فنون وفضائيات



«30 يونيو».. عودة الروح إلى الدراما والسينما والمسرح

2-7-2025 | 01:38
أحمد أمين عرفات

خرجت بالفن من التهميش إلى الصدارة وجعلته ينتصر لقضية الهوية
 
«الاختيار» و«الممر» و«السرب» و«مسرح التجوال والمواجهة»  أكبر دليل 
 
اتسمت بالإنتاج الضخم والبطولات الحقيقية فنافست الأعمال العالمية 
 
لعبت الأعمال الفنية المصرية دورا كبيرا فى حياة المصريين، وأسهمت بشكل لا يمكن إنكاره فى تشكيل وعيهم على مدار سنوات طويلة، حتى باتت مرآة حقيقية تعكس واقعهم وتطلعاتهم، إلا أنها ظلت لسنوات ليست بالبعيدة تعانى من السطحية، وخصوصا فيما يتعلق بالأعمال الوطنية، التى كادت أن تختفى من قاموس أهل الفن، حتى جاءت ثورة 30 يونيو 2013، التى غيرت المشهد بصورة لافتة للنظر، وأعادت إلى الحياة هذه الأعمال ووضعتها على الطريق الصحيح كرسالة تنويرية ووطنية، فساهمت بشكل كبير فى العودة بقوة للارتماء فى أحضان حب الوطن والافتخار بالهوية المصرية، فاستعادت بحق جزءا كبيرا من رسالتها الوطنية بتقديم أعمال قوية، عكست واقع التضحيات التى قدمها رجال القوات المسلحة والشرطة فى مواجهة الإرهاب والتحديات الأمنية، فحظيت بإقبال وترحيب شديدين من الجمهور لما حملته من صدق شديد، خصوصا أنها لم تكن مجرد سرد لحكايات بطولية، بقدر ما كانت مدعومة بوثائق وشهادت حية، علاوة على تنفيذها بإنتاج ضخم، لم يكن يقل عن أشهر الأعمال العالمية، مما أعاد لهذا النوع من الأعمال الفنية هيبته، وفتحت الباب لقفزة جديدة تمهد لقفزات أكبر فى الفترة المقبلة. 
 
لم يحدث ذلك بمحض المصادفة أو بشكل عشوائى، ولكن بتخطيط ذكى تسبقه رغبة قوية من الدولة، فى استخدام القوة الناعمة فى مواجهة الحروب الفكرية، التى تتعرض لها داخليا وخارجيا، فقدمت هذه الأعمال لتبرز من خلالها تضحيات رجال الجيش والشرطة بما يعلى من قيمة الانتماء للوطن والولاء له. 
يأتى فى مقدمة هذه الأعمال مسلسل “الاختيار” الذى اعتمد بشكل أساسى على توثيق بطولات حقيقية ووضعها بشكل جيد فى إطار درامى ملحمى، فحظى بإقبال شديد أكدته نسب المشاهدة العالية، مما شجع على إنتاج ثلاثة أجزاء منه، تناول خلالها قصة الشهيد أحمد المنسى التى تفاعل معها الناس بقلوبهم قبل عيونهم، وجعلتهم يدركون الدور الحقيقى الذى يقوم به رجال الجيش، وتضحياتهم بأنفسهم من أجل الوطن، كما تطرق المسلسل أيضا لبطولات رجال الشرطة والأحداث الإرهابية التى يواجهونها فى الداخل من جماعات العنف المسلح، مثلما حدث فى كرداسة وغيرها، كذلك سلط المسلسل مستعينا بوثائق ومشاهد أرشيفية حقيقية مدعمة بالصوت والصورة، الضوء على مخططات إسقاط الدولة، مما منحه مصداقية عالية زادت من إقبال الشعب المصرى والعربى على مشاهدته، خصوصا مع الحبكة الدرامية والإبهار البصرى، فأدرك الجميع قيمة مثل هذه الأعمال ودورها فى إيقاظ الوعى الذى قد يتوه فى ظل مغالطات السوشيال ميــديا والمحـطـــات التليـــفزيونية، والمواقع الإلكترونية التى تسعى لهدم مصر.    
لم يقتصر الأمر فقط على الدراما، ففى السينما جاء فيلم “الممر” بمثابة الدرة على جبين الأعمال الفنية الوطنية، بشكل جعل الكثيرين من الجمهور والنقاد، يصفونه بأنه ملحمة سينمائية فى حب الوطن، بعد مقارنته بالأعمال التى سبقته وتناولت نفس الفترة التاريخية، حيث دارت أحداثه فى فترة ما بعد نكسة 1967 وحرب الاستنزاف، وفيه  تم التركيز على العمليات الفدائية، التى قامت بها القوات المسلحة ضد إسرائيل، وبعيدا عن الإنتاج الضخم الذى تم بدعم كبير من القوات المسلحة، والإبهار الشديد فى الصورة السينمائية، فقد ركز الفيلم الذى قاده باقتدار المخرج شريف عرفة على إظهار الجانب الإنسانى لدى المقاتلين المصريين، سواء ضباطا أم جنودا وإحساسهم بوطنهم بصورة دفعتهم للقتال والصمود رافعين روح الانتماء، فجاء الفيلم كملحمة حقيقية سواء من الناحية الحربية أو الإنسانية، ليؤكد عودة الفن السابع المصرى إلى مجده، حيث المتعة المغلفة بالرسالة. 
واصلت السينما هذا الطريق فقدمت بمستوى تقنى عال، فيلم “السرب” الذى تميز بالجرأة فى التناول، عندما اعتمد فى أحداثه على واقعة حقيقية، وهى العملية التى نفذتها القوات المسلحة ضد تنظيم داعش فى ليبيا، كرد قوى على مذبحة الإقباط المصريين عام 2015، فخرج هذا الفيلم ليكون بمثابة عمل فنى يحمل فى طياته كيف تتعامل الدولة بحسم فى مواجهة الإرهاب، ويرسل برسالة قوية بأن دم المصريين أغلى من كل شيء وإن أية محاولة لإهداره لا يمكن أن تمر دون حساب .
بنفس القوة لعب المسرح دورا كبيرا فى إيقاظ الوعى لدى الشعب المصرى، من خلال ما يسمى بمسرح المواجهة والتجوال، الذى لم ينتظر أن يأتى إليه الجمهور لكى يشاهد ما يقدمه على خشبته من أعمال فنية، بل ذهب إليهم فى كل مكان وطاف فى أرجاء مصر وقراها ونجوعها، حتى وصل لأبعد النقاط فيها مثل حلايب وشلاتين وغيرها، ليقدم لهم أعمالا تحارب الأفكار الظلامية، وتكشف ممارسات الجماعات الإرهابية، كما سلط الضوء فى المقابل على تضحيات رجال الجيش والشرطة، فالتف المتفرجون حوله فى أى مكان ذهب إليه، ليؤكدوا بحضورهم أنهم استعادوا الحقائق التى كادت الشائعات والمواقع المشبوهة أن تمحوها، فظهر جليا تماسكهم من جديد، بعد أن عززت هذه الأعمال بداخلهم حب الوطن والدفاع المستميت عن الهوية.
لقد استطاعت ثورة 30 يونيو أن تنجح بقوة فى توجيه بوصلة الفن المصرى نحو مكانته الحقيقية كأداة فاعلة فى الجمهورية الجديدة، تؤكد أن الفن بكل أشكاله، سواء سينما أم مسرح أم دراما تليفزيونية لم يعد مجرد وسيلة للتسلية، بل سلاح وعى من أقوى الأسلحة التى يمكن بها مواجهة الأفكار الظلامية والجماعات الإرهابية، من خلال تقديم الحقائق فى إطار درامى ملحمى، لا يقل فى مستواه عن الأعمال العالمية، فلا يقع المصريون فى براثن الأعمال الفنية الأخرى التى تسعى لهدم الهوية بداخله وقتل الانتماء .  
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام