نحن والعالم



مخاوف من اندلاع الحرب الشاملة بحلول 2030.. روسيا والناتو.. هل تكون شرارة الصراع القادم؟

14-6-2025 | 18:48
هانى فاروق

أندريه مورتازين: على مدى القرنين الأخيرين روسيا لم تبدأ الحروب ضد أوروبا.. والساسة الغربيون هدفهم مواصلة الحرب لإضعاف بوتين
نيكولاس ويليامز: محللو الاستخبارات يرون أن روسيا قادرة على إعادة تعزيز قدراتها العسكرية بعد انتهاء الصراع الحالى مع أوكرانيا
جيمس موران: روسيا لن تواجه دول الناتو مباشرة لكن نجاحها فى أوكرانيا سيزيد من الضغط على دول البلطيق ومولدوفا
 
بينما تنشغل العواصم الأوروبية بتعزيز دفاعاتها ورفع إنفاقها العسكرى إلى مستويات غير مسبوقة، تتصاعد التحذيرات من «خطر روسى وشيك» قد يتجسد في حرب شاملة تقودها موسكو ضد أوروبا بحلول عام 2030، وفى الوقت الذى تقدر فيه دوائر استخباراتية غربية أن الكرملين يعمل على تجهيز جيش قوامه 3 ملايين جندى و7 آلاف دبابة و5 ملايين طائرة مسيرة، تقول الأوساط الألمانية إن موسكو بدأت بالفعل هجمات سيبرانية مركزة على البنية التحتية العسكرية لدول البلطيق.
 
فما بين اتهامات بـ»استفزاز الغرب» واتهامات مضادة بـ»استفزاز روسيا»، تتبلور تساؤلات جوهرية حول مستقبل القارة الأوروبية، واحتمالات نشوب صراع واسع النطاق يعيد شبح الحرب الباردة إلى الواجهة، لكن هذه المرة فى شكل جديد من الحروب الجيوسياسية والهجينة المعقدة، ويبدو أن العالم يقف على مفترق طرق حرج فى العلاقة بين روسيا والغرب، وسط تصاعد التوترات وتآكل الثقة المتبادلة.
ففى حين يرى الجانب الروسى أن الغرب يستخدم أوكرانيا كأداة لإضعاف روسيا وتهديد أمنها الإستراتيجى، يتمسك الغرب برواية مفادها أن موسكو تسعى إلى إعادة رسم خريطة أوروبا وفرض هيمنتها على جوارها الإقليمي.
 
فى السطور التالية، تنفرد «الأهرام العربي» بآراء عدد من الخبراء الروس والغربيين، حول مستقبل العلاقة بين روسيا وحلف الناتو، ومدى واقعية تفجر صراع شامل فى قلب القارة الأوروبية خلال السنوات الخمس المقبلة.
يلفت الخبير الإستراتيجى الروسى أندريه مورتازين النظر إلى أننا إذا نظرنا إلى مصادر الأخبار التى تتحدث عن نية روسيا مهاجمة أوروبا، سنجدها تنحصر بين السياسيين من دول البلطيق مثل وزير دفاع الاتحاد الأوروبى، رئيس الوزراء الليتوانى السابق أندريوس كوبيلوس، ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبى ورئيسة وزراء إستونيا كايا كالاس، والأمين العام لحلف الناتو مارك ريوتى، وميرتس وماكرون وستارمر، مشيرًا إلى أن هؤلاء الناس يريدون إلحاق الهزيمة الإستراتيجية بروسيا‪.‬
وأكد مورتازين أنه على مدى القرنين الأخيرين نجد أن روسيا لم تبدأ الحروب ضد أوروبا، بل على العكس ففى عام 1812 نابليون بونابرت بعدما قام باغتصاب واحتلال أوروبا كلها، هاجم روسيا التى تصدت للهجوم وطاردت المعتدى الفرنسى ودخلت باريس، لكن يبدو أن السيد ماكرون ينسى التاريخ الفرنسي‪.‬
وأضاف أنه قبل 84 عامًا هاجم أدولف هتلر الاتحاد السوفيتى، وحاول أن يدمر الاتحاد السوفيتى، لكن الاتحاد السوفيتى كسر الجيوش النازية وطارد العدو وحرر أوروبا الشرقية ورفع العلم الأحمر فوق ريخرتاج، ففى هذه الحرب فقد السوفييت 28 مليون شخص، ولم تكن مثل هذه الخسائر فى أوروبا التى فضلت الاستسلام واغتصاب دولها أمام القوات النازية. 
كما أكد مورتازين أن روسيا لا تريد بالطبع تكرار الحرب مع أوروبا وتدمير الدول الأوروبية مثلما فعل أدولف هتلر، موضحًا أن المشكلة الرئيسية تتمثل فى أن جيل السياسيين الأوروبيين الجديد مثل ميرتس وماكرون وستارمر وآخرين لا يعرفون ولا يدركون ما هى الحرب الأوروبية الجديدة، وليس لهم السيادة الحقيقية.
وأوضح أنه على مدى أكثر من 70 عامًا الماضية هم كانوا يعتمدون على حلف الناتو، أى على الولايات المتحدة الأمريكية، التى وعدت بإنقاذهم من “الشر الأحمر السوفيتي”، والآن من “الشيطان بوتين”، هم يتصرفون الآن كما روت قصة “ماوكلي” فى “كتاب الأدغال” بقلم ريديارد كيبلينج.
وقال إنه بعد إسقاط نظام الرئيس الأوكرانى فيكتور يانوكوفيتش الموالى لروسيا، فى العملية التى نفذت بأيدى وأموال المخابرات الأمريكية «‪ «CIA‬ حسب اعتراف الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، ظهر الخطر الحقيقى لطرد الأسطول الروسى من قاعدة سيفايتوبول فى القرم، وتحويل هذه القاعدة إلى قاعدة حلف الناتو، لكن روسيا حالت دون هذا السيناريو وضمت شبه جزيرة القرم‪.‬
وأشار مورتازين، قائلًا: نحن فى روسيا نعرف تماما أن فكرة جر أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا كانت تنتظر فى واشنطن، وفى العواصم الأوروبية من أجل “ردع العدوانى الروسي”، ولا يتكلم أحد فى الغرب أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتى روسيا لم تتقدم إلى الغرب، بل على العكس فإن حلف الناتو كان يتقدم إلى الشرق، ففى عام 1991 كان الناتو يشمل على 16 دولة، أما الآن فيضم 32 دولة، ولا يزال السياسيون الغربيون يتكلمون عن الخطر الروسي.
وأكد أن السياسيين الغربيين الجدد هم - الاستفزازيون - وهدفهم الحقيقى ليس وقف الحرب، بل مواصلة الحرب من أجل إضعاف روسيا “بوتين”، مشيرًا أنه لا يرى السيناريو الأوكرانى على أوروبا، لكن لا يستبعد مواصلة الحرب ضد أوكرانيا لفترة طويلة‪.‬
وفيما يخص القمة الثلاثية المقترحة (ترامب - بوتين – زيلينسكي) التى طالب بها الرئيس الأوكرانى، يرى أندريه مورتازين أنه لا فائدة من حديث بوتين مع زيلينسكى، ويمكن أن يكون الحديث بين بوتين وترامب، مؤكدًا أن الهدف الروسى هو الحصول من ترامب على وعد مكتوب، وليس شفويًا، بشأن عدم ضم أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا إلى حلف الناتو. 
 
تهديد فعلى لحلف الناتو
وحول رؤيته لما إذا كانت ستشن روسيا حربًا شاملة بحلول عام 2030، يؤكد السفير نيكولاس ويليامز، المسئول السابق فى حلف الناتو، أن العديد من محللى الاستخبارات فى الغرب يرون أن روسيا ستكون قادرة على إعادة بناء وتعزيز قدراتها العسكرية خلال 3 إلى 5 سنوات بعد انتهاء الصراع الحالى مع أوكرانيا، مما سيجعلها تشكل تهديدًا فعليًا لحلف الناتو، أما ما إذا كانت روسيا تنوى غزو إحدى دول الناتو أو ستنتهز الفرصة لفعل ذلك، فهذه مسألة أخرى.
وأشار إلى أن بعض المحللين يعتقدون أن روسيا قد تحاول ترهيب أو تهديد إحدى دول الناتو، إذا ما بدا الناتو ضعيفًا، موضحًا رأيه الشخصى، هو أن العلاقة بين الناتو وروسيا ستظل عدائية فى المستقبل المنظور، وسيكون من السذاجة أن يفترض الناتو خلاف ذلك أو أن يثق فى نيات روسيا أو تطميناتها‪.‬
وأكد ويليامز أن روسيا تملك حاليًا قوة احتياط تقدر بنحو 170 ألف جندى، وإذا ما قامت بتسليحهم وتدريبهم وتنظيمهم لغزو دول البلطيق أو للسيطرة الكاملة على أوكرانيا، فإنها ستشكل تهديدًا حقيقيًا لا يمكن إنكاره لأوروبا بأكملها، ومع ذلك، فإن انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، إلى جانب وجود القوات الأمريكية فى أوروبا، يتيح للناتو استهداف القدرات العسكرية والنووية الإستراتيجية الروسية فى أقصى الشمال، وهذا ما يثير مخاوف روسيا من قدرة الناتو على تدمير دفاعاتها فى ضربة أولى، مما يخلق نوعًا من الردع، لكنه أيضًا يولد حالة من الخوف قد تتفاقم إلى صراع‪.‬
كما أكد أنه قد تُستخدم الأقليات الروسية على حدود روسيا كذريعة، كما حدث فى أوكرانيا، لكى تصر روسيا على «حماية» المصالح الثقافية والاقتصادية للناطقين بالروسية، لا سيما فى مولدوفا، ومع ذلك، فإن المتحدثين بالروسية فى دول البلطيق يتمتعون بمزايا وامتيازات عضوية الاتحاد الأوروبى، وهى أمور لا يتمتع بها المواطن الروسى العادي، وفى الوقت الراهن، تتجنب الأقليات الروسية فى البلطيق الظهور العلنى خشية أن يتم استغلالها فى صراع أوسع بين الشرق والغرب‪.‬
وأشار ويليامز إلى أن هناك خلافات داخل روسيا بشأن توقيت وكيفية إنهاء الحرب، التى أصبحت تكلف روسيا أكثر مما كانت تتوقع أو تحتمل على المدى الطويل من حيث الموارد البشرية والمادية، ومع ذلك، لا توجد مؤشرات على استعداد بوتين لإبرام اتفاق ما لم تتحقق مطالبه، خصوصًا فيما يتعلق بحياد أوكرانيا، وفرض قيود صارمة على قواتها المسلحة‪.‬
وأوضح أنه من غير المرجح أن تجرؤ موسكو على ضرب الناتو مباشرة طالما أن الولايات المتحدة تحتفظ بوجود عسكرى ونووى قوى فى أوروبا، لكن إذا قامت دول من الناتو، ضمن ما يُعرف بـ “تحالف الراغبين”، بنشر قوات داخل أوكرانيا لتدريبها وتقديم المشورة لها فى صراعها مع روسيا، فإن روسيا - فى رأيى - قد تقدم على ضرب هذه القوات الأوروبية داخل أوكرانيا، وتتحمل حينها خطر نشوب صراع مع الناتو، لكن حتى الآن، كلا الطرفين حذر للغاية لتجنب استفزاز الآخر نحو صراع جغرافى أوسع‪.‬
وحول رؤيته بأن ما نشهده مجرد استعراض قوة روسى لردع الغرب، أم أن موسكو تعيد رسم خريطة أوروبا لإحياء مجد الاتحاد السوفيتى، يقول السفير نيكولاس ويليامز إن موسكو لا تعيد رسم خريطة أوروبا بهدف إحياء مجد الاتحاد السوفيتى، الذى أصبح تجربة اقتصادية وأيديولوجية فاشلة فى نظر معظم الروس، لكنها تعيد رسم الخريطة الأوروبية بهدف فرض هيمنة روسية واستعادة ما تعتبره مجال نفوذها الطبيعى، الذى ترى أن الناتو والاتحاد الأوروبى قد اقتحماه، مما أدى إلى تراجع مكانة روسيا إقليميًا وحتى عالميًا‪.‬ 
 
ردع المغامرات الروسية
بينما يؤكد السفير جيمس موران، المسئول السابق بالاتحاد الأوروبى، قائلًا: باختصار لا أعتقد أن روسيا ستجازف بضرب دول الناتو بشكل مباشر، لكن إذا نجحت فى أوكرانيا، فمن المرجح أن تزيد الضغط على دول البلطيق ومولدوفا. وهذه أحد الأسباب التى تدفع أوروبا لتعزيز دفاعاتها، التى يُتوقع أن تكون، بحلول عام 2030، كافية لردع المغامرات الروسية، سواء بدعم من الولايات المتحدة أو بدونها، وفى الوقت الحالى، ومع تردد أمريكا فى الدفاع عن أوروبا تحت قيادة ترامب، من المرجح أن يحاول بوتين استغلال أى فرصة تتاح له‪.‬
وأضاف موران: أما بالنسبة لإعادة رسم خريطة أوروبا من أجل «مجد» الاتحاد السوفيتى (الذى انتهى بطريقة لا تمت للمجد بصلة، بالمناسبة)، فأشك كثيرًا فى أن بوتين يعتقد حقًا أن ذلك أمر ممكن، فاقتصاده أضعف من أن يتحمل مثل هذا الطموح، وهو يدرك ذلك بالتأكيد، والقوة العسكرية وحدها لا تكفى لتحقيق مثل هذه الأهداف‪.‬
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام