نحن والعالم



بعد المساندة العربية لإعادة إعمار غزة.. رؤية مصرية وصوت فلسطينى واحد

3-6-2025 | 22:52
زينب هاشم

لم تقف حاجة الشعب الفلسطينى الآن، كما كانت من قبل، عند البحث عن الغذاء والكساء، وإعادة البناء للبيوت المهدمة من قبل عدو غاشم، بل إن عبء الحفاظ على المشروع الفلسطينى، ودعم الرؤية المصرية لإعادة إعمار غزة، والحديث بصوت فلسطينى عربى وإنسانى واحد، هو الحلم الذى يغازل ملايين الفلسطينيين، حتى يتسنى لهم الوقوف من جديد على قدم ثابتة، وألا تكون هناك فرصة جديدة لهدم فلسطين.
 
يتحدث معتصم حمادة عضو المكتب السياسى للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، قائلا: القضية الفلسطينية تعيش فى هذه المرحلة حالة انعطاف غير مسبوقة، فقد حقق شعبنا بصموده الأسطورى والتحامه بمقاومته الباسلة، انتصارا على الهجمة الدموية للفاشية الإسرائيلية، وذلك بعد أن أفشل الهدف الصهيونى بالقضاء على المقاومة، كما أفشل تحرير الأسرى الإسرائيليين بالقوة، وأرغم حكومة نتنياهو على الرضوخ لعملية تبادل مشرفة بين أسراهم وأسرانا، كذلك صمد شعبنا وأفشل مشروع التهجير القسرى برغم حرب الإبادة الجماعية والتدمير الشامل، ومازال شعبنا صامدا فى غزة متحديا جيش العدوان الصهيوني.
 
ويضيف حمادة: مع ذلك يحاول العدو الإسرائيلى أن يحقق بالمفاوضات وبالسياسة ما عجز عن تحقيقه بالحرب، فيلجأ مدعوما من الإدارة الأمريكية إلى استغلال حالة الانقسام الفلسطينية، وكأن معركته هى ضد حركة حماس وبقية فصائل المقاومة وليست ضد الشعب الفلسطينى بكل مكوناته وشرائحه وأطيافه، وكأن حربه لا تستهدف المشروع الوطنى، متمثلا بالحقوق الوطنية المشروعة فى الحرية والاستقلال والعودة، لذلك نرى أن الضمان الكبير لصون تضحيات شعبنا فى غزة كما فى الضفة الغربية، هى فى إنهاء الانقسام الفلسطينى واستعادة الوحدة المؤسسية فى منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، والتحلل من كل التزامات اتفاقات أوسلو واستحقاقاته المذلة لشعبنا، وإعلاء المشروع الوطنى الفلسطينى، كما توافقنا عليه فى المجالس الوطنية والمركزية وجولات الحوار الوطنى فى العاصمة المصرية القاهرة كما فى بكين، حيث كان هناك اجتماع بين الفصائل الفلسطينية استضافته الصين نهاية العام الماضى.
 
ويمضى عضو الجبهة الديمقراطية فى حديثه، قائلا: من هنا ندعو إلى ترجمة مخرجات هذه الحوارات بخطوات، أولها تفعيل الإطار القيادى الوطنى الموحد والمؤقت، بحيث يضم ممثلى الفصائل كافة، برئاسة محمود عباس رئيس اللجنة التنفيذية التى تضع خطة من أجل إنهاء الانقسام وبحيث تضم المؤسسة الوطنية، خصوصا المجلس الوطنى واللجنة التنفيذية ممثلين عن كل القوى وتشكل إطارا للوحدة بحيث تضم الكل الفلسطينى دون استثناء.
 
ويتابع: أما ثانيا، تشكيل حكومة وفاق وطنى من الفاعليات الوطنية، تمارس ولايتها القانونية على مجمل أراضى دولة فلسطين فى الضفة والقطاع، وتقطع الطريق على مشروعات التدخل الأمريكى والصهيونى، وتضمن المستقبل الوطنى لقطاع غزة، باعتباره جزءاً لا يتجزأ من دولة فلسطين وعاصمتها القدس، وثالثا إعادة بناء النظام السياسى الفلسطينى على أسس ديمقراطية تشاركية عبر انتخاب رئيس للسلطة ولدولة فلسطين وإعادة تشكيل المجلسين الوطنى والتشريعى، وفق نظام التمثيل النسبى الكامل، وبما يفتح الباب لمشاركة كل الفلسطينيين. وبناء عليه إعلاء المشروع الوطنى الفلسطينى بشعاره المعروف، بالوحدة والمقاومة نحقق أهدافنا الوطنية.
 
ويشير حمادة إلى أن هذه المرحلة تتطلب بالضرورة رؤية إستراتيجية وطنية جامعة، تؤسس لخطط وآليات تكفل السير نحو الهدف الوطنى، عبر اعتماد كل أشكال المقاومة المشروعة فى الميدان وفى المحافل الدولية.
 
ويستكمل حديثه، قائلا: كما يتطلب برنامجا حكوميا يقوم على تحرير الاقتصاد الفلسطينى من بروتوكول باريس الاقتصادى، وتعبئة الحالة الشعبية الفلسطينية بمؤسساتها المعروفة من اتحادات ونقابات وجمعيات ومؤسسات اجتماعية وغرف تجارة وصناعة وغيرها، للشروع فى بناء اقتصاد وطنى، يغلق أبواب الوطن أمام المشروع الاستعمارى الإسرائيلي، ويشرعها بالمقابل أمام علاقات مع الجوار العربى وبشكل خاص مصر والأردن، وذلك لأن الوصول إلى تحقيق هذا، يتطلب إرادة وطنية من جهة، وقد أكد شعبنا أنه يختزنها بكل عنفوان، ومن جهة أخرى الاعتماد على الدعم العربى، خصوصا وأن مشروعات ترامب بدت واضحة، ومشروعات نتنياهو التوسعية لم تعد تشكل خطراً عل الحالة الفلسطينية وحدها فحسب، بل وكذلك علَى مجمل الحالة العربية.
وعن دور مصر فى الفترة المقبلة، يوضح حمادة ما يعزز صدق رؤيتنا للأهمية التاريخية للدور المصرى الإستراتيجى أكثر من واقعة، أولها أن الدور المصرى المميز إلى جانب الأشقاء فى قطر مهم للوصول إلى اتفاق الدوحة، ما يضع مصر فى موقع الضامن الأقوى للاتفاق والطرف العربى الأقوى أيضا، للضغط على إسرائيل وقطع الطريق على مناوراتها فى التحايل على الاتفاق، أو العبث برزنامته ومراحل تطبيقه. وثانيا أن مصر كانت الدولة العربية الأولى، التى قالت فى بيان الخارجية المصرية فى 26 يناير 2025، بوضوح تام "لا لمشروع ترامب، لا لتهجير الشعب الفلسطينى" وعلى هذا الموقف القوى والمتماسك بنت الدول العربية موقفها من المشروع الأمريكى.
 
ويضيف أن مصر هى الدولة العربية بل والدولة الوحيدة فى العالم التى بادرت بتقديم المشروع البديل لمشروع ترامب التهجيرى، وهى بذلك تكون قد تحملت مسئولية تاريخية إزاء فلسطين وشعبها، ووضعت على عاتقها حل أكثر القضايا الفلسطينية خطورة، وهى الحفاظ على القطاع وشخصيته الوطنية وصون انتمائه لدولة فلسطين، وإعادة إعماره دون التضحية بفلسطينى واحد وصون مستقبله السياسى والوطني، وفى السياق نفسه أيضا، نملك الثقة العالية بأن القاهرة سوف تبذل المزيد من الجهد والضغط من أجل ضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة من مركبات وبيوت جاهزة وخيام ومواد غذائية ووقود ومياه نظيفة ودعم للقطاع الصحى والطاقة، وبما يوفر للفلسطينيين فى القطاع الظروف الإنسانية والوطنية للقيام بواجباتها الدينية، وبما يعوض عليهم فى الوقت نفسه قليلا من الألم الذى عانوه خلال سنوات الحرب الهمجية، وبما يوفر قليلا من الكفاءة الوطنية بصمودهم المشرف، ويجهض مشروعات الهجرة القسرية أو الطوعية.
 
ويتفق معه فى الرأي، موسى سعود مسئول سكرتارية الأطر الطلابية فى قطاع غزة، قائلا: بقطاع غزة أو الضفة الغربية يحتاج الشعب الفلسطينى فى هذه المرحلة، تعزيز صموده ضد آلة الحرب الوحشية، التى يشنها الاحتلال الإسرائيلى عليه، كما يحتاج شعبنا إلى برنامج سياسى يلتف حوله حتى مظلة التحرير الفلسطينية، وهى الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى، كما يحتاج لتكاتف دولى وعربى لمساندته ومساعدته على تنفيذ المشروعات، التى تهدف إلى الالتفاف أيضا حول الموقف المصرى لإعادة إعمار غزة، والحفاظ على عدم تهجير سكان القطاع من داخله .
ويؤكد أنه يجب أن يكون هناك رفض دولى وعربى، ضد هذه المشروعات التى تعلنها الولايات المتحدة الأمريكية والتى تخدم الاحتلال الإسرائيلي. ويستكمل حديثه قائلا: كما يجب الوقوف بجانب مصر من أجل تمويل ودعم خطة إعادة الإعمار، وعدم تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه، وعلى الجميع أن يعى حجم المؤامرة الإسرائيلية على الشعب الفلسطينى فى هذه اللحظات التى تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، خصوصا أن الظروف أصبحت مواتية والموقف المصرى ومن خلفه العربي، أكد العمق العربى الداعم والمساند للشعب الفلسطيني، ونأمل أن يبقى هذا الموقف العربى الموحد ثابتا غير متغير، مع التأكيد على ضرورة تسريع عملية الإعمار ودخول المنازل الجاهزة من مصر إلى فلسطين.
 
ويرى د. سعيد الزغبى أستاذ العلوم السياسية، أنه فى ظل التحديات المتزايدة التى تواجه القضية الفلسطينية، تبرز الحاجة إلى رؤية إستراتيجية واضحة، تحمى المشروع الوطنى الفلسطينى من المخططات الصهيونية الرامية إلى تصفيته.
ويتابع: من وجهة نظرى تتنوع متطلبات المرحلة المقبلة بين تحقيق الوحدة الوطنية ودعم الرؤية المصرية، ذات الرؤية الاستباقية الأولى فى المنطقة العربية، لتأمين تمويل إعادة إعمار غزة وتوحيد الخطاب الفلسطينى والعربى على المستويات كافة، أولها الوحدة الوطنية وهى صمام الأمان لمواجهة الاحتلال، كما يعتبر الانقسام الفلسطينى الداخلى، أحد أخطر التحديات التى تواجه القضية الفلسطينية، حيث أدى الخلاف بين حركتى فتح وحماس إلى إضعاف الموقف الفلسطينى أمام الاحتلال الإسرائيلى والمجتمع الدولى، ومن ثم أن إعادة الوحدة الوطنية تتطلب اتفاقا سياسيا واضحا، يُحدد طبيعة المرحلة المقبلة بمشاركة جميع الفصائل ودمج المقاومة السياسية والميدانية، فى إطار وطنى شامل يحافظ على الحقوق الفلسطينية، وكذلك إجراء انتخابات شاملة تعيد الشرعية للنظام السياسى الفلسطينى وتقوى الموقف التفاوضي.
 
ويمضى الزغبى فى حديثه، قائلا: إلى جانب عودة السلطة الفلسطينية المهمشة من قبل حزب الليكود المتطرف، لأن تحقيق الوحدة ليس خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة إستراتيجية لمواجهة الاحتلال والمخططات الإسرائيلية التى تستغل الانقسام لإضعاف الفلسطينيين، وإلى جانب دعم الرؤية المصرية والدور المحورى للقاهرة، حيث كانت مصر ولا تزال لاعبًا رئيسيًا فى دعم القضية الفلسطينية، حيث تبنت سياسة واضحة ترتكز على تحقيق المصالحة الفلسطينية، وإنهاء الانقسام الداخلى ودعم استقرار قطاع غزة عبر ضبط الأمن على الحدود وتسهيل إدخال المساعدات، وكذلك رفض التوسع الاستيطاني وممارسة الضغط السياسى لحماية الحقوق الفلسطينية وعدم التهجير القسرى، والذى تم إعلانه من قبل القيادة المصرية فى 21 أكتوبر 2023 فى "قمة القاهرة للسلام"، لذلك يجب على الفلسطينيين تعزيز التنسيق مع مصر، والبناء على هذا الدعم لضمان موقف عربى موحد، يعزز فرص تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة، هذا بخلاف تمويل إعادة إعمار غزة، وهى ضرورة لا تقبل التأجيل.
 
ويشير إلى أنه بعد كل عدوان إسرائيلى تتحول غزة إلى ركام وأزمة إنسانية متفاقمة، مضيفاً: بالفعل الآن هناك أكثر من 42 مليون طن من الركام ما يجعل إعادة الإعمار أولوية قصوى، لكن هذه العملية تواجه عقبات سياسية خطيرة، منها: تحويل الاحتلال للتمويل إلى ورقة ابتزاز سياسي، وكذلك ضعف الالتزام الدولى وعدم وجود آلية شفافة تضمن وصول المساعدات. ومشروع ريفيرا الشرق الأوسط من قبل الإدارة الأمريكية فى فبراير 2025.
 
ويضيف: من ثم تعتبر الرؤية الاستباقية الأولى لمصر فى وضع خطة إعمار قطاع غزة، هى التى تبناها كل العرب فى القمة العربية الطارئة التى عقدت يوم الثلاثاء الماضى 4 مارس،  دون اللجوء إلى التهجير أو اللجوء بأن تكون مصر هى التى تدير القطاع، كما زعم بعض قادة جيش الاحتلال الإسرائيلى، والتى رفضتها مصر قولا وتفصيلا فى بيان شديد اللهجة صادر عن الدكتور بدر عبد العاطى وزير الخارجية المصرية، يندد بتلك الأقاويل والأطروحات التى تعمل على نسف عملية السلام فى المنطقة العربية.
 
ويتابع: لا ننكر أهمية الحديث بصوت فلسطينى عربى وإنسانى موحد، لأن الاحتلال الإسرائيلى لا يعتمد فقط على القوة العسكرية بل يخوض معركة إعلامية شرسة لتشويه الرواية الفلسطينية، ومن جانب بنيامين نتنياهو، تشويه سمعة السلطة الفلسطينية فى جميع أمام المجتمع الدولى وهذا يتطلب الآتى: إعلام فلسطينى موحد يعكس القضية بواقعية واحترافية. وتوظيف المنصات الرقمية لفضح الانتهاكات الإسرائيلية وكشف زيف الرواية الصهيونية، إلى جانب تعزيز الدبلوماسية الشعبية عبر حملات دعم دولية تسلط الضوء على معاناة الفلسطينيين. لذلك نحن نبحث عن توحيد الخطاب الفلسطينى والعربى والإنسانى الذى يعد سلاحًا مهمًا فى معركة الوعى حيث يقضى على الادعاءات الصهيونية، ويعزز التعاطف الدولى مع القضية.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام