نحن والعالم



تهجير 40 ألف مدنى من مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس.. تدمير الوجود الفلسطينى بالضفة الغربية

29-5-2025 | 00:25
العزب الطيب الطاهر

كاتس يأمر جنود الاحتلال بالاستعداد للبقاء فى شمال الضفة لمدة عام.. ونتنياهو يتفقد طولكرم ليؤكد الهيمنة الأبدية
 
الأونروا: آلاف العائلات الفلسطينية هجرت قسرا منذ 2023.. وتكرار العمليات العسكرية جعلت مخيمات اللاجئين غير صالحة للسكن
 
هكذا بوضوح ودونما خجل وبقلب شديد البرود، كعادة النخب السياسية والعسكرية داخل القوة القائمة بالاحتلال، أعلن وزير الدفاع أخيرا «يسرائيل كاتس»، إجلاء 40 ألف فلسطينى من مخيمات اللاجئين فى جنين وطولكرم ونور شمس»، وزاد فى خيلائه أنها «أصبحت خالية من السكان»، وذلك كحصيلة رئيسية للعملية العسكرية التى أطلقها جيش الاحتلال تحت عنوان «عملية السور الحديدى»، فى 21 يناير الماضى على هذه المخيمات الثلاث الكائنة بشمال الضفة الغربية، التى ينظر إليها بحسبانها بؤرا للمقاومة المسلحة المنتشرة فى جنباتها وأزقتها وبناياتها، وربما أنفاقها، وبالتزامن مع هذا التهجير أصدر كاتس أوامره لجنود الاحتلال بالاستعداد لإقامة طويلة فى هذه المخيمات، لفترة زمنية تمتد إلى عام دون السماح بعودة سكانها، حتى لا يكون ذلك غطاء لعودة المجموعات المسلحة.
 
حسب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، فإن آلاف العائلات الفلسطينية هُجِّرت قسرا منذ أن بدأت قوات الاحتلال تنفيذ عمليات واسعة النطاق فى الضفة الغربية المحتلة فى منتصف عام 2023، لافتة فى تقرير موسع، إلى أن هذه العمليات المتكررة والمدمرة جعلت مخيمات اللاجئين الشمالية غير صالحة للسكن، مما أدى إلى إجبار السكان فى نزوح دوري، مشيرة إلى أن أكثر من 60 فى المائة من النزوح فى عام 2024 كان نتيجة لعمليات قوات الاحتلال، فى غياب أى أوامر قضائية، موضحة أن النزوح القسرى فى الضفة الغربية المحتلة هو نتيجة لبيئة خطيرة وقسرية على نحو متزايد.
 
والشاهد أن استخدام الضربات الجوية والجرافات المدرعة، والتفجيرات المتحكم فيها والأسلحة المتقدمة من قبل قوات الاحتلال، أصبح أمرا شائعا، فى دفع السكان لمغادرة منازلهم قسريا إلى مناطق أخرى بالضفة الغربية على نحو يمثل امتدادا للحرب فى غزة، ومثل هذه الأساليب العسكرية – الكلام لتقرير "الأونروا" تتعارض مع سياق تنفيذ القانون فى الضفة الغربية المحتلة، حيث تم تنفيذ ما لا يقل عن 38 غارة جوية منذ بداية العام الحالى، أى فى غضون أكثر من شهرين بمعدل كل يوم غارة، الأمر الذى يستوجب ضرورة حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية فى جميع الأوقات، وأن "العقاب الجماعي" غير مقبول على الإطلاق، وفى هذا السياق يلفت التقرير النظر إلى مخيم جنين أضحى اليوم خاليا من السكان، مما يستحضر ذكريات الانتفاضة الثانية، وهو مشهد يتكرر فى مخيمات أخرى .
 
 ويأتى تهجير هذا العدد من السكان فى سياق جملة من المعطيات، فى مقدمتها إجراء تجارب حقيقية ونوعية وعبر النيران الكثيفة، للدفع بهم خارج منازلهم إلى مناطق أخرى مصحوبة بممارسة أقسى أنواع التضييق والمطاردة وإجراءات التفتيش المشددة فى الحواجز المنتشرة التى تخنق مختلف المدن والمخيمات، تمهيدا للتهجير الأكبر الذى تعد خططه على قدم وساق إلى خارج الضفة الغربية، تحديدا للأردن التى تمثل الوطن البديل للفلسطينيين، وفق الخرائط التى كشف عنها النقاب وزراء اليمين المتطرف بإسرائيل.
 
هذا هو المعطى الأول، أما المعطى الثانى، فيكمن فى أن هذا التهجير يصب باتجاه مخطط آخر يجرى تطبيقه بتأنٍ، يستهدف ضم أكبر مساحة من الضفة، إن لم يكن كلها، للسيادة والهيمنة التامة للقوة القائمة بالاحتلال، فى إطار ما تعهد به وزير المالية المتطرف "بتسلئيل سموتريتش" من أن العام الحالى 2025 سيكون عام الضم، موظفا الزخم الذى أتاحته عودة دونالد ترامب للسلطة فى البيت الأبيض فى العشرين من يناير الماضى، وحتى قبل فوزه فى الانتخابات كانت المراهنة قوية عليه لمساندة كل مخططات القوة القائمة بالاحتلال، لبلوغ ذروة مشروعها الاستيطانى الاستعمارى فى الأرضى الفلسطينية المحتلة، وأهمها الاستحواذ على الضفة بعد أن منحها – وهو بالأساس لا يمتلك الحق القانونى – السيطرة الكاملة على القدس المحتلة، وإعلانها عاصمة أبدية خلال فترة رئاسته السابقة، جنبا إلى جنب نقل سفارة بلاده إلى هذه المدينة المقدسة، وغير ذلك من إجراءات شكلت اختراقا بكل المقاييس لمحددات الشرعية الدولية، التى كانت تشكل عناصر أساسية للموقف السياسى الأمريكى- على الأقل من حيث الشكل- ناهيك عن تصوراته غير المنطقية بالمرة تجاه قطاع غزة، لتحويله إلى ريفييرا شرق أوسطية وملاذا لأثرياء العالم بعد طرد سكانه إلى مصر والأردن، التى قوبلت برفض الدولتين وسط إسناد عربى غير مسبوق، تجلى فى قمة القاهرة الطارئة يوم الثلاثاء الماضى.
 
وكانت جهود حكومة الاحتلال قد تكثفت لتعزيز هيمنتها على الضفة الغربية، فى أعقاب توليها الحكم فى العام 2022، ضمن إئتلاف يمينى وصف بأنه الأشد خطورة وتصلبا فى تاريخ الكيان الإسرائيلى، منذ غرسه فى الإقليم العربى على جماجم الفلسطينيين فى حرب 1948، لا سيما فى ظل منح بتسلئيل سموتريتش زعيم المستوطنين، الذى أصبح وزيراً للمالية فى هذا الائتلاف صلاحيات موسعة، للإشراف على وحدة عسكرية نافذة تتحكم فى مشروعات البناء الفلسطينية فى معظم الضفة الغربية، وأثار هذا التطور الشكوك بشأن نوايا هذه الحكومة، خصوصا أنه – أى سموتريتش- كان قد نشرفى العام 2017 خطة مفصلة، تدعو لفرض سيطرة الاحتلال بصورة دائمة على الضفة الغربية، وأعاد إنتاجها بصورة أكثر جرأة واقتحاما خلال العام الماضى، وهى تنص على حرمان الفلسطينيين من حقوق التصويت، على الأقل فى البداية، ومن لا يقبلون سيطرة الاحتلال سيُعرض عليهم الحصول على تعويضات للهجرة، أو يتعرضون للقتل إذا لجأوا إلى العنف، وهو الآن يترقب اللحظة المواتية للبدء فى تطبيقها بالضفة الغربية، التى تمثل بالنسبة له ولأمثاله من المتطرفين أرضاً ذات رمزية دينية وتوراتية، وهو ما تجلى فى هذا المسعى المحموم لتغيير مسماها إلى "يهودا والسامرة"، فى أعقاب مصادقة اللجنة الوزارية التشريعية بحكومة الاحتلال على مشروع قانون بهذا المضمون يوم الاثنين قبل الماضى، تمهيدا لإحالته إلى البرلمان، الأمر الذى سيفرض رؤية عنصرية تسعى إلى تجميل الاحتلال وتهميش أصوات الفلسطينيين، ما يزيد تعقيد النزاع ويدفع نحو المزيد من التوترات فى المنطقة، وفقا لرئيس المجلس الوطنى الفلسطينى فتوح روحى.. واللافت أن رئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس النواب الأمريكى النائب براين ماست والذى ينتمى إلى الحزب الجمهورى أصدر تعليمات لموظفى اللجنة -فى مذكرة داخلية كشف عنها موقع أكسيوس الإخبارى- بالإشارة إلى الضفة الغربية المحتلة باسمها العبري، حتى قبل أن يتم إقراره بشكل نهائى من الكنيست.
 
كل هذه الخطوات تحظى بالإسناد الظاهر والخفى من قبل نتنياهو، الذى يسعى لضمان استمرار دعم اليمين الدينى المتطرف لحكومته، الآيلة للسقوط فى أى لحظة بعد انخفاض أغلبيتها، إثر استقالة وزير الأمن القومى المتطرف إيتمار بن غفير، وثلاثة من الوزراء الذين ينتمون إلى حزبه "القوة اليهودية" منها قدموا استقالاتهم من الحكومة احتجاجا على المصادقة على اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس وتبادل الأسرى، وفى الوقت نفسه أعلن أعضاء الكنيست من الحزب - الذين كانوا يترأسون لجانا برلمانية - استقالاتهم من مناصبهم، وهو ما أدى إلى أنه لم يعد يتبقى للائتلاف الحكومى سوى 62 مقعدا ما يكفيه للبقاء بعد أن كان له 68 مقعدا من أحزاب اليمين واليمين المتشدد والأحزاب الحريدية (المتدينين).
 
ثالث المعطيات، يتجسد فى أن هذا التهجير وما يستتبعه من تداعيات، يحقق واحدا من أهم الشروط المطلوبة لإنهاء حلم الفلسطينيين بالدولة المستقلة – حسب التعبير الذى استخدمه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، قبل بضعة أشهر فى ذروة حرب الإبادة على قطاع غزة.. ولم يكتف بذلك التصريح، إنما أوعز إلى أغلبيته فى الكنيست آنذاك بسن تشريع يمنع قيام هذه الدولة، التى يراها هو وأركان حكومته من اليمين المتطرف دينيا وقوميا تهديدا لأمن ما يسمى بإسرائيل، وظل على مدار السنوات الماضية لا يكف عن ترديد رفضه للدولة الفلسطينية فى كل مناسبة، بما فى ذلك خطابيه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال دورتى العامين الماضيين، والتى حمل إليهما خرائط لكيانه خالية من أى إِشارة لكيان فلسطينى، إنما هيمنة كاملة واحتلال أبدى حسب توصيفه لكل فلسطين التاريخية مع امتدادها إلى مناطق أخرى بدول الجوار.
 
رابع هذه المعطيات، يهدف إلى توجيه ضربة قوية للقدرات العسكرية التى تنامت فى السنوات الأخيرة فى مخيمات شمال الضفة، بالذات كتائب عز الدين القسام – الجناح العسكرى لحركة حماس وسرايا القدس ذات النفوذ الواسع فى معظم هذه المخيمات، اتساقا مع مايظنه قادة الاحتلال من تقليص قدرات الفصيلين خلال حرب الإبادة فى غزة، وبذلك تسعى القوة القائمة بالاحتلال لما تعتقد أنه استمرار فى قصم ظهر المقاومة وتفكيك بنيتها القتالية فى كل الأراضى المحتلة، سواء فى غزة أم فى الضفة، وهو هدف إستراتيجى لها منذ الانتفاضة الأولى عام 1988، والثانية عام 2000، ومع ذلك لم تتمكن من ذلك بما فى ذلك خلال العدوان على القطاع بعد 15 شهرًا من القتال الضارى والوحشى، وهو ما تجلى فى هذا الاستعراضات التى مارستها كتائب القسام خلال تسليم سبع دفعات من أسرى إسرائيل لديها، على نحو اعتبرته دوائر عدة فيه، بما فى ذلك نتنياهو، مساسا بالكرامة الوطنية، خصوصا أنها كانت تستخدم سيارات وأسلحة غنمتها خلال عملية "طوفان الأقصى" الجريئة - التى اعترف جيش الاحتلال الأسبوع الماضى فى إخفاقه فى التصدى لها فضلا عن الفشل الاستخباراتى - وكذلك من المواجهات مع جيش الاحتلال، ما دفعه –أى نتنياهو- إلى تأجيل تسليم الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال بالتزامن مع تسليم حماس ستة من أسراه، ما تسبب فى أزمة استمرت بضعة أيام خلال الأسبوع الماضى، لولا تدخل الوسطاء، وعلى رأسهم مصر فى منع تفاقم الوضع حتى لا تتوافر الذرائع لنتنياهو للتنصل من اتفاق وقف إطلاق النار، ومن ثم التهرب من استحقاقات المرحلة الثانية، التى من شأنها أن تفضى إلى إنهاء وجود جيش الاحتلال فى غزة بشكل تام، وتمهد لإعادة إعمارها طبقا للبنود المتفق عليها.
 
خامسا - الدفع بمزيد من مشروعات الاستيطان فى الضفة الغربية والقدس المحتلين، بما يفضى إلى رفع أعداد المستوطنين من 800 ألف حاليا إلى مليون مستوطن فى غضون فترة زمنية محدودة، والبدء فى ضم كل هذه المستوطنات إلى سيادة القوة القائمة بالاحتلال، على الرغم من أن الكثير منها مبنى فى أراض تخضع لسيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية، الأمر الذى سيظهرها فى موقف الضعيف على نحو يضرب مقوّمات سيطرتها، والتمهيد لتغيير المشهد السياسى وبعده الإداري،من خلال بسط السيادة الكاملة للاحتلال على الضفة، بما يقود إلى دفن مشروع الدولتين إلى الأبد الذى بات العنوان الرئيس للأدبيات السياسية التى تتعاطى مع القضية الفلسطينية إقليميا ودوليا- عدا القوة القائمة بالاحتلال والولايات المتحدة فى زمن ترامب، وعدد محدود من الدول التى تدور فى فلكهما.
 
ولتكريس هذه المعطيات، أو بالأحرى الأهداف الخطيرة لعملية السور الحديدى، تمارس قوات الاحتلال بأوامر مباشرة من نتنياهو كل الأساليب القتالية التى كانت تمارسها فى حرب الإبادة فى قطاع غزة، محولة الضفة الغربية إلى جبهة حرب واستخدام القوة الرادعة والمفرطة، عبر لجوء جيش الاحتلال إلى سلاح الدبابات، الأمر الذى أحدث حالة من الصدمة والاستغراب حملها وصول 3 دبابات إلى محيط مدينة جنين، فى مشهد غاب عن أعين سكان الضفة أكثر من 20 عاما، وتحديدا منذ نهاية الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 (انتفاضة الأقصى)، بالإضافة إلى نشر أعداد ضخمة من المدرعات والآليات بهدف توفير الحماية للجنودها، وإحداث قوة صدمة على المواطن الفلسطينى لإثارة الرعب فى نفسيته، حسب خبير عسكرى، ما يؤشر إلى أن هذه العملية سوف تتوسع لتشمل كامل مناطق الضفة الغربية، فى ضوء سلسلة من الأوامر الصادرة من المستوى السياسى، أبرزها "تعزيز القوات وتنفيذ عملية هجومية صارمة" بإيعاز من نتنياهو شخصيا، وذلك يعنى بوضوح أن ثمة إرادة سياسية وقوة عسكرية"، فى ظل دعم من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للاستمرار فى هذه العملية بالضفة، التى من شأنها أن تحقق ما يسعى إليه كل من ترامب ونتنياهو أيضا، من إطلاق أكبر عملية تهجير قسرى فى الضفة منذ عام 1967 خلال الأشهر القليلة المقبلة
 
فوفقا للقناة الـ14 بإسرائيل، فإن جيش الاحتلال وأجهزة الأمن،عملوا على شق شوارع تشبه محور نتساريم فى قطاع غزة بعرض أقل فى مناطق جنين وطولكرم، وذلك تحت زعم أن ذلك يهدف إلى منع العناصر المسلحة من زرع عبوات ناسفة وتوفير مسار سريع لقوات الاحتلال، لكن حركة الجهاد الإسلامى، ترى عكس ذلك تماما، معتبرة أنه يدخل ضمن مساعٍ استيطانية لترسيخ الهيمنة العسكرية للاحتلال على الضفة الغربية، ومن ثم تعزيز فصل مدنها ومخيماتها.
 
فى الآن ذاته، لجأ جيش الاحتلال - ولا يزال - إلى منهجية إحراق المنازل داخل مخيم جنين المحاصر باعتباره المرتكز الأساسى لكتائب المقاومة، الذى شهد خلال الأسابيع الماضية نسف أحياء سكنية بأكملها وتدمير أكثر من 100 منزل بشكل كامل، ما أدى إلى نزوح قسرى لعشرات الآلاف من داخل المخيم، فضلا عن توسيع عملياته واقتحام عدة قرى فى ريف جنين أهمها قباطية واليامون وبرقين، مع استمرار عمليات التجريف للشوارع والبنية التحتية فى مدينة جنين والقرى المحيطة بها لجنين، وتكثيف مداهمة المنازل وشن حملة اعتقالات لعدد من الفلسطينيين، مقابل المئات الذين تم إطلاق سراحهم من الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال.
 
وبالطبع تتوافر دوما الذرائع لدى جيش الاحتلال، متمثلة فى أن توسيع نطاق عملياته الهجومية فى المنطقة يهدف لإحباط الهجمات المسلحة، مستخدما فى ذلك قوات من لواء "ناحال" ووحدة "دوفدفان" فى قرى بمنطقة جنين التابعة للواء "منشيه"، إلى جانب وحدة مدرعة تضم مدرعات قتالية لدعم الجهود العسكرية، وحسب دوائر عسكرية فى تل أبيب، فإن إدخال المدرعات إلى شمال الضفة الغربية المحتلة، جاء نتيجة لضغوط من المستوى السياسى على جيش الاحتلال، والتى جسدها نتنياهو بقوة لدى تفقده فى زيارة غير مسبوقة مخيم طولكرم للاجئين قبل نحو أسبوعين، معلنا أن انتشار جنوده – أى جيش الاحتلال- فى المنطقة يعنى شيئاً واحداً، هو التركيز على مكافحة العناصر المسلحة بكل الوسائل وأينما كانوا، لاسيما أن هذه الزيارة جاءت فى أعقاب عملية تفجير حافلات قرب تل أبيب ما أثار هلعا واستنفارا داخل القوة القائمة بالاحتلال.
 
على أى حال يلفت خبير عسكرى وسياسى، النظر إلى أن المتابع لموجة التصريحات سواء على لسان نتنياهو خلال وجوده فى طولكرم أم على لسان وزير دفاعه، كاتس، سيرصد تركيزا على إطالة زمن العملية العسكرية فى شمال الضفة الغربية، ومؤشرات واضحة على تضخيم الحالة الفلسطينية وتصوير ما يحدث بحسبانه قتالا بين قوتين متكافتئين، مثلما كان يحدث فى غزة على، وذلك من خلال تعزيز قدرات جيش الاحتلال بوحدات الدبابات من طراز "ميركافا" فضلا عن وحدتى من قوات النخبة وهما ناحال ودوفدفان، فى حين أن ما يحدث على أرض الواقع هو اقتحام للمدن والقرى الفلسطينية وتحويلها إلى خراب لفرض التهجير القسرى، بالإضافة إلى أعمال القتل التى تجاوزت الستين شهيدا خلال الأسبوع الأخير، لكن فى المقابل فإن عملية الدفع بالدبابات إلى مشارف جنين والحديث عن مشاركتها بطريقة دفاعية لحماية قوات جيش الاحتلال، يأتى فى إطار رفع حالة الانتكاسة التى أصابت هذا الجيش فى قطاع غزة، وإعادة الروح العسكرية التى فقدتها وحداته هناك، بالإضافة لإرضاء اليمين المتطرف فى حكومة الاحتلال، فالحالة القائمة فى الضفة- كما يجمع الخبراء العسكريون- لا تستوجب اللجوء إلى استخدامها أصلا، فإن كان الحديث عن القضاء على أذرع المقاومة كما يقول كاتس، فإن الاحتلال يقوم بذلك منذ سنوات من خلال اعتقالهم وعمليات القصف التى تتم من فترة إلى أخرى.
 
باختصار يعمل الاحتلال يعمل بشكل متواز - وعلى أكثر من خطة- للوصول إلى التهجير الشمولى فى الضفة وإعادة هندسة الوجود الفلسطيني، بحيث يتعامل مع خيارات غير محسوبة، كما يعمل بطريقة الضغط الكبير ومن خلال استعراض القوة، وآخرها ظهور الدبابات، لمحاولة تطبيق خطة التهجير، أو من خلال إعادة تشكيل المناطق والمدن الفلسطينية بترحيل السكان داخليا، وهو ما يحدث فى مخيمات شمال الضفة حاليا، وطبقا لتقييم الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي، فإن نتنياهو يتصرف من منطلق مصلحته الشخصية، ويريد التصعيد بالضفة لتنفيذ أحلامه القديمة، معتبرا زيارته لطولكرم بمثابة "إعادة احتلال الضفة الغربية بالكامل وتوسيع الحرب إليها".
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام