رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الخميس 13 نوفمبر 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
وجوه عبر الزمن
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
دائرة الحوار
وجوه عبر الزمن
يحيى يخلف.. روائى مشى بالنكبة إلى العالم (1)
3-6-2025
|
23:40
إلهامى المليجى
فى سيرة الشعوب، وجوه تكتب لا لأنها تمتلك الموهبة فحسب، بل لأنها تحمل الجرح… ويحيى يخلف واحد من هؤلاء. كاتبٌ خرج من «سمخ»، القرية التى أُطفئت عن الخريطة، لكنها توهّجت فى وجدانه، فكتبها روايةً بعد أخرى، حتى باتت فلسطين كلها تسكن فى لغته، وتتكلم بصوته.
لم يكن يخلف من أولئك الذين اختبأوا خلف عباءة الأدب، بل جعله سلاحًا، وموقفًا، ووسيلة لإنقاذ الذاكرة من التآكل. كانت رواياته – من نجران تحت الصفر، إلى بحيرة وراء الريح، ومن تفاح المجانين، إلى راكب الريح – توثق، وتقاوم، وتكشف عن هشاشة العالم أمام صلابة الحلم الفلسطيني.
فى كل تلك السنوات، لم يكن الأديب وحده من يسير فى درب الوجع… بل المناضل، والمنظم الثقافى، الذى وضع الثقافة فى قلب المشروع الوطنى الفلسطيني، وسعى لتثبيت مكانتها فى خضم الحروب والانقسامات. تولّى الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وشارك فى بناء المؤسسات الثقافية لمنظمة التحرير، وشغل منصب وزير الثقافة، دون أن يتخلى لحظة عن دور الكاتب، الذى يرى أن الكلمة – إذا ما كتبت بالصدق – يمكنها أن تضع الاحتلال فى قفص الاتهام.
عرفته إنسانًا لا يرفع صوته، بل يرفع مواقفه. قليل الادعاء، واسع الأفق، ينتمى إلى تلك القامات التى كلما اقتربت منها، اكتشفت كم هى عظيمة دون أن تقول عن نفسها شيئًا.
المشهد الأول: صوت لم يمنح... لكنه لم ينسَ
لم أذكر يومًا أننى منحت صوتى ليحيى يخلف فى انتخابات اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين ببيروت عام 1980. ليس اعتراضًا عليه – حاشا – بل لأن الانتخابات لم تكن تعنينى كثيرًا آنذاك، رغم أننى كنت عضوًا فى الاتحاد، حاضرًا أكثر منى مشاركًا.
كنت قد قرأت له قبل أن ألتقيه. روايته البديعة “نجران تحت الصفر”، أول عمل روائى أقرأه يتناول الواقع اليمنى من الداخل. بطلها موظف فلسطينى يلقى به فى عمق جنوب الجزيرة، ليواجه قسوة المناخ، وتحديات الثقافة، وجراح الإنسان العربى المقموع. لم تكن الرواية توثيقًا فحسب، بل وثيقة إنسانية عن وحدة الألم والمصير العربي، من صنعاء إلى رام الله.
بعد فوزه بالانتخابات، التقيته صدفة، وصارحته ببساطة:
.”أستاذ يحيى، آسف... لم أشارك فى التصويت”
ضحك بهدوء من يعرف مقامه، وقال بعفوية الكبار:
“لا بأس يا صديقي... المهم أننا نكتب ونحلم”.
ثم توقف عند لهجتى المصرية، وراح يتحدث عن مصر بمحبة عميقة، عن دورها فى احتضان الفلسطينيين، عن تأثير مثقفيها من طه حسين إلى عباس محمود العقاد وإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ، وعن الكتاب الذين شكلوا وعيه المبكر. كان حديثه فى بيروت، فى وسط يجمع كثيرًا من “الثوريين” الذين خلطوا بين نظام وقع اتفاقية، وشعبٍ صنع المواقف، وكتب بالدم على الجبهة.
كلماته، فى بساطتها وعمقها، أكدت لى أنه لم يكن كاتبًا فقط، بل رجل يعرف الفارق بين النظام والمصير، بين السياسة والمبدأ، بين الحدث والهوية.
المشهد الثاني: الشقيف... حين بكى الشعر وصفّق يخلف للقصيدة
فى يناير من العام 1981، التأم الشعر والمقاومة فى “ملتقى الشقيف الشعري” إحياء لانطلاقة الثورة الفلسطينية. على مقربة من موقع القلعة التاريخية التى شهدت صمودًا أسطوريًا لمقاتلى المقاومة، اجتمع أدباء وشعراء عرب من مشارب شتى، ليعلنوا أن الكلمة لا تزال فى صفوف القتال.
كان يحيى يخلف قد انتخب لتوّه أمينًا عامًا لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وبدت مشاركته فى الملتقى كأنها إشارة رمزية إلى مكانة الثقافة فى معركة التحرير.
وقف يخلف بهدوئه المعروف، وألقى كلمة مفعمة بالإجلال لتاريخ الشعراء العرب، والاحتفاء بالشباب. لم يتحدث بلغة البيانات، بل بلغة الذاكرة والاحترام، فبدا كأنه يرمم شيئًا فى الروح دون أن يرفع صوته.
وفى ذلك الملتقى، حضرتُ لحظة لا تُنسى.
صعد أمل دنقل إلى المنصة. رأيته للمرة الأولى… والأخيرة. كان وجهه شاحبًا، لكن صوته يشع يقينًا. ألقى قصيدته الشهيرة:
“لا تصالح ولو منحوك الذهب”.
لم تكن القصيدة مجرد احتجاج سياسي، بل بيان شرف للأمة كلها. لم يصرخ دنقل، بل زمجر بصوته المنكسر، فكأن القصيدة كُتبت خصيصًا لذلك المكان، وتلك اللحظة.
رأيت من دمعت عيناه، ومن أطرق رأسه، ومن تلعثم فى التصفيق. لكن يحيى يخلف لم يتردد، كان أول من صفق بقوة، بإجلال حقيقي، لا مجاملة. كان يدرك أن أمل دنقل لم يقرأ فقط قصيدة، بل فتح نافذة على الضمير.
تلك الأمسية لم تكن عادية. فى الخلفية كان ياسر عرفات وقادة الفصائل، لكن الصدارة كانت للشعر. وكانت القصيدة التى ألقاها دنقل، بتلك الحدة الأخلاقية، تضع الجميع فى اختبار.
أما يخلف، فكان – فى أيام الملتقى – يمرّ علي بالتحية، يربت على كتفى ويبتسم كما لو أننا أصدقاء قدامى. ربما لم يكن يعرفنى جيدًا، لكن تواضعه ورقته كانا أقوى من كل الاعتبارات.
الوفاء الذى لا يحتاج تعريفًا
هكذا بدأ الحضور. من لقاءٍ عابر فى بيروت إلى تصفيقٍ حقيقى فى الشقيف، كان يخلف يتقدم فى الذاكرة لا بالصوت العالي، بل بالموقف.
لكنه لم يرسخ فى وجدانى بسبب كلمات فقط، بل بسبب فعلٍ نبيل فى لحظة قاسية.
فى برلين عام 1983، وجدت نفسى فى مأزق شديد، وكنت أعول على من ظننته الأقرب. وحين خذلني، جاء يحيى يخلف، بهدوئه، وحسمه، وطيبة طبعه، وحل الأزمة دون سؤال أو منة.
الخاتمة لم يكن يحتاج أن يعرّف نفسه… كان حضوره يكفي.
وعن تلك الحكاية، وعن لقاءات أخرى تكررت فى القاهرة، حيث ازداد الودّ عمقًا، ستكون الحلقة القادمة من “وجوه عبر الزمن”.
عن الكاتب الذى لم يخذلنى يومًا، حين خذلنى من كنت أظنه الأخ الأقرب.
كلمات بحث
يحيى يخلف
فلسطين
وجوه عبر الزمن
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
السياسى النزيه.. محمود المليجى ما بين الزنزانة والمنبر (2)
السياسى النزيه.. محمود المليجى ما بين الزنزانة والمنبر (2)
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
وجوه عبر الزمن
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
< li>
دائرة الحوار
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام