ثلاثون عاماً مرت على وفاة فارس الواقعية الجديدة عاطف الطيب، الذى رحل عن دنيانا فى 23 يونيو 1995 ثلاثون عاماً، وما زال الفارس موجوداً بأعماله، برغم محاولة البعض نسيانه، الفيصل فى ذلك هى أعماله التى تتحدث عنه رغم مرور سنوات طويلة على صناعتها، فإنها تناقش الزمن الحالى بمشكلاته وصعوباته وهو ما يعنى أن عاطف الطيب كان يسبق عصره بكثير، فمن ينسى “سواق الأتوبيس والبرئ وملف فى الآداب وكتيبة الإعدام والهروب وضد الحكومة” وغيرها من الأعمال الخالدة التى سطرت شكلاً جديداً للواقعية، قال عنه المخرج الكبير صلاح أبو سيف، عملت فى الواقعية قرابة 40 عاماً، لكن تطويرها جاء على يد تلميذى عاطف الطيب، هو أكثر فنان استطاع التعبير بالكاميرا عن الطبقة الوسطى فى المجتمع، شخصياته دائماً من لحم ودم، عندما تشاهدها على الشاشة تشعر أنك صادفتها فى الحياة، رحلة عاطف الطيب فى السينما كانت قصيرة لا تتعدى 13 عاماً، قدم خلالها واحداً وعشرين فيلماً، بينها علامات مضيئة زينت قائمة أحسن 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية، سوف نذكر بعضاً منها فى السطور التالية. بداية الرحلة ولد “عاطف الطيب” فى 26 ديسمبر عام 1947 وتخرج فى قسم الإخراج بالمعهد العالى للسينما عام 1970، بدأ حياته الفنية مخرجا للأفلام التسجيلية ثم مساعداً للإخراج لمدة 10 سنوات، تتلمذ على يد اثنين من كبار المخرجين أصحاب الرؤى الخاصة، هما شادى عبدالسلام الذى عمل معه مساعدا فى أفلامه التسجيلية وفى المركز التجريبى للسينما، ويوسف شاهين فى فيلم “إسكندرية ليه” ما جعله يكون رؤية خاصة لنفسه وأكسبه حرفية الصورة، كما عمل مسئولاً عن الإنتاج فى بعض الأفلام الأجنبية التى صورت فى مصر منها فيلم “الجاسوس الذى أحبني” للمخرج العالمى لويس جيلبرت، وعندما أصبح مخرجاً اختار لنفسه طريقاً محدداً هو كيفية التعبير عن أحلام الطبقة الوسطى التى ينتمى إليها فى الوصول بالمجتمع للحرية والعدل والمساواة، لذلك ارتبط اسمه إرتباطا وثيقا بقضايا المواطن البسيط وبحقوقه التى كفلتها له الحياة، فقد كانت أغلب أعماله، تثير الجدل لما تتطرق إليه من قضايا تتعلق بالحقوق العامة والخاصة للمواطن العادى وقضايا الحرب ضد الاستعمار بجميع أشكاله وأيضا القضايا التى تخص العلاقة بين المواطن والسلطة ممثلة فى أى من أجهزتها ومؤسساتها كان يكره ظلم الإنسان للإنسان وهو ما رأيناه فى معظم أفلامه التى اختار لها زمنا محدداً، منذ بداية عصر الانفتاح منتصف السبعينيات وحتى رحيله فى منتصف التسعينيات، فقد عاش المخرج الشاب المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى أفرزتها تلك المرحلة وما بعدها، التى طرأت بشكل مفاجئ على المجتمع المصرى، وغيرت فى كثير من القيم والأخلاقيات العامة لهذا المجتمع.
كان إيمانه راسخاً بمقولة “نابليون بونابرت” أن تعرف عدوك وتعرف نفسك فسوف تخرج من كل معركة وأنت تحمل لواء النصر، أما أن تعرف نفسك ولا تعرف عدوك فسوف تقابل هزيمة مع كل نصر تحرزه، أما ألا تعرف نفسك ولا تعرف عدوك فأنت أحمق وسوف تخرج من هزيمة لتدخل فى أخرى، هكذا عرف “ عاطف الطيب “ نفسه وامتلك أدواته: “الكلمة والصورة” وحدد عدوه “الفقر والظلم والقهر والجهل”، لذلك كان يخرج من نجاح ليدخل فى نجاح جديد، فخلال مشواره الفنى القصير نسبياً منذ عام” 1981 وحتى 1995 “ خاض العديد من المعارك بالمفهوم الفنى، حيث دأب على تشريح المجتمع المصرى ورصد سلبياته ومشاكله وهو ما أوقعه فى العديد من الصدامات مع الرقابة على المصنفات الفنية، ففى أول أفلامه “ الغيرة القاتلة “ ناقش مسألة الغيرة والغدر بين الأصدقاء مقابل الطمع والمصلحة الشخصية على طريقة عطيل لـ “وليم شكسبير”.
سواق الأتوبيس ثانى أفلامه “سواق الأتوبيس”، يرصد حالة التفكك الأسرى التى حدثت فى المجتمع المصرى نتيجة لسياسة الانفتاح الاقتصادى بعد نصر أكتوبر، وكيف أن القيم المادية طغت على العلاقات الإنسانية التى كانت موجودة من قبل، حيث كان رب الأسرة يساعد أزواج بناته، لكن عندما تعرض لأزمة تخلى عنه الجميع رغم فضله عليهم، فما الذى حدث وما أسباب هذا التغير ؟ أيضا يلقى الفيلم الضوء على شخصية “حسن” الذى ينتمى لجيل حمل على عاتقه الدفاع عن الوطن وعودة أراضيه المغتصبة من خلال ثلاثة حروب ثم بعد إحرازه لنصر أكتوبر لم يجد له مكانا فى الصورة، بل أصبح يلهث وراء الحصول على قوت يومه، مما أصاب هذا الجيل بحالة من السلبية واللا مبالاة تجاه ما يحدث، وهو ما ترجمه الطيب بالصورة داخل الفيلم ففى مشهد البداية يتنبه “حسن” لحادثة سرقة فى الأتوبيس، فيهم بمطاردة اللص لكنه يتوقف بلا مبالاة، لكن فى نهاية الفيلم عندما يتنبه لحادث سرقة يقفز مسرعاً من مكانه حتى يمسك باللص وينهال عليه ضرباً، فما الذى تغير رغم أن الفعل واحد سواء فى البداية أم فى النهاية، هنا يطرح المخرج رؤية مختلفة نابعة من داخل الشخصية المصرية، فمع الضغط عليها بكل قوة لتقبل الواقع المزرى حتى تصل إلى نقطة اللا عودة ويظن الآخرون أن الحالة ميئوس منها تماماً، ينتفض المارد فجأة من جديد للحفاظ على القيم الأخلاقية والتقاليد الاجتماعية الأصيلة ومحو الظلم. وقد تم اختيار الفيلم فى قائمة أحسن 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية، وجاء ترتيبه رقم 8 داخل القائمة. التخشيبة بعد نجاح فيلم “سواق الأتوبيس”، ظل الجميع فى حالة ترقب وانتظار لما سيقدمه “الطيب” فى فيلمه الجديد، وظل الطيب يبحث فى السيناريوهات حتى توصل إلى سيناريو لوحيد حامد بعنوان “التخشيبة” واختار الطيب للبطولة نبيلة عبيد وأحمد زكى وسعيد عبدالغنى وحمدى الوزير ووحيد سيف وتوفيق الدقن وحاتم ذوالفقار. ويناقش الفيلم قصة طبيبة تجد نفسها متورطة فى تهمة لا أساس لها من الصحة، انطلاقاً من حادث سيارة بسيط جر عليها مصائب لم تتوقعها تماماً، لذلك تعيش بين أقسام الشرطة وأجهزة الأمن وغرف المستشفيات فى انتظار إثبات براءتها، لكنها تشهد تهاوى القيم الاجتماعية والمبادئ الإنسانية وتخلى كل من حولها عنها، فتندفع للانتقام من الشخص الذى سبب لها الفضيحة. ملف فى الآداب يناقش الفيلم علاقة المواطن بالسلطة، والفيلم بطولة فريد شوقى ومديحة كامل وصلاح السعدنى وأحمد بدير ووحيد سيف وسلوى عثمان وألفت أمام وتوفيق الدقن وشوقى شامخ، تأليف وحيد حامد ومن إخراج عاطف الطيب. فسيناريو الفيلم يعالج أحلاماً افتراضية خلال بداية الثمانينيات، حيث وجد مواطن عادى نفسه متهماً ومعه مجموعة من الشباب فى المحاكم بدون وجه حق، بسبب سوء استخدام السلطة من قبل بعض الضباط، وعندما وصل الأمر إلى المحكمة أعادت إليهم براءهتم بحكم قاضٍ شريف، لكن براءة هؤلاء الشباب والفتيات التى حصلوا عليها فى المحكمة لا تمنع فى أن يكون لكل منهم ملف داخل دهاليز شرطة الآداب، أى إن البراءة القانونية تختلف عن صفاء السمعة الاجتماعية، خصوصا نظرة الناس فى الشارع إليهم رغم حصولهم على حكم البراءة، وهو ما تمثل فى المشهد الأخير داخل المحكمة بعد النطق بالحكم حيث صرخت مديحة كامل فى وجه القاضى وقالت إن حكم البراءة هذا ينقذنا من دخول السجن، لكنه فى الوقت نفسه لن يمنع عنا نظرة المجتمع لنا بعدما تشوهت سمعتنا، فسوف نخرج من هنا لنعيش فى سجن أكبر قوامه عيون الناس وهى تنظر لنا . “كتيبة الإعدام” من مميزات المخرج الجيد أن يختار موضوعاته ومن يكتبون له فقد تعاون الطيب مع الراحل العظيم “ أسامة أنور عكاشة “ وهو واحد من أهم كتاب الدراما التليفزيونية، كان باكورة إنتاجهم فيلم بعنوان “كتيبة الإعدام” فقد اختارا موضوعاً يمس كل أبناء مصر الشرفاء وهو ما وصل إليه حال الوطن خلال الثمانينيات، وأن مرحلة الانفتاح الاقتصادى هى فى الأصل خيانة للذين حاربوا فى أكتوبر 73، ففكرة الفيلم قائمة على أن من سرق أموال الجيش المصرى أثناء حرب أكتوبر، هو نفسه الذى عقد الصفقات مع العدو الإسرائيلى فى الخفاء، وهو أيضاً من صنع السوبر ماركت الذى انتشر فى ذلك الوقت كرمز صريح للانفتاح الاستهلاكى الذى دمر اقتصاد مصر، بل ويتباهى هذا الخائن أنه من رجال الأعمال المرموقين فى المجتمع، لكن الفيلم يطرح بعض النماذج الجيدة التى مازالت موجودة فى مصر متمثلة فى حسن عزالرجال، الضحية الذى دفع من حياته سنوات خلف القضبان ظلماً، والضابط الشريف ورئيس المباحث وابنة المحارب القديم الذى اغتالته يد الغدر والخيانة، الذين استطاعوا الانتقام من هذا الخائن وقتلوه داخل السوبر ماركت، وأثناء المحاكمة تعاطف معهم جموع الشعب المصرى والشعوب العربية الذين تفاعلوا مع القضية، فى لفتة بسيطة أثناء المحاكمة تقول إن الخير فى المجتمع لا يزال موجودا مهما حاول الآخرون طمس الحقيقة، عبر عنها الطيب بالصورة داخل المحكمة، عندما طلب القاضى أن يرى محامى الدفاع، فتقدم نقيب المحامين المصريين وقال إن مجلس نقابة المحامين جميعاً حضروا متطوعين للدفاع عن هؤلاء الأبطال، وكذلك تقدم وفد آخر من اتحاد المحامين العرب لنفس الغرض وهو ما أعطى القضية أبعادا أخرى .
الفيلم بطولة نور الشريف ومعالى زايد وممدوح عبدالعليم وشوقى شامخ وأحمد خليل وعلا رامى وحسن حسين وإبراهيم الشامى، تأليف أسامة أنور عكاشة، موسيقى عمار الشريعى، أشعار سيد حجاب، إخراج عاطف الطيب. “الهروب” إحدى علامات السينما المصرية هذا الفيلم له قصة غريبة، فقد قرأ الطيب خبرا عن حادث فى الصحف يقول، إن أحد المقبوض عليهم أثناء محاكمته أدخلت له زوجته مسدس داخل لفافة من ساندوتشات الفول والفلافل، وما أن أمسك بالمسدس حتى أطلق النار داخل القاعة واستطاع الهرب وسط ذهول الجميع، هذه الحادثة تعاقد على كتابتها الراحل مصطفى محرم، وبعد أن انتهى من السيناريو، رأى عاطف الطيب أن هناك بعض الأحداث يريد إلقاء الضوء عليها أكثر لكن محرم كان خارج البلاد، فذهب بالسيناريو إلى صديقه بشير الديك الذى غير الأحداث تماماً وأضاف إليها الكثير وأعطى لها عمقاً ورمزيات سياسية بشكل مختلف، حتى إن السيناريو الأول كان بطولة الفنان صلاح السعدنى الذى يلعب دور ظابط الشرطة، لكن عندما قرأ السيناريو الجديد اعتذر عنه، وقال إن البطل الرئيسى أصبح الآن سنيداً، لذلك اعتذر عنه، وجاء مكانه الفنان عبدالعزيز مخيون، لكن الديك رسم شخصية “منتصر” وهو بطل الأحداث الإنسان المسالم الذى يريد أن يخدم أهل قريته فيتعرض لعملية نصب تدخله السجن. الفيلم يطرح شكلين اجتماعيين، الأول أحمد زكى “منتصر” المواطن المسالم الذى تجبره الظروف المحيطة به على ارتكاب أكثر من جريمة، فيجد نفسه مقحما فى دائرة أكبر، والثانى هو ضابط المباحث عبدالعزيز مخيون “سالم”، وهو مؤمن بالعدالة وبأنه يؤدى رسالة سامية وهو على النقيض لمنتصر ومكلف بالقبض عليه، رغم أنه بلدياته وصديق طفولته، هذا الضابط وجد نفسه فجأة طرفاً فى لعبة سيئة السمعة فوق مستوى معرفته، هذان النموذجان لم يكونا على دراية كافية بقوانين اللعبة التى تحاك لهما، لذا كان مصيرهما القتل على يد “محمد وفيق” ضابط الشرطة المتسلق والعائد لتوه من أمريكا، الذى استخدم كل الوسائل لطمس الحقيقة، هذه الشخصية بالتحديد جاءت شديدة العمق وتقف على خلفية سياسية كبيرة، لأنها ترصد الأطماع الاستعمارية للغرب، حيث استطاع هذا الضابط بما تلقاه من علم فى الخارج أن يحول جريمة عادية إلى قضية رأى عام يدان فيها الضحية بعد تغيير الصورة الذهنية للمجتمع، حتى يتقبل ذلك ويغض الطرف عما يحدث حوله، هذا العمق السياسى استطاع عاطف الطيب أن يقدمه فى صورة سلسة مستحوذاً على عين وفكر المشاهد الذى فهم الرسالة المطروحة بين السطور. قبل عرض الفيلم عاد السيناريست مصطفى محرم من الخارج، فوجدهم قد غيروا الأحداث وحدثت بعض أوجه الشد والجذب انتهت بقسم غليظ من بشير الديك أن اسمه لن ينزل على الأفيش، رغم تغييره للأحداث جميعاً، بسبب أن شركة الإنتاج لم تخبر محرم بأنه سيقوم بتعديل السيناريو. وعندما توجهت إليه بالسؤال فى عام 2018 لماذا أصر على عدم كتابة اسمه على الفيلم قال لو عاد بى الزمان إلى الوراء لكنت أصررت على كتابة اسمى لكن الزمن قد فات وحرمت من التكريم عن واحد من أفضل أعمالى، فما من تفصيلة فى هذا الفيلم إلا كانت مكتوبة على الورق، حتى إنه فى أحد الأيام أثناء بداية الكتابة سمعت طرقا عنيفا على باب شقتى، وما أن فتحت الباب حتى وجدت أحمد زكى يقف ويحمل فى يده خمسة رزم كل رزمة بألف جنيه ويطلقها فى الهواء وكأنه ينقط فى أحد الأفراح الشعبية، وقال عندما علمت أنك من ستكتب السيناريو فرحت وقررت أن أمنحك هذا المبلغ من جيبى الخاص ثقة فى قلمك الذى أحبه وأضاف الديك شعرت لحظتها بحاجتى إلى البكاء وبالفعل امتلأت عيناى بالدموع. الفيلم بطولة أحمد زكى وعبدالعزيز مخيون ومحمد وفيق وأبوبكر عزت وحسن حسنى وهالة صدقى وزوزو نبيل ومحمود البزاوى ويوسف فوزى، قصة مصطفى محرم، سيناريو وحوار بشير الديك موسيقى تصويرية مودى الإمام ومن إخراج عاطف الطيب . “ناجى العلى” فيلم “ناجى العلى” من الأفلام التى يجب أن نتوقف أمامها طويلاً لعدة أسباب، أولها أن هذا الفيلم فتح النار على صُناعه بشكل لم يسبق له مثيل فى عالم السينما، حتى إن الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات جاء إلى مصر فى زيارة خاصة، واشتكى الفنان نور الشريف للرئيس الأسبق حسنى مبارك، وقامت إحدى الصحف بحملة كبرى لمهاجمة الفيلم وصُناعه لمدة ستة أشهر متصلة لدرجة أن نور الشريف فكر فى الهجرة خارج الوطن العربى، وتلقى عاطف الطيب وبشير الديك نصيبهما من الهجوم، فما أصل الحكاية؟ المشروع بدأ بعد اغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطينى ناجى العلى داخل أحد شوارع لندن فى ظروف غامضة، كان العلى رسام كاريكاتير مميزا اخترع شخصية “حنظلة” الذى يقف بظهره ولم ير أحد وجهه قط، وعندما سئل العلى لماذا لا نرى وجه حنظلة، أجاب بأن وجهه سوف يظهر عندما تحرر فلسطين، لكن رسوماته كان لها مفعول السحر وانتقاداته لاذعة، سواء على أعدائه أم حتى على الفصائل الفلسطينية المتفرقة، وقد اشتكت منه حكومة إسرائيل على وجه الخصوص، وقالت إن رسوماته تحض على صلابة وعنف المقاومة، وكذلك كانت إنتقاداته تقلق بعض القادة الفلسطينيين بل العرب، لكنه بقى على موقفه ولم يتغير، كان ينادى بوحدة الصف الداخلى أولاً. كان موضوع اغتياله مثيرا درامياً لذلك فكر نور الشريف مع وليد الحسينى، صاحب مجلة فن، عمل فى فيلم عن سيرة ناجى العلى واختارا السيناريست بشير الديك لكتابة الفيلم، وتم التعاقد مع المخرج صلاح أبو سيف لإخراج العمل، ولم يكن اسم عاطف الطيب مطروحاً، لكن أثناء الكتابة والمناقشات قال بشير الديك إن الأستاذ صلاح لديه رؤية واقعية مصرية بحتة، لكن ناجى العلى بعيد تماماً عن مصر، فقد هاجر من فلسطين إلى لبنان وهو طفل أيام النكبة، وعندما كبر سافر للكويت ثم عاد إلى لبنان، باختصار تم توجيه الشكر للأستاذ صلاح أبوسيف الذى تقبل وجهة نظرهم، وقال إن لديه عملا فى نفس الوقت يحتاج للتفرغ له، من هنا جاء التفكير فى عاطف الطيب الذى رحب بالعمل، وبدأت الرحلة حيث استقر على تصوير الفيلم بأكمله بلبنان فى الأماكن الطبيعية التى كان يعيش فيها “العلي”، لكن السيناريو رصد مأساة الشعب الفلسطينى داخل الأراضى المحتلة، من خلال رسومات العلى الذى فضح شراسة الاحتلال الإسرائيلى وغياب الحرية والديمقراطية، ويعلن بصراحة وجرأة عن مسئولية كل العرب فى استمرار هذه المأساة، ويكشف بعض الأنظمة العربية الذين يختلفون فيما بينهم أكثر مما يتفقون، وحالة التفكك والتخاذل التى تعيشها تلك المجتمعات، والنتيجة هى شعب مشرد بلا وطن يحمل قضيته من بلد الى آخر ويصارع عدوه الإسرائيلى الذى اغتصب أرضه، بالإضافة إلى أعداء آخرين داخل الخريطة العربية . وكان مقرراً أن يعرض الفيلم داخل دورة مهرجان القاهرة السينمائى عام 1992، لكنه واجه حربا ضروسًا من كل اتجاه، رغم عرض الفيلم ليلة افتتاح المهرجان، فإن الحرب لم تنته وظلت فترة طويلة إلى أن عادت المياه لمجاريها مجدداً. الفيلم بطولة نور الشريف ومحمود الجندى وليلى جبر وأحمد الزين ورفيق على أحمد وسليم كلاس وتقلا شمعون، تأليف بشير الديك وإخراج عاطف الطيب. مافيا التعويضات انتشرت فى مصر نهاية ثمانينيات القرن الماضى بعض الحوادث الكبرى والتى على أثرها نشط بعض المحامين فى الفوز بقضايا التعويضات، بعضهم كان محامياً بحق، وبعضهم لعب لصالح نفسه، وفى النهاية تم القبض عليه وأخذت العدالة مجراها، ونشرت صفحات الحوادث فى الصحف الكبرى عن أحد المحامين الذى تربح من وراء التعويضات رغم عدم وصولها إلى أصحابها الأصليين، هذا الحادث أثاره الكاتب الكبير وجيه أبو ذكرى وتناقشها فى جلسة مع عاطف الطيب وبشير الديك وأحد المنتجين، تحمس لها بشير الديك وبدأ كتابة فيلم بعنوان “ضد الحكومة”، لكن كعادته حملها ببعض قضايا المجتمع ورموزه السياسية والاقتصادية، فصنع منها وكيل نيابة تعرض للغدر والفصل من منصبه فأصبح محاميا فاسدا يستطيع أن يكسب القضايا، لكنه يعمل لنفسه وليس لصالح أصحاب التعويضات، لكنه عندما يجد ابنه بين المصابين، ضميره يعود إليه ويبدأ فى العودة والتطهر، وقد عبر عاطف الطيب بالصورة عن ذلك فى “ضد الحكومة” فى مشهد المحكمة عندما ترافع أحمد زكى وقال «كلنا فاسدون، لا أستثنى أحداً حتى بالصمت العاجز قليل الحيلة»، فى هذا المشهد كان بشير الديك بصحبة عاطف الطيب وكأنه يحاكمون جيل الستينيات الذى انخرط وراء ثراء الانفتاح الاقتصادى الذى بدل ثوابت كثيرة فى المجتمع، هذه المرافعة تعتبر أيقونة فنية حتى الآن صنعها ببراعة عاطف الطيب وكتبها بشير الديك وجسدها العظيم أحمد زكي. الفيلم بطولة أحمد زكى ولبلبة وعفاف شعيب والمنتصر بالله وأبوبكر عزت وفايق عزب ووفاء مكى ومحمد نجاتي.
كشف المستور فيلم «كشف المستور» يناقش من خلاله عملية الخداع التى تمارس على العديد من الفتيات داخل إحدى الأجهزة المهمة فى الدولة، وكيف أن هؤلاء الفتيات بعدما تفرقن وتركن الخدمة قد تحول بعضهن إلى نواة للإرهاب كما حدث فى شخصية «الحاجة عفاف» التى جسدتها الفنانة عايدة عبدالعزيز، التى كانت على علاقة بأصول الجماعات الإرهابية فى الخارج لكن تحت الستار الدينى وأن هؤلاء لن يتورعوا عن قتل كل من يقف فى طريقهم أو يفضح أمرهم، وهو ما حدث لبطلة الفيلم فى النهاية، حيث استطاعوا النيل منها حتى لا تكشف سرهم . الفيلم بطولة نبيلة عبيد وفاروق الفيشاوى ويوسف شعبان وحسن كامى وشويكار ونجوى فؤاد وعايدة عبدالعزيز، تأليف وحيد حامد ومن إخراج عاطف الطيب. “ليلة ساخنة” فيلم “ليلة ساخنة” هو نهاية الرحلة السينمائية بالنسبة للمخرج عاطف الطيب، نعم هناك فيلم بعنوان “جبر الخواطر” تم تصويره بعده لكن لم يكمله، أما “ليلة ساخنة” فهو من الأفلام المهمة فى تاريخ السينما، فالأحداث كلها تدور فى ليلة واحدة هى ليلة رأس السنة بينما معظم الناس يحتفلون، هناك آخرون تجبرهم الحياة على العمل من أجل توفير النفقات مثلما فعل سيد، سائق التاكسى الذى يحاول بشتى السبل تدبير مبلغ 200 جنيه، كمصاريف لإجراء عملية جراحية ضرورية لحماته التى تعتنى بابنه الوحيد المعاق ذهنيًا، وفى نفس الليلة تحاول “حورية” العاهرة التائبة أن تدبر المبلغ اللازم لتنكيس المنزل الذى تعيش داخله، وعندما يلتقى كلاهما بالمصادفة يشهدان على ليلة مليئة بالأحداث التى لا تنسى، وفيها كل أنماط المجتمع، ولم ينس عاطف الطيب أن يعبر بالكاميرا عن الخطر الداهم الذى كثيراً ما حذر منه فى كل أعماله، وهو نمو الجماعات السلفية، ففى أحد المشاهد أخطأ “سيد” فى الطريق ودخل أحد الشوارع الجانبية فوجد بعض الشباب الذين يرتدون الجلباب الأبيض يجلسون فى وسط الشارع وبينهم شيخ يشرح لهم أحد الدروس الدينية، فما أن شاهدوا التاكسى فى الشارع حتى أشار أحدهم بيده للسائق أن يرجع فهم لن يقوموا من مكانهم، هنا وقف سيد ونزل من التاكسى وانتظر برهة حتى قاموا من مكانهم، لأنه لو عاد إلى الوراء كما أشاروا إليه، فمعناها أنهم فرضوا رأيهم عليه، فى رمزية بسيطة استطاع عاطف الطيب أن يعبر عنها فى ثوان معدودة، لكنه نجح فى ذلك . الفيلم بطولة نور الشريف ولبلبة وسيد زيان وعزت أبوعوف وسلوى عثمان وسعيد طرابيك، تأليف د. رفيق الصبان، حوار بشير الديك وإخراج عاطف الطيب، وقد نال عنه الفنان نور الشريف جائزة أحسن ممثل من مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الـ 18 عام 1994 . نهاية الرحلة أثناء تصوير فيلم «ملف فى الآداب» عام 1985، شعر عاطف الطيب بتعب شديد نتيجة إصابته بمرض فى القلب منذ فترة طويلة، ونصحه الأطباء بعدم إجهاد نفسه، لكنه كان يجرى وكأنه فى صراع من الدنيا، فضرب بكلام الأطباء عرض الحائط وضاعف معدل التصوير اليومى، حتى وصل فى بعض الأوقات إلى التصوير لمدة 17 ساعة متواصلة، حتى إن بعض الفنيين والمصورين كانوا يهربون من العمل معه بسبب ساعات التصوير، فى مطلع التسعينيات بدأ التعب يزيد عليه، واستطاع بعض الأصدقاء أن يأتوا له بقرار علاج فى الخارج على نفقة الدولة، لكنه رفض وقال هناك من هو أحوج منى لهذا القرار، وفى منتصف شهر يونيو عام 1995، شعر بالتعب الشديد، وأخبره الطبيب المعالج أن عليه إجراء عملية جراحية دقيقة فى القلب وحدد له الميعاد بعد أيام قليلة، وبالفعل دخل الطيب إلى المستشفى وهو واقف على قدميه ولديه أمل كبير فى الخروج بسرعة لأن لديه فيلماً جديداً سوف يبدأ تصويره بعنوان “نزوة” لكن القدر كان له رأى آخر، فبعد أقل من 24 ساعة وفى صباح 23 يونيو 1995 أسلم عاطف الطيب روحه إلى بارئها، فى مفاجأة صادمة لكل الوسط الفنى فى مصر والعالم العربى ليسدل الستار عن رحلة قصيرة فى عالم الفن لا تزيد على ثلاثة عشر عاماً، لكنها مليئة بالمغامرات وبالنجاحات وبالعلامات السينمائية المضيئة. أبطال عاطف الطيب على مدار 21 فيلما أخرجها عاطف الطيب خلال 14 عامًا شارك الفنان نور الشريف فى 9 أفلام، وأحمد زكى 5 أفلام وكل من محمود عبدالعزيز ونبيلة عبيد وممدوح عبدالعليم ثلاثة أفلام بينما قدمت الفنانة هالة صدقى ولبلبة فيلمين فقط. «كتيبة الإعدام» من المصادفات الغربية التى حدثت فى تاريخ السينما المصرية أن يقوم مخرج بترتيب وقوف ممثليه فى الكادر ويصبح هذا الترتيب أيضاً هو ترتيب وفاة هؤلاء الفنانين فى الحياة. فى فيلم «كتيبة الإعدام»، قام المخرج عاطف الطيب باختيار أسماء محددة لبطولة الفيلم، وهم نور الشريف معالى زايد ممدوح عبدالعليم وشوقى شامخ، وفى داخل أحداث العمل برغم اختلاف أدوارهم المتقاطعة فى بعض المشاهد “الضحية وابنة المناضل القتيل ووكيل النيابة وضابط الشرطة”، فإنه فى الثلث الأخير من الأحداث أصبح الأبطال الأربعة فى فريق واحد، حيث ساقتهم الأحداث إلى الوحدة للوقوف فى وجه عزام أبو خطوة رجل الأعمال الخائن الذى طلبهم للمساومة، فاتفقوا على قتله وكان المشهد رمزاً لمحاكمة شعبية، حيث وقف كل منهم بجوار الآخر وأطلق كل واحد رصاصة من مسدسه، ثم قدموا للمحاكمة وجاءت وراءهم جموع من الشعب المصرى الذين يرونهم أبطالا انتصروا على الخائن، لكن فى المحكمة وقفوا داخل القفص، وأراد المخرج عاطف الطيب أن يرتب حركة وقوفهم أمام الكاميرا، فجاء بالفنان شوقى شامخ ثم معالى زايد ثم نور الشريف ثم ممدوح عبدالعليم وأخذت الصورة داخل المحكمة بهذا الشكل، لكن القدر كان له رأى آخر فى هذا الترتيب، حيث مرت سنوات على تصوير هذه اللقطة، ويشاء القدر أن يرحل عن الدنيا كل من فى الصورة، بنفس الترتيب الغريب الذى اختاره عاطف الطيب. إزالة الأقنعة فى “ضربة معلم” يكشف عاطف الطيب بصحبة بشير الديك أقنعة طبقة رجال الأعمال الذين ظهروا فى المجتمع بداية من منتصف السبعينيات ومدى تأثيرهم فى المجتمع من خلال الصراع فى فيلم “ ضربة معلم “ بين حماة القانون والمسئولين عن تحقيق العدالة متمثله فى أحد ضباط الشرطة من جهة، وبين حماة الفساد والمتحايلين على القانون لإنقاذ القاتل من العقاب ممثلين فى رجل أعمال له جاه وصاحب سطوة وأعوان من جهة أخرى . ويستمر هذا الصراع بين الطرفين “الشرطة من جهة والأب المليونير وأعوانه من جهة ثانية” بكل أشكاله حتى إجراء المفاوضات بين الطرفين لتسليم القاتل بشروط تضمن حصوله على البراءة، لكن القانون ينتصر فى النهاية ويستطيع ضابط الشرطة أن يقبض على المتهم وأعوانه لتنظيف المجتمع من تلك الشرذمة الطفيلية. الفيلم بطولة نور الشريف وليلى علوى وكمال الشناوى وصلاح قابيل وعبدالله فرغلى . الحب فوق هضبة الهرم بطولة آثار الحكيم وأحمد زكى ونجاح الموجى وأحمد راتب وحنان سليمان وصلاح نظمى وبدر نوفل وسعاد حسين، عن قصة نجيب محفوظ، سيناريو وحوار مصطفى محرم ومن إخراج عاطف الطيب. يناقش الفيلم العديد من القضايا المجتمعية فى بداية الثمانينيات، حيث تدور أحداث الفيلم فى إطار اجتماعى رومانسى حول موظف شاب لا يستطيع توفير نفقات زواجه، فيقرر هو وخطيبته الزواج سراً، وبعدما يفشلان فى الحصول على مكان مناسب ليلتقيا فيه، لا يجدان مكاناً سوى هضبة الهرم، لكن شرطة الآداب تلقى القبض عليهما بتهمة فعل فاضح فى الطريق العام، ويلقى الفيلم الضوء على مشاكل الشباب والبطالة المقنعة والظروف الصعبة التى تواجههم فى سبيل تحقيقهم لأبسط أحلامهم، فى المقابل ظهور طبقة الحرفيين الذين أصبحوا يمتلكون المال ويستطيعون العيش بسلام رغم الجهل الذى ينعمون به. فيلموغرافيا < 1982 «الغيرة القاتلة» < 1983 «سواق الأتوبيس» < 1984 «التخشيبة» < 1986 «الحب فوق هضبة الهرم» «ملف فى الآداب» «البريء» < 1987 «أبناء وقتلة» «البدرون» “الزمار” «ضربة معلم» < 1989 «الدنيا على جناح يمامة» «كتيبة الإعدام» «قلب الليل» < 1991 «الهروب» < 1992 «ناجى العلي» «ضد الحكومة» «دماء على الأسفلت» < 1993 «إنذار بالطاعة» < 1994 «كشف المستور» < 1995 «ليلة ساخنة» «جبر الخواطر» قالوا عن عاطف الطيب سعيد شيمى مدير التصوير معرفتى بعاطف بدأت فى معهد السينما، حيث كان يسبقنى بدفعة، لكننا كنا نلتقى بالكافتيريا ونتبادل الحديث عن السينما والكادرات، وبعد التخرج اختفى، ولم أره سوى فى بداية الثمانينيات عندما اتصل بى، وقال إنى فى طريقى لإخراج أول أفلامى “الغيرة القاتلة” وأريدك أن تقف بجوارى وتقوم بتصوير الفيلم، رغم عدم اقتناعى الكامل بالسيناريو إلا أننى وافقت، تم الاستقرار على أن يكون أول يوم تصوير يكون فى مكتب نور الشريف داخل الأحداث ووقع الاختيار على أحد المكاتب التابعة للمهندس عثمان أحمد عثمان فى عمارة جميلة خلف بنك مصر فرع محمد فريد، وبالفعل ذهب طاقم العمل إلى المكان وبدأنا التحضيرات، وفوجئت بأن عاطف أثناء المعاينة قام برسم “كروكى” للمكتب واختار مكان وضع الكاميرا والزوايا التى يريدها وتوافقها مع حركة إضاءة الشمس الآتية من الخارج إلى داخل المكتب، وجاء نور الشريف ونورا بملابس الشخصيتين اللتين يجسدونهما فى الفيلم، وراح عاطف يتحدث معهما بصوت هادئ عن المشهد وخلفياته وماذا يريد منهما وهكذا، وبالفعل تم عمل بروفة أضاف إليها تعديلات بسيطة وقال سنصور اللقطة، من المعروف فى عالم السينما أن المخرج يقول «أكشن» أو «رولنج» عند بداية تصوير اللقطة، وكان فريق العمل فى الفيلم غير متعود على أسلوب عاطف لأنها أول لقطة فى مشواره السينمائى، فاستعد الجميع وجاء عامل الكلاكيت ليقول عن رقم المشهد وفوجئ الجميع بصوت “جهوري” يقول: «رولينج»، لدرجة أن كل الواقفين أمام الكاميرا وخلفها حدثت لهم حالة من الارتباك والكل يبحث عن مصدر الصوت القوى وتوقف التصوير للحظات ونظرت للمخرج، فوجدته جاداً فى وقفته كأنه قائد عسكرى يتحدث إلى جنوده، وأعدنا اللقطة من جديد بنفس الصوت الذى أصبح ملازماً لعاطف الطيب فى كل أعماله، وأثناء التصوير قابلت أصدقائى محمد خان ونادية شكرى وبشير الديك، وقلت لهم هناك مخرج جديد اسمه عاطف الطيب، خريج معهد السينما سوف يكون له شأن كبير، فتحمس الجميع لرؤيته، وعندما اكتمل مونتاج الفيلم شاهدوا نسخة العمل الأولى فاعجبوا بها وأصبح صديقاً لنا جميعاً، فى تلك الفترة كان محمد خان لديه قصة بعنوان “حطمت قيودي” أعطاها لبشير الديك الذى كتب لها المعالجة، لكن خان عندما قرأ المعالجة قال عاطف أقدر منى لإخراج هذه القصة، وبالفعل أخرجها عاطف بعد تغيير اسم الفيلم لـ “سواق الأتوبيس”، الذى حقق نجاحاً منقطع النظير، ومنذ تلك اللحظة لم نفارق بعضنا نحن الأربعة إلى أن رحل عاطف عن دنيانا، أذكر أنه فى إحدى المرات الطبيب قال له لابد من الراحة فوجدته يضاعف ساعات التصوير، وكنت أحاول إثناءه عن ذلك، كان يقول يا سعيد الحياة قصيرة فدعنى أخطف منها ما أستطيع عمله قبل أن أرحل عنها. المخرج محمد عبدالعزيز كان عاطف الطيب أحد الطلبة الذين أدرس لهم مادة الإخراج السينمائى فى المعهد، ولم يشعر به أحد، كان هادئ الطباع لا تسمع له صوتاً، فى بعض الأحيان أثناء المحاضرة أجده ينظر للسماء كأنه يعيش فى دنيا أخرى، لم يكن ينبئ بشىء وبعد تخرجه عمل مع شادى عبدالسلام، لكنى فوجئت به وقد تغير تماماً، كانت لديه رؤية خاصة فى اختيار أعماله التى حققت العديد من النجاحات، وفوجئت أكثر أن معدل التصوير اليومى يتعدى 15 ساعة، هو فعلا نموذج للمخرج الموهوب الهادئ الرصين المالك لأدواته، فقد كان يستطيع السيطرة الكاملة على ممثليه بدرجة غريبة، لذلك كنا نشاهد أبطاله بشكل مختلف تماماً، عما هم عليه مع الآخرين. د.سمير فرج مدير التصوير جمعتنى بعاطف الطيب صداقة طويلة ولم نلتق سوى فى فيلمين فقط، فوجئت به يصل بى ويقول لدى فيلم بعنوان “البدرون” وأريدك معى، فلم أستطع أن أرفض له طلبا، رغم علمى بأن السيناريو أقل من أعماله السابقة، لكن أثناء العمل وجدته فاهما تماماً تطورات السيناريو وتطور الخريطة الضوئية وفتحات العدسات، كان يأتى من البيت وفى يده “الديكوباج” الخاص بالمشاهد التى سنصورها بتقطيعاتها بحركة الكاميرا وحركة الممثل، كان العمل معه متعة لأنه فاهم تكنيك التصوير والإخراج، وكان يتحدث مع كل ممثل على حدة، فتجد أبطاله يدخلون فى الشخصيات وكأنها كتبت خصيصاً لهم، أما الفيلم الآخر فكان آخر أعماله الذى لم يكتمل فيلم “جبر الخواطر” كان متعباً ويصور المشهد، ثم يرقد على سرير بجوار الكاميرا يرتاح ثم يقوم فيكمل التصوير، عندما علمت بخبر وفاته فى الصباح الباكر لم أتمالك نفسى ووجدت الدموع تذرف من عينى دون أن أشعر بها.