نحن والعالم



للمرة الخامسة خلال سبع سنوات.. "الأهرام العربى" تفوز بـ «جائزة الإعلام العربى»

28-5-2025 | 17:40
عزمى عبد الوهاب

تظل مجلة «الأهرام العربي» حكاية لم يحكها أحد، حتى الآن، صفحاتها عنوان لأحداث كبرى، ويمكن أن نقول إنها صنعت نجوما، انخرطوا فى صنع مسارات متعددة فى الحياة العامة، بمختلف مجالاتها، فالمجلة التى توافد عليها صحفيون ورؤساء تحرير، شكلت ما يمكن أن نطلق عليه: الصحافة المصرية فى ربع القرن الأخير، فقد قدمت للحياة الصحفية والسياسية أفكارا وأسماء، ورسخت قيما فنية وإنسانية، وناقشت قضايا مجتمعية، بما يجعلها امتدادا لأجيال من الكبار، الذين رسموا ملامح هذا الوطن.
 
"الأهرام العربي" ابنة مؤسسة عريقة، تجاوزت المحن التى مرت بها البلاد، ووقفت صامدة فى وجه عاديات الزمن، منذ أن صدر عدد "الأهرام" الأول فى 5 أغسطس عام 1876 على يدى سليم وبشارة تقلا، إلى الآن، وذلك بموازاة تاريخ طويل من الصراعات والأحداث الكبرى، فى العالم، وفى عمر مصر.
 
 وقد واجهت "الأهرام العربي" أيضا تحديات عديدة، وأعتبر نفسى جزءا من هذه التجربة، رأيت كل شيء عن قرب، عايشت فترات مختلفة من عمر تلك المطبوعة، وعملت فى ظل مناخات متباينة، أدى بعضها إلى تتويج المجلة بالجوائز، وذلك نتاج العمل ضمن منظومة متكاملة ومنسجمة، كل يؤدى ما عليه باجتهاد ومحبة.
 
 دونما ترتيب، فإن جائزة الصحافة العربية تمنح درجة الإجادة والتفوق، عبر أدوات للتقييم، منها ما يخص الإخراج الفني، وصحة الجملة اللغوية والصياغة، والفكرة، وكل هذا يحتاج إلى جهد فريق عمل، لا فرد، وعلى رأس هذه المنظومة عين تراقب وتوجه، لتعطى الأمر النهائى للنشر، أى إن الفائز بالجائزة مدين لهؤلاء، معنويا على الأقل، لا ماديا!
 
ومع تولى الكاتب الصحفى جمال الكشكى، رئاسة تحرير المجلة، منذ سبع سنوات، حازت المطبوعة خلالها عدة جوائز، داخل مصر وخارجها، لكننا نركز هنا على جائزة الصحافة العربية، التى يمنحها نادى دبى للصحافة، سنويا، فى عدة أفرع، فازت المجلة فى ثلاث فئات منها: الثقافية، والاقتصادية، والسياسية، هذا بخلاف من ضمتهم القائمة القصيرة، فى كل دورة من دوراتها، ولم يحالفهم التوفيق.
 
خمس مرات ذكر فيها اسم "الأهرام العربي" عبر حفل تسليم الجوائز، وفى الفضائيات التى تنقل الحدث على الهواء مباشرة، خمس مرات صعد فيها زميل إلى منصة التتويج، بما يمنحه اسم المطبوعة والجائزة من زهو، خمس مرات تحظى فيها المجلة بالعلامات الكاملة، تكليلا لمجهود وحالة أشبه بخلية النحل، خمس مرات تجعل من يفكرون فى الفارق بين الورقى والإلكتروني، يراجعون حساباتهم.
 
لدينا هنا معادلة تتحقق على أرض العمل: مناخ صحي، وصحفى يمتلك أدواته، فتكون النتيجة على هذا النحو: تكريم يليق بحجم ما تم بذله من عرق وتعب، فى وقت تتراجع فيه قيم كثيرة، بما تلقيه من عبء على كاهل الجميع، ومن إحساس بالمسئولية، وإعلاء الضمير المهني، والدقة التحريرية، فى كل ما ينشر بالمجلة.
 
(1)
جائزة الصحافة العربية أنشئت فى نوفمبر 1999، بمبادرة من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بهدف المساهمة فى تطور الصحافة العربية، وتعزيز مسيرتها، وتشجيع الصحفيين العرب على الإبداع، من خلال تكريم المتميزين منهم، وتبلورت فكرة الجائزة للتأكيد على الدور، الذى تلعبه الصحافة فى خدمة قضايا المجتمع، وعرفانا بإسهامات الصحفيين فى إيصال الصوت العربى إلى العالم.
 
فى ظل تحديات غير مسبوقة تواجه الإعلام العربي، انطلقت فى دبى ما بين 26 إلى 28 مايو الجاري، فاعليات قمة الإعلام العربى 2025، لبحث تطورات الإعلام فى ظل مشهد عالمى متسارع، يغلب عليه التطور الرقمي، وهو أعقد التحديات التى تواجه الإعلام اليوم، ويتمثل فى الذكاء الاصطناعي، الذى أدى إلى ثورة حقيقية فى طرق إنتاج المحتوى، لكنه يحمل أيضا مخاطر توليد محتوى مضلل.
القمة انعقدت تحت شعار "الإعلام فى زمن التحولات"، وشارك فيها نحو 6 آلاف مشارك من قادة الفكر والسياسة والإعلام، وبحثت التحولات المتسارعة بفعل الرقمنة، وتغير سلوك الجمهور، ومواجهة المؤسسات الإعلامية تحديات التمويل، والتكيف مع متطلبات العصر الرقمي، وصياغة نماذج عمل قادرة على الصمود أمام المنافسة العالمية، وفى الوقت ذاته، قدمت تصورات حول كيفية التعامل مع هذه المتغيرات، مع التركيز على بناء إعلام عربى قوي، متجدد، مبنى على الابتكار والمعرفة.
 
الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثانى لحاكم دبي، رئيس مجلس دبى للإعلام، قال: "إن قمة الإعلام العربى 2025، تشكل محطة إستراتيجية جديدة فى مسار الرؤية المتكاملة، التى تقودها دبي، بهدف ترسيخ أسس إعلام عربى متفاعل مع متغيرات العصر، ومؤهل لصياغة محتوى مؤثر، يجسد واقع المنطقة وتطلعاتها المستقبلية".
قالت منى المري، نائب الرئيس والعضو المنتدب لمجلس دبى للإعلام، رئيسة نادى دبى للصحافة: "إن التطور التقنى السريع واسع النطاق، الذى يشهده العالم اليوم بات يفرض نفسه فى صدارة أى حوار، هدفه تحديد ملامح المستقبل؛ وقطاع الإعلام ليس استثناء، بل هو من أهم القطاعات المتأثرة بهذا التطور، سواء من ناحية رصد وتفعيل فرص كبيرة وغير مسبوقة، أو على صعيد ما جلبته الثورة التقنية من تحديات جسيمة، تشكل عبئا حقيقيا على صناع الإعلام".
تلقت الجائزة هذا العام 2956 مشاركة من مختلف أنحاء العالم العربى، ضمن مختلف الفئات، فى حين لاقت جائزة الإعلام العربى للشباب مع عودتها فى دورتها التاسعة إقبالا كبيرا من طلبة وطالبات الإعلام فى مختلف البلدان العربية، حيث وصل عدد الأعمال المشاركة فى مختلف فئات الجائزة إلى 2736 عملا.
 
(2)
فازت "الأهرام العربى" فى الدورة المنتهية منذ أيام بموضوع فى فئة الصحافة السياسية، كتبه الزميل محمد عيسى، تحت عنوان "الطائرات المسيرة.. شبح الخطر القادم" وهى المرة الثانية التى يفوز بها عيسى، بالجائزة، ففى الدورة الـ21، التى أقيمت فاعلياتها فى أكتوبر 2022، فاز بجائزة الصحافة الاقتصادية، عن موضوع بعنوان "عالم الديون".
لأن "الطائرات المسيرة" قلبت الموازين التقليدية للحرب واختصرت الزمان والمكان، فقد التفت الزميل محمد عيسى للأمر، والتقط الفكرة، التى جعلته يقف على منصة التتويج للمرة الثانية، عن موضوع سياسي، كان العنوان "الطائرات المسيرة.. شبح الخطر القادم" كانت بداية ظهورها عام 1917، عندما أنتجت بريطانيا أول نسخة يتم التحكم فيها عبر موجات الراديو، واستخدمتها أمريكا فى "عاصفة الصحراء 1991" على العراق ونجاحها كان دافعا لانسحاب القوات البرية الأمريكية فى 2011 ونقرأ من الموضوع ما يلي:
مع التطور التكنولوجى، وما أنتجته حروب الجيل الخامس، باتت الطائرات المسيرة سلاحا فعالا يفرض نفسه فى سماء تلك الحروب، قادرا على تغيير مسار المعارك على الأرض، تتجسس وترصد وتضرب من أى مكان وفى أى اتجاه وتصيب أهدافها بدقة بالغة، وبتكلفة أقل كثيرًا من الطائرات المقاتلة.
أصبحت سلاحا يثير المخاوف، ورمزا للحروب الحديثة، اختصرت الزمان والمكان المناسبين للحرب، كما قلصت التكلفة البشرية والمادية، وخلقت سباقا عالميا كبيرا فى مجال تصنيع الأسلحة، ولعبت دورا بارزا ومتنوعا فى كثير من الحروب الدائرة حاليا فى العالم وأبرزها الحرب الروسية الأوكرانية، وفى الصراعات الدائرة حاليا فى منطقة الشرق الأوسط، فلا نجد ملفا من ملفات الصراع الحالية فى تلك المنطقة، إلا ونجدها حاضرة بقوة، بل غيرت دفة الصراع لصالح الأكثر تقدما فى مجال تصنعيها والأكثر امتلاكا لها.
 
(3)
"الأهرام العربي" سبق أن فازت بالجائزة فئة الصحافة السياسية فى دروتها الـ22 التى أقيم حفل توزيع جوائزها فى سبتمبر عام 2023، عن موضوع نشرته المجلة تحت عنوان "الحرب الروسية – الأوكرانية ليست أولاها.. حروب الغرب الطويلة وصعود الشرق حول الصين" كتبه الزميل أحمد دياب، وضمن الخلاصات التى توصل إليها أحمد دياب أن الحروب تستنزف كل أطرافها بمن فيهم المنتصرون، فقد صعدت أمريكا كقوى عظمى  بسبب حروب أوروبا فى القرنين 19 و20 كما أن حروبها فى القرن العشرين وأوائل القرن الحادى والعشرين ساعدت فى صعود الصين، التى تخطت مكانة أمريكا وألمانيا واليابان، كأكبر دولة مصدرة فى العالم.
وجاء فى الموضوع أن سيناريو انتهاء الحرب الكورية هو الأرجح فى أوكرانيا ، وأن الصين هى «الرابح الأكبر» من الحرب الروسية - الأوكرانية الطويلة، وتاريخيا، فإن الحروب التى استمرت لأكثر من عام من المرجح أن تستمر لعدة سنوات أخرى، بما يجعل أيام الغرب "معدودة" كقوة مهيمنة، فالعالم على أبواب نظام عالمى متعدد الأقطاب ، كما أن حرب أوكرانيا ستؤدى إلى هزيمة ثلاثية لأوكرانيا وروسيا والغرب.
 وقد اتفق علماء السياسة والتاريخ، على أن مدة الحروب الطويلة تبلغ فى المتوسط نحو ثلاثين عاما، تزيد أو تنقص قليلاً ففى التاريخ القديم: حرب البيلوبونيز (431-404 ق. م) بين أثينا وإسبرطة، انتهت بتدمير العالم الإغريقى تماماً، وصعود إمبراطوريتى فارس وروما على جثتيهما.
(4)
كما حصدت المجلة جائزة الصحافة الثقافية فى الدورة الـ20، عن موضوع نشر تحت عنوان "تاريخ الأوبئة بين الدين والخرافة" كتبه عزمى عبد الوهاب، الذى تسلم الجائزة فى حفل أقيم فى نوفمبر 2021، ففى أعقاب الحديث عن انتشار «كوفيد 19» كانت "الأهرام العربي" حاضرة، باستعراض موسع للأوبئة التى ضربت العالم القديم والحديث، وكيف غيرت فى بنية المجتمعات والكتابة الأدبية، فعلى سبيل المثال كتبت قصيدة الكوليرا لنازك الملائكة تاريخ بداية حركة الشعر الحر فى الخمسينيات من القرن الماضي.
الملف يتقصى معالجة المسرح والقصة والرواية والفن التشكيلى لموضوع الأوبئة، ومما جاء فيه: عندما نفتح تاريخ المقريزى أو ابن إياس، نصطدم بالمبالغات الشديدة فى رصد آثار الأوبئة، ربما كان المؤرخون أسبق من الأدباء إلى تناول تفاصيل الفترات التاريخية، التى استشرت فيها الأوبئة أو المجاعات.
كانت إيطاليا بسبب وباء الطاعون فى نهايات القرن الرابع عشر على موعد مع نقلة حضارية، غيرت تاريخها، بل تاريخ أوروبا كلها، وتعود تلك اللحظة إلى عام 1374، حين رست سفينة عائدة من البحر الأسود فى أحد موانئ جزيرة صقلية، حاملة معها الوباء المخيف، حيث لم تكن تستغرق وفاة الشخص المصاب به أكثر من أربع وعشرين ساعة، ويمكن للمرء تخيل سرعة انتشار المرض، وقدرته الفتاكة، التى أودت خلال عشرين عاما بأكثر من نصف سكان أوروبا آنذاك.
 
شهدت مرحلة ما بعد الوباء بداية لما يسمى الفن الجديد، الذى تجلى فى الأعمال المعمارية، خصوصا قباب الكنائس، التى تم تشييدها للمرة الأولى، من دون محور ارتكاز، وكان ذلك بمثابة ثورة فى فن العمارة، ما زالت آثارها ماثلة حتى اليوم، ومنها قبة ميلانو ذائعة الصيت.
تركت نهاية الوباء أثرها أيضا على مضامين اللوحات نفسها، وعلى أسلوب الفنانين، حيث بدأت الواقعية التصويرية فى الظهور، فأصبح الفرد ينظر إلى ذاته باستقلالية كبيرة، وهو ما برز لاحقا فى فن الأيقونة نفسه، حيث راحت صور القديسين، تأخذ حجما أصغر من السابق، كما ظهر ميل قوى لدى الطبقات الغنية لدعوة الفنانين، ورسم بورتريهات لهم.
 
(5)
 
أما سيد محمود الفائز  بالجائزة فى فئة الصحافة الثقافية، عن موضوع عنوانه "محمود درويش فى مصر.. أنا ابن النيل وهذا الاسم يكفيني"، فقد بدأ من الحكاية ما قبل الأخيرة من حقبة الشاعر الفلسطينى المصرية، مقدما لنا كشوفاته فيما يخص العام الذى قضاه درويش فى مصر، ويبدأها من الوصول إلى (الأهرام) .. والعيش مع الخالدين  ففى 11 أكتوبر 1971، كتب مدير شئون العاملين بمؤسسة الأهرام مذكرة داخلية  لمدير المراجعة  تضمنت كلمات قليلة جدا  لا تزيد على أربعة أسطر: (بعد التحية، تقرر التحاق الأستاذ/ محمود درويش للعمل بمكافأة شهرية قدرها 140 جنيها شهريا (مائة وأربعون جنيها) للعمل بإدارة التحرير اعتبارا من 1/ 10/ 1971).
 
هكذا انتقل محمود درويش من صوت العرب إلى (الأهرام) وفى أوراق  الصرف  مذكرة داخلية موجهة لمدير شئون العاملين بالأهرام، كان نصها: "يرجو الأستاذ هيكل موافقتكم على تعيين الأستاذ محمود درويش بالأهرام بمرتب شهرى قدره 140 جنيها  ستحمل نصفها مركز الدراسات الفلسطينية والنصف الآخر القسم الأدبى بالتحرير، وأن يبدأ التعيين من أول أكتوبر 1971.
يصل سيد محمود إلى رقم القرار الوزارى الذى يؤكد أن درويش لم يعمل فى مصر  إلا فى  إذاعة صوت العرب ومن بعدها (الأهرام) فى حين كانت علاقته بدار الهلال، كما قالت "صافى ناز كاظم" صيغة خاصة "ابتكرها أحمد بهاء الدين " لكنها لم تكن " تعيين " فى المصور . 
 
ولا يمكن فهم انتقال  درويش من صوت العرب أو الهلال إلى الأهرام إلا على ضوء التحول الكبير  الذى مر  به النظام السياسى فى مصر عقب أحداث 15 مايو 1971،  التى سماها السادات (ثورة التصحيح) ففى تلك الأجواء القلقة نظر درويش حوله فلم يجد من جاءوا به إلى القاهرة وأقنعوه بمخاطبة العالم فى مؤتمر صحفي، لأنهم ببساطة صاروا فى السجون، وبدا واضحا أن النظام فى طريقه لتبنى نهج آخر  بخلاف ما خطط له من أصبحوا فى السجن، وبين يوم وليلة وجد درويش نفسه فى "الطل". 
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام