نحن والعالم



بعد خمس سنوات على خروجها من الاتحاد الأوروبى.. بريطانيا تفتح صفحة جديدة مع الأوروبيين

28-5-2025 | 19:02
⢴ رشا عامر

شراكة فى مجال الدفاع والأمن لاسيما بعدما عززت الحرب الروسية - الأوكرانية رغبة لندن وبروكسل فى تعزيز العلاقات
ستارمر يواجه تحديا هائلا وهو تعزيز العلاقات مع الدول السبع والعشرين مع تجنب إعطاء الذخيرة لليمين المتطرف
 
فيما اعتبر بمثابة بداية عهد جديد فى العلاقات بين لندن وبروكسل، توصل القادة الأوروبيون والبريطانيون يوم الإثنين 19 مايو - فى قمة غير مسبوقة منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، قبل خمس سنوات - إلى شراكة فى مجال الدفاع والأمن، وتوصلوا إلى حل وسط لتخفيف بعض الحواجز التجارية، ومددوا اتفاقية صيد الأسماك، وذلك فى محاولة من رئيس الوزراء، كير ستارمر، إلى قلب صفحة الماضى وفتح صفحة جديدة مع أوروبا، فى ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة، لاسيما بعدما عززت الحرب التى شنتها روسيا ضد أوكرانيا، وخطر انسحاب الولايات المتحدة من القارة الأوروبية، رغبة لندن وبروكسل فى تعزيز العلاقات فى مجال الدفاع.
 
فى مواجهة خطر الانسحاب الأمريكى من القارة الأوروبية، يهدف الاتفاق إلى تعزيز التعاون، فبالنسبة للندن، فإن هناك مخاطر اقتصادية أيضا، حيث يتمثل المفتاح فى تمكين شركاتها من الوصول إلى البرنامج الأوروبى المستقبلى بقيمة 150 مليار يورو، الذى يهدف إلى تطوير القاعدة الصناعية الدفاعية داخل الاتحاد الأوروبى.
وكان رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر، قد وعد بـ «إعادة ضبط» العلاقات مع الاتحاد الأوروبى، عندما تولى السلطة فى يوليو الماضى، وكان حريصا على طى سنوات من التوترات، بين الحكومات الـ27 والحكومات المحافظة السابقة المرتبطة بخروج بريطانيا، من الاتحاد الأوروبى، الذى حدث فى 31 يناير 2020، فبالإضافة إلى الدفاع والأمن، كان هناك رغبة فى القضاء على الإجراءات الإدارية والجمركية التى تعد أولوية بالنسبة للبريطانيين، وتشير الحكومة البريطانية، إلى أن الاتحاد الأوروبى هو أكبر شريك تجارى لها على الإطلاق، فإن صادرات المملكة المتحدة إلى أوروبا القارية، انخفضت بنسبة 21%، منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، بينما انخفضت الواردات بنسبة 7%.
 
يواجه كير ستارمر، من خلال هذا التعاون تحديا هائلا، وهو تعزيز العلاقات مع الدول السبع والعشرين، مع تجنب إعطاء الذخيرة لليمين المتطرف المتشكك فى أوروبا، والمعادى للهجرة، فالهدف هو البدء فى التقارب بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبى، والانقطاع عن الاتفاق الذى تفاوض عليه المحافظون أثناء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى. لكن كير ستارمر، الذى أعرب أخيرا عن “طموحه”، لإعادة إقامة علاقات أوثق مع بروكسل، يتعين عليه أن يتعامل مع تهديدين.
فمن ناحية، ينتقد حزب الإصلاح فى المملكة المتحدة المناهض للهجرة، بقيادة نايجل فاراج، أى تساؤل حول الخروج من الاتحاد الأوروبى، ومن ناحية أخرى يتعين عليه التعامل مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى يأمل فى إبرام اتفاقية تجارة حرة معه، وأظهر عداء واضحا تجاه الاتحاد الأوروبى.
ريتشارد ويتمان، الأستاذ فى جامعة كينت، والمتخصص فى العلاقات بين الاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة، يرى أن ستارمر يسير على حبلين مشدودين فى نفس الوقت، حيث سيتعين عليه إيجاد توازن على الصعيد الدولى، فيما يتعلق بهذه القضية السياسية الداخلية، وهذا ما يجعل الأمر صعبًا للغاية، حيث حقق حزب الإصلاح فى المملكة المتحدة المناهض للهجرة، والذى خلف حزب الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى، مكاسب كبيرة فى الأشهر الأخيرة، مستغلا المخاوف البريطانية بشأن الهجرة، فى ظل مناخ اقتصادى صعب.
 
ويأمل كير ستارمر، أن يؤدى التقارب مع الاتحاد الأوروبى، إلى تحفيز النمو، وهو أحد أولوياته. لكن إدراكا منه للحساسية السياسية المحيطة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، فقد وعد جونسون باحترام نتيجة استفتاء عام 2016، مستبعدا أى عودة إلى السوق الموحدة، أو الاتحاد الجمركى، فضلا عن استعادة حرية التنقل، وهو ما جعل الأجواء بين الطرفين برغم دفئها، فإن المحادثات لم تكن سهلة، بل أصبحت متوترة خصوصا بشأن قضايا حصص الصيد وتنقل الشباب.
وفى حين يتعرض كير ستارمر لضغوط من اليمين، يتعين عليه أيضًا مواجهة مطالب بعض أعضاء الأغلبية، الذين يدعون إلى تقارب أوثق مع الاتحاد الأوروبى، حيث ترى زعيمة حركة العمال من أجل أوروبا، أنه لا ينبغى السماح بمنع بريطانيا من الدفاع عن مصالحها الوطنية، لمجرد خروجها من الاتحاد الأوروبى، حيث يجب تجاوز الخلافات والخطوط الحمراء، لمحاولة تقليل البيروقراطية، والأعباء الإدارية التى واجهتها الدولة من خروجها من الاتحاد.
 
دعم شعبى للتقارب مع الاتحاد الأوروبى
بحسب استطلاع للرأى، أجرى لصالح مؤسسة «الأفضل لبريطانيا»، البحثية الشهر الماضى يعتقد 53%، من الناخبين فى المملكة المتحدة أن العلاقة الوثيقة مع الاتحاد الأوروبى، ستكون إيجابية للاقتصاد البريطانى وعلى الصعيد السياسى، يدعو الديمقراطيون الليبراليون، والخضر أيضا إلى العودة إلى السوق الموحدة.
الواقع يقول: إنه لا يوجد نقص فى المواضيع، لكن كلا الطرفين يؤكد أنه يظهر حسن النية، لكن هناك خطوطا حمراء محددة تم تحديدها من الجانب البريطانى، حيث لا عودة إلى الاتحاد الجمركى، ولا إلى السوق الموحدة، ولا إعادة إرساء حرية تنقل الأشخاص.
قبل خمس سنوات، كان البريطانيون والأوروبيون، يتبادلون الشتائم ويتحدثون عن صفقات اللحظة الأخيرة أو الخيانة، ولكن شهد يوم الإثنين 19 مايو، موجة من التعبيرات الرنانة والودية، وكما جرت العادة، ظلت الصحافة البريطانية منقسمة للغاية، بشأن هذا الموضوع، حيث نددت الصحف المحافظة المؤيدة للخروج من الاتحاد الأوروبى، بما وصفته بـ”خيانة”، زعيم حزب العمال بشأن التنازلات التى قدمها بشأن صيد الأسماك، فى حين أشادت المنشورات الرئيسية ببراجماتيته، فإعادة ضبط كير ستارمر بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، لها فوائد واضحة لكنها تحمل أيضًا مخاطر سياسية.
 
هل تريد المملكة المتحدة، أن تصبح شريكا إستراتيجيا للاتحاد الأوروبى مرة أخرى؟
إن الشراكة الدفاعية الجديدة، تضفى طابعا رسميا على التعاون بين الجانبين فى مجالات مثل الحرب الهجينة والأمن السيبرانى، ومرونة البنية التحتية والأمن البحرى، كما أن هناك ميزة أخرى لصالح لندن، وهى أنها تفتح الطريق أمام مشاركة المملكة المتحدة، فى برنامج أوروبى مشترك لشراء الأسلحة، وهى النقطة التى يطمح إليها البريطانيون الذين لديهم صناعة دفاعية مربحة، لكن هناك خط أحمر وضعته فرنسا على وجه الخصوص، وهو أنه من غير الوارد أن يستفيد البريطانيون من مليارات اليوروهات، التى أطلقها الاتحاد الأوروبى للصناعات العسكرية، أى 150 مليار يورو فى شكل قروض، ولهذا السبب فإن نص الاتفاق يظل غامضا إلى حد ما، وبالتالى فهناك حاجة إلى مفاوضات جديدة، لتوضيح التفاصيل، وبالتالى التوصل إلى اتفاق جديد.
انفراجة بسيطة أم بداية فصل جديد بين الأوروبيين والبريطانيين؟
بالطبع لا توجد إجابة مؤكدة، لكن الأمر الوحيد المؤكد، هو أن البرودة الشديدة، التى سادت خلال السنوات التى أعقبت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، قد انتهت وهناك استعادة لدفء العلاقات بين لندن وبروكسل، حيث سيكون الشعب البريطانى قادرا على تصدير منتجاته الغذائية إلى السوق الأوروبية بسهولة أكبر، وذلك بفضل التوافق الديناميكى والسريع للمملكة المتحدة، مع اللوائح الصحية الأوروبية وبفضل كير ستارمر، الذى تحسنت بسببه العلاقات بين لندن وبروكسل فى صورة لم يشاهدها أحد منذ سنوات.
 
ولا شك أنها صورة لها نكهة مختلفة عن تلك التى جمعتهما آخر مرة رسميا منذ أكثر من خمس سنوات، لكن المراقبين يحذرون منذ البداية من عدم توقع تحول مذهل فى العلاقات البريطانية - الأوروبية، فالمملكة المتحدة لا تسعى للعودة إلى الاتحاد الأوروبى، ولا حتى لإعادة الاندماج فى السوق الموحدة، فشعار حكومة حزب العمال، هو استقرار هذه العلاقة مع الاتحاد الأوروبى، وتحسينها دون إعادة إحياء شروخ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، فالقضية الأكثر تقدماً والأكثر توافقاً بين بروكسل ولندن هى بلا شك قضية الأمن والدفاع، ولذلك تهدف العلاقات إلى تعزيز تبادل المعلومات وتنسيق المهام العسكرية، وحماية البنى التحتية الحيوية، وإعادة فتح الطريق أمام التدريبات المشتركة.
 
ولذلك، فإن هذه القمة الأولى منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى لا ينبغى أن تشير إلى عودة المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبى، بل إنها تمثل استقراراً فى علاقة ما بعد الطلاق التى كانت مضطربة للغاية حتى الآن، وأصبحت الآن مبنية على الواقعية، والمصالح المتبادلة. فلندن وبروكسل تكتشفان بعضهما البعض كشركاء، ولكن ضمن إطار يظل منفصلاً، فإعادة الضبط التى بدأها كير ستارمر، لا تشبه فى نهاية المطاف استعادة أوروبا، بل إنها تظهر رغبة بريطانيا فى إعادة تأسيس حوار عقلانى مع جيرانها، دون العودة إلى أساسيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وسوف يكشف الزمن ما إذا كانت هذه الشراكة المرنة قادرة على أن تصبح معياراً جديداً فى العلاقات بين الاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة أم لا؟.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام