رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الأحد 15 يونيو 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
دائرة الحوار
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
ثقافة
«الغجر».. من سرقة مسامير صلب المسيح إلى قراءة الكف
21-5-2025
|
20:44
⢴ عزمى عبد الوهاب
العثور على غجرى لإجراء مقابلة معه أصعب جزء فى البحث أو الدراسة
برغم عدم تحديد هوية الغجر بشكل كامل.. فإنهم مع ذلك يقيمون على هامش وعى الناس
هناك تصورات ومفاهيم خاطئة مرتبطة بالغجر بشكل عام، والغجر المصريين بشكل أكثر تحديدا، ويبدو من المثير للاهتمام أن ينسب إلى الغجر صفات غيرية لعزلهم وإبعادهم كأنهم (الآخر) فى الأساس، وهم فى الوقت نفسه محرومون من أى نوع من التأريخ، أو حتى الحق فى أن يكون لديهم هوية محددة، أحد علماء موسيقى الأعراق تساءل بسخرية عن الغجر المصريين: «لا يعرف أحد حقا من أين هم، ولا يهتم بهم أحد».
يطلق على الغجر المصريين، اسم الغجر أو النور أو الحلب فى صعيد مصر، ويطلق عليهم فى المراكز الحضرية الهنجرانية، أى الإشارة إلى أفراد المجتمع الذين يرتكبون جرائم على وجه التحديد، ولكل هذه المصطلحات دلالات سلبية فى اللغة العربية وفى الواقع.
تدور العديد من القصص حول الغجر المصريين، هناك قصص عن قيام الغجر بتدريب قرودهم على السرقة من المصريين الغافلين، أو خطف الأطفال، بالإضافة إلى قصص عن سفر نساء الغجر إلى مكة لسرقة الحجيج، أو عن الإخلال بالنظام العام فى أثناء الموالد، هناك أيضا أقاويل عن أصولهم، ربما انحدر الغجر من إحدى قبائل بنى إسرائيل، أو ربما كانوا عبيدا وصلوا مع الجحافل الرومانية، منذ أكثر من ألفى عام، ثم مكثوا فى مصر، ليشكلوا طبقة أدنى.
ربما كانوا أيضا اللصوص الذين سرقوا بعض المسامير الكبيرة المستخدمة لصلب المسيح، كما يقال، جلب هذا لهم الحظ السعيد وفقا لبعض الروايات، لأنهم خففوا من معاناته، ووفقا لآخرين جلب لهم سوء الحظ، وحولهم إلى تائهين منبوذين للأبد، هناك الكثير من الصور النمطية والأساطير، فالغجر غائبون عن الأوساط الأكاديمية إلى حد كبير، ومنسيون فى السياسة العامة، وربما كانوا موجودين فقط فى المخيلة الشعبية.
يتناول كتاب «الغجر»، لألكساندرا بارس الأستاذ المساعد فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، تلك الفئة التى تعيش على هامش المجتمع المعاصر، ويمثل الكتاب درجة كبيرة من الأهمية لأنه يضىء جوانب شديدة العتمة فى مجتمع يمتلئ بالشك تجاه الآخر، بل يقصيه ويصمه بكل نقيصة، ويعمد أبناؤه إلى إخفاء هويتهم عن الآخر، لا سيما الجهات الحكومية، ولهذا جذور تاريخية، ربما تعود إلى ضريبة الرؤوس، التى كانت تفرض على الرعايا أحيانا، وبؤرة الضوء هذه ربما تكون مفتاحا للعمل على دمجهم فى المجتمع ودخولهم ثناياه، بوصفهم مواطنين لهم ما للمواطن وعليهم ما عليه.
قبل تناول ما يضمه كتاب «الغجر.. فى مصر المعاصرة على هوامش المجتمع»، (ترجمة على البعلاوى)، ينبغى التعرف إلى رحلة الكاتبة «ألكساندرا بارس»، فى سبيل إنجاز هذه الدراسة القيمة والمهمة، فهذا الكتاب نتاج أكثر من عامين من البحث فى القاهرة والإسكندرية، حيث نظرت الكاتبة إلى مستويات مختلفة من تكوين هوية الغجر، من أجل الحصول على فهم واسع لتمثيلات الغجر المصريين، من الغرباء والمؤسسات، ومنهم أنفسهم.
استخدمت الكاتبة، دراسات المستشرقين التى تنتمى إلى القرن التاسع عشر، بالإضافة إلى مؤلفات أحدث، ومقالات من مركز أبحاث الغجر كتبها علماء أنثروبولوجيا وأعراق، قامت بفحص الرؤية الرسمية، واستخدمت استبيانات التعداد المصرى، التى لم تجمع بيانات إثنية وعرقية للسكان المصريين، منذ أواخر القرن التاسع عشر، مع التركيز على الأفلام المصرية، التى تصور الغجر.
بدأت الكاتبة البحث على المستوى الفردى بإجراء مقابلات مع مصريين من غير الغجر، الغالبية العظمى منهم ليس لديه معرفة بغجر الشرق الأوسط، وربطوهم بإسبانيا ورومانيا، إنهم «موجودون فى أوروبا فقط»، كانوا غافلين عن وجود غجر فى مصر، بعضهم اقترح أن الغجر لم يكونوا معروفين بالنسبة للطبقات العليا المصرية، فلم يكونوا مضطرين للتفاعل معهم، لكنهم كانوا معروفين بشكل أفضل لدى الطبقات الدنيا، ويرجع ذلك فى الغالب، إلى قربهم الجغرافى من الأحياء الفقيرة، أو حقيقة أن المصريين من الطبقة الدنيا، يحضرون الموالد أكثر.
إن القرب يخلق الوعى، وفى المناطق الأفقر يعرفون بوجود الغجر، غالبا ما يخشى منهم كمجرمين غير جديرين بالثقة، وهو أكليشيه مشابه لما يقول به العديد من الأوروبيين الغربيين، التصور السائد للغياب فى حد ذاته، هو أمر حاسم لتوضيح إخفاء الغجر فى السياق المصرى، العديد ممن حاورتهم الكاتبة اعترفوا بأنهم لمحوا الغجر، عرافين أو متسولين، كما ذكروا أنهم سمعوا عن الأذى الذى ارتكبوه أو قرأوا مقالا بشكل عابر عن أفعالهم الإجرامية، كما تذكر البعض أنهم شاهدوا فيلما يصور الغجر، غالبا يكون «تمر حنة»، أو «سجن النساء».
تتوصل الكاتبة إلى أنه برغم عدم تحديد هوية الغجر بشكل كامل، فإنهم مع ذلك يقيمون على هامش وعى الناس، ويمكن أن يتجسدوا فجأة فى سياقات محددة من خلال الجزئيات، وقد أجرت الكاتبة مقابلات مع أفراد، منهم واحدة هى ناشطة اجتماعية، تعمل مع الغجر، فى منطقة السيدة زينب بوسط القاهرة، تقدم منظمتها لهم قروضا صغيرة، تمولها فى الغالب الجماعات الدينية، انخرطت السيدة فى هذا النشاط لأكثر من عشر سنوات، وكانت تتفاعل مع الغجر يوميا ما دفعها إلى تكوين آراء مميزة جدا حول الغجر.
رجل آخر ممن التقتهم من الإسكندرية، كان لسنوات عدة، يجمع علب وزجاجات الكوكاكولا الفارغة من الغجر، ثم يبيعها إلى مصنع لإعادة تدويرها، كما يمتلك شاحنة صغيرة، ويستخدمها بشكل متقطع لتوصيل عائلات الغجر، للقيام بتلك المهمات، أو توصيل رسائل، والتقت الكاتبة أيضا رجلا وامرأة يعملان فى منظمة توفر التدريب للأطفال العاملين، ومنهم الغجر، مكتبهما فى العمرانية، أحد أحياء القاهرة التى بها كثافة كبيرة من الغجر، ويتفاعل الرجل والمرأة اجتماعيا معهم بشكل منتظم.
كان أصعب جزء فى البحث أو الدراسة هو العثور على غجرى لإجراء مقابلة معه، وباعتبار الغجر مجموعة سكانية ضعيفة، فإنهم يميلون إلى عدم الثقة فى الغرباء، ولا يعترف أحدهم بأنه غجري، كانت أحاديث الإنكار تكشف عن الطريقة التى يتم بها بناء هوية الغجر بشكل سلبى ورفضها.
وحين التقت الكاتبة ببعضهم، طلبوا ألا يتحدثوا فى السياسة والجريمة، وبدوا سعداء بمناقشة موضوعات مثل العلاقات بين الجنسين، فمجتمعات الغجر يتم تنظيمها، وفقا لتمثيل نمطى عميق الجذور على شكل نظام أمومى، تلعب فيه الإناث دورا قياديا بوصفهن العائل (سارقات وراقصات وعرافات)، ووسيطات بين مجتمع الغجر وغيرهم.
تم بناء هذا الكتاب للنظر إلى الغجر من زوايا مختلفة من البحث التاريخى عن الجذور المستندة إلى آراء المستشرقين بمواجهتهم مع الغجر، وتمثيل الغجر فى الخيال والسينما الشعبية، إلى مناقشات مع المصريين من غير الغجر والغجر أنفسهم، بالإضافة إلى تحليل الخطاب الإعلامى، ففى الفصل الأول وعنوانه «البحث الأزلى عن الجذور»، تفحص الكاتبة كيف استخدم الأوروبيون لغة غجر أوروبا لتقييم أصولهم، وهى مجموعة تعتبر أجنبية لكنها لم تثبت قط علميا، عندما بدأوا برسم الروابط بين لغة غجر أوروبا والسنسكريتية.
يركز الفصل الثانى وعنوانه «من الراقصات إلى اللصوص»، على كيفية تمثيل الثقافة الشعبية، والسينما المصرية، لشخصيات الغوازى والغجر، الذين يبدو أنهم جسدوا عذابات المجتمع المصرى فى فترات زمنية مختلفة، رمزوا فى الغالب – فى الخمسينيات من القرن الماضى – إلى الآخر الغريب الرومانسى، المتجسد فى الراقصات الشرقيات الجميلات والسمات الشعبية.
فقدت التمثيلات الأحدث للغجر الكثير من الرومانسية، وتدور حول حالة بائسة من الفقر والتهميش، أصبحوا منبوذين اجتماعيا أكثر من اعتبارهم ثقافة غربية أو بقايا الماضى التقليدى، علاوة على ذلك كان ممكنا فى الستينيات والسبعينيات الزواج بين الغجر وغير الغجر، لكن فى العقود اللاحقة، حيث بدأ الغجر فى تجسيد الإجرام، أصبحت مثل هذه الزيجات غير قابلة للتصور، وتفسر الكاتبة هذا التحول على مستويين أحدهما الإغلاق المستمر للهوية المصرية أمام التجانس، والآخر هو المزيد من ترسيخ الغجر فى الأماكن المهمشة، جنبا إلى جنب، مع قصر تفاعلهم مع غير الغجر على تفاعلات اقتصادية بحتة.
فى فصل بعنوان “حدود لا يمكن تجاوزها”، تدرس الكاتبة كيف يقدم المصريون من غير الغجر تفاعلاتهم مع الغجر، وكيف تسهم التفاعلات والمعانى المنسوبة إلى تلك اللقاءات فى بناء أجزاء من هوية الغجر، وتستند الحدود الثقافية إلى حقيقة أن السلوكيات الاجتماعية غير المقبولة، تنسب بشكل روتينى إلى الغجر: فهم يسرقون أطفال الآخرين، أو يبيعون أطفالهم، ليس لديهم أصول (وهو أمر سلبى فى مجتمع قائم على الأقارب).
ينبنى أحد فصول الكتاب وعنوانه “مفاوضات الهوية: التجاهل والمرور والتغيير والتبادل”، على روايات الغجر، والملاحظات الإثنوجرافية، فقد فحصت المؤلفة الإستراتيجيات التى يستخدمها الغجر، للتمرير بطرق مختلفة، قد يمرون بوصفهم مصريين حقيقيين، إما لأنهم يرون أنفسهم كذلك، أو لأنهم يريدون إخفاء أى أصول أخرى، إستراتيجية عابرة أخرى هى المراوغة فى تزويد الآخرين بمعلومات عن المجموعة، وتقديم بدائل للشخص الذى يتفاعلون معه، من الرفض البسيط إلى القبول الجزئي، يقررون القيام بذلك عبر الموازنة بين فوائد وأضرار أن ينظر إليك على أنك غجرى أم لا، حسب الموقف نفسه.
تسعى الكاتبة فى هذا الكتاب، إلى تحديد موقع الغجر من السياق المصرى وتجاوز المفاهيم الغامضة والذاتية الرومانسية أو الخرافات، وهى تسعى أيضا إلى تجاوز الفهم الغربى لموقع الغجر فى الروايات الوطنية، التى كانت واضحة جدا فى البحث عن الجذور وشروح الأصول، كما جاء فى الفصل الأول.
يتعارض هذا التحليل مع العنصرية الزائفة علميا للغجر الأوروبيين، بناء على الدليل اللغوى مع الطرق المختلفة الأكثر فائدة فى السياق المصرى، حيث تستخدم تلك الأساطير الخاصة بالأصول، ومناحى التحليل الغربى للنظر، إلى تاريخ المجموعة والأسلاف، ربما بتزمت أقل.
فى هذا الشأن – كما تؤكد المؤلفة – يمكن أن يربط الغجر بالأصول الهندية، ويمكن أن يكونوا مرتبطين بالغجر الأوروبيين والآسيويين، يمكن أن ترتبط بخطايا الكتاب المقدس، كأبناء قابيل، أو يمكن أن يجسدوا الخيانة أو الخلاص، مثل لصوص المسامير الكبيرة التى استخدمت فى صلب المسيح.
كما توضح الكاتبة، فإن افتقاد الدليل العلمى الذى يدعم رحلة الغجر وأسلافهم وهويتهم، قد أدى تاريخيا لوضعهم فى منطقة الغياب الاجتماعى، ونتيجة لذلك فشلت محاولات إجبارهم على الاستقرار أو الاندماج، ولم يكن عليهم أن يعرضوا أية دلالات اجتماعية معينة، أدت شذرات الحدود المبنية حولهم، وشذرات الخيال المرتبطة بهم إلى إمداد غجر الشرق الأوسط بالقدرة على التنقل بحرية داخل المجتمع المصرى.
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
يحيى يخلف.. وجه لا يتخلى حين يختفى الآخرون (2)
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
دائرة الحوار
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام