فنون وفضائيات



ناصر عبد المنعم: «كارمن».. مغامرة مسرحية جديدة لتجـــــــــــــديد وعى الشباب

6-7-2025 | 17:41
أحمد أمين عرفات

من «رحلة حنظلة» إلى أحدث عروضه.. حكاية مسرحى لا يخشى التحدى
سحر النوبة والصوفية والغجر.. عوالم فتحت لى بوابات الإبداع

فى عالم المسرح، هناك من يسير على الطرق الممهدة، وهناك من يختار دروبا وعرة  ليكتشف آفاقا جديدة، ويصنع بصمته الخاصة بعيدا عن التكرار والنمطية، من هذا النوع يأتى المخرج المسرحى ناصر عبد المنعم الذى لا يتوقف عن المغامرة، ولا يرضى بأقل من تقديم أعمال تحفز العقل وتثير الوجدان، ولا يخشى أن يغوص فى أعماق الروايات الأدبية ليبعث فيها نبضا حيا على خشبة المسرح.

فى مسرح الطليعة، حيث يقدم عمله الجديد «كارمن»، التقته «الأهرام العربى» ليتحدث عن هذه التجربة، وماذا أراد منها، وأهم محطات مشواره المسرحى، وأحلامه التى لم تتحقق بعد. ⢴   أجرى الحوار :
 

> ما الذى دفعك لاختيار رواية «كارمن» لتقدمها على المسرح حاليا ؟
هناك ثلاث قيم رئيسية فى هذا النص كانت وراء اختيارى له، الأولى والتى أميل إليها كثيرا، هى تسليط الضوء على «الثقافات الهامشية»،  وسبق أن تناولتها من قبل من خلال تقديمى لعوالم الغجر، والنوبة، والبدو، وهو ما وجدته فى رواية «كارمن» التى كتبها بيرسيه مريميه عام 1845 كقطعة أدبية كلاسيكية، خاض من خلالها صراعا جوهريا بين الثقافة الغجرية التى تمثل الحرية المطلقة، وبين المدنية الإسبانية التى تمثل القانون والنظام، هذا الصراع بين الحرية والنظام هو جوهر العمل. القيمة الثانية تتمثل فى إشكالية «الحرية المطلقة»، وإلى أى مدى يمكن الوصول إليها؟ وما المسئولية المجتمعية المصاحبة لها؟ خصوصا أن الجماعات الهامشية تميل إلى إطلاق الحرية إلى حدودها القصوى، مما قد يؤدى إلى تصادم عنيف. أما القيمة الثالثة والتى جذبتنى بشدة، فتتمثل فى شخصية الضابط خوسيه، الذى يعيش الصراع الكلاسيكى فى الدراما بين «الواجب والعاطفة»، بين انضباطه العسكرى وعشقه العميق لكارمن، هذا الصراع الدرامى النابض هو أحد أهم مواطن القوة فى النص، وهو ما منح العرض بعدا إنسانيا عميقا.

> ما سر ميلك لتحويل الروايات الأدبية إلى عروض مسرحية؟
الرواية تمنح المسرح أجنحة، إنها تضع المخرج أمام تحديات تحفزه على الإبداع، وتدفعه للتفكير خارج الأطر التقليدية. فى «كارمن» اعتمدت على البناء الزمنى الدائرى، حيث بدأته بفلاش باك، ثم تنقلت بين أزمنة متعددة، أخرج منها وأعود إليها مجددا، وهذا التلاعب الزمنى لا يتيحه غالبا النص المكتوب خصيصا للمسرح، لأنه يأخذ فى الاعتبار القيود التقنية كالمشاهد والإظلام وغيرها، حين أقرأ رواية جديدة، أتساءل: هل أستطيع تقديم هذا العالم على خشبة المسرح؟ هذا السؤال يدفعنى لاكتشاف أدوات جديدة، وطرق غير مكررة فى الانتقال بين المشاهد والأزمنة، وهو ما سعيت إليه تحديدا في «كارمن».

> ما التحديات التى تواجهك عندما تتعامل مع الرواية ؟
الرواية عالم واسع يحتاج إلى مخرج يعيد بناءه بالكامل، وفيها أواجه تحديات كبيرة، أحتاج أحيانا إلى «هدم» مشهد وبنائه من جديد، وهذه متعة حقيقية فى حد ذاتها. ففى هذا العرض مثلا اعتمدت على تقنيات أقرب إلى السينما، مثل التقطيع والمونتاج والمزج بين المشاهد، ما مكننى من تقديم نحو سبعة أماكن مختلفة دون الحاجة إلى إظلام أو فواصل. بدا الأمر كما لو كنا أمام كاميرا سينمائية تتحرك بين مشاهد الفيلم، وهو ما منح العرض طابعا بصريا متجددا وساعدنى على تجاوز عقبات الشكل التقليدى للمسرح، الروايات أيضا لا تفتح لى فقط بابا لحلول فنية، بل تنقلنى إلى عوالم ثقافية وجمالية جديدة تمنحنى أدوات تعبير مختلفة.

> كيف ذلك؟
حينما دخلت عالم النوبة من خلال رواية «ناس النهر» لحجاج أدول، و»نوبة دوت كوم» لإدريس على، وجدت نفسى أمام ثقافة ثرية بإيقاع فنى لا يشبه أى إيقاع آخر. فالنوبة عالم ساحر، كذلك أدخلتنى رواية «أيام الإنسان السبعة» لعبد الحكيم قاسم، إلى عالم الصوفية بكل رحابته وجمالياته وطقوسه الروحية، وجعلتنى رواية «طفل الرمال» للطاهر بن جلون، أغوص فى عمق الثقافة البدوية العربية، كل هذه التجارب منحتننى الشعور بأننى أتجدد مع كل عمل جديد، لأننا بصراحة أصبحنا ندور فى فلك تيمات مكررة، وبالتالى جماليات مكررة.

> فى ظل سيطرة السوشيال ميديا على الشباب واللغة الركيكة السائدة، ألا يعد تقديم «كارمن»  بالفصحى مغامرة؟
الفصحى إذا قدمت بسلاسة وإتقان تصبح لغة مألوفة وعادية تصل إلى جميع الناس بسهولة،  المهم هو كيفية تقديمها، وتمكن الممثل من تطويعها وأدائها بشكل يجعلها سهلة الفهم والتقبل وجاذبة للجمهور، أما إذا أسيء استخدامها فستكون طاردة لهم، كما أننى أؤمن بضرورة أن يكون المسرح دور حيوى فى إعادة إحياء الفصحى بين الجمهور.

> ألم تفكر فى الاستعانة بالعامية بدلا من الفصحى؟
لم يحدث، لأن لدى تجارب ناجحة فى تقديم النصوص بالفصحى، مثل عرض «رجل القلعة» الذى استطاع أن يحقق نجاحا كبيرا ووصل للجمهور بشكل واسع. أنا مقتنع تماما بأن الممثل الجيد قادر على إقناع المشاهد بتلقى الفصحى واستساغتها وتذوقها مهما كانت طبيعة النص، خصوصا أنها لغة غنية للغاية، تحمل معانى وقيما وتفاصيل لا تستطيع العامية أن تلامسها بنفس العمق.

• لماذا فضلت الاعتماد على الشباب بدلا من الاستعانة بنجوم معروفين؟
الشباب هم مستقبل المسرح. والأكثر التزاما بالبروفات، ويمنحون أنفسهم بالكامل للعمل، بخلاف بعض النجوم الذين قد تكون لديهم تصورات ثابتة عن الشكل الذى يريدون الظهور به، وهو ما قد يجعلهم يتدخلون فى عمل المخرج أو يترددون فى خوض تجارب جديدة. فى أغلب أعمالى السابقة راهنت على الشباب، ومنها «الطوق والإسورة» التى حصلت على جوائز مرموقة، لم أستعن فيها بنجم واحد، النجاح فى المسرح يعتمد على جودة العرض، وإيقاعه، ومدى تمكن الممثل من أدواته وفهمه للنص.

> لماذا اخترت الفنانة ريم أحمد لأداء دور «كارمن»؟
ريم شاركت معى فى أكثر من عمل، فرأيت فيها موهبة حقيقية تتطور بثبات، هى خريجة فنون مسرحية، ودارسة للباليه، وهذا مزيج نادر، أن تجمع ممثلة بين التمثيل القوى والقدرة العالية على التعبير الحركي.

> إذن لم يكن اختيارك لها مغامرة ؟
بل إيمان بموهبتها، هذا الدور مركب وصعب، ويحتاج إلى ممثلة شاملة تملك الحس التمثيلى والقدرة التعبيرية الجسدية معا. أعتقد أنها تملك هذه الأدوات، وأتمنى أن تكون هذه التجربة بداية مرحلة جديدة فى مشوارها.

> ما الرسالة التى تود إيصالها للشباب من خلال «كارمن» ؟
أن يتعرف الشباب على عمل كلاسيكى أدبى مهم، تماما كما فعلت سابقا مع «أحدب نوتردام. «لدى ميل دائم إلى تقديم الأعمال الكلاسيكية من وقت لآخر، لإعادة الجمهور وخصوصا الشباب، إلى جوهر النصوص الأصلية وتجديد وعيهم بها، سواء كانت عالمية أم عربية أو مصرية، لأنها تمثل التراث الإنسانى وجزء لا يتجزأ من هويتنا القومية وثقافتنا الوطنية.

> ما أهم محطاتك فى المسرح؟
الأولى بدأت من مسرح الطليعة، نفس المسرح الذى أقدم عليه حاليا عرض «كارمن»، حيث قدمت أول عمل عليه بعنوان «رحلة حنظلة»، عام 1988، بطولة صلاح عبد الله، وأحمد صيام، وأعتبره محطة فاصلة فى حياتى المهنية، لمشاركته بالدورة الأولى من المهرجان التجريبى، ثم جاءت محطة ثانية مهمة، وهى عرض «المتاهة»، بطولة خالد الصاوى، ثم المحطة الأبرز والتى يمثلها عرض «الطوق والإسورة»، الذى تحول إلى أيقونة مسرحية، وقدمته مرتين، الأولى عام 1996، بطولة محمود عبد المغنى وداليا إبراهيم، وفاز بجائزة أفضل إخراج فى الدورة الثامنة من المهرجان التجريبى، وقدمتها للمرة الثانية فى اليوبيل الفضى للمهرجان التجريبى، لرغبة مسئولى المهرجان فى إعادة تقديم العروض التى سبق أن فازت فى دوراته السابقة، وكانت المفاجأة الفوز مجددا بجائزة المهرجان التجريبى ثم جائزة الشيخ سلطان القاسمى كأفضل عرض فى المهرجان العربى للمسرح، وفاز فى مهرجان قرطاج بالجائزة الكبرى رغم شدة المنافسة. ومن المحطات المهمة أيضا عرض «رجل القلعة» بطولة توفيق عبد الحميد، الذى حقق نجاحا كبيرا وشارك فى عدة مهرجانات داخل مصر وخارجها، وفاز بجوائز عديدة. كما أعتز بعروضى على مسرح الغد، مثل «سيد الوقت» للشاعر محمد فريد أبو سعدة عن السهروردى، وعرض «الساعة الأخيرة» الذى يتناول آخر ساعة فى حياة الطيار الأمريكى الذى ألقى قنبلة هيروشيما، كما قدمت على مسرح السلام أعمالا مهمة منها «أحدب نوتردام»، و«أولاد الغضب والحب»، بشكل عام، مشوارى المسرحى تجاوز الخمسين عرضا.

> ما العمل الذى لا تزال تحلم بتقديمه على المسرح؟
أحلم بتقديم رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للروائى السودانى الطيب صالح، فقد ارتبطت بها منذ قراءتى الأولى لها قبل أكثر من عشرين عاما، كما أطمح لتقديم مسرحية رائعة للكاتب الإنجليزى بيتر شافر بعنوان «أماديوس»، والتى تتناول العلاقة بين الموهوبين وأنصاف الموهوبين، كلا العملين يمثلان حلما فنيا أود تجسيده على خشبة المسرح.

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام