نحن والعالم



بعد نشر تحقيق استخباراتى حول «الإخوان».. فرنسا تشن حملة واسعة على التنظيم الإرهابى

3-6-2025 | 23:09
أحمد إسماعيل

الدكتور عامر فخورى: تحركات الإخوان تتعارض مع مفاهيم الجمهورية الفرنسية
 
حلمى مليان: أصبح للتنظيم وجمعياته نفوذ داخل المجتمع الفرنسى بفضل التحويلات المالية المشبوهة
 
مجيد بودن: الإسلام السياسى والقوميون لهم نفس النظرة والهدف فى عدم الامتثال لقانون الدولة
 
يتمركزون فى سرية تامة لبناء أنظمة متكاملة داخل أحياء فرنسية ذات أغلبية مسلمة، ويخترقون المؤسسات الفرنسية على نطاق واسع، ويؤهلون جيلا من الشباب المؤثرين لنشر أفكارهم، هذا ما انتهى إليه تقرير استخباراتى فرنسى، أعدته أجهزة الأمن الداخلى الفرنسية عن نشاط تنظيم الإخوان الإرهابى فى فرنسا، حيث أكد التقرير أن هدف التنظيم المتطرف، هو فرض الأفكار المتشددة فى فرنسا، وبمجرد رفع السرية عن هذا التقرير، تعالت أصوات من أقصى اليمين، وطالبت بحظر هذا التنظيم الخطير، وحل جميع الجمعيات المرتبطة به، الأمر الذى دفع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى عقد اجتماع أمنى رفيع المستوى، طلب فيه من الحكومة اتخاذ إجراءات حاسمة بشأنه فى فرنسا.
 
التقرير الاستخباراتى أوضح أن جماعة الإخوان الإرهابية فى فرنسا تغلغلت فى المؤسسات الفرنسية، من خلال شبكة من الأفراد تتحرك بشكل منظم وسرى يخدم مشروعها الأيديولوجى، وذلك من خلال عدة محاور أساسية.
أولا: من خلال توسيع نطاق انتشارها، ووفقا للتقرير يوجد 139 مركزا رئيسيا للتنظيم منتشرة فى كل أنحاء فرنسا، إضافة إلى 168 مقرا يرتبط بالجماعة بشكل غير مباشر، موزعة على 55 مقاطعة فرنسية، أى إن ٪7 من أصل 2800 مسجد فى فرنسا على صلة مباشرة أو غير مباشرة بالتنظيم.
 
ثانيا: من خلال أنشطة الجمعيات التى تخدم حاجات الناس، حيث يكشف التقرير أن هناك 280 جمعية مرتبطة بالتنظيم، تعمل فى مجالات مختلفة تهم حياة المسلمين فى فرنسا، مثل العبادة والأعمال الخيرية والتعليم والأنشطة المهنية والشبابية، وحتى فى مجال المال والأعمال، يديرها نحو 400 شخص على أقل تقدير، ويؤثر رجال الدين التابعين لها على أمور تهم العائلة والزواج وحماية المستهلكين.
ثالثا: من خلال التمويل الذى يتم عبر التبرعات وجهات خارجية، حيث تبلغ ميزانية منظمة «مسلمو فرنسا» التى تعتبر الامتداد الرئيسى للتنظيم فى فرنسا، وفقا للتقرير نحو 500 ألف يورو، حصلت عليه عبر صناديق تبرعات مناصريها، أو من خلال تمويلات خارجية.
 
رابعا: من خلال التركيز بشكل كبير على التعليم، ووفقا للتقرير تم تحديد 21 مؤسسة تعليمية إسلامية مرتبطة بالتنظيم، منها 5 مؤسسات لديها عقود شراكة مع الدولة، ويصل عدد الطلاب فيها إلى 4200 طالب، وإحدى هذه المدارس هى ثانوية Averroes فى مدينة ليل، حيث تتلقى حسب التقرير تمويلات غير قانونية، وتنتهك مبادئ العلمانية فى مناهجها، وهو ما أكده ألكسندر بيغجير محافظ منطقة Haust-de-Seino قائلا: إن هناك جمعية فى منطقته تبرز بوضوح مفهوم الذكورية، حيث تعرف نفسها بأنها جمعية للذكور، ونحن نعلم الآن أنها مخترقة من قبل التنظيم، وعندما نسأل قادة عن هذه الجمعية فإنهم أنفسهم يبدون مندهشين، برغم أن اسم جمعيتهم واضح جدا من عدم انضمام أى نساء إليها.
 
خامسا: من خلال الدعوة الرقمية لاستهداف فئة الشباب، حيث يلفت التقرير الانتباه إلى نشاط جيل جديد من الوعاظ، تم تدريبهم على يد قيادات تابعة للحركة الإخوانية، ويتبنون أفكارا متطرفة.
سادسا: من خلال التسلل إلى الأحياء التى تضم جاليات مسلمة، حيث تركز الجماعة غالبا أنشطتها على الأحياء التى تعانى من الفقر والتهميش، ويقود المشاريع فيها أشخاص ذوو خبرة ونشاط سياسى سابق، كما يتم فرض معايير اجتماعية خاصة، مثل ارتداء الحجاب وإطلاق اللحى ونوعية الملابس، ومع ذلك يؤكد التقرير بشكل واضح، أن التهديد حقيقى، ولا يقل خطورة عن تخريب مؤسسات الدولة.
وقد تم رفع التقرير أخيرا إلى وزير الداخلية الفرنسى «برونو ريتايو» الذى وعد باتخاذ تدابير لمواجهة الإسلاموية كما يسميها، قائلا: هذا التقرير يكشف عن تهديد حقيقى للبلاد، ولدينا مجلس دفاع يرأسه رئيس الجمهورية، وهذا التقرير أثبت بوضوح، أن هذا التسلل يشكل تهديدا للجمهورية ولمبادئنا ولتماسكنا الوطني.
 
الأمر بهذا الشكل يطرح عدة تساؤلات مهمة: كيف ستوازن فرنسا بين حماية قيمها ومكافحة التطرف وبين احترام حريات المسلمين؟  وهل هناك فعلا مخاوف من تمدد مجموعات إسلامية داخل فرنسا؟ وما المطلوب من السلطات الفرنسية لتحييد نفوذهم؟ ولماذا تم الكشف عن هذا التقرير الآن وفى هذا التوقيت تحديدا؟
يؤكد الدكتور عامر فخورى، أستاذ القانون الدولى وحقوق الإنسان بالجامعة الأمريكية فى الإمارات، أنه فى الأسابيع الأخيرة، أثار تقرير حكومى فرنسى الكثير من الجدل حول تزايد نفوذ جماعة الإخوان داخل فرنسا، التقرير الذى عرض مباشرة على الرئيس إيمانويل ماكرون حذر مما وصفه بـ «تسلل خفى» للجماعة فى مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى، عبر إستراتيجية طويلة المدى غير عنيفة، تستهدف المدارس، والمساجد، والجمعيات، وحتى بعض الأنشطة الاقتصادية.
 
ويضيف: بحسب ما جاء فى التقرير، فإن الجماعة تسعى إلى التأثير على السياسات الفرنسية، خصوصا ما يتعلق بالعلمانية والمساواة بين الجنسين، واعتبر التقرير أن هذه التحركات تهدد بشكل مباشر قيم الجمهورية الفرنسية، وعلى رأسها العلمانية القائمة على الفصل بين الدين والدولة، فالعلمانية فى فرنسا ليست مجرد مبدأ سياسى، بل هى ركيزة أساسية من ركائز الجمهورية، وقد تم تثبيتها بموجب قانون 1905 الذى يفصل بين الدين والدولة، وأى خروج عن هذا الإطار يعد - فى نظر القانون الفرنسى - تجاوزا يمس جوهر الهوية الوطنية.
ويتابع: ما لفت نظرى بشكل خاص أن التقرير رصد وجود 139 مكان عبادة مرتبطا بشكل أو بآخر بالجماعة، بعضها يتلقى تمويلات أجنبية مشبوهة، كما تحدث التقرير عن تغلغل ملحوظ فى جمعيات ثقافية ورياضية وإدارية، وهو تغلغل لا يهدف فقط إلى تقديم خدمات، بل إلى تمرير خطاب دينى محافظ يسعى، والقلق الأكبر يتمثل، فى أن هذه التحركات ليست عشوائية، بل منسقة، وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعى بشكل فاعل للتأثير على الرأى العام المسلم فى فرنسا فى مواجهة صريحة لمبادئ الجمهورية.
 
ويشير عامر إلى أن وزير الداخلية الفرنسى وصف الجماعة بأنها تمثل تهديدا مباشرا للجمهورية، فى حين دعا الرئيس ماكرون إلى نشر التقرير، واتخاذ خطوات أكثر حزما، دون أن يتجاهل الحاجة إلى التمييز بين الجماعة وبين عموم المسلمين فى فرنسا، لكن فى المقابل، خرجت بعض الجمعيات الإسلامية، مثل «مسلمى فرنسا»، تستنكر ما ورد فى التقرير، معتبرة أن هذه الخطوة تندرج ضمن حملة ممنهجة تستهدف الجاليات المسلمة، وتبالغ فى تصوير الجماعة كعدو داخلي.
 
ويقول: هنا أجد نفسى مضطرا لطرح سؤال واضح: لماذا نشر التقرير الآن، وفى مايو 2025 بالتحديد، والجواب كما يراه عدد من المحللين بسيط ومباشر، هناك ظرف سياسى وأمنى حساس تمر به فرنسا، مع تصاعد التوترات بسبب الحرب فى غزة، مما خلق مناخا داخليا متوترا، هذا المناخ استغلته بعض الأطراف، خصوصا من اليمين المتطرف، للضغط باتجاه فضح كل أشكال «الأسلمة» المتزايدة للمجتمع الفرنسى، حتى لو كان ذلك على حساب وحدة المجتمع نفسه.
 
ويضيف: فى رأيى، فإن المطلوب من السلطات الفرنسية، ليس فقط تشديد الرقابة على التمويلات الخارجية للجمعيات، ولا مجرد مراقبة الأنشطة المرتبطة بالجماعة، بل المطلوب أيضا التزام حقيقى بتحقيق التوازن، نعم يجب حماية العلمانية، لكن لا يجوز استهداف المسلمين ككتلة واحدة، يجب الفصل بوضوح بين من يستغل الدين لأهداف سياسية، وبين المسلمين الفرنسيين الذين يعيشون بسلام ويحترمون قيم الجمهورية.
والتحدى الحقيقى أمام فرنسا – من وجهة نظرى - ليس فقط أمنيا أو سياسيا بل مجتمعي بالدرجة الأولى، وكيف تواجه فرنسا التطرف، دون أن تغذى الشعور بالإقصاء؟ وكيف تحمى الجمهورية العلمانية، دون أن تهدم الجسور مع الجالية المسلمة؟ والحفاظ على هذا التوازن الدقيق والدفاع عن العلمانية دون الوقوع فى فخ التمييز أو الإقصاء، ومواجهة الفكر المتطرف دون تعميم أو شيطنة.
أما حلمى مليان الخبير الإستراتيجى المقيم فى فرنسا، فيرى أن الساحة السياسية الفرنسية تعيش اليوم على وقع التقرير الذى نشره وزير الداخلية الفرنسى برونو ريتاريو بعنوان « الإخوان المسلمين والإسلام السياسى فى فرنسا» حول ظاهرة الإسلام السياسى فى فرنسا والإخوان بالتحديد، حيث إن هذا التقرير أعده 45 أستاذا باحثا جامعيا متعاقدين مع وزارة الداخلية الفرنسية.
 
وقد صدر التقرير فيما يقارب الخمسين صفحة، أما عن طبيعة هذا التقرير أو العمل المنجز من طرف هؤلاء الأساتذة الجامعيين المتعاقدين مع مركز الدراسات والبحوث الخاص بوزارة الداخلية الفرنسية لا يعتبر تقريرا صحفيا، ولا يعتبر بحثا اجتماعيا، أو تقريرا سياسيا، بل هو تقرير أمنى استخباراتى علمى بامتياز، وعملا بالمثل أو المقولة الإنجلوساكسونية فى العلوم السياسية.
فى السياسة لا يوجد شيء مجانى، لكن كل شىء يأتى فى وقته، فلقد اختار وزير الداخلية الفرنسى الوقت المناسب، لكى يخرج هذا التقرير السرى إلى العلن، حيث هناك جملة من العوامل والمعطيات الدولية، وكذلك هناك أيضا جملة من العوامل السياسية الداخلية فى فرنسا، أراد وزير الداخلية أن يستغلها لصالحه، ولصالح أجندته السياسية، حيث إن المزاج الدولى عامة يذهب فى اتجاه منع حركة الإخوان الإرهابية، وكذلك وصول ترامب والجمهوريين فى البيت الأبيض، وهم من كبار المعادين لمقولة الإسلام السياسى.
 
وعلى المستوى الداخلى الفرنسى، فلقد ربح وزير الداخلية الانتخابات الداخلية فى حزبه بنسبة ٪74، وهو محسوب عامة منذ سنوات عديدة ضمن كتلة أحزاب اليمين الفرنسى، وهو المرشح القادم الأوفر حظا للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2027، بعد تراجع حظوظ زعيمة الحزب الوطنى اليمينى مارين لوبان، التى تواجه أحكاما قضائية، قد تمنعها مستقبلا من المشاركة فى الانتخابات الرئاسية المقبلة والحياة السياسية عموما.
 
ويرى مليان أن موضوع الإسلاميين والجمعيات الإسلامية، قديم جديد فى فرنسا، يطفو على السطح كل مرة قبيل موعد الانتخابات، حيث إن فرنسا منذ التسعينيات وحوادث تفجير المترو فى باريس إلى اليوم عرفت فرنسا فى علاقتها بالإسلام السياسى عموما نوعا من المد والجذر، فلم تكن العلاقة بين الطرفين يوما مستقرة، حيث كانت تخضع لمنظور مصالح فرنسا، فهى علاقات تتأرجح بين محاولة احتواء الإسلام السياسى أحيانا، وكذلك سياسة العصا والجزرة، ثم الاصطدام بعد تاريخ 2011 فى علاقة ما سمى ثورات الربيع العربى، حيث عرفت العلاقة بين الدولة الفرنسية والإخوان الإرهابية منعطفا جديدا، تميز بالدعم اللا محدود للتنظيم فى الشرق الأوسط وفى أوروبا، وعلى مستوى فرنسا بالذات من بعض الدول الإقليمية، وأصبح لهذا التنظيم وجمعياته نفوذا داخل المجتمع الفرنسى بفضل التحويلات المالية التى تأتى من دول معينة معروفة بدعمها للتنظيم الإخواني.
 
ويضيف: على المستوى الأوروبى عموما تتراوح المعالجة الأمنية لموضوع التنظيم الإخوانى ما بين الحظر والتجميد، وهذا يختلف من بلد إلى بلد، إلا أن فى فرنسا يعتبر وجود الإخوان أكثر تعقيدا وأكثر تشابكا، نتيجة الدور المالى المشبوه والمتشابك داخل النسيج الاقتصادى والسياسى فى فرنسا، مما يمكن تنظيم الإخوان الإرهابى فى فرنسا من الاستفادة، من هذا الواقع السياسى والاقتصادى ما بين فرنسا والدول الداعمة للإخوان الإرهابى.
واستنادا إلى تصريحات وزير الداخلية الفرنسى فى الأيام الأخيرة، خصوصا تصريحه الذى أكد فيه أنه ماض فى التصدى للنسيج الإرهابى فى فرنسا، حيث أوضح أن لديه خطة عمل ترتكز على ضرب وتحجيم هذا الوجود، والخطوط العريضة لبرنامج وزير الداخلية، تتلخص فى التعامل الأمنى والاستخباراتى مع التنظيم بالاعتماد على تقنيات مكافحة الإرهاب، وكذلك تفعيل دور جهاز الاستخبارات الداخلية فى مراقبة الشبكات الاجتماعية، وكذلك التعجيل فى إجراءات الطرد والتسفير للعناصر الإخوانية غير المرغوب فى وجودها على التراب الفرنسى.
 
وكان برونو ريتيلو قد وعد بتنظيم أفضل للدولة فى مواجهة تنظيمات الإسلام السياسى، ووعد بعد ذلك بتكوين قيادات قوية وفاعلة فى شئون الاستخبارات الداخلية المختصة فى التعامل مع الإسلام السياسى، ومكتب مدعى عام إدارى قادر على تنفيذ عمليات حل الجمعيات الإخوانية الإرهابية بسرعة وبنجاح، كما ظهر وزير الداخلية الفرنسى أخيرا بصحبة عدد من القيادات وضباط خلية مكافحة التطرف والإرهاب المحدثة عام 2019، ورد على النقد الموجه له قائلا: إن مكافحة محاولات تنظيم الإخوان واختراق أجهزة الدولة والمجتمع وتعطيل اندماج المهاجرين، ليست فقط مشكلة وزارة الداخلية بل جميع الوزارات وخدمات الدولة، كما أن خلية مكافحة الإرهاب والتطرف باشرت أعمالها الفعلية، بداية من سنة 2020 لتشخيص ومكافحة مجهودات الإخوان عامة فى محاولات اختراق الدولة والمجتمع ككل.
بينما يؤكد الدكتور مجيد بودن، أستاذ القانون الدولى، أن الإسلام هو الديانة الثانية فى فرنسا بعد المسيحية، وفرنسا مجتمع تتعايش فيه كل الأديان وفق قانون 1905 وهو القانون الذى يفصل الدين عن الدولة، لكن الدولة هى الراعية لكل الأديان، وهى التى تحميه وتضمن أن حرية المعتقد مكفولة ومضمونة، والمسلمين فى فرنسا يمثلون نحو 7 ملايين نسمة تقريبا، أى نحو ٪10  من المجتمع الفرنسى، وهم جزء مهم من المجتمع الفرنسى، ولا يوجد هناك تمييز لأن الدولة الفرنسية تجرم التمييز على أساس دينى.
لكن طبعا فى كل الأديان هناك أحزاب وتيارات متطرفة مثل الإسلام السياسى، وتنظيم الإخوان الإرهابى وغيرهم من التنظيمات السياسية التى تريد أن تفرض الشريعة الإسلامية فى المجتمع بطرق ملتوية، ويهدف ذلك إلى إحداث التفرقة بين الفرنسيين، سعيا للتحكم فيهم وفصلهم عن المجتمع.
ولهذه الأسباب تتخذ فرنسا الإجراءات الكافية واللازمة والضرورية، لحماية مواطنيها من العنصرية أيا كانت ديانتهم، وفرنسا لديها من الإمكانيات التى تمكنها من تحقيق ذلك، حيث تلعب التيارات الإسلامية المتطرفة والتى أفرزت الإرهاب والإقصاء وفرض مظاهر معينة مثل اللحية والجلباب والخمار فى محاولة لتكوين جالية انفصالية، لكن هذه الجالية التى تقع تحت تأثير جماعات الإسلام السياسى تعد قليلة لكن تأثيرها كبير.
ويضيف:  لهذه الأسباب فإن الجاليات الأخرى وحتى المسلمة منهم، لا تريد مثل هذه التيارات فى مجتمعاتهم، ويريدون تطبيق قوانين الدولة لحمايتهم من هذه التيارات المتطرفة، وقد فشلت هذه التيارات فى عدة مجتمعات من قبل، ومراقبة الدولة لأنشطة هذه الجماعات سواء السياسية أو الاقتصادية أم الثقافية ليست موجهة ضد المسلمين، إنما لحمايتهم من التطرف الدينى ومن إقصائهم من المجتمعات، لأن المتطرفين يريدون أن يقصون الجالية المسلمة بأكملها ويدفعونها للتصادم مع المجتمع الفرنسى، وهذا مخالف لمصلحة جميع الأطراف فى فرنسا.
 
فالإسلام السياسى يسعى لإظهار نفسه فى موقف الضعيف المقهور من اليمين المتطرف، فهو لا يواجهه، لكنه يريد من الجالية أن تنسلخ من المجتمع، وهذا أيضا ما يريده اليمين المتطرف، وفى النهاية الضحية هى الجالية المسلمة، مما يظهر وكأنه تصدع فى المجتمع الفرنسى، لذا نرى أن الإسلام السياسى والقوميين لهم نفس النظرة والهدف فى عدم الامتثال لقانون الدولة، والوقوف ضد الحرية الفردية، وضد احترام الديمقراطية وتداول السلطة، وبما ان الإسلام السياسى والقوميين كانوا يتعاملون بشكل سرى، وبأساليب ملتوية للإفلات من الرقابة والملاحظة العامة، حتى إنهم استعملوا نفس المبادئ التى هى أساس المجتمع الفرنسى، وحولوها وغلفوها بمعان وأسس دينية مخالفة لهذه المبادئ.
 
ويتابع: بالرغم من أن عددهم ليس كبيرا، فإن تأثيرهم أصبح كبيرا، خصوصا على المستوى الاقتصادى والثقافى، وبالتالى لابد من صحوة من المجتمع ضد كل من يسعى لتقسيم المجتمع الفرنسى، وأن تكون هناك استفاقة من المجتمع المدنى والأحزاب والجهات الرسمية لمواجهة هذه الانفصالية الدينية والقومية مهما كان مداها، وعلى المثقفين فى الجالية الإسلامية أن يكونوا على قدر المسئولية فى حماية إخوتهم من هذه التيارات، لكى يبقوا منسجمين مع مجتمعاتهم، وعلى المجتمع الفرنسى بكل فئاته وأحزابه السياسية أن يتصدى لكل هذه المحاولات، حتى يعيش المجتمع بكل عناصره أم سواء مسلمين أم مسيحيين أم أفارقة أم آسيويين فى انسجام وتعايش سلمى،  فى ظل احترام الجميع للقانون الذى يساوى بين الجميع فى الحقوق والواجبات.

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام