رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الخميس 13 نوفمبر 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
وجوه عبر الزمن
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
دائرة الحوار
فجر الضمير
سميحة خريس.. إنشاء عالم سرى
14-6-2025
|
20:37
بشرى خلفان - روائية وكاتبة عمانية
يندر أن أتذكر أول لقاء لى مع أى شخص، لكنى أذكر لقائى الأول بسميحة خريس، برغم أنه لا يحمل أى صفة شخصية، ولا أظن أنه جرى فيه أى شىء، أكثر مما يجرى بين مجموعة من المثقفين من بلاد كثيرة، يجتمعون فى ندوة أو مؤتمر، فإن سبق اللقاء معرفة قديمة وتاريخ مشترك.
التقينا فى بهو فندق الشيراتون، الذى أقمنا فيه فى طرابلس لحضور ندوة المرأة وحرية الكتابة، حيث كانت طاولات هذا البهو اللطيف، هى ملتقى المشاركين المستريحين من كثير الكلام والتنظير، فكنا نلتقى لننظر للمرأة والكتابة والحرية، وللأدب والوضع الثقافى فى البلدان العربية مع رشة خفيفة من بهار الكلام، كما هى الحال فى كل اللقاءات.
وجدت نفسى أنضم إلى طاولة تضم سميحة خريس، وليلى الأطرش ورزان مغربى، وأصغى كما يفعل التلميذ النجيب للحوار، لا أتذكر عن ماذا كان يدور الحديث، لكنى أتذكر ابتسامة سميحة خريس الرائقة، وأتذكر ملامح وجهها عندما لا يعجبها الكلام، فتقول «شو بيعرفنى»؟ مبدية استنكارها أو يأسها من شىء ما.
عدت للقاء سميحة خريس فى عمّان بعد نحو عامين، وكنا هذه المرة فى مؤتمر حول القصة القصيرة، وهناك أهدتنى روايتها «يحيى».
بدأت فى قراءة «يحيى»، وأنا فى عمّان، فعدت فى الزمن إلى القرنين السادس والسابع عشر الميلادى، وما كان يحدث فى بلاد العرب تحت الحكم العثمانى، ومضيت مع يحيى فى سيرة تكوينه العرفانى وأسئلته وتشكل رؤيته وشجاعته فى الحق، ورددت معه مقاطع من أشعار المتصوفة وتعرفت إلى فنون الغناء الشعبى فى الكرك والمحروسة والفيحاء، وعرفت بشكل سينمائى تفاصيل الحياة فى ذلك الوقت.
أدخلتنى الرواية عالما سحريا أنشأته»سميحة خريس» من الكلمات، عاكسا للتنوع المعرفى للكاتبة وجلدها، على البحث لإعادة تشكيل تلك العوالم التى مضت، متكئة على ما تبقى من الشواهد، وما دونه أهل زمانها فى وصف أحوالها، وما احتفظت به متون الكتب من مشاغل فكرهم، وذلك الصراع المحتدم بين أهل العرفان من جهة، والسلطة الدينية والعسكر من جهة أخرى، صراع هو الحياة فى شكل من الأشكال، حياة تنقضى وتتجدد، أو كما تقول المؤلفة على لسان يحيى فى الرواية «الحياة التى أعرف تنقضى، لكنها تتجدد كل يوم، تولد بثوب قشيب، هى ذات الحياة التى كانت، وجوهها شتى، وأسماؤها مغايرة، وجوهرها واحد».
بعد يحيى قرأت أكثر أعمال سميحة خريس، ووجدت أنى فى كل كتاب أتعرف على سميحة بشكل مغاير، ومن زاوية أخرى، فسميحة فى «بابنوس» غيرها تلك التى فى «يحيى» أو «نارة» أو فى «فستق عبيد» أو «شجرة الفهود»، وقطعا هى غيرها عمن كتبت كايميرا 19 التى صدرت قبل أشهر قليلة، وكتابتها السيرية،بطبيعة الحال، تختلف عن الروائية من حيث قربها وبعدها عن الذات الكاتبة، هذا التغير فى المسافة مع الذات الكاتبة أمر طبيعى ومطلوب، لكن الجميل والذى أحب عند سميحة خريس أن كل كتاب من هذه الكتب، ينفتح على عالم معرفى مغاير، يزيد من متعة الرواية لغة وبناء بمتعة المعرفة المتنوعة.
ولقياس أثر الزمن علىّ وعلى ذائقتى وأيضا إثر تراكم خبرة القراءة، عدت ليحيى قبل أيام، ووجدت أن دهشتى لم تتغير كثيرا أمام العالم الذى بنته سميحة خريس باقتدار، ثم بدأت أنتبه إلى بعض اللمحات الصغيرة، التى جعلتنى أبتسم ثم أتفكر فى مدى تأثرى بها، أقصد الرواية وأقصد فى الآن نفسه سميحة خريس الإنسانة والأديبة، وتساءلت هل هذا ممكن فعلا؟ أن يكون قد تسرب إلى داخلى بعض من فيضها، أو بعض من أسلوبها دون أن أشعر ؟ هل حدث هذا بسبب قوة تأثرى بيحيى أم لأن بيننا الكثير من القواسم المشتركة و ننهض من منطلقات وقواعد متقاربة فكريا؟ أم لأن سواقى القلوب جمعتنا فى هذه البركة الهائلة التى لا تكف عن التدفق؟ فنسميها مرة الأدب ومرة الحياة ونحن لا نجد ما يفرق بينهما سوى اليومى المعاش؟، هل لهذا وغيره، ربما تسربت سميحة خريس إلى روحى بخفة هائلة، فنجوت من حدية المقارنة وخوف التشبيه، أم أن سميحة الإنسانة الكاتبة تسربت إلى داخلى بكل لطفها وبكل ذكائها وموهبتها وجلدها، فأعطتنى واحدا من أهم دروس الكتابة، وسربت لى معنى أن تأخذ الكاتبة نفسها بجدية، تسمح لها أن تقدم نتاجا أصيلا ورزينا دون مساومات اللغة والجسد.
فى الزمن الفاصل بين أول لقاء لى مع سميحة خريس فى طرابلس واليوم، سال ماء كثير تحت الجسر، لكن الجسر بين روحينا ظل مشيدا، وتحول اللقاء العابر بيننا والإعجاب بكاتبة متمكنة ورزينة وجادة وراقية فى تعاملها وفى مواجهتها للحياة، إلى صداقة حقيقية ومتينة، لا نخجل فيها من أسئلتنا، ولا يحرجنا انكشاف جرح.
فى حضرة سميحة خريس وفى أحاديثنا عبر الهاتف، وإن تباعدت أشعر بأنى مهتم بى، وأن هوسى مفهوم، وأن تذبذب كآبتى قديم قدم الإنسان، وجديد كما فى بعد الحداثة من سيولة، وأن بإمكان الصور التى تستحوذ على، أن تنتظم ويشيد منها بناء تخيلى، يمتلىء برؤيتى الشخصية للحياة، وأن ذلك مقدر جدا ومفهوم. سميحة خريس الإنسانة والكاتبة، تسقط الكثير من الكلاشيهات والمسلمات، فهى تستفزك بمواقفها الإنسانية والأدبية، وتستفزك بأسئلتها وتنوع قرأتها، وتستفزك بروحها القتالية العالية، كمحرك خفى يلتهم الحياة، ويعيد إنتاجها أدبا وأسئلة وحراكا ثقافيا، محرك يحول العقبات إلى ممكنات والإحباطات إلى وقود، ثم ستفهم أن «شو بيعرفنى»، وحركة كفيها تلك ما هى إلا تعويذتها، لطرد اليأس واستعادت خفة أصابعها على لوح الكتابة، وأنها من كل هذه الأسئلة والإحباطات تعيد إنشاء عالم سرى، ينتج عنه عوالم جديدة، لم تزر من قبل ومعرفة متدفقة يصعب سبر غورها.
تسربت سميحة خريس الإنسانة والكاتبة بكل لطفها، وبكل ذكائها، وموهبتها وجلدها، إلى أعماقى، فأعطتنى واحدا من أهم دروس الحياة والكتابة، أن تأخذ الكاتبة نفسها بجدية، تسمح لها أن تقدم نتاجا أصيلا ورزينا، دون مساومات اللغة والتشكلات الروائية للجسد، متجاوزا الحد الوهمى الفاصل بين الموضوعات المقسمة جندريا، ومخلصا للأدب والفن والفكرة، شغوفا بالحياة والمعرفة. هذه سميحة خريس، الكاتبة الفذة والصديقة التى أحب.
كلمات بحث
سميحة خريس
عالم سرى
فجر الضمير
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
وجوه عبر الزمن
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
< li>
دائرة الحوار
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام