تعد الدورة 25 من «ملتقى الشارقة الدولى للراوى» استثنائية نظرا لوصول الملتقى «لليوبيل الفضى» ما يتوج مسيرة الملتقى، باعتباره واحدا من أهم الملتقيات الثقافية المحورية على الأجندة الثقافية الدولية لإمارة الشارقة، وعلى مستوى الوطن العربى أيضا، هذا الملتقى ينظمه معهد الشارقة للتراث برئاسة الدكتور عبد العزيز المسلم، الذى يعد أحد الصروح الثقافية، التى تهتم بكنوز التراث وحراس الذاكرة وحماة الهوية، وتقديرهم وتشجيعهم على حفظ التراث وتوثيقه وصونه من الضياع والاندثار.
استمرت الفاعليات على مدار ستة أيام، وجاء العنوان مغايرا عن السنوات الماضية التى كان الاهتمام فيها بالعنصر الثقافى المادى، هذه المرة احتفى الملتقى بـ«حكايات الرحالة» وهو عنوان عريض شمل العديد من الندوات العلمية والفكرية والحكايات التى رواها الرواة فضلا عن معارض الفن التشكيلى المصاحبة له، والتى جسدت هذا اللون الأدبى العام، فتحول إلى لوحات جميلة بألوان زاهية تجذب الزائرين لهذا العرس الثقافى التراثى الذى يؤصل لهوية الثقافة العربية، والتراث غير المادى والمادى أيضا رغم التحديات العصرية التى تواجه عوامل التراث بكل أشكالها وأنواعها.
لذلك لا نستطيع أن نصف ملتقى الشارقة الدولى للراوى بأنه مجرد محفل ثقافى بل هو مهرجان جامع غير مانع لكل الفنون الثقافية التى تهتم بالتراث وتحافظ على الموروثات الشعبية، ويتم نقلها بشكل مباشر للأطفال من خلال الحكايات التى يرويها الحكاه، الذين يأتون للمهرجان من كل دول العالم للمشاركة فيه حاملين مشاعل الثقافة والمعرفة أمام الأجيال الجديدة، لتكون الثقافة منبر، من منابر الحفاظ على التراث.
شارك فى هذه الدورة ما يقرب من 37 دولة، وما يقرب من 120 راويا، فضلا عن العديد من الباحثين الأكاديميين فى مجال التراث، وكانت جمهورية المالديف هى ضيف شرف دورة «اليوبيل الفضى»، الذى اختتمت فاعلياته بالاحتفاء الكبير وتصنيع كعكة كبيرة كتب عليها «دورة اليوبيل الفضى»، واحتفى رئيس المعهد الدكتور عبد العزيز المسلم يرافقه وزير ثقافة جمهورية المالديف وعدد من القيادات الثقافية والعاملين بالمعهد وجميع المشاركين بالملتقى من جميع الدول والجمهور، وسط حفاوة شديدة وسعادة غامرة ملأت أرجاء المسرح ليسطر الملتقى مرحلة جديدة.
كما تم تكريم الباحثين والرواة والعاملين فى معهد الشارقة للتراث، والذين أسهموا بشكل كبير فى نجاح هذه الدورة رغم التحديات والصعوبات الكثيرة التى واجهتموها وكان العنصر النسائى هذه المرة يظهر بقوة والجهود المبذولة كانت واضحة للعيان.
فى حفل الافتتاح قام الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، حاكم الشارقة يرافقه رئيس معهد الشارقة للتراث، بتكريم الدكتور محمد أحمد المر الشخصية الفخرية للملتقى، والدكتورة كلاوديا ماريا الشخصية الاعتبارية للملتقى، تقديرا لإسهاماتها فى خدمة الثقافة والتراث، كما تم تكريم عدد من الرواة من دولة الإمارات. فى ختام الملتقى أعرب الدكتور عبد العزيز المسلم - رئيس اللجنة العليا المنظمة للملتقى - عن اعتزازه بما حققته الدورة 25 من إنجازات نوعية، مشيرا إلى أنها جاءت متفردة ومميزة عن سابقاتها نظرا لما حوته، واشتملت عليه من برامج متعددة وندوات متنوعة وورش عمل شاملة.
أشاد بجهود الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، لرعايته ودعمه اللامحدود للملتقى، ومتابعته لأعمال وأنشطة وفاعليات المعهد وقال: إن الشارقة تحت قيادته تبوأت مكانة رفيعة فى العلم والمعرفة، وأضحت منارة الثقافة إقليميا ودوليا، وختام هذه الدورة من “ملتقى الراوي” وإسدال ستارها يفتح نافذة جديدة، وأملا متجددا لارتياد آفاق المستقبل بروح وثابة وعزيمة أكبر.
أضاف: هذه الدورة مثلت مرتكزا ومرجعا لرسم أسس ثقافية واسعة، نظرا لما شهدته من مشاركات نوعية، موضحا أن الملتقى شهد تنظيم 3 معارض “معرض حول العالم” لمحمد أحمد المر الشخصية الفخرية، معرض “ارتياد الآفاق” وهو معرض تراثى استحضر موروث الرحلة، ويحتفى برموزها الأشهر الرحالة “ابن بطوطة” للفنانة ميرة القاسم، إضافة إلى أكثر من 40 عنوانا متنوعا، ومشاركة عدد من المنظمات والمراكز الثقافية والجامعات والمعاهد والمؤسسات الحكومية، وقد سلطت دولة المالديف الضوء عليها وعرفت بها وبكنوزها التراثى، وما سطره الرحالة ابن بطوطة عنها، ودور الرحالة العرب فى رسم مستقبلها.
بدورها، قامت الدكتورة عائشة راشد الشامسى مديرة المركز العربى، والمنسق العام للملتقى باستعراض التوصيات التى خرج بها الملتقى، والتى جاءت على النحو التالي: إنجاز موسوعة علمية متخصصة فى أدب الرحلة العربى، وإعادة الاعتبار لحكايات الرحالة العرب، وتوثيقها بشكل علمى وموضوعى ودراستها مقارنة للوقوف على مدى أهميتها، وما تزخر به من ثراء، إعداد أطلس شامل لحكايات الرحالة العرب، والاستفادة من المدونات الرحلية والجغرافية التى توثق صورة المدن والمسالك والأقاليم القديمة، لبيان مدى التواصل الحضارى والإنسانى بين شعوب العالم. التقت “الأهرام العربي” بالدكتور أحمد محمد المر الشخصية الاعتبارية للملتقى، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، والذى أعرب عن بالغ سعادته بهذا التكريم وقال عن تجربته فى أدب الرحلات: “طيلة حياتى لدى حب السفر وشغف الرحلات، مثل كل الرحالة الذين تركوا لنا كتبا عظيمة أمثال ابن فضلان فى العصور السابقة وأنيس منصور فى العصور الحديثة، حيث يعتبر أنيس منصور، هو من أعاد هذا النوع من الأدب الذى كان مهملا وروج له ومن ثم تطور، وظهرت مواهب عربية شابة أنتجت فى هذا المجال”.
شاركت دولة قطر بجناح كبير حمل عنوان “قطر تقرأ”، ويسلط الضوء على مقامات الحريرى، كأحد أبرز النماذج الأدبية التى جسدت روح الرحلة، والتنقل فى التراث العربى، كما ركز الجناح على إبراز شخصية “الحارث بن همام” راوى المقامات الذى قدم نفسه كرحالة متجول بين الأمصار والمدن، ينقل مشاهداته بفضول وينسج قصصا أدبية نابضة بالحياة، كما عرض شخصية “أبى زيد السروجي” البطل الماكر الذى شكل جوهر السرد فى المقامات ليجسد صورة فريدة عن أدب الرحلة بوصفه نافذة على تنوع البيئات والثقافات. فى مسرح الدمى شاركت فرقة المحروسة “مصر” حيث قدمت هذه الفرقة خلال أيام الملتقى العديد من الأعمال المسرحية، فى أجواء مفعمة بالبهجة والخيال، وكان العرض يجمع بين الأصالة المصرية وروح المهرجان التراثى فى الشارقة، وكانت كل الحكايات التى عرضت على مسرح الدمى خلال أيام الملتقى تحمل رسائل تربوية للأطفال عن التعاون والشجاعة والأمل.
فى ركن التوقيع شاهدنا عدة حفلات توقيع لعدد من إصدارات المعهد، كما شهدت فاعليات الملتقى ضمن البرنامج الثقافى والتدريبى عدة ورش متخصصة من بينها ورشة “فنون استخدام الصوت فى السرد” قدمها أحمد قريش على مدار يومين بمشاركة مجموعة من الرواة الشباب المهتمين بفنون الحكى والباحثين فى مجال الفنون الأدائية.
كما قدم الإعلامى وصانع المحتوى أحمد محمد الكتبى “الإمارات”، ورشتين متخصصتين الأولى كانت للكبار بعنوان “كيف تصنع المحتوى بالذكاء الاصطناعى من الفكرة إلى الفيديو؟” والثانية كانت للأطفال، قام الكتبى خلالها بشرح مفاهيم الذكاء الاصطناعى بشكل مبسط.
كما شهدت الدورة 25 عددا من الندوات التى انطلقت ضمن البرنامج العلمى للملتقى منها ندوة لمناقشة “العجائبى والغرائبى فى رحلات ابن بطوطة” تحدث المشاركون فيها عن رحلات ابن بطوطة وأنه كان كثير التزاوج من النساء وأن نصه يمثل جزءا من التراث غير المادى العالمي.
آدم إبراهيم وزير الثقافة والتراث بجمهورية المالديف: قريبا نحتفى بمرور 900 عام على دخول الإسلام البلاد
استضاف ملتقى الشارقة الدولى للراوى فى يوبيله الفضى جمهورية المالديف، لتكون ضيف شرف هذه الدورة، نظرا لأن عنوان الملتقى “حكايات الرحالة” وهى أكثر الدول التى مر عليها الرحالة العربى “ابن بطوطة” وهناك من الرحالة العرب الآخرين، من وصفها بأنها مدينة السحر والجمال والخيال، وعلى هامش الفاعليات التقينا وزير اللغة الديفيهية والثقافة والتراث بجمهورية المالديف.
فى البداية أعرب الوزير آدم إبراهيم عن سعادته البالغة بالمشاركة فى هذا الملتقي، والتى تعد الأولى من نوعها، وأضاف أن هناك تشابها تاريخيا بين إمارة الشارقة وجزر المالديف فقد مارس الأجداد فى دولة الإمارات العربية الشقيقة صيد الأسماك والغوص للبحث عن اللؤلؤ كما صنعوا السفن وأبحروا فيها. وحول مشاركة المالديف قال: هذا الملتقى أكثر من جميل، ويعتبر فرصة ذهبية لنا للتعلم ونقل الخبرات لبلادنا.
وأشار: قريبا تحتفى جمهورية المالديف بمرور 900 عام على دخول الإسلام إليها عام 545 هجريا، وذلك بعد اعتناق السلطان للإسلام ومن ثم ظهرت الكتابة التى تجمع بين الحرف العربى والحرف الديفيهي.
وبالسؤال حول الفرق بين الحرف العربى والديفيهى بين وزير الثقافة المالديفى قال: الحروف القديمة فى المالديف تكتب من اليسار إلى اليمين، وهناك حروف منها مازالت تستخدم بعد الإسلام، وبالسؤال حول اختراع حرف “تان” بين أن الأحرف التسعة الأولى تم اختراعها من الأرقام الشرقية العربية. بالسؤال حول أماكن تعلم اللغة العربية هناك فى المالديف قال: عندنا معهد الدراسات العربية والإسلامية والعديد من المعاهد الأزهرية والجامعة الإسلامية التى تشتمل على العديد من الكليات منها كلية الحقوق والشريعة الإسلامية وكلية اللغة العربية. حول اهتمامهم بالتراث اختتم حديثه قائلا: نحن نهتم بالتراث بشكل كبير، لذلك كنا سعداء بالمشاركة فى الملتقى ونحن لدينا الكثير من عناصر التراث المادية وغير المادية.
أمينة كوسطو فنانة تشكيلية فطرية
خطفت لوحاتها القلوب والأنظار بألوانها المبهجة الزاهية التى تنطق بالحياة، هذه هى المرة الأولى التى تشارك فى «ملتقى الراوي» لكنها من قبل شاركت فى محافل ثقافية وفنية، هى الفنانة التشكيلية أمينة كوسطو من المملكة المغربية، سيدة بسيطة لم تلتحق بالمدرسة يوم ما، عاشت مرارة الحياة لكنها ترجمتها إلى بهجة وسعادة فى اللوحة.
ترسم بالفطرة وليس لديها أى مؤهلات غير الحب والشغف للفن التشكيلى الذى جاء بعد مرحلة من العمل فى فن نسيج الزرابى التقليدى على يد معلمات بارعات فى بزار الحاج الغربى الشهير بشارع القناصل نظرا للظروف المعيشية الصعبة، التى كانت تعيشها فى ذلك الوقت.
عن علاقتها بالفن التشكيلى تقول: والدى هو الذى غرس بداخلى حب الفن منذ صغرى الحقنى به، وتعلمت التطريز والخياطة للجلباب المغربى، لكن بعد وفاة زوجى تركت مهنة الحياكة، وعندما بدأت أمسك الريشة أحسست بحب شديد وشغف فرسمت بإحساسى، وليس لدى أى مؤهلات سوى حبى لهذا الفن. تضيف: رسمت الدروايش والعمال أى أنها استطاعت بفطرتها تجسيد الحياة اليومية ،ومشاركتها للعمال برسوماتها التى تنقل هذا الواقع بصدق لكنها تركز فيه على الجوانب الإيجابية والمبهجة فرسمت السيدات فى ورش الحكاية. أول معرض لها كان فى عام 2010 ولاقى استحسان الجمهور، ما شجعها على مواصلة العمل والفن، فكانت حصيلة هذه التجربة ما يزيد على 35 معرضا فنيا داخل المغرب وخارجها، وكلها لاقت إعجاب الجمهور، ما أهلها للحصول على العديد من الجوائز لأن لوحاتها تنقل مشاعر حقيقية صادقة.