نحن والعالم



زيارة تجسد متانة العلاقات بين البلدين.. مصر ولبنان.. نموذج فريد للأخوة

21-5-2025 | 17:29
سوزى الجنيدى

مصر الدولة العربية الأولى التى اعترفت باستقلال لبنان فى أربعينيات القرن الماضى 
 
 
بدأت العلاقات بين الشعبين المصرى واللبنانى منذ العصور الفرعونية والمصريين القدماء عبر ميناء جبيل الفينيقى، واستمرت العلاقات على كل المستويات، حيث أثرى الحياة الثقافية فى مصر فى العصر الحديث عدد من الرموز مثل: سليم وبشارة تقلا مؤسسى صحيفة الأهرام، وجورجى زيدان، ونجيب مطرى، وروز اليوسف، كما كانت مصر مركزًا لانطلاق عدد من نجوم الفن اللبنانى مثل أسمهان وفريد الأطرش وصباح.
 
على المستوى السياسى، وقفت مصر دائما بجانب لبنان، حيث تعد مصر الدولة العربية الأولى التى اعترفت باستقلال لبنان فى أربعينيات القرن الماضى، فقد احتضنت القاهرة آنذاك اجتماعًا مفصليًا بين الرئيس اللبنانى بشارة الخورى ورئيس الوزراء رياض الصلح، برعاية رئيس وزراء مصر الأسبق مصطفى النحاس باشا، وهو الاجتماع الذى أفضى إلى صياغة "الميثاق الوطني"، الذى أسس لنظام الحكم فى لبنان بعد انتهاء الانتداب الفرنسى، واستمر الدعم المصرى على مدى السنوات، حيث دعمت القاهرة بيروت فى أصعب المواقف فجاء الدعم المصرى للمقاومة اللبنانية عقب انسحاب الاحتلال الإسرائيلى من الجنوب عام 2000، واستمر بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريرى عام 2005، واستمرت المواقف الدبلوماسية المصرية الداعمة للشعب اللبنانى أثناء العدوان الإسرائيلى فى 2006، وأكدت القاهرة فى بيان رسمى أن "سياسة العصا الغليظة لن تحقق السلام"، داعية إسرائيل إلى العودة لطريق التفاوض‪.‬
 
ولم تقتصر المواقف المصرية على الدعم السياسى، بل امتدت إلى المشاركة الفعلية فى إعادة إعمار البنية التحتية اللبنانية، خاصة فى مجال الكهرباء، حيث أرسلت مصر فرقًا من المهندسين والخبراء لإعادة تأهيل الشبكة الكهربائية التى دمرها العدوان، وهو ما اعتبر نموذجًا للتضامن العربى العملى.
وكذلك أكدت مصر دائما على ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة اللبنانية وعلى أهمية انتخاب رئيس جديد للبنان، كما شاركت مصر بوفد رفيع فى جلسة انتخاب الرئيس اللبنانى ميشال سليمان عام 2008، وأكدت فى كل المحافل الإقليمية والدولية تمسكها بالحوار اللبنانى - اللبنانى كمدخل أساسى لاستعادة لبنان لعافيته السياسية‪.‬
 
ولهذا فقد جاءت زيارة الرئيس اللبنانى جوزاف عون لمصر الإثنين الماضى، فى إطار تعزيز العلاقات وتأكيد الدعم المصرى المستمر للبنان فى ظل العدوان الإسرائيلى المستمر، وقد التقى الرئيس عبد الفتاح السيسى مع الرئيس عون الإثنين حيث جرت مراسم الاستقبال الرسمية تخللها عزف السلامين الوطنيين للبلدين‪.‬
‪ ‬وصرح السفير محمد الشناوى المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية بأن الرئيسين عقدا اجتماعاً مغلقاً أعقبته جلسة مباحثات موسعة بمشاركة وفدى البلدين، حيث ناقش الطرفان سبل تعزيز العلاقات الثنائية، لا سيما فى المجالات الاقتصادية، والبنية التحتية، والطاقة، وجهود إعادة الإعمار، كما تناولت المباحثات آليات دعم استقرار لبنان الشقيق، واستعادة الأمن والسلم الإقليميين فى ظل التحديات الكبيرة التى تواجه المنطقة‪.‬
 
وأضاف السفير محمد الشناوى، المتحدث الرسمى، بأن الرئيسين عقدا مؤتمراً صحفياً، استعرضا فيه نتائج المباحثات، واستهل الرئيس عبد الفتاح السيسى كلمته فى المؤتمر الصحفى بالترحيب بالرئيس "جوزاف عون"، رئيس الجمهورية اللبنانية " الذى يحل ضيفا عزيزا فى بلده الثانى "مصر"، تلك الزيارة، التى تحمل فى طياتها رمزية خاصة، فهى تجسد متانة العلاقات التاريخية والإستراتيجية بين بلدينا، وتعكس ترابطا يمتد عبر العصور إذ لطالما شكلت مصر ولبنان، نموذجا فريدا، للأخوة العربية الحقيقية. 
وتأتى زيارة فخامة الرئيس "عون"، فى مرحلة دقيقة، وظرف إقليمى شديد التعقيد، لتؤكد عمق العلاقات "المصرية - اللبنانية"، وصلابتها على كل المستويات.. وتعكس الترابط الوثيق بين الشعبين والحكومتين‪." ‬
 
وأضاف الرئيس السيسى: "لقد مثلت مباحثاتنا فرصة ثمينة لتبادل الرؤى، مع أخى فخامة الرئيس، حول سبل تعزيز التعاون بين بلدينا، لاسيما فى المجالات الاقتصادية والتجارية‪." ‬ وأكدنا حرصنا، على دعم جهود لبنان فى إعادة الإعمار، من خلال الاستفادة من الخبرات المصرية الرائدة، فى هذا المجال‪. ‬
كما شددت على موقف مصر الثابت فى دعم لبنان.. سواء من حيث تحقيق الاستقرار الداخلى، أو صون سيادته الكاملة.. ورفضنا القاطع لانتهاكات إسرائيل المتكررة، ضد الأراضى اللبنانية، وكذلك احتلال أجزاء منها‪.‬
 
وفى هذا السياق، تواصل مصر مساعيها المكثفة، واتصالاتها مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، لدفع إسرائيل نحو انسحاب فورى وغير مشروط، من كامل الأراضى اللبنانية .. واحترام اتفاق وقف الأعمال العدائية، والتنفيذ الكامل والمتزامن، لقرار مجلس الأمن رقم "1701".. دون انتقائية.. بما يضمن تمكين الدولة اللبنانية، من بسط سيادتها على أراضيها.. وتعزيز دور الجيش اللبنانى، فى فرض نفوذه جنوب "نهر الليطانى".
وقال الرئيس السيسى: "أجدد دعوة المجتمع الدولى، لتحمل مسئولياته تجاه إعادة إعمار لبنان.. وأحث الهيئات الدولية والجهات المانحة، على المشاركة بفاعلية فى هذا الجهد.. لضمان عودة لبنان إلى مساره الطبيعى، على طريق السلام والتعايش والمحبة فى المنطقة. 
وتابع:"‪ ‬لقد تطرقت مباحثاتى، مع أخى فخامة الرئيس "عون" كذلك، إلى تطورات الأوضاع فى قطاع غزة .. حيث أكدنا ضرورة إنهاء العدوان على القطاع فورا، واستئناف العمل باتفاق وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح كافة الرهائن والأسرى .. مع ضمان دخول المساعدات الإنسانية، بشكل عاجل .. لتلبية الاحتياجات الملحة، للمدنيين الأبرياء فى غزة. كما جددنا التأكيد، على موقف مصر ولبنان الراسخ والداعم للقضية الفلسطينية.. مع رفض أى محاولات تهجير للفلسطينيين،أو تصفية قضيتهم العادلة‪. ‬
 
ومن هذا المنبر، ندعو المجتمع الدولى، إلى حشد الجهود الدولية والموارد، لتنفيذ خطة إعادة إعمار غزة دون تهجير أهلها، وتمكين السلطة الفلسطينية.. من العودة إلى القطاع والعمل على توسيع الاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية، على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها "القدس الشرقية" كون هذا المسار، هو الضامن الوحيد، للتوصل إلى السلام الدائم والاستقرار فى المنطقة‪.‬
تناولت مباحثاتنا أيضا، الملفات الإقليمية الملحة، وعلى رأسها الوضع فى سوريا الشقيقة .. حيث جددنا دعمنا الكامل للشعب السورى الشقيق، وأكدنا ضرورة أن تكون العملية السياسية، خلال الفترة الانتقالية.. شاملة وغير إقصائية .. مع استمرار جهود مكافحة الإرهاب، ورفض أى مظاهر للطائفية أو التقسيم‪. ‬
كما شددنا على إدانة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، على السيادة السورية .. وضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضى السورية المحتلة، واحترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها‪." ‬
و فى ختام كلمته أكد الرئيس السيسى "أن مصر ستظل إلى جانب لبنان الشقيق، وإلى جانبكم، فخامة الرئيس، وإلى جانب الحكومة اللبنانية، فى كل المساعى الرامية، إلى الحفاظ على استقرار لبنان وسيادته، بما يلبى تطلعات شعبه النبيل.. ولنعمل معا من أجل تعزيز علاقاتنا الثنائية فى كل المجالات .. ليستعيد لبنان دوره العريق، كمنارة للثقافة والتنوير فى المشرق.. والعالم العربى"‪.‬
 
وأضاف: لقد كان التواصل بين مصر ولبنان إيجابياً يهدف إلى التنمية والحضارة.. فقد كان هناك تواصل بين المصريين القدماء والفينيقيين.. وفى العصر الراهن كانت مصر من أوائل الدول منذ الأربعينيات التى أقامت علاقات مع لبنان.. ومصر ولبنان لديهما جهد مشترك عبر السنوات الماضية فى مجال الثقافة والكتابة والشعر .. السيد الرئيس.. نحن داعمون لك ونتمنى لك كل التوفيق.
 
ومن جانبه قال الرئيس اللبنانى جوزاف عون فى كلمته فى المؤتمر الصحفى المشترك بقصر الاتحادية " إن الاستقرارُ الثابت، لا يقومُ إلا على سلامٍ دائم والسلامُ الدائم، لا يُبنى إلا على العدالة والعدالة لها تعريفٌ واحدٌ وحيد ألا وهو إعطاءُ كلِ الحقوق، لكلِ أصحابِها وهذا ما أقرته الدولُ العربية فى مبادرةِ بيروتَ للسلام سنة 2002 وهذا ما نتطلعُ إلى تجسيدِه فى أقربِ وقت بهذا السلامِ بالذات، نشهدُ قيامَ دولةِ فلسطينَ المستقلة ونكافحُ التطرفَ والإرهابَ والفقرَ والجوعَ وأفكارَ الإلغاءِ وأهواءَ الإقصاء ‪.‎"‬
وأكد الرئيس اللبنانى، " أنّ لبنانَ، كلَ لبنان، لا يمكنُه أن يكونَ خارجَ معادلةٍ كهذه وأنْ لا مصلحةَ لأى لبنانى، ولا مصلحة لأى بلدٍ وشعبٍ فى منطقتنا، فى أن يستثنى نفسَه من مسارِ سلامٍ شاملٍ عادل سلامٌ يبدأُ بتأكيدِ موقفِ لُبْنَانَ الثَّابِتِ وَالمُحِق، والمُتَمَثِّلَ بالتزامنا الكَامِلِ بِالقَرَارِ الدُّوَلِى 1701، للحِفَاظِ عَلَى سِيَادَةِ لُبْنَانَ وَوَحْدَةِ أَرَاضِيهِ‪." ‬
وشدد الرئيس اللبنانى، على" أَهميَة دَوْرِ القوَاتِ الدُوَلِيَّةِ (اليُونِيفِيل) وضرورةِ وَقْفِ الأَعْمَالِ العَدَائِيَّةِ الَّتِى تَقُومُ بِهَا إِسْرَائِيل وَالعودةِ إلى أحكامِ اتفاقيةِ الهدنة للعام 1949، بما يَضْمَنُ عَوْدَةَ الِاسْتِقْرَار وَالأَمْنِ إِلَى الجَنوبِ اللبنانى وَالمنْطَقةِ كَكُل‪" ‬.
 
العلاقات الاقتصادية 
والجدير بالذكر أن العلاقات الاقتصادية بين مصر ولبنان شهدت تحسنا، حيث كشفت أحدث التقارير الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، عن تطورات إيجابية فى العلاقات الاقتصادية بين مصر ولبنان خلال عام 2024، وشهدت حركة التبادل التجارى بين البلدين نموًا ملحوظًا يعكس عمق الروابط التجارية والشراكات المستمرة بين الجانبين‪.‬
وأوضحت البيانات أن الصادرات المصرية إلى السوق اللبنانية حققت قفزة قوية خلال عام 2024، إذ سجلت قيمتها نحو 762.8 مليون دولار، مقارنة بـ530.4 مليون دولار خلال عام 2023، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 43.8%، ما يعكس تنامى الطلب على المنتجات المصرية فى لبنان رغم التحديات الإقليمية‪.‬
فى المقابل، تراجعت الواردات المصرية القادمة من لبنان بنسبة بلغت 2.3%، لتسجل 237.7 مليون دولار فى 2024، مقارنة بـ243.4 مليون دولار فى العام السابق، ما يشير إلى تحسن فى الميزان التجارى لصالح مصر‪.‬
مع ارتفاع الصادرات وتراجع طفيف فى الواردات، بلغت القيمة الإجمالية للتبادل التجارى بين مصر ولبنان نحو مليار دولار خلال عام 2024، مقابل 774 مليون دولار خلال عام 2023، محققة معدل نمو سنوى بلغ 29.3%، وهو تطور يعكس متانة العلاقات الاقتصادية وتوسّع آفاق التعاون بين البلدين‪.‬
وتنوعت الصادرات المصرية إلى لبنان خلال العام الماضى، حيث تصدرت مجموعة "الوقود والزيوت المعدنية ومنتجات التقطير" قائمة أبرز السلع بقيمة بلغت 215 مليون دولار، تلتها صادرات الحديد ومصنوعاته بقيمة 65 مليون دولار، ثم الأسمنت بنحو 55 مليون دولار، والخضر والفواكه بحوالى 48 مليون دولار، إلى جانب صادرات السكر ومنتجاته والتى سجلت 41 مليون دولار‪.‬
من الجانب الآخر، جاءت واردات مصر من لبنان بقيادة الحديد ومصنوعاته بقيمة 118 مليون دولار، تلتها الفواكه والثمار التى سجلت 72 مليون دولار، كما استوردت مصر آلات وأجهزة كهربائية بقيمة 22 مليون دولار، بالإضافة إلى لدائن صناعية وخلاصات دباغة وصباغة بقيم تقارب 4 ملايين دولار لكل منهما‪.‬
وأظهرت البيانات أن قيمة الاستثمارات اللبنانية فى السوق المصرية خلال العام المالى 2023/2024 بلغت نحو 51.2 مليون دولار، مقارنة بـ51.4 مليون دولار خلال العام السابق، ما يعكس حالة من الاستقرار فى تدفقات رؤوس الأموال اللبنانية إلى مصر‪.‬
 
فى المقابل، سجلت الاستثمارات المصرية فى لبنان ارتفاعًا لتصل إلى 9.7 مليون دولار خلال العام المالى 2023/2024، مقارنة بـ7.9 مليون دولار فى 2022/2023، فى مؤشر على اتساع الاهتمام المصرى بالسوق اللبنانية رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التى يمر بها البلد‪.‬
وكشفت الإحصاءات أيضًا عن زيادة فى قيمة تحويلات المصريين العاملين فى لبنان، والتى بلغت 42.9 مليون دولار خلال العام المالى 2023/2024، مقابل 38.1 مليون دولار خلال العام السابق، ما يعكس تحسنًا فى أوضاع المصريين العاملين هناك‪.‬
فى المقابل، سجلت تحويلات اللبنانيين العاملين فى مصر تراجعًا طفيفًا لتصل إلى 3.5 مليون دولار، مقارنة بـ3.7 مليون دولار فى الفترة نفسها من العام السابق‪.‬
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام