا الخطوات الضرورية والعاجلة كمرتكزات لحلها، منطلقة من ضمان وقف إطلاق النار، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، والحفاظ على وحدة أراضى الدولة ومؤسساتها الوطنية.. ورفض أى مساع، تهدف إلى تشكيل حكومات موازية للسلطة الشرعية.
 
لا بديل عن الاستقرار
ولم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للبنان، فليس ثمة بديل لضمان الاستقرار فى هذا البلد العربى -وفق رؤية الرئيس السيسى- عن الالتزام بتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، والذى اخترقه جيش الاحتلال بطريقة تنبئ عن عدم احترام بنوده، على الرغم من أن كلا من الولايات المتحدة وفرنسا التزمتا بضمان تنفيذه على أكمل وجه دون أن تقوما بهذه المهمة على النحو المطلوب، بالإضافة إلى دعوته - أى الرئيس - إلى ضرورة التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم "١٧٠١"، وهو ما يعنى بوضوح انسحاب قوات الاحتلال من الجنوب اللبنانى، وهو ما لم تفعله بل سيطرت على خمسة مراكز بالمنطقة وفق قناعة لديها بأن ذلك يتيح لها استمرار ضغوطاتها القصوى فى أحيان كثيرة على مقاتلى حزب الله فقط، وعلى الحكومة اللبنانية التى تواجه جملة من التحديات غير المسبوقة سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا، إلى جانب ضرورة احترام سيادة لبنان على أراضيه، وتمكين الجيش اللبنانى من الاضطلاع بمسئولياته.
 
وفيما يتعلق بالأوضاع فى الجارة على الحدود الغربية - ليبيا - والتى تفاقمت فى الآونة الأخيرة، فإن القاهرة – وفقا لما أكده الرئيس السيسى - تواصل جهودها الحثيثة الساعية إلى بلورة مصالحة سياسية شاملة، وفق المرجعيات المتفق عليها.. من خلال مسار سياسى ليبى، يفضى إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، تمكن الشعب الليبى من اختيار قيادته، وتضمن أن تظل ليبيا لأهلها.. مع خروج كل القوات والميليشيات الأجنبية من ليبيا، وهذا المنظور راسخ فى الخطاب السياسى والدبلوماسى المصرى تجاه ليبيا منذ سنوات، ولعل ما جرى فى طرابلس يؤكد صدقية هذا المنظور، فقد كان من أوائل المطالبين بإنهاء رقم الميليشيات فى المعادلة الأمنية الداخلية فى ليبيا، ولو ترجم هذا المطلب على نحو فعال لتمت الحيلولة دون الانهيارات الأمنية التى تقع بين وقت وآخر، بالذات فى العاصمة المدججة بأسلحة الفاعلين غير الرسميين، والتى تمارس النفوذ والهيمنة على أحيائها.
 
ولأن اليمن له تاريخ مع مصر، فإن الدعوة التى وجهها الرئيس السيسى أمام قمة بغداد بضرورة استعادة هذا البلد العريق توازنه واستقراره، عبر تسوية شاملة تنهى الأزمة الإنسانية، التى طالته لسنوات، وتحفظ وحدة اليمن ومؤسساته الشرعية، تمثل قيمة مضافة للدعوات العربية والإقليمية والدولية، غير أن مطالبة الرئيس بـ"ضرورة عودة الملاحة إلى طبيعتها، فى مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وتهيئة الأجواء للاستقرار، والبحث عن الحلول التى تعود بالنفع على شعوبنا"، تصب من جهة أخرى فى صالح الأمن القومى لمصر واقتصادها الوطنى، لأن ذلك سيمهد البيئة المواتية لاستعادة قناة السويس كامل طاقتها كممر آمن للتجارة العالمية.
ولم يغب الصومال عن مفردات خطاب الرئيس السيسى، والذى تطورت علاقاته مع مصر فى الآونة الأخيرة، إلى درجة بناء تحالف إستراتيجى يضم الدولتين إلى جانب إريتريا، مؤكدا الرفض القاطع لأى محاولات للنيل من سيادته، ودعمه من كافة الشركاء الإقليميين والدوليين، للحفاظ على أمنه واستقراره.
‪ ‬
 حضور دولى متميز
 وشهدت قمة بغداد خاصة العادية - ضمن معطيات تميزها - حضورا دوليا وإقليميا مميزا، تجلى فى دعوة رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز لإلقاء كلمة فى جلستها الافتتاحية، بعد أن اختارت الحكومة العراقية بلاده ضيف شرف القمة، تقديرا لمواقفها شديدة الإيجابية المساندة للفلسطينيين منذ اندلاع حرب الإبادة، والتى لم تتوقف عن توجيه الانتقادات الحادة للممارسات العدوانية للكيان الصهيونى، والأهم اعترافها رسميا بدولة فلسطين إلى جانب النرويج وإيرلندا، فى تمايز واضح عن باقى دول منظومة الاتحاد الأوروبى، التى ما زالت تراوح مكانها تجاه هذا الاعتراف وبعضها يقترب منه ثم سرعان ماينأى بعيدا عنه.
وتضمنت هذه الكلمة جملة من الأولويات الملحة لحكومته، طبقا لتوصيفه، أولها إنهاء الكارثة الإنسانية فى غزة على الفور، فيما تتجلى الأولوية الثانية فى مضاعفة الضغط على حكومة الاحتلال لوقف المذبحة فى غزة باستخدام كل الوسائل المتاحة على المستوى الدولي، ومن خلال السبل التى يتيحها القانون الدولي، مشيرا إلى أن إسبانيا ستعمل على تقديم اقتراح إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكى تبت المحكمة الدولية فى مدى امتثال إسرائيل بالتزاماتها الدولية فيما يتعلق بوصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وأيضا بحث السبل التى يمكن أن يوفرها مبدأ الولاية القضائية العالمية للتحقيق فى الجرائم التى قد تكون قد ارتكبت.
وتتضمن الأولوية الثالثة -حسب سانشيز- ضرورة المضى قدما فى التوصل إلى حل سياسى ودعم الفرص لمؤتمر سلام لأنه الطريق الوحيد نحو السلام، وذلك من خلال تنفيذ حل الدولتين وهذا يمر بالاعتراف بدولة فلسطين، منوها فى هذا الصدد بالمؤتمر الذى سيعقد فى الشهر المقبل برئاسة سعودية فرنسية مشتركة فى نيويورك لمناقشة آليات تطبيق حل الدولتين، مطالبا باستغلال هذه الفرصة على نحو جيد ورهن نجاحها بمدى التوافق العربى الأوروبى من أجل عمل مشترك لحشد المجتمع الدولي، وراء هذا الحل.
 
وكانت مشاركة الأمين العام للأمم المتحدة جويتريش، رغم أنه ندد بعملية طوفان الأقصى التى نفذتها كتائب المقاومة ضد جيش الاحتلال فيما يسمى بغلاف غزة، غير أنه لم يخضع للابتزاز وظل متمسكا بمواقفه الرافضة لعدوانية القوة القائمة بالاحتلال وهو ما كرسه فى حديثه أمام القمة، والذى نبه فيه إلى أن المنطقة والعالم يواجهان "محنا وشدائد على كافة الجبهات"، وعلى رأسها الوضع المأساوى فى قطاع غزة. وفى هذا السياق، شدد على الدعوة إلى وقف فورى ودائم لإطلاق النار، والإفراج غير المشروط عن المحتجزين - للأسف لم يشر إلى أسرى فلسطين بسجون الاحتلال - وضمان التدفق الحر للمعونة الإنسانية وإنهاء الحصارمجددا الإعراب عن رؤيته بأنه ليس ثمة ما يبرر العقاب الجماعى الذى يُمارَسُ على الشعب الفلسطيني، معربا عن جزعه من توسيع نطاق العمليات البرية لجيش الاحتلال فى غزة(التى انطلقت بالفعل مطلع الأسبوع الفائت عقب انتهاء جولة ترامب)، مؤكدا أن الأمم المتحدة لن تشارك فى أى عمليةٍ لتقديم المعونة لا تمتثل للقانون الدولى ولمبادئ العمل الإنسانى المتمثلة فى الإنسانية، والنزاهة، والاستقلالية، والحياد.
 
وجدد جويتريش مناشدته تقديم الدعم العاجل والكامل لعمل وكالة الأونروا، بما فى ذلك الدعم المالي، رافضا التهجير المتكرر لسكان غزة - وأى تفكير فى تهجيرهم، قسريا، خارج غزة"، كما دعا إلى عدم تجاهل "الأوضاع الرهيبة" فى الضفة الغربية المحتلة، ومضى قائلا :لنكُن واضحين: ضمّ الأراضى عمل غير قانوني. والمستوطنات غير قانونية.. وحلّ الدولتين هو السبيل الوحيد إلى تحقيق السلام المستدام.
 
إشارة محمودة وذكية
وعلى الرغم من أن الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط طرح فى مداخلاته فى بغداد رؤية النظام الإقليمى العربى تجاه مختلف القضايا والأزمات الملتهبة إلا أنه، فى إشارة محمودة وذكية فى آن،أراد أن يذكر بأهمية ومحورية الجامعة فى ظل مرور ثمانين عاما، مؤكدا أنها رفعت - وما زالت - لواء العروبة كفكرة جامعة لهذا الفضاء الممتد من الخليج العربى حتى المحيط الأطلسي.. كما أنها مازالت – وبرغم تحولات كبرى فى الإقليم والعالم – تمثل النسيج الرابط للشعوب العربية، والعروة الوثقى التى نستمسك بها، لافتا إلى استمرارية هذه المنظمة الشامخة عبر ثمانية عقود شاهدةٌ على قوة الشعوب وعلى عمق الدافع الذى يجمع بين الشعوب والدول الأعضاء، معتبرا أن الرابطة الأهم فى المنطقة يقوم على اللغة والثقافة والتاريخ المشترك.. إنها رابطة منفتحة.. لا تقوم على العرق أو الاثنية بل على الإرث الحضارى الجامع لهذه الأمة... والذى يضم داخله تنوعاً دينياً وثقافياً فريداً وثرياً، مؤكدا أن العروبة مازالت قادرة على استيعاب هذا التنوع الذى طالما كان سمة مميزة للمنطقة العربية.. وهى تستطيع أن تقدم نهجاً جامعاً، مضاداً للاستقطاب الذى ضربت آفته – وللأسف- بعض أجزاء الجسد العربى مؤخراً.
 
ودعا أبو الغيط إلى ما أسماه بوقفةً مع الذات لإلقاء نظرةً موضوعية من خلالها إلى سجل الجامعة العربية.. بلا تهويل أو تصغير فى قدر ما تحقق، مشيرا بصراحة فى هذا السياق إلى "أن مفهوم الأمن القومى العربى كما لا زلنا ننشده اليوم وكما سبق وأن تطلع إليه الآباء الأوائل لهذه المنظمة – لم يزل بعيداً عن التحقق على النحو المأمول، لاسيما أن إقليمنا العربى كان – ولايزال - هدفاً لتهديدات وأطماع.. من جوارٍ قريب أو من قوى بعيدة.. وكان – ولايزال – عرضة لتدخلات غير حميدة فى شئون دوله.
وتقتضى الوقفة التقييمية أيضاً -حسبما يرى أبو الغيط- نظرة موضوعية إلى حال الدولة الوطنية العربية... فبعض الدول مهددٌ فى وجوده وكيانه ذاته... وبعضها عرضة لاستقطاباتٍ داخلية أو احترابٍ أهلي... ومازال مفهومُ الدولةِ الوطنية... دولةِ المواطنة.. غير متجذرٍ بعد فى كافة أرجاء الوطن العربي... ويظل غيابه أحد الأسباب الجوهرية لنزاعات وحروب تمثل ثغراتٍ خطيرةً فى جدار الأمن القومى العربي".
 
عودة العراق بقوة
وشهدت قمتا بغداد عودة العراق بقوة إلى المشهد العربي، من خلال تبنيه مبادرات سياسية واقتصادية طموحة، وسعت قيادته قدر الإمكان، – وفقا لدوائر عراقية- إلى المساهمة فى حل عدد من المشكلات العربية، ولا سيما ما يتعلق بالعلاقات مع سوريا والكويت ودول أخرى، وهو يطمح من وراء ذلك– أى العراق - لوضع بصمته فى عملية تحديث الحالة السياسية فى العالم العربي، والتركيز على القضايا المشتركة، بعيدًا عن سياسة المحاور التى كانت سائدة، مثل المحور الإيراني، وفى هذا الصدد طرح العراق عدة مبادرات حظيت بالموافقة منها والترحيب بها – منها - وفق ما أعلنه أبو الغيط فى المؤتمرالصحفى المشترك عقب اختتام أعمال القمتين مع وزير الخارجية العراقى فؤاد حسين - تشكيل لجنة وزارية عليا تتكون من العراق والبحرين والأمين العام للجامعة والدول العربية الراغبة للانضمام إلى اللجنة، تتركز مهمتها فى تقريب وجهات النظر بين الأشقاء، بالإضافة إلى تأسيس مشروع العهد الإصلاح الاقتصادى الذى يرمى إلى بناء فضاء اقتصادى عربي".
وفى هذا الصدد تضمنت كلمة رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى أمام القمة التنموية أكثر من 18 مبادرة، من أبرزها اقتراح إنشاء صندوق لدعم الدول الخارجة من الحروب أو المتضررة من الكوارث الطبيعية، والذى ويُعدّ أداة حيوية لدعم جهود الإعمارتحديدًا فى غزة وفلسطين عمومًا، وكذلك جنوب لبنان، كما أعلن تبرع الحكومة العراقية بمبلغ 20 مليون دولار لصالح إعادة إعمار غزة، ومبلغ مماثل لصالح جنوب لبنان، فى خطوة تؤكد التزام بغداد بدعم قضايا الأمة، حسب تعبيره.
 
ويمكن القول إن قمتى بغداد، عكستا رغبة عربية واضحة فى استعادة زمام المبادرة السياسية، والتحدث بصوت موحد بشأن أبرز القضايا الإقليمية، لا سيما القضية الفلسطينية، ومثلت كلمات القادة، ورؤساء الوفد مواقف الدول، إشارات قوية إلى تحوّل فى المشهد العربى نحو تضامن أكثر واقعية، وتعاون أشمل لمواجهة التحديات، وهو ما جسدته مخرجاتها التى تضمنها إعلان بغداد الذى صيغ فى نحو 3223 كلمة، متضمنة بنودا تناولت كل هموم الأمة وتحدياتها ومخاطرها الراهنة.. بيد أنه من الأهمية بمكان أن تحظى هذه المخرجات بتوافر الإرادة السياسية، لدفعها دفعا باتجاه التطبيق فى الواقع العربى.
‪ ‬
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام