كرمها حاكم الشارقة الشيخ، الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، فى افتتاح الملتقى، باختيارها الشخصية الاعتبارية لدورة اليوبيل الفضى، فهى أستاذ الأدب العربى بجامعة تورينو، لها العديد من المؤلفات، منها كتاب عن تعليم العربية للناطقين بالإيطالية، كما ألفت كتبا عن قواعد النحو والصرف فى العربية، ولها العديد من الترجمات للأدب العربي، قرأت لكتاب عرب كثر، وأعجبت بكتابات محمد حسين هيكل، خصوصا وصفه الحياة اليومية فى الريف المصري، كما قرأت ثلاثية غرناطة لرضوى عاشور وكتبا للكاتبة الراحلة نوال السعداوى.
< فى البداية نبارك لك التكريم فى ملتقى الراوى، فكيف تثمنين هذا التكريم؟ يشرفنى كثيرًا أن أحصل على تكريم «الشخصية الاعتبارية» فى دورة اليوبيل الفضى لملتقى الشارقة الدولى للراوي، يُعد هذا الملتقى حدثًا ثقافيًا بارزًا لا يجمع نخبة من المختصين من مختلف أنحاء العالم فحسب، بل يستقطب أيضا جمهورًا واسعًا ومتنوعًا، بمن فى ذلك الشباب والأطفال، من خلال أنشطة تفاعلية وإبداعية فى فنّ الحكاية.
< د. كلوديا أنت أستاذ اللغة العربية بإحدى جامعات إيطاليا فلماذا اتجهت لهذا التخصص وأنت أوروبية؟ اخترتُ دراسة اللغة العربية والتخصص فى هذا المجال لأننى فى شبابى، بعد التعرف على مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين كانوا يدرسون الطبّ فى مدينتى، تورينو، وقد جعلنى هذا اللقاء أدرك أنه، رغم دراستى للغات والثقافات القديمة مثل اليونانية واللاتينية، كنت أعرف القليل جدًا عن العرب وعن الحضارة العربية الإسلامية، كما أدركت أنّ فى بلادى كانت معرفة هذه الحضارة سطحية ومقتصرة على عدد قليل من المتخصصين، كانت تلك أيضًا سنوات بداية الهجرة إلى إيطاليا من دول المغرب العربي، وكانت هناك حاجة ملحة إلى خبراء إيطاليين فى الوساطة الثقافية بين العرب المسلمين وبين الإيطاليين، وهكذا بدأت رحلتى الطويلة «فى طلب العلم»، فدرستُ فى تورينو وتونس وليون ونابولي، حيث نشأ لديّ شغف كبير بدراسة اللغة والحضارة والأدب العربي، وخاصة أدب الرحلات فى العصور الوسطى.
< خلال فعاليات الملتقى قدمت ورقة بحثية عن المرأة فى حياة «ابن بطوطة» فلماذا ركزت على المرأة؟ صورة النساء فى رحلة ابن بطوطة، تكشف لنا عن أبعاد إنسانية عميقة فى مجتمعات دار الإسلام فى العصور الوسطى، فمع أنّ المرأة عاشت فى إطار قانونيّ واجتماعى، جعل منزلتها أدنى من منزلة الرجل، فإن حضورها لم يكن دائما ثانويّا، وفى حكايات الرحالة الكبير لا يقتصر دورها على كونها زوجة فحسب، بل يتعدّاه ليشمل شاعرات، وعالمات كنّ يدرّسن العلم والفقه الإسلامى فى المساجد، ونساء أسّسن وأدرن مؤسسات خيريّة، وأخريات شاركن فى بناء المساجد ونساء تميّزن فى فنّ التّجارة، إلخ، كما يذكر ابن بطوطة نساء تولّين حكم البلدان، مثل رضية التى كانت سلطانة دلهى لمدة أربع سنوات، وملكة جزر المالديف، وأميرة جزيرة جاوة التى كانت تقود جنودها بنفسها.
< كيف ترين عالم ابن بطوطة وهل هو مختلف كثيرا عن ابن ماجد وغيره من الرحالة العرب؟ يمثّل وصف العالم الذى يقدّمه لنا ابن بطوطة نموذجا لنوع «أدب الرحلات» ما بين القرنين الحادى عشر والرابع عشر، حين لم يَعُد السفرُ فى الأدب العربى مجرد وسيلةً تُمكّن الكاتبَ من الانتقال إلى أماكنَ أخرى وسردها (كما كان لدى الرحّالة السابقين)، بل أصبح هو نفسه بطلَ الحكاية وموضوعَ السرد. يتحدث الرحّالة/ الراوى عن رحلةٍ قام بها بقراره الشخصى، ويرويها وفق ترتيبٍ يتماشى مع مسار رحلته. وفى هذا السياق، فإنّ الرحلةُ هى سجلٌ لتجربةٍ شخصية؛ فلم يَعُد الكاتبُ نظرةً خارجيةً محايدة، بل أصبح يتدخل فى السرد، وينخرط فى المواقف، ويصفها مُظهِرًا حساسيته وثقافته الخاصّة وتكتسب روايته بُعدًا انعكاسيًا: إذْ فى حديثه عن الآخر، يتحدث عن نفسه - إلى درجة أن الرحلة تكتسب ملامحَ كثيرةً من السيرة الذاتية، وأننا لا نعرف عن ابن بطوطة، كما عن غيره من الرحّالة فى تلك الفترة، سوى ما قدّموه هم أنفسهم فى مؤلفاتهم. بالإضافة إلى هذا فإن ابن بطوطة كان يهتمّ اهتمامًا كبيرًا بعامّة الناس، حتى يُمكنُنا القول إنّه سافر طلبًا لمعرفة الناس، كل الناس: حَتّى النساء والأطفال الذين كان أغلب المؤرخين والأدباء يعتبرونهم شخصيات ثانويّة تماما فى ذلك الوقت.
< ما إصداراتك من الكتب؟ فى مسيرتى المهنية، بالإضافة إلى العديد من المقالات، نشرتُ كتبًا فى موضوعات مختلفة. بعضها فى مجال تعليم العربية للناطقين بالإيطالية، حيث ألفت كتابين فى قواعد النحو والصرف فى العربية المعاصرة وكتابًا آخر عن تصريف الفعل العربي، وقد صُدرت جميعها عن دار النشر “هوِبلي” فى ميلانو، ومع نفس الدار، نشرتُ قاموسًا من الإيطالية إلى العربية، يُفيد بشكل خاصّ المترجمين - حتى فى هذه الأيام التى باتت فيها الترجمة تستفيد من الذكاء الاصطناعى! وقد أنجز هذا القاموس بالتعاون مع الأستاذ عبد الودود العمراني، وهو مترجم بارز للنصوص الأدبية الإيطالية. بالإضافة إلى ذلك، ترجمتُ عددًا من كتب الأدب العربى، سواء من اللغة العربية (وأهمها بلا شك رحلة ابن بطوطة، الذى نُشر عن دار إينودى فى تورينو، بالإضافة إلى مقاطع من البيرونى، وابن هذيل الأندلسى، وإميل حبيبي، وغيرهم) أو من الفرنسية (لا سيما أعمال الكاتبتين الجزائريتين آسيا جبار ومليكة مقدّم، عن دار النشر جِيُونتى فى فلورنسا).
< ولمن قرأت من الكتاب العرب والمصريين وبمن تأثرت؟ مصر من أهمّ البلدان العربية، فى مجال الأدب الكلاسيكى والمعاصر، وكما هو معروف، فهو البلد العربى الوحيد الذى نال أحد كتّابه جائزة نوبل فى الأدب، وهو نجيب محفوظ، مؤسّس الرواية العربية الحديثة. وإلى جانب أعماله، ولا سيما تلك التى تُبرز ملامح القاهرة وتغوص فى تفاصيلها الاجتماعية والثقافية، فقد أعجبتُ بشكل خاصّ بأعمال طه حسين، وخصوصًا سيرته الذاتية الشهيرة، ولفتتنى أيضًا أعمال محمد حسنين هيكل ووصفه للحياة اليومية فى الريف المصري، بالإضافة إلى عدد من روايات الكاتبات المصريات المعاصرات، من نوال السعداوى مرورا بلطيفة الزيات وصولا إلى رضوى عاشور وغيرهنّ.
< لاحظت اهتمام عدد كبير من الأجانب فى الغرب باللغة العربية هل هناك من سبب؟ كثير من الغربيين يدرسون اللغة العربية، وأعتقد أن ذلك يعود من جهة إلى العلاقات الشخصية مع العديد من الأشخاص من أصل عربى يعيشون فى الغرب، ومن جهة أخرى إلى الرغبة فى التعرّف على ثقافة غالبًا ما تبقى غير مُتناوَلة فى التكوين الأولى لغالبية الناس. أما بالنسبة للغة الإنجليزية، وفى إيطاليا أيضا تُدرَس أكثر بكثير من أيّ لغة أخرى، وأعتقد أن هذا يعود إلى كونها قد فرضت نفسها كلغة دولية فى جميع مجالات التبادل: من الاقتصادى إلى السياسى، ومن الثقافى إلى الرياضى، لكننى أعتقد أن من المهم الاستمرار فى دراسة وتدريس لغات أخرى إلى جانب الإنجليزية، لأن اللغة تُشكّل مفتاحًا حقيقيًا يتيح التواصل المباشر والشخصى مع الناس، ومع الأعمال الأدبية التى كُتبت ولا تزال تُكتب وتبدع بهذه اللغة. ومعرفة اللغات هى التى تتيح إمكانية الترجمة. وإنّ الحضارة العربية الإسلامية، التى نقلت إلى العالم رسالة الله بلغة فيها من البلاغة والجمال ما جعلها تُعتبر غير قابلة للترجمة، آمنت أكثر من أى حضارة أخرى بقيمة الترجمة، وبذلت كل ما لديها من طاقات وكفاءات وأموال حتى يكون بإمكان “الشعوب والقبائل أن يتعارفوا” رغم اختلاف لغاتهم.