رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الأحد 15 يونيو 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
دائرة الحوار
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
نحن والعالم
قررت الاعتراف بدولة فلسطين.. ضمير أوروبا يستيقظ
28-5-2025
|
17:22
العزب الطيب الطاهر
تحولات القارة العجوز تربك النخبة الحاكمة فى تل أبيب.. لكن اعتمادها على ترامب يشعرها ببعض الاطمئنان
17 دولة أوروبية توافق على إعادة النظر فى الأساس القانونى لاتفاقية الشراكة مع حكومة الاحتلال
22 وزير خارجية يطالبون بسرعة إدخال المساعدات بشكل كامل وفورى إلى القطاع تحت إشراف الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية
مخاوف من أن تكون مواقف الدول الأوروبية الجديدة محض مكايدة سياسية ضد سياسات ترامب
تظاهرة اللون الأحمر فى «لاهاى» انتفاضة شعبية ضد عدوانية نتنياهو.. وتضامن قوى من برلمانى أوروبا وإيطاليا مع سكان غزة
قادة فرنسا والمملكة المتحدة وكندا يحذرون تل أبيب من استمرار الأفعال المشينة فى حرب غزة ويهددونها بعقوبات
بريطانيا توجه لطمة شديدة لحكومة الاحتلال بوقف مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة
يبدو أن اتساع وتيرة أوجاع غزة فى الآونة الأخيرة، قد أيقظ بعضا من صحوة الضمير الأوروبى الرسمى، ما أسفر عن تحولات فى المواقف ومضمون العلاقات مع إسرائيل، سواء على صعيد المفردات المستخدمة المعبرة عن هذه المواقف التى اتسمت بالحدة والخشونة على نحو غير معهود من قبل، أم على صعيد التهديد بالإقدام على خطوات عقابية.
وذلك فى ضوء استمرار حرب الإبادة فى قطاع غزة المستعرة منذ أكثرمن 19 شهرا بمرحلتيها الأولى والثانية، وما يبث عنها على الهواء مباشرة من مشاهد القتل والمجازر اليومية، التى يروح ضحيتها الأطفال والنساء، فضلا عن حصار التجويع المتواصل منذ أكثر من شهرين، الذى امتد عمدا مع سبق الإصرار إلى قطع إمدادات الوقود الذى يستخدم فى تشغيل محطات تحلية المياه المتهالكة، ما أثمر حالة من العطش أو التعطيش، فلجأ السكان إلى شرب مياه نصفها عذب ونصفها الآخر مالح، فى ظل تفريغ المنظومة الصحية من مقوماتها الأساسية، ثم إطلاق قوات أمن الاحتلال النار على وفد، يضم دبلوماسيين عربا وأجانب، كان يتفقد مدينة جنين بالضفة الغربية يوم الخميس قبل الماضى.
شكلت هذه المعطيات وغيرها الدافع الرئيس وراء ما طرأ من تغيرات فى سياسات وتوجهات دول القارة الأوروبية، فضلا عن كندا، تجاه القوة القائمة بالاحتلال، على نحو دفع بها إلى اختراق جدار التميز، الذى كانت تتسم به العلاقات بين الطرفين، واللافت للنظر هذه التغيرات أو التحولات اقترنت بتهديدات جدية بفرض عقوبات على حكومة الاحتلال، فى حال لم تنه حربها على غزة وتسمح بإدخال المساعدات الإنسانية بشكل كاف، كما تكمن أهميتها فى أنها صدرت عن دول تصنف بأنها من أقرب حلفاء هذه الحكومة، الذين وقفوا إلى جانبها بعد عملية "طوفان الأقصى" فى السابع من أكتوبر من العام قبل الفائت، وهرول قادتها إلى تل أبيب لتأكيد الدعم والإسناد اللوجستى والعسكرى والسياسى لها آنذاك، وبعضهم صحب أسلحة وذخائر على متن طائرته الرئاسية، وظلوا مقيمين فى خانة الصمت المريب لأكثر من عام ونصف العام على الجرائم التى ارتكبها جيش الاحتلال، وعلى تدمير غزة واستشهاد وإصابة وفقد أكثر من 200 ألف فلسطيني.
وتبلورالتحول الأهم فى قرار الاتحاد الأوروبى بإطلاق مراجعة رسمية لاتفاقية الشراكة مع إسرائيل، خلال اجتماع وزراء خارجيته يوم الأربعاء الماضى قبل ببروكسل، التى تمثل السياق الإستراتيجى متعدد الأبعاد الحاكم لعلاقات الجانبين سياسيا وأمنيا واقتصاديا وتجاريا وثقافيا وعلميا، وهى الخطوة التى اقترحها وزير خارجية هولند كاسبار فيلدكامب والتى ترتبط بلاده بصداقة قوية مع تل أبيب مدعوما من نظرائه فى السويد وفنلندا والبرتغال وبلجيكا، مستندا، إلى المادة الثانية من اتفاق الشراكة بين الطرفين، التى تسمح للاتحاد الأوروبى بتعليق الاتفاقية إذا تيقن أن حكومة الاحتلال ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وقد جرى فى هذا الاجتماع الموافقة على إعادة النظر فى الأساس القانونى للاتفاقية بموافقة 17 دولة من أصل 27 دولة عضواً بالاتحاد، لكن إلغاءها بالكامل يتطلب إجماعا، وهو ما لم يتحقق بفعل معارضة دول مثل النمسا وألمانيا والمجر، ومع ذلك - وفقا لما تلفت إليه صحيفة "هاآرتس" التى تتبنى موقفا مناهضا لنتنياهو وحكومته - يمكن إلغاء أجزاء من الاتفاقية بالأغلبية الخاصة مثل اتفاقية التجارة الحرة التى تسمح للقوة القائمة بالاحتلال بتصدير منتجاتها للاتحاد الأوروبى من دون دفع رسوم جمركية، أو برنامج "هورايزون" الذى يتيح لها التعاون بشكل واسع مع الاتحاد فى مجالات العلوم والتكنولوجيا.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الاتفاقية، تم التوقيع عليها فى العام 1995، بينما دخلت حيز التطبيق فى العام 2000، وهى تتضمن شقا سياسيا يعلى من الحوار بين تل أبيب والاتحاد الأوروبى وآخر اقتصاديا وبحسب المادة الثانية منه، فإن العلاقات بين الجانبين قائمة على مبدأ احترام حقوق الإنسان، واحترام أسس الديمقراطية، وطبقا لصحيفة ليبراسيون الفرنسية، فإنه إذا قررت المفوضية الأوروبية أن القوة القائمة بالاحتلال انتهكت حقوق الإنسان فى غزة، فستكون حرة فى اقتراح أو عدم اقتراح فرض عقوبات، وإذا فرضت هذه العقوبات فإن خيارات عدة ستكون قائمة، من بينها تعليق إما كاملا للاتفاقية أو للجزء السياسى فيها.
أما الجزء الاقتصادى فيعود للدول الـ27 تقرير التعامل معه، مشيرة إلى أن تعليق الجزء السياسى هو الذى يتطلب الإجماع، فيما يخضع الجزء الاقتصادى للأغلبية الخاصة، لكن قبل اتخاذ القرار يتعين عقد اجتماع لمجلس الاتحاد مع حكومة الاحتلال.
وفى منظور الصحيفة الفرنسية، فإن الإجماع الأوروبى ما زال غائبا، وأن تعليق الجزء السياسى وحده لا يكفى بل يكون رمزيا، فيما سيكون تعليق الجزء الاقتصادى الأشد تأثيرا والضربة القاصمة للكيان الإسرائيلى، لأن شراكته الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبى ظلت على مدى عقود الركيزة الأساسية فى علاقاته مع الاتحاد، ووفقاً لمعطيات دائرة الإحصاء المركزية بتل أبيب، بلغ حجم الواردات من دول الاتحاد الأوروبى فى العام 2023 نحو 44 مليار دولار، وهو ما يشكّل 48 % من مجمل الواردات التى بلغت 91.8 مليار دولار. أما صادرات الكيان الإسرائيلى إلى الاتحاد الأوروبى فقد بلغت نحو 23 مليار دولار، وهو ما يمثل 36 % من مجمل الصادرات للخارج، التى بلغت نحو 63.5 مليار دولار.. وبذلك، فإن إجمالى حجم العلاقات التجارية بين هذا الكيان والاتحاد الأوروبى يصل إلى قرابة 67 مليار دولار، أى ما يعادل مرتين ونصف المرة حجم علاقته التجارية مع الولايات المتحدة فى العام 2023، والتى بلغت نحو 26.5 مليار دولار.
ولا تتوقف اتفاقية الشراكة عند الأبعاد السياسة والاقتصادية والتجارية، إنما تشكل فى الآن ذاته الأساس القانونى لمجموعة من الاتفاقيات الإضافية التى تربط بين الاتحاد الأوروبى والقوة القائمة بالاحتلال، من أبرزها اتفاق "الأجواء المفتوحة"، وبرامج تبادل الطلاب ضمن إطار برنامج "إيراسموس"، والتعاون العلمى ضمن برنامج "هورايزن" الذى يُعتبر من أكبر برامج البحث والتطوير العلمى المتاحة أمام الجامعات ومراكز الأبحاث والشركات لدى هذه القوة، والذى تم التوقيع على انضمام الكيان الإسرائيلى إليه رسمياً بصفة عضو كامل فى العام 2021، بعد أن كانت منذ 1996 يتمتع بوضع "شراكة"، وبات يمثل المساهمة الأهم والأكبر فى تطوير البحث العلمى داخله، كمايُعدّ من أبرز محركات النمو الاقتصادى فيه، إذ يوفّر إمكانية الوصول إلى ميزانية تصل إلى 77 مليار يورو، وإلى شبكة المؤسسات العلمية الأوروبية.
ومنذ الانضمام إلى هذا البرنامج، قدّمت نحو 17000 جهة بحثية داخل إسرائيل طلبات للمشاركة، وحصل حوالى 4100 منها على تمويل، وبلغ إجمالى قيمة المنح التى حصلت عليها هذه الجهات نحو 1.25 مليار يورو، بالإضافة إلى استثمار 550 مليون يورو أخرى فى شركات وصناديق رأس مال مخاطر، من خلال أدوات تمويلية مختلفة أتاحها البنك الأوروبى للاستثمار فى الكيان، وبذلك فإنه حتى فى حال تم إحباط محاولة تعليق اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبى، فإن مجرد الشروع فى فحص البند الثانى من الاتفاق (المتعلّق بحقوق الإنسان والديمقراطية) سيبعث، وفقاً لتحليلات من داخل الكيان نفسه، رسالة سياسية واضحة مفادها: أن القوة القائمة بالاحتلال أصبحت دولة مارقة من القانون، وهى الرسالة قد تكون كفيلة بتهديد العلاقة الاقتصادية بين الطرفين، وقد تنعكس سلباً على الوضع الاقتصادى الداخلى فى إسرائيل، كما أنها قد توجّه ضربة قاسية إلى الأكاديميين وقطاع البحث العلمى والتطوير، خصوصاً إذا ما اتخذت بعض الدول الأوروبية، أو مؤسسات الاتحاد الأوروبي، خطوات عقابية غير رسمية أو غير معلنة، وفى مثل هذا السيناريو، سيكون الضرر سياسياً واقتصادياً وعلمياً مركّباً، حتى من دون فرض عقوبات رسمية.
ومن الواضح أن محاولة وزير خارجية حكومة الاحتلال، جدعون ساعر، إحباط هذا الاندفاع السلبى تجاه تل أبيب، لم تنجح على النحو المطلوب، على الرغم من أنه وظف دبلوماسية الهاتف من خلال سلسلة من الاتصالات مع وزراء خارجية لاتفيا وألمانيا وإيطاليا وكرواتيا وبلغاريا والمجر وليتوانيا وجمهورية التشيك، والممثلة العليا للشئون الخارجية فى الاتحاد الأوروبى كايا كالاس.
وتزامن مع ضغوط الاتحاد الأوروبى إعلان وزير الخارجية البريطانى ديفيد لامى أمام مجلس العموم، الثلاثاء قبل الماضى، وقف المفاوضات الرامية إلى إبرام اتفاقية تجارة حرة مع حكومة الاحتلال، واستدعاء وزارة خارجيتها سفيرة الكيان الإسرائيلى بلندن" تسيبى هاتوفيلي"، وإبلاغها أن الحرب على غزة لم تعد مقبولة، بالإضافة إلى فرض عقوبات جديدة على مستوطنين أفراد فى الضفة الغربية، رداً على تكثيف جيش الاحتلال غاراته وتوسيع عملياته العسكرية فى القطاع الفلسطينى المحاصر.. وهى مواقف أكدها وزير البيئة البريطانى مايكل جوف أيضا، بقوله: " لم يعد بوسعنا تحمل الهجوم على غزة وستفعل حكومتنا ما يلزم لوقف الأعمال العدائية، وعلى الرغم من أن وزارة خارجية حكومة الاحتلال حاولت - فى بيان - التقليل من أهمية هذه الخطوة، مبررة ذلك بأن الحكومة البريطانية الحالية لم تحرز أى تقدم على الإطلاق فى المفاوضات، وأن إبرام هذه الاتفاقية سيكون لصالح الطرفين حد سواء، ثم أردفت: "إذا كانت هذه الحكومة على استعداد لإلحاق الضرر بالاقتصاد البريطاني، فهذا قرارها وحدها".
وبلغ حجم صادرات إسرائيل لبريطانيا فى العام 2023 نحو 2.1 مليار دولار (أى ما يعادل 3 % من مجمل الصادرات)، فى حين بلغ حجم وارداته نحو 2.9 مليار دولار (ما يشكّل 3 % أيضاً من مجمل الواردات)، ومن ثم فإن تل أبيب تُدرك تماماً أن أى تراجع فى صادراتها قد يؤدى إلى ضرر كبير فى الناتج المحلى الإجمالى ومعدلات النمو الاقتصادي، ما سينعكس سلباً على مستوى جباية الضرائب، وبالتالى على إيرادات الحكومة، وقد يُفاقم ذلك من أزمة العجز فى الموازنة العامة، الذى كان مرتفعاً أصلًا، إذ بلغ 6.9 % من الناتج المحلى الإجمالى فى 2024.
هذه هى مظاهر التحولات الأوروبية على الصعيد الاقتصادى والتجارى أما على الصعيد السياسى فقد ظهرت بقوة على النحو التالى:
أولا- إصدار كل من الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر، ورئيس وزراء كندا مارك كارني، بياناً مشتركاً يوم الإثنين قبل الماضى، شددوا فيه على أنهم لن يقفوا "مكتوفى الأيدي" إزاء "الأفعال المشينة" التى ترتكبها حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو، فى قطاع غزة، ملوحين باتخاذ "إجراءات ملموسة"، ضمنها عقوبات فعلية، إذا لم تبادر إلى وقف عملياتها العسكرية، وتفسح المجال لإدخال المساعدات الإنسانية بشكل فورى وكاف، وذلك بعد مضى أربع وعشرين ساعة على مطالبة وزراء خارجية 22 دولة، بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا وكندا واليابان وأستراليا، يوم الإثنين قبل الماضي، بـ"السماح بدخول المساعدات بشكل كامل وفوري" إلى قطاع غزة، تحت إشراف الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، مؤكدين أن دولهم ستمضى فى مسار للاعتراف بدولة فلسطينية..هو ما أكده أيضا رئيس الوزراء الفرنسى "فرانسوا بايرو"، بينما رأى وزير الخارجية الفرنسى "جان نويل بارو"، أن تسهيل حكومة الاحتلال وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة "غير كاف"، داعياً تل أبيب إلى ضمان تقديم مساعدات ضخمة وفورية بدون أى عوائق، محذرا، فى مقابلة مع إذاعة "فرانس إنتر" من أن الوضع فى غزة غير قابل للاستمرار؛ لأن العنف الأعمى ومنع المساعدات الإنسانية من قبل حكومة الاحتلال جعلا غزة أشبه بـ"معسكر موت"، مشددا على ضرورة وقف هذا الوضع فوراً "فالجميع يدرك أنه اعتداء صارخ على الكرامة الإنسانية، وانتهاك لجميع قواعد القانون الدولي، ويتعارض أيضاً مع أمن الكيان الإسرائيلى، الذى توليه فرنسا أهمية، لأن من يزرع العنف يحصد العنف".
وتأتى تصريحات رئيس وزراء النرويج "يوناس جارستوره" فى السياق ذاته، فقد رأى أن حرمان سكان غزة من المساعدات الإنسانية وتهجيرهم ينطوى على انتهاك صارخ للقاون الدولى يتعين وقفه، فيما شدد وزير الخارجية الإيرلندى سايمون هاريس، على أن ما تقوم به القوة القائمة بالاحتلال فى غزة أمر بربرى، محذرا من أن نواقيس الخطر تدق بشدة بعد وفاة أكثر من 15 ألف طفل، ورأى أن عرقلة حكومة الاحتلال وصول المساعدات إلى قطاع غزة انتهاك فاضح للقانون الدولى، معتبرا أن استئنافها الحرب مجددا على القطاع عقد الأوضاع فيها بأضعاف مما كانت عليه.
ثانيا- توجه عدد من أعضاء البرلمان الإيطالى والأوروبي، ومعهم ممثلون لمنظمات مجتمع مدنى ومنظمات اإنسانية، يوم الأحد الماضى إلى الجانب المصرى من معبر رفح، الذى تتكدس أمامه مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات دون أن يسمح جيش الاحتلال لها بالدخول، ونظموا تظاهرة تضامنية مع الشعب الفلسطينى فى غزة مطالبين بوقف الحرب فورا، ورفع الحصار المفروض على القطاع تمهيدا لإدخال المساعدات الإنسانية، وحملوا لافتات كُتب عليها "أوقفوا تسليح إسرائيل" و"أوقفوا الإبادة" و"أنهوا الاحتلال غير المشروع"، فيما ارتفع صوت "سيسيليا سترادا"عضو البرلمان الأوروبى مطالبا أوروبا ضرورة بفعل المزيد، قائلة: "أوروبا لا تفعل ما يكفي، لا تفعل شيئا لوقف المذبحة"، داعية إلى تجميد الاتفاقيات بين الاتحاد الأوروبى وإسرائيل "التى ينبغى أن تكون قائمة على احترام حقوق الإنسان، والحال ليست كذلك"، مضيفة: "ينبغى أن يكون هناك حظر تام للأسلحة من وإلى الكيان الإسرائيلى، ويجب وقف التجارة مع المستوطنات غير الشرعية فيه.
وأضاف "والتر ماسا "رئيس منظمة آرتشى الإيطالية غير الحكومية: "نحن هنا لنؤكد أن ما يُقال فى أوروبا غير صحيح. هذا المعبر مغلق. ولم تمر المساعدات عبر هذا المعبر منذ شهور"، مشيرا إلى دوى الانفجارات الذى يمكن سماعه على الجانب الآخر من المعبر، واصفا الوضع فى غزة بأنه "مأساوي" مؤكدا أن القوة القائمة بالاحتلال تفعل ما يحلو لها فى مواجهة المجتمع الدولى الذى لا يفعل شيئا بينما الناس يموتون فى الجهة الأخرى من المعبر.
ثالثا- جسدت التظاهرة الضخمة التى شارك فيها أكثر من مائة ألف هولندى، مرتدين اللون الأحمر فى قلب العاصمة الهولندية – لاهاى - الثلاثاء قبل الماضى ما يمكن وصفه بـ "الخط الأحمر" الذى لم يعد ممكنًا تجاهله، ففى مشهد لم تشهده البلاد منذ أكثر من عقدين، خرج المتظاهرون من جميع الأعمار، رافعين أصواتهم ومطالبهم مدوية بوقف فورى لحرب الإبادة فى غزة، ومطالبين حكومتهم بتبنى موقف أكثر صرامة تجاه تل أبيب، وامتدت صفوف المتظاهرين عبر شوارع لاهاي، وضمت كبار السن، والشباب، والعائلات، وأطفالا رضع، من بينهم الطفلة "ديدو" البالغة من العمر 12 أسبوعًا، التى حضرت المسيرة مع والديها، ورفع والداها لافتة كُتب عليها: "نأمل أن تكون هذه دعوة للاستيقاظ للحكومة "، واتجه المتظاهرون إلى قصر السلام، المقر الرسمى لمحكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، التى كانت قد أصدرت فى العام السابق قرارًا يطالب حكومة الاحتلال باتخاذ جميع التدابير لمنع ارتكاب إبادة جماعية أو جرائم حرب فى غزة، ووصفت بعض الصحف هذه المظاهرة بـ"الانتفاضة ضد القوة القائمة بالاحتلال"، ما يعكس تصاعد الوعى الدولى الذى تخشاه، خصوصاً فى معركة "الإبادة الجماعية مقابل اللاسامية"، التى تهدف إلى تشويه الحقائق.
وطبقا لتوصيف هيئة البث الرسمية فى إسرائيل، فإن تداعيات حملة الضغوط الأوروبية الأخيرة هى أشبه بـ "تسونامى" - زلزال البحر الأشد عنفا من زلزال البر- بالنسبة لحكومة الاحتلال، مدللة على ذلك بأنها فى غضون فترة زمنية قصيرة انهارت مكانتها الدبلوماسية عالميا، وهو ما يمكن أن يقود إلى دخولها فى نفق فشل دبلوماسى وسياسى بل إستراتيجى، إن لم يتجاوب نتيناهو مع المطالب المتصاعدة بوقف حربه الدموية فى غزة، وما يستتبعه ذلك من سرعة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وإنفاذ المساعدات المطلوبة بإلحاح، لكن يبدو أنه لا يعير وزنا لمثل هذه الحملات والضغوط متكئا على حليفه الأهم والأكبر ساكن البيت الأبيض دونالد ترامب، الذى لا تستبعد تقارير أنه يمر بحالة من العتب عليه، وإن كانت لم تبلغ حد إزعاجه، ومن ثم اتخاذ خطوات مناهضة له وهو أمر مستبعد فى ضوء الانسجام السياسى بينهما، الناتج عن خضوعهما للفكر اليمينى المتطرف الذى لا يعير مصائر الشعوب اهتماما، بل يرى أنه من السهل قتلهم وارتكاب مجازر بحق نسائها وأطفالها مثلما يحدث فى غزة دون أن يحرك ذلك قيد أنملة فى ضمير أى منهما، ما دام يحقق مصالحهما وأهدافهما المتمثلة أساسا، فى بقاء إسرائيل القوة المهيمنة الأولى على الإقليم والمتفوقة عليه عسكريا وإستراتيجيا.
إن نتنياهو هو قرة عين ترامب، لذلك لن يقدم على مقاربة من شأنها أن تتصادم مع مشروعه الاستعمارى الاستيطانى ليس فى فلسطين فحسب، إنما فى دول الجوار: الأردن وسوريا ولبنان والعراق ومصر، كذلك وفق للخرائط التى أظهرها غيرمرة فى الأمم المتحدة.
والمؤكد أن ثمة مخاوف لدى القوة القائمة بالاحتلال من تداعيات، مثل هذه الخطوات والتحركات الأوروبية المناهضة، وحسبما ترى الباحثة والمحاضرة فى الجامعة العبرية "مايا شيؤون تسديكياهو"، فإنها ستفضى إلى تدهور إضافى فى مكانة هذه القوة ككيان منبوذ، وبالتالى ستفقد تدريجيا بعضا من حلفائها، وهو ما عدته انجرافا سياسيا حدث بسرعة، وإن كانت ألمانيا حاولت التعبير عن موقفها المساند لتل أبيب والمعارض لنزوع الاتحاد الأوروبى فى هذا الاتجاه.
والمؤكد – طبقا لخبراء - فإن هذه التحوّلات تشير إلى أنها تغيّرات مؤلمة ومُربِكة بالنسبة للقوة القائمة بالاحتلال على خلفية أن هذا الضغط الدولى المتزايد، يمكن أن يكون عاملاً مؤثراً فى الدفع نحو تغيير سلوكها، وإعادة النظر فى إستراتيجيتها، وربما وقف حرب الإبادة على غزة، خاصة إذا بدأت بعض التهديدات – مثل فرض عقوبات اقتصادية أو تقييد العلاقات الثنائية – تُنفّذ فعلياً على أرض الواقع.. فهذا التحول يثير قلقاً وارتباكاً عميقين داخل النخب السياسية فى الكيان الإسرائيلى، لاسيما أنها تدرك أن هذه المواقف الأوروبية تعكس تحولاً لافتاً للنظر، يعكس تبدلاً فى المزاج السياسى والشعبى داخل القارة العجوز، مدفوعاً باستياء متزايد من انتهاكاته فى قطاع غزة، كما تدرك أن ضغط الشعوب على حكوماتها، بوسعه أن يفتح المجال أمام إمكانية ترجمة هذه التصريحات إلى خطوات عملية، مثل تعليق الشراكات التجارية أو فرض مقاطعات اقتصادية وثقافية، فى ظل تصاعد الإدانات لـ"الإبادة الجماعية" فى قطاع غزة.
ومع ذلك، ثمة من يلفت النظر إلى وجود تحفظات حول مدى فاعلية هذه المواقف، حيث يُنظر إلى بعض التصريحات على أنها قد تكون "مكايدة سياسية"، تهدف إلى مواجهة النفوذ الأمريكى المتزايد فى قضايا دولية مثل الحرب فى أوكرانيا، بدلاً من أن تكون تعبيراً عن التزام حقيقى بوقف الحرب فى غزة.
كلمات بحث
القارة العجوز
تل أبيب
ترامب
حكومة الاحتلال
نحن والعالم
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
إصرار إسرائيلى لمنع المساعدات والغذاء عن قطاع غزة.. تجويع الفلسطينيين جريمة حرب
يعانون آلام الفقد لذويهم أمام أعينهم.. علاج نفسى لأطفال غزة
مخاوف من اندلاع الحرب الشاملة بحلول 2030.. روسيا والناتو.. هل تكون شرارة الصراع القادم؟
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
دائرة الحوار
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام