رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الأحد 15 يونيو 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
دائرة الحوار
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
نحن والعالم
نتنياهـو فى مرمى مدافع المعارضة
3-6-2025
|
23:35
⢴العزب الطيب الطاهر
يائير جولان: جيش الاحتلال يمارس هواية قتل الأطفال.. ووزراء الحكومة الحالية انتقاميون وبلا أخلاق.. ويفتقرون إلى الحكمة والكفاءة
إيهود باراك: إعادة احتلال قطاع غزة أو غزوه كارثة إستراتيجية.. واستمرار الحرب يهدف إلى حماية نتنياهو المفعم بأوهام النصر الكامل
إيهود أولمرت: ما يجرى فى غزة جرائم حرب ترتكبها عصابة يقودها نتنياهو.. وحكومة الاحتلال تشن حاليا حربا بلا هدف
التحولات فى مواقف القيادات السياسية والعسكرية السابقة مؤشر على بداية فى هدم جدار الإجماع الصهيونى التقليدى حول مقولة «الجيش الأكثر أخلاقية»
ضربة قوية للرواية الرسمية لحكومة الاحتلال التى تبرر استمرار حرب الإبادة تحت ذريعة الضرورات الأمنية
تشكل المواقف والطروحات الداخلية المعارضة للحرب بقوة قيمة مضافة للتحولات الملحوظة فى المشهد الدولى
خبراء: قدرة هذه الضغوط على وقف الحرب مرهونة بالموقف الأمريكى الذى يبقى العامل الأكثر تأثيرًا
عندما يتعرض رئيس حكومة القوة القائمة بالاحتلال، بنيامين نتنياهو للانتقاد من قبل فلسطينيين أو عرب أو أطراف من خارج الإقليم.. قد يكون ذلك مبررا بفعل ما ارتكبه جيشه فى غزة خلال الأشهر العشرين المنصرمة، من أعمال إبادة جماعية باعتراف مؤسسات قانونية دولية.
غير أن الأمر يطرح عديد علامات الاستفهام، ويثير مساحة واسعة من الجدل بشأن الدلالات والمآلات، عندما تتصاعد هذه الانتقادات من نخب سياسية وعسكرية، كانت فى قلب صناعة القرار وفى أعلى درجات هرم السلطة بإسرائيل، معلنة رفض هذه الحرب بكل ما انطوت عليه - وما زالت - من انتهاكات واختراقات لمحددات قواعد الحروب، فى ظل غياب التكافؤ بين قوة عسكرية مدججة بكل أنواع الأسلحة وأحدث العتاد، والقنابل الذكية والمقاتلات بمختلف صنوفها، والقادمة من بلاد العم سام، وبين شعب أعزل ومقاومة لا تمتلك إلا أسلحة توصف بالبدائية ومصنوعة بعقول فلسطينية ومن مكونات محلية، وعلى الرغم، من ذلك نجحت فى إلحاق الأذى بجيش الاحتلال أفرادا ومعدات.
وحرب غزة هى أطول الحروب التى خاضتها القوة القائمة بالاحتلال، منذ أن غرست غرسا فى فلسطين فى 1948، وشهدت فى فتراتها الأولى مساندة رموز المعارضة الكبار لها بحماسة منقطعة النظير، فى مقدمتهم بينى جانتس وزير الدفاع الأسبق ورئيس أركان جيش الاحتلال الأسبق وزعيم حزب معسكر الدولة، وكذلك رئيس الأركان السابق، جادى آيزنكوت، ما دفع نتنياهو إلى ضمهما فى الحادى عشر من أكتوبر من العام قبل الفائت، إلى مجلس الحرب أو ما يشبه حكومة طوارئ أو وحدة وطنية شكلها، للإشراف على إصدار القرارات الخاصة بالعمليات العسكرية والخطوات السياسية المتعلقة بالعدوان على غزة، إلى جانب أركان حكومته الموسعة، فى صدارتهم وزير الدفاع آنذاك يوآف جالانت ووزير الشئون الإستراتيجية، رون ديرمر كمراقبين.
ولم تمر سوى بضعة أشهر حتى استشرت الخلافات الداخلية بحكومة الحرب، خصوصا بين نتنياهو وجالانت من جانب، ونتنياهو وجانتس وآيزنكوت من جانب آخر، بشأن المفاوضات وإدارة غزة فى مرحلة ما بعد الحرب، ومع اشتدادها – أى الخلافات، أعلن كل من جانتس وآيزنكوت استقالتهما من حكومة الطوارئ فى شهر يونيو من العام المنصرم، ووجها الدعوة لإجراء انتخابات برلمانية بأسرع وقت ممكن، وهو أمر كان مستحيلا بحكم الأغلبية الداعمة لنتنياهو وحكومته اليمينية ما حفزه إلى إلغاء مجلس الحرب.
ومع استمرار معارك غزة بوتيرة دموية غير مسبوقة فى تاريخ الحروب المعاصرة، أخذت الأصوات الرافضة لمساراتها، بالذات فيما يتعلق بأبعادها الأخلاقية، وما ترتب عنها من أهوال إنسانية وفظائع تجاوزت المدى ترتفع بحدة، لاسيما من قيادات سياسية وعسكرية رفيعة المستوى تولت مناصب عليا فى سنوات سابقة، وما زال تأثيرها ونفوذها متوهجا بحكم ارتباطها القوى بالمشروع الصهيونى.
ويمكن الوقوف عند ثلاثة نماذج من هذه القيادات التى أعلنت التمرد أخيرا على الخطاب السياسى السائد بشأن وقائع حرب غزة ومخاطرها، أولهم يائير جولان نائب رئيس الأركان الأسبق، والزعيم الحالى لحزب الديمقراطيين، وهو حصيلة اندماج حزبى العمل وميرتس اللذين ينتميان للتيار اليسارى، الذى امتلك شجاعة التعبير عن مسكوت داخل شرائح بإسرائيل التى تراوحت، نسبة رفضها لاستمرار الحرب بين 62 و67 فى المائة طبقا لاستطلاعات الرأى فى الأشهر الأخيرة، فجاءت مخرجات مقابلته مع هيئة البث العام الرسمية بتل أبيب، مؤكدة أن إسرائيل - فى طريقها لأن تتحول إلى كيان منبوذ، على نحو شبيه بنموذج جنوب إفريقيا فى زمن هيمنة البيض على مقدراتها وتطبيق نظام الفصل العنصرى، فهو لم يعد يتصرف على نحو عقلانى - كما يقول - فى ظل استهداف قيادة جيش الاحتلال للأطفال فى غزة، ومن ثم فإن «الدولة العاقلة لا تقاتل المدنيين، ولا تقتل الأطفال كهواية، ولا تضع لنفسها هدف طرد السكان من بيوتهم» فى إِشارة لخطة بنيامين نتنياهو، لتنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وهو المقترح الذى لاقى ترحيبًا من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى ما زال يتبنى خيار امتلاك القطاع المحاصر، وإخضاعه لسيطرة الولايات المتحدة بعد تهجير أهله منه لمصر والأردن، لكن صلابة قيادتى وشعبى الدولتين فى رفض هذا المخطط، اتكاء على إسناد عربى جماعى، أجهض أى نزوع للتهجير، فبدأ التفكير فى أطراف إقليمية ودولية أخرى.
ويلفت جولان، النظر إلى أن حكومة نتنياهو الحالية لا علاقة لها باليهودية أو الصهيونية، فهى مكونة من وزراء «انتقاميين» بلا أخلاق، ويفتقرون إلى الحكمة والكفاءة على إدارة البلاد فى زمن الحرب، وهو ما يشكل فى حد ذاته خطرا وتهديدًا وجوديًا حقيقيًا على إسرائيل فى المقام الأول، ما يستدعى إنقاذه من هذه الحكومة فى أسرع وقت ممكن، لأنه بدون ذلك، لن تنتهى هذه الحرب.
وحسب قناعته، فإن البلاد تسير باتجاه الانهيار الاقتصادى والاجتماعي، حيث باتت تفقد قدرتها على توفير الأمان لمواطنيها، فى وقت تتقدم فيه المنطقة إلى الأمام، بينما تبقى عالقة وتتحمل وحدها التبعات، لاسيما أن نتنياهو يرفض أى تسوية للحرب فى غزة، ويهدر الميزانية العامة على الوظائف السياسية ودعم المستوطنات وإرضاء الأحزاب المتشددة، مما يجعل إسرائيل مكانا أكثر صعوبة للعيش فيه.
وتعرض جولان لسلسلة من ردود الفعل الغاضبة من النخبة الحاكمة فى تل أبيب، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو الذى رأى – حسب ادعائه – أن جيش الاحتلال هو الأكثر أخلاقية فى العالم»، واصفا تصريحاته بأنها «تحريض جامح» و»افتراء دموي».. وكعادته منذ بدء حرب الإبادة فى غزة، التى دأب فيها على استخدام مصطلح «معاداة السامية» فى كل مناسبة، لمهاجمة الفلسطينيين والمقاومة أو أى شخص غير إسرائيلي، اتهم نائب رئيس الأركان الأسبق، بـ «معاداة السامية»، وترديد بعضا من أبشع الافتراءات الدموية ضد جنود جيش الاحتلال والكيان الإسرائيلي، فيما أصدر وزير الدفاع بسرائيل كاتس، أمرا بمنعه من دخول القواعد العسكرية وارتداء الزى العسكرى، بينما وصفه وزير الأمن القومى المتطرف إيتمار بن غفير، بأنه يتقمص دور المتحدث باسم حماس»، واتهمه بنشر أكاذيب معادية للسامية، ومع ذلك لم يتراجع، وإن خفف من غلواء مسألة إقدام جيش الاحتلال على قتل أطفال غزة كهواية، على الرغم من إدراكه أنه قد يدفع ثمنا لطروحاته خلال انتخابات الكنيست فى العام المقبل، على نحو قد يقود إلى إزاحته من المشهد البرلمانى، أو حصوله على أقل عدد من المقاعد من خلال تكتل اليمين المتطرف دينيا وقوميا ضد حزبه، ومع ذلك ثمة من يعتقد أن هذه الطروحات، سترفع منسوب شعبيته فى مواجهة القوى اليمينية، بعد اتساع قاعدة الرافضين للحرب.
أما النموذج الثانى، فتجسد فى تصريحات رئيس الوزراء الأسبق والرئيس الأسبق لأركان جيش الاحتلال إيهود باراك، فى مقال رأى بصحيفة «فايننشيال تايمز»، الذى نظر إلى مخطط إعادة احتلال قطاع غزة أوغزوه بحسبانه كارثة إستراتيجية، وإلى أن استمرار نتنياهو فى إشعال الحرب الحالية لا يهدف إلى حماية الإسرائيليين، بل إلى حماية نفسه، مشيرا إلى أنه بعد قرابة 20 شهرا من أحداث 7 أكتوبر 2023، يواجه إسرائيل خيارا مصيريا، إما التوصل إلى اتفاق لإعادة جميع المحتجزين إلى ديارهم وإنهاء الحرب، أو شن هجوم شامل على غزة سعيا وراء «وهم النصر الكامل على حماس»، كما أن الحكومة الحالية تواجه أيضا خيارا آخر أعمق، إما التحالف مع وزراء اليمين المتطرف مثل إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين يدفعان باتجاه إعادة احتلال غزة وتهجير سكانها، أو التوجه نحو المجتمع الدولى ورؤية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للسلام الإقليمى والقانون الدولي، لكنه يرى أن هذا المسار بالنسبة لنتنياهو، محفوف بالمخاطر، فهو يهدد ائتلافه اليمينى المتطرف، ويفتح الباب أمام دعوات متجددة لتشكيل لجنة تحقيق فى أحداث السابع من أكتوبر، وقد يُسرع محاكمته بتهم الفساد المتعثرة منذ فترة طويلة.
واستنادا إلى خبرته العسكرية والسياسية الطويلة، فإن باراك يعتقد بقوة أن فكرة «القضاء التام» على حماس، الجماعة المتغلغلة بين أكثر من مليونى مدني، ليست مهمة عسكرية عملية.. ففى الواقع، لا يُحقق أى هجوم متجدد على غزة أى مكسب إستراتيجى، كما أن تجدد القتال سيُلحق الخطر بمزيد من المحتجزين، وهذا وحده كفيل بإنهاء النقاش، وطبقا لقناعته فإن «العديد من الإسرائيليين» يرون أن غزو نتنياهو الجديد لغزة، هو فى حقيقته حرب سياسية لحماية ائتلافه الهش، متخفيا فى صورة ضرورة أمنية، وعندما تنتهى هذه الحرب حتما، تحت ضغط عالمى أو انهيار إنسانى أو اضطرابات داخلية، سيجد إسرائيل نفسه عائدا إلى حيث بدأ، متسائلا: فلماذا يضحى بالمحتجزين والجنود والمزيد من سكان غزة الأبرياء للوصول إلى هناك؟
أما النموذج الثالث، فقد بلوره رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت فى الفترة بين 2006 و2009 ، بمقال رأى بصحيفة «هآرتس، الذى استخدم عبارات واضحة وصريحة وبلا موارية، فى وصفه ما يجرى فى غزة بأنه جرائم حرب، يرتكبها جيش الاحتلال، وأن آلاف الفلسطينيين الأبرياء يقتلون، بالإضافة إلى العديد من جنود هذا الجيش، متوافقا مع رؤية جولان بأن «حكومة الاحتلال تشن حاليا حربا بلا هدف، وبلا أهداف أو تخطيط واضح، وبلا أى فرص للنجاح، ووفقا لتقييمه فإن إسرائيل لم تشن منذ تأسيسها حربا كالتى تشنها العصابة الإجرامية التى يقودها (رئيس الوزراء) بنيامين نتنياهو، التى أرست سابقة لا مثيل لها فى تاريخ البلاد فى هذا المجال أيضا، لافتا النظر إلى أن الضحايا الذين لا مبرر لقتلهم بين السكان الفلسطينيين، بلغوا أعدادا هائلة فى الأسابيع الأخيرة، فيما العمليات الأخيرة فى غزة لا علاقة لها بأهداف حرب مشروعة، واصفا حرب غزة بأنها سياسية خاصة، نتيجتها المباشرة تحويل القطاع إلى منطقة كارثة إنسانية، فما يجرى فيه هو حرب دمار: قتل عشوائي، وبلا حدود، ووحشي، وإجرامى للمدنيين. إنها نتيجة سياسة حكومية مُملاة عن علم وشر وخبث وعدم مسئولية.
وسبقت هذه التصريحات مواقف مشابهة لوزير الدفاع الأسبق موشيه بوجى يعلون، الذى وصف ما يقوم به جيش الاحتلال فى غزة بأنه «تطهير عرقي».. والمؤكد أن هذه المواقف الحادة فى مفرداتها ومضمونها تعكس جملة من الدلالات، فى صدارتها أنها تكتسب أهمية استثنائية ليس فقط بسبب توقيتها، بل لأنها تمثل بداية فى هدم جدار الإجماع الصهيونى التقليدى حول مقولة «الجيش الأكثر أخلاقية»، التى طالما شكلت غطاءً ودرعًا فى الوعى الجمعى داخل إسرائيل أمام الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين، فقد أعقبها أو تزامن معها إطلاق أكثر من ألف من الأكاديميين والمحاضرين والعاملين والإداريين فى الجامعات وحقول التعليم العالى، نداء عاجلا دعوا فيه إلى وقف فورى للحرب على غزة، مستندين فى ذلك – حسب بيان أصدروه- إلى أن القوة القائمة بالاحتلال منذ أن خرقت وقف إطلاق النار فى 18 مارس الماضى، استشهد فى غزة ما يقارب 3 آلاف شخص معظمهم من المدنيين العزل، وأن أكثر من 53 ألفا استشهدوا فى قطاع غزة منذ بداية الحرب، التى تجاوزت سقف ال 600 يوم الأربعاء قبل الماضى، بينهم 15 ألف طفل فلسطينى وما يقارب 41 محتجزا إسرائيليا.
ولفت الموقعون على البيان النظر إلى أنهم بصفتهم «أكاديميين وأكاديميات، يقرّون بتحمل المسئولية، عما تنفذه حكومة الاحتلال من جرائم ضد الإنسانية، وتحويل غزة إلى منطقة غير صالحة للعيش البشري، لأن هذه الحكومة تواصل قصف المستشفيات والمدارس والمؤسسات الأخرى، والقضاء التام على التعليم العالى فيها، وتركيز السكان ودفعهم إلى التحرك»، مطالبين مؤسسات التعليم العالى فى إسرائيل بأن «ترفع صوتها وأن تخاطب طلابها وطالباتها والجمهور عامة، وألا تتردد بعد الآن فى مواجهة الواقع كما هو وتسمى الأشياء بمسمياتها، لأن هذه أفعال لا تحتمل أن ترتكب بأسمائنا وبأيدينا».. هذا أولا.
أما ثانيا: تمثل هذه المواقف القوية من قبل هذه النوعية من القيادات الثقيلة وزنا وغيرهم، ضربة قوية للرواية الرسمية لحكومة الاحتلال، التى تبرر استمرار حرب الإبادة العمليات فى غزة تحت ذريعة الضرورات الأمنية، كما أنها ليست مجرد كلام عابر، بل تحمل تحولات عميقة قد تُسهم فى إعادة تشكيل النقاش العام داخل إسرائيل، حول جدوى استمرار الحرب وكلفتها الإستراتيجية، ومع تكرارها، لاسيما أنها جاءات على لسان شخصيات كانت تنتمى للمؤسسة العسكرية والأمنية، فضلا عن المستوى السياسى، فقد تفضى إلى وقوع تصدع أخلاقى داخل جيش الاحتلال، لا سيما فى ظل فشل الحرب فى تحقيق «النصر» أو «الردع: فضلا عن كونها يمكن أن تشكل نقطة تحول نسبية، إذ تفتح الباب أمام شخصيات سياسية وعسكرية سابقة للتشكيك فى استمرار القتل الجماعى، الذى لا يخدم المصالح الإستراتيجية للقوة القائمة بالاحتلال، بل تقوضها.. وبالتالى فإن نجاح هذه الظاهرة فى إحداث تغيير حقيقى يعتمد على تراكم الأصوات الناقدة من داخل المؤسسة الأمنية، إلى جانب قدرة المجتمع المدنى والمعارضة على استغلالها لتشكيل كتلة ضغط أخلاقية وإستراتيجية فاعلة.
ثالثا- فى سياق المحاسبة الدولية، يمكن استخدام هذه الطروحات، التى جاءت فى سياق أحاديث ومقالات رأى، كمستندات قانونية فى ملفات توثيق الإبادة الجماعية أمام هيئات مثل المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاي، خصوصا إذا تم دعمها بتقارير حقوقية، وصور أقمار صناعية، وشهادات ميدانية، تثبت استهداف الأطفال بشكل متكرر فى ملاجئهم أو أثناء نزوحهم، خصوصا أن ما تضمنته هذه المواقف أو الطروحات المغايرة من اعترافات تتمتع بمصداقية نابعة من صدورها من شخصيات، لا يمكن اتهامها بالعداء الأيديولوجى لإسرائيل، بل كانت جزءًا من منظومة اتخاذ القرار، وهو ما يجعلها عاملا قويا فى تفكيك الخطاب الرسمى من الداخل، مما يعزز الضغط الدولى والداخلى لإعادة تقييم سياسات هذا الكيان وممارساته فى الصراع.
رابعا: تعكس هذه التحركات تزايد الوعى المجتمعى الإسرائيلى بكلفة الحرب الإستراتيجية، لكن حكومة نتنياهو وأركانها من اليمين المتطرف، تصر على استخدام الحرب كأداة سياسية لتعزيز مصالحها الشخصية والحفاظ على الائتلاف الحاكم، مما يعكس أولوية البقاء فى السلطة على حساب الاعتبارات الإنسانية، وهو ما يؤشر إلى تكريس منهجية إرضاء اليمين المتطرف بالتمادى فى ارتكاب جرائم الحرب أمام أعين المجتمع الدولي.. وثمة دوائر تتوقع أن يتجه نتنياهو فى مواجهة تنامى موجات الانتقاد ضده نحو صدام داخلى قد لا يكون قابلاً للاحتواء، وبينما يشير كثيرون إلى فقدانه السيطرة على مفاصل الحكم، فإن واحدا من قيادات حزبه - الليكود - وهو مندى صفدي، الذى يرأس فى الوقت نفسه مركز صفدى للدبلوماسية الدولية والأبحاث، ينبرى مدافعا بشدة عن شرعية قرارات نتنياهو، متهمًا المعارضة بمحاولة التفاف يائس على نتائج الديمقراطية، معتبرا أن ما يحدث ليس سوى «غضب يساري» متكرر بسبب عجز المعارضة عن الإطاحة بنتنياهو عبر صناديق الاقتراع، ووفقا لرؤيته، فإن اليسار بات يجدد أسباب ومظاهر مناهضته لحكومة الاحتلال الحالية وفقًا للمستجدات، دون أن ينجح فى تحقيق أى مكاسب ملموسة، لا سياسية ولا جماهيرية.. ومن ثم فإن الغضب الوحيد أو الأزمة الوحيدة تكمن فى أن اليسار لم يستطع منذ سنوات طويلة، أن يتغلب على نتنياهو فى الانتخابات، وبالتالى فإن أولئك الذين فشلوا ديمقراطيا، يهاجمون الحكومة كل مرة تحت شعار جديد.
خامسا: تقدم هذه المواقف والطروحات المعارضة للحرب بقوة، قيمة مضافة للتحولات الملحوظة فى المشهد الدولى، التى تجلت فى إقدام بعض الدول الأوروبية التى كانت تاريخيًا توفر مظلة حماية لإسرائيل، على إعادة تقييم مواقفها، فثمة حراك ملموس داخل منظومة الاتحاد الأوروبى لمناقشة تعليق اتفاقية الشراكة مع هذا الكيان بمختلف أبعادها السياسية والاقتصادية والتجارية والأمنية، وإن كان الأمر يتطلب إجماع الدول السبع والعشرين الأعضاء بالمنظومة، إلى جانب حديث دول أوروبية عن فرض عقوبات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، فضلاً عن تصريحات سياسية متزايدة، تدعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتندد بقوة باستمرار وقائع حرب الإبادة فى غزة وباقى الأراضى المحتلة، وتشير هذه التحولات إلى تنامى حالة من الإدراك المتزايدً بأن الوسائل القانونية التقليدية لم تكن كافية لوقف العدوان، مما دفع المجتمع الدولى إلى اللجوء إلى أدوات غير قانونية مثل الضغوط السياسية والاقتصادية، وذلك فى الوقت الذى تبدت فيه نذر تباين فى المصالح الأمريكية بين واشنطن وتل أبيب.
ومن ثم فإن استمرار نتنياهو فى تجاهل مقترحات الصفقة الشاملة، ووضع العراقيل أمامها أو إنهاء العدوان – مثلما تحدث ترامب غير مرة -قد يدفع الولايات المتحدة إلى تقليص دعمها فى المؤسسات الدولية للقوة القائمة بالاحتلال، مثل مجلس الأمن، كوسيلة للضغط عليه، أو هكذا يحلم البعض، وقد تتصاعد الضغوط الغربية إذا أصر نتنياهو على نهجه الحالي، مما قد يؤدى إلى تبنى حزمة أوسع من العقوبات، تشمل أدوات سياسية ودبلوماسية وتجارية، فضلا عن وقف تزويد الكيان بالأسلحة والعتاد العسكرى، وهو ما بدأته بعض الدول فى مقدمتها أسبانيا ، وتلوح به المملكة المتحدة بقوة ونواب فى برلمان ألمانيا، خصوصا مع انتقاد مستشارها الجديد «فريدريتش ميرتس» العمليات العسكرية فى غزة، ووصفها بـ»غير المبررة».. لكن خبراء يؤكدون أن قدرة هذه الضغوط على وقف الحرب تعتمد بشكل كبير على الموقف الأمريكي، الذى يبقى العامل الأكثر تأثيرًا، فضلا عن ممارسة المزيد من الضغوط المشتركة على الصعيدين الإقليمى والدولى، وهو ما يستوجب حراكا عربيا نشطا بدأته اللجنة الوزارية العربية الإسلامية خلال الأسبوع قبل الماضى باجتماعها المشترك مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى بالعاصمة الأسبانية – مدريد -تنفيذا لمخرجات قمة بغداد الأخيرة.
كلمات بحث
نتنياهـو
مدافع المعارضة
نحن والعالم
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
إصرار إسرائيلى لمنع المساعدات والغذاء عن قطاع غزة.. تجويع الفلسطينيين جريمة حرب
يعانون آلام الفقد لذويهم أمام أعينهم.. علاج نفسى لأطفال غزة
مخاوف من اندلاع الحرب الشاملة بحلول 2030.. روسيا والناتو.. هل تكون شرارة الصراع القادم؟
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
دائرة الحوار
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام