مقالات



مصر وسلطنة عُمان.. معادلة الاستقرار فى المنطقة

25-6-2025 | 22:19
د. محمد العريمي

كاتب وباحث صحفى فى العلوم السياسية - رئيس جمعية الصحفيين العمانية
عندما خرج ملايين المصريين فى 30 يونيو 2013، ليعبّروا عن إرادتهم الوطنية فى استعادة مسار الدولة، كانت مصر لا تنقذ نفسها فحسب، بل كانت تُرسل إشارات قوية إلى محيطها العربى بأن الشعوب يمكن أن تصنع التحوّل متى ما شعرت أن هويتها مهددة، وأن أمنها القومى فى خطر، ولم يكن مستغربًا أن تتفاعل شقيقتها سلطنة عُمان – قيادة وشعبًا – مع هذا التحول الكبير بإيجابية، وبفهم عميق لطبيعة اللحظة التاريخية، إدراكًا لما تمثّله مصر الدولة والشعب من عمق إستراتيجى وسياسى للعرب جميعًا.

رؤية عُمانية ثابتة تجاه مصر
الموقف العُمانى تجاه ثورة 30 يونيو لم يكن ظرفيًا أو آنياً، بل كان امتدادًا لرؤية إستراتيجية طويلة الأمد تؤمن بأهمية الدولة الوطنية فى مواجهة الفوضى، وتضع فى أولوياتها حماية استقرار الدول العربية عبر احترام إرادة شعوبها، والوقوف مع المؤسسات الوطنية ضد مشاريع التفتت والتشظي، وقد عبّر السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – فى أكثر من مناسبة عن دعم سلطنة عُمان لمصر وشعبها، وهو النهج الذى واصله جلالة السلطان هيثم بن طارق – يحفظه الله ويرعاه – مؤكداً فى لقاءاته واتصالاته مع القيادة المصرية أن “استقرار مصر ركيزة لاستقرار المنطقة”.
وقد تُرجمت هذه الرؤية فى مواقف دبلوماسية هادئة ولكن راسخة، دعمت مصر سياسيًا واقتصاديًا فى فترات دقيقة، بعيدًا عن الضجيج أو الاستعراض الإعلامى، وبما يعكس خصوصية العلاقة بين البلدين، وعمق الثقة المتبادلة.


30 يونيو لحظة فارقة للمحيط العربى
لم تكن ثورة 30 يونيو حدثًا محليًا محصورًا فى سياقه المصرى، بل كانت لحظة إقليمية مفصلية أعادت صياغة أولويات الدول العربية، وجعلت مفاهيم “الاستقرار، الأمن القومى، السيادة الوطنية” تتقدم على مشاريع التغيير غير المحسوب، الذى كاد يُغرق المنطقة فى فوضى لا تُبقى ولا تذر.

وقد شكّلت هذه اللحظة منعطفًا مهمًا فى إدراك كثير من العواصم العربية، وفى مقدمتها مسقط، أن ما كان يُروَّج له من شعارات الديمقراطية لم يكن سوى غطاء لمشاريع خارجية تستهدف تفكيك الجيوش الوطنية، وإسقاط الدولة، وإضعاف القرار العربى المستقل. لذلك، كان من الطبيعى أن يكون الموقف العُمانى متقدماً فى دعمه لمصر، ليس فقط من منطلق العلاقات الثنائية، بل لأن عُمان – كغيرها من الدول العاقلة – أدركت أن خسارة مصر كانت ستعنى انهيار الجدار الأخير فى وجه الموجة التخريبية.

الإعلام.. من خط المواجهة إلى تعزيز الوعي

لقد لعب الإعلام فى تلك المرحلة دورًا محوريًا، سواء فى التبشير بالفوضى أو فى الدفاع عن الدولة. وهنا كانت التجربة العُمانية مثالاً فى الالتزام بالخطاب المسئول، البعيد عن الشحن والاستقطاب. فقد تعامل الإعلام العُمانى – الرسمى والخاص – مع الحدث المصرى من منطلق وعى إستراتيجى، وأسهم فى تعزيز سردية الاستقرار، وتفنيد خطاب الجماعات المتطرفة التى حاولت استغلال اللحظة لنشر الفوضى فى الإقليم.

وفى هذا السياق، حرصت جمعية الصحفيين العُمانية، بالتعاون مع المؤسسات الصحفية العربية، على ترسيخ مفهوم المهنية والتوازن والتعاون مع نقابة الصحفيين المصريين، والدفاع عن مبادئ الدولة الوطنية، والوقوف ضد خطاب الكراهية والانقسام. ويمكن القول: إن التجربة المصرية وفّرت، فى أعقاب 30 يونيو، فرصة كبيرة لتقويم الأداء الإعلامى العربى، وتمييز المنابر التى التزمت بالحقائق والمصالح الوطنية عن تلك التى انخرطت فى حملات التحريض.
الدبلوماسية العُمانية.. التوازن بين الدعم والمبادرة

لم يكن دعم سلطنة عُمان لمصر مقتصرًا على التصريحات، بل ظهر فى شكل تعاون سياسى واقتصادى وتنموى، وفى تنسيق دائم على مستوى الملفات الإقليمية، خصوصاً تلك المرتبطة بالأمن العربى، والإرهاب، والمبادرات السلمية، كما واصلت مسقط دورها المحورى فى تقريب وجهات النظر، ونزع فتائل التوتر، وكان صوتها دائمًا داعمًا لأى مسار يحفظ للدولة هيبتها، ويصون الشعوب من ويلات التمزق والصراعات الأيديولوجية.

عُمان ومصر.. علاقة أكثر من تحالف

إن ما يربط سلطنة عُمان بمصر يتجاوز الملفات السياسية، ليشمل بُعدًا حضاريًا وتاريخيًا. فكلا البلدين ينتمى إلى قلب العالم العربى، ويتكامل جغرافيًا وإستراتيجيًا. وقد أسهمت الرؤية العُمانية فى تعزيز هذا التكامل من خلال برامج التعاون، وتبادل الخبرات، وإقامة شراكات تنموية تعود بالنفع على الشعبين.
وفى السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين نموًا ملحوظًا، مع توقيع اتفاقيات تعاون فى مجالات الاستثمار، والتعليم، والصحة، والطاقة، وهو ما يؤشر على رغبة مشتركة فى الارتقاء بالعلاقة إلى مستوى شراكة إستراتيجية شاملة.

فى الختام

فى الذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو، يحق لنا أن نستحضر هذه اللحظة بوصفها شهادة عربية على أن الشعوب تملك حق تقرير مصيرها، وأن الاستقرار لا يتحقق سوى بقيادة واعية، وشعوب تدرك خطورة الانهيار.

وقد وقفت السلطنة حكومة وشعباً، كما عهدناها دائماً، فى صف الحكمة، داعمةً لمصر، مؤمنةً بأن قوة العرب تبدأ من الحفاظ على دولهم الوطنية.
وهذا هو الدرس الذى ستبقى 30 يونيو تذكّرنا به، عامًا بعد عام .

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام