مقالات



إستراتيجية الحروب...(1)

3-6-2025 | 22:35
د. إيمان طاهر

منذ بدء الخليقة، تعلم الإنسان أن يفكر فى يومه وغده، وعندما اطمأن أكثر لاستقراره، تطلع للمساحات الزمنية الكبيرة، وفيما يأمل أن يفعل بسنواته المقبلة، ولأن الإنسان كائن اجتماعى بفطرته، فكان تفكيره أو تخطيطه لحياته المقبلة مرتبطا أولاً بأسرته الصغيرة، ومن ثم لقبيلته، إلى أن استقر وأنشأ ممالك ودولا وحضارات، كل تلك الخطوات الإنسانية كانت تستلزم خططا دقيقة لعناصر متعددة، منها الاقتصاد والمجتمع والبيئة وغيرها، ولها غايات وأهداف، وهذا ما يطلق عليه إستراتيجية، تحولت بدورها من النطاق الداخلى لأى مجتمع أو دولة، لمفهومها الأوسع ببناء تحالفات أو ائتلافات، عندئد أخذ مصطلح الإستراتيجية لفن خلق القوة، وكيفية استخدامها.
 
والقوة ليست بالضرورة تعنى القدرات العسكرية الكبيرة، إنما القوة الاقتصادية والاجتماعية، اللتان تقودان للقوة السياسية وتحصن الدول. 
هذا كان المفهوم العام، أو الطبيعى، لنجاح التجمعات الإنسانية، لكن لأن العقل الغربى لايزال يدهشنا ويصدمنا يوما بعد الآخر، بعقليته الاستعمارية، وشعوره الموروث الداخلى بالتفوق، ويملؤه الغرور الذى قاده لاستعمار ونهب ثروات غيره من البلاد، وخلف وراءه إرثا استعمارياً، مازال ينظر له كميراث من الموارد والبنية السياسية، والنظم والثقافات والكثير من الانقسامات العرقية، لضمان استمرار سيطرته وهيمنته، هنا تحديدا عندما نصل لهذا التفكير المنظم، والمتوارث والمنقول عبر التاريخ، نصل لمفهوم إستراتيجية الحرب، فالحرب هنا بالنسبة للمستعمر القديم ليست مباشرة مرة أخرى عن طريق الجيوش والطائرات والصواريخ، لأنها حرب سيهزم فيها حتما أمام الشعوب والجيوش، ولكنها حرب استعراض القوة بالاقتصاد والشركات العابرة للحدود كخطوة أساسية. 
 
وهذا ما دفع تلك القوة، فيما بعد لبناء إستراتيجية سيبرانية، عن طريق تطبيقات وبرامج لمختلف القطاعات الحيوية للدول، هذه الإستراتيجية عند إعدادها يجب أن تتضمن برامج خبيثة، تتيح لتلك الدول الغربية إمكانية الوصول للبنية الأساسية لأى دولة تستهدفها، باختصار هى تذكرنا بحصان طروادة!
مما يمنحها فرصة الإعداد مستقبلا للعلاقات الدولية، عبر المعلومات السرية، والاستعداد مسبقا للتفاوض، أو بتطبيق مايسمى بنظرية استخدام الاشتباك بغرض الوصول للحرب.
والتفكير الإستراتيجى لا يشمل فقط الهيمنة أو الحروب، بل الإعداد لها، بإستراتيجيات تسمى فك الارتباط والأخلاق، وهذا ما تم بالفعل منذ زمن بعيد باستخدام التفكير العلمانى، وتجنب أى تفسير للأحداث أو الظواهر، قد يأخذ منحنى ميتافيزيقيا أو دينيا، مما غير من شكل النظم السياسية، وأثر على النظم الحياتية والاجتماعية، فتحكمت المادية والأنانية فى كل العلاقات، ووصلت بداخل الأسر فتفككت، ولعل هذه المعلومة تحديدا، قد تجيب عن كثير من التساؤلات المطروحة لدى العامة عن أسباب تغيير المفاهيم، والمبادئ أو التقاليد والقيم لمجتمعاتنا. لماذا؟
 
لإحداث بنية فوضوية، يغيب فيها مفهوم العقل الجمعى، ولا تستطيع التنظيم أو الاتحاد معا، أمام أى عنف مسلح، أو إجراء عسكرى فتستطيع فرض قوتها عليها. 
ولأننا فى عالم متعدد الأقطاب الآن، تتضاعف فيه الصعوبات، لأن على كل دولة أن تقارن قواتها العسكرية، أو الاقتصادية أو السياسية، بعدد كبير من الجهات الأخرى الفاعلة، وعليها ضغوط للوصول لأهدافها سريعا وبدقة، وهذا ما نراه على الساحة الدولية، وبالأخص فى منطقتنا، فما زال المستعمر القديم يتنافس مع آخرين على بسط نفوذهم، وكل محاولات تحليل أو دراسة أو حتى التنبؤ بما فى جعبة القوى الغربية أو إستراتيجيتهم نحونا، ليست في الحقيقة بالأمر السهل، إذ إنه لا يمكننا تحريك قطع الشطرنج، فوق رقعة الشطرنج المبعثرة مسبقا، بدون الأخذ بعين الاعتبار المربعات، والخانات الفارغة والمسافات، مما يجعل الاستقرار شأنا لا يمكن التفاؤل بحدوثه!.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام