ثقافة



علم الآثار يكشف أكاذيب الحقوق التاريخية سلوان.. «الحجر النازف»

6-10-2025 | 23:27
⢴ إيمان عمر الفاروق

تم اكتشافه فى أواخر القرن التاسع عشر داخل نفق يقع تحت القدس
لوح حجرى جيرى يصف كيفية بناء النفق عام ‪1880‬ وتم نقله إلى إسطنبول
نتنياهو يطالب تركيا بإعادة النقش مدعياً أنه يثبت حق إسرئيل التاريخية فى القدس
تركيا قامت بنقل صلاحية حماية وحراسة «نقش سلوان» إلى جهاز الاستخبارات

لوح أثرى قديم، على الأرجح لم تسمع به من قبل، اسمه «سلوان». فى منتصف شهر سبتمبر الماضى، وخلال فاعلية “افتتاح النفق القديم” فى مدينة القدس المحتلة، وبحضور وزير الخارجية الأمريكى، ماركو روبيو، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وجود نقش حجرى قديم فى تركيا، مدعيا أنه يثبت المزاعم الإسرئيلية الباطلة بالقدس، ولم تكن تلك المرة الأولى التى تطالب به إسرائيل، فقد سبقته سلسلة من المحاولات والمساعى منذ أعوام.
قصة نقش سلوان لا يمكن فهمها بمعزل عما يدور ببلدة «سلوان» حامية القدس، وأموال ومخططات جمعية «إلعاد» الإسرائيلية الاستيطانية وعلاقتها بالصندوق القومى اليهودى، التى تظن أن من يقوم بالحفر يمتلك حق السرد، رغم بطلانه.
“سلوان” أعمق وأبعد من مجرد كونها حجرا وجد نفسه فى معترك أزمة بين أنقرة وتل أبيب، حيث تتزامن تصريحات نتنياهو مع عمليات الحفر ببلدة سلوان وأوامر الإخلاء لمنازلها والهدم، فهى جرح نازف، تحت وطأة الممارسات الوحشية لجمعيات الاستيطان، والحفريات.

تم اكتشاف نقش سلوان فى أواخر القرن التاسع عشر داخل نفق سلوان، وهو قناة مائية قديمة تقع تحت القدس. وعثر على اللوح الحجرى الجيرى الذى يصف كيفية بناء النفق عام ‪1880‬، عندما كانت القدس جزءا من الإمبراطورية العثمانية، حيث تم نقله إلى القسطنطينية، إسطنبول حاليا، وظل هناك منذ تلك اللحظة .
وعقب تصريحات نتنياهو الأخيرة، كشفت تقارير صحفية عن أن تركيا قامت بنقل صلاحية حماية وحراسة “نقش سلوان” إلى جهاز الاستخبارات، وقد جاء الرد التركى بالرفض القاطع بإعطاء “ولو حبة حصاة واحدة من القدس الشريف”. حيث تؤكد تركيا أنه لا يمكن تسليم أى أثر من القدس إلا للدولة الفلسطينية .
جمعية “إلعاد” هى جمعية استيطانية من أغنى الجمعيات غير الحكومية فى إسرائيل، تشرف على الكثير من البؤر الاستيطانية فى سلوان، وتقع أغلبها فى منطقة وادى حلوة، قرب الأقصى، وتمول الحفريات الإسرائيلية بالمنطقة.
سلوان هى القرية الأكثر التصاقا بأسوار وأبواب القدس القديمة، من الناحية الجنوبية الشرقية المحاذية للمسجد الأقصى وحائطه الخارجي، وهى من القرى الكبيرة بفلسطين، ومن أعلى القرى كثافة سكانية فى التاريخ المعاصر. وفيها مواقع تاريخية مهمة، وكانت مصدر مياه البلدة القديمة فى القدس عبر التاريخ. وتعرف بلقب حامية القدس، إذ تشكل حدودها قوسا يمتد من الناحية الشرقية الجنوبية وحتى الجنوبية الغربية للمدينة.
سلوان جرح نازف؛ فقد تعرضت قرية سلوان المقدسية، ولا تزال، لحملة استيطان واسعة استخدمت فيها جميع الأدوات الاستيطانية الصهيونية والإحلال الديموجرافى. ولا يمكن فهم ما يدور فى هذه القرية بمعزل عن الصورة الشاملة.
إن قرية سلوان تلخص آليات الاحتلال القسرية غير الشرعية للسيطرة. فمنذ أيام أخطرت سلطات الاحتلال الإسرائيلى عشرات العائلات المقدسية فى حى “بطن الهوى” ببلدة “سلوان” بإخلاء منازلهم التى تؤوى نحو ‪300‬ فرد، لصالح جمعيات استيطانية. وبات سكان نحو ‪37‬ منزلا مهددين بالتهجير القسرى، ضمن مخطط استيطانى جديد تديره جمعية “عطيرت كوهنيم” التى تسعى لفرض سيطرتها على مساحة تقدر بنحو ‪5‬ دونمات و‪200‬ متر مربع فى الحى، ويشمل المخطط نحو ‪30‬ إلى ‪35‬ بناية يقطنها نحو ‪80‬ عائلة أى نحو ‪600‬ فرد، جميعهم من سكان الحى منذ سنوات بعيدة.
وقد دعت محافظة القدس فى شهر يونيو الماضى إلى تدخل دولى عاجل لوقف قرارات الإخلاء التى أصدرتها سلطات الاحتلال فى بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، وضرورة محاسبة الجهات المتورطة فى تنفيذ سياسات التهجير، ودعم العائلات الفلسطينية، فما يجرى فى حى “بطن الهوي” من قرارات إخلاء للعائلات الفلسطينية هو نموذج صارخ لسياسة تهويد القدس، ويستدعى تحركا عاجلا لحماية الفلسطينيين من التهجير القسرى، وصون هوية المدينة .
وفى خطوة تمثل انتهاكاً صارخًا للقانون الدولى، افتتحت جمعية”عطيرت كوهنيم” الاستيطانية مركزا داخل المنازل التى تم الاستيلاء عليها! ولكن “سلوان” صامدة لآخر لحظة.. جريمة ممتدة عبر الزمن والأجيال، ففى عام ‪1948‬ قامت العصابات الصهيونية بتهجير أجداد عائلة تدعى “بصبوص” من قرية الدوايمة، واليوم تواصل الجمعيات الاستيطانية ملاحقة أفرادها لتطردهم من منازلهم فى حى بطن الهوى ببلدة سلوان.
وتجرى منظمة إلعاد حفريات فى أنفاق أسفل بلدة سلوان، وفق ممارسات غير تقليدية فى علم الآثار. كما ألحقت حفريات الأنفاق أضرارا بمنازل سلوان، مما تسبب فى تشققات فى الأساسات، بل لقد بلغ الأمر حد انهيار الجدران. ومنذ عام ‪2007‬ تواصل منظمة إلعاد توسيع عملياتها، وتجرى حفريات فى موقع كان يستخدم سابقا كموقف سيارات لزوار البلدة القديمة ومقر لسكان سلوان. إلا أن لهذه الحفريات دوافع خفية، فهى جزء من مساعى إلعاد فى إطار خطة تشويه أفق مدينة القدس تاريخيا بمخططات ومشاريع تهدف إلى تهويد القدس.
وتعتمد قدرة “إلعاد” على الترويج لأنشطتها فى سلوان على موارد مالية ضخمة. ووفقا للتقارير المالية الصادرة عن الجمعية ذاتها، تلقت إلعاد تبرعات بلغت نحو ‪700)‬ مليون شيكل) بين عامى ‪2005‬ و‪2018‬، وهو ما يوازى أكثر من ‪200‬ مليون دولار!
وبحسب تقرير لصحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية عام2022 تلقت جمعية “إلعاد” دعما بلغت قيمته 28 مليون شيكل لدعم الاستيطان ومخططات التهويد فى حى واد الربابة وتغيير طابعه الفلسطينى، بذريعة إقامة حدائق عامة ومشاريع زراعية وتطوير المنطقة سياحيا على حساب أصحاب الأرض الأصليين وسلب حقوقهم ومصادرة أرضهم ومنع الامتداد الجغرافى الفلسطينى فى سلوان. 
وتدعم المشروع الاستيطانى الذى تديره “إلعاد” فى حى واد الربابة وفى سلوان عامة، عدة مؤسسات من بينها البلدية، وسلطة الطبيعة، ووزارات الجيش والتعليم و الزراعة والقضاء.
فى أغسطس ‪1998‬، استلم الرئيس المشارك للصندوق القومى اليهودى آنذاك وثيقة من ‪12‬ صفحة، مرفقة ببعض الملاحق، بعنوان “مراجعة لمدينة سلوان”.
 كان كاتب التقرير مدير قسم العقارات فى الصندوق القومى اليهودى، الذى تقاعد من الصندوق قبل أكثر من ‪20‬ عاما. ويصف التقرير بالتفصيل العلاقة الوثيقة بين الصندوق القومى اليهودى وجمعية إلعاد، ويكشف أحد ملاحق التقرير، وهو رسالة مكتوبة بخط اليد أرسلها مؤسس منظمة إلعاد “دافيد باري” والمدير التنفيذى لها عام ‪1985‬، عن عمق العلاقة الناشئة بينها وبين الصندوق اليهودى قبل عام من تأسيس إلعاد رسميا.
وفى العام التالى، عام ‪1986‬، أرسل “باري” رسالة أخرى إلى المدير العام للصندوق القومى اليهودى، شمعون بن شميش، يناقش فيها التزامه بالمساعدة فى تحديد المواقع المراد الاستيلاء عليها فى سلوان، وتناولت تلك الرسالة قطعة أرض محددة.
تأسست جمعية إلعاد الاستيطانية فى سبتمبر من العام ‪1986‬ على يد المستوطن “دافيد باري” المولود عام ‪1953‬ لعائلة يهودية ذات أصول بولندية، وقد اشتهر إعلاميًا عام ‪2010‬ عندما وثقت عدسات الكاميرات جريمته الدموية الوحشية، حيث دهس بسيارة “سوبارو” طفلا فلسطينيًّا فى مواجهات شهدتها بلدة سلوان فى القدس.
وخلال خدمته العسكرية الأولى فى صفوف جيش الاحتلال بين عامى 1973 - 1979، انتسب “باري” لوحدة “سييرت متكال” وهى الوحدة المسئولة عن تنفيذ عمليات خاصة، وتعمل تحت أمر وقيادة قسم الاستخبارات فى الجيش.
وفى عام 1988 عاد “باري” للخدمة الاحتياطية فى جيش الاحتلال بعدما طلب منه إيهود باراك تولى مسئولية نائب قائد وحدة “الدوفدفان” وهى وحدة نخبوية أخرى فى جيش الاحتلال تختص بجمع المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ العمليات المعقدة للاعتقالات والاغتيالات.
 وبعدما أنهى “باري” الفترة الأولى من خدمته العسكرية فى صفوف جيش الاحتلال ذهب للدراسة فى الجمعيات الاستيطانية المتطرفة مثل “بنى عكيفا” و”عطيرت كوهنيم” التى تركز عملها على تشجيع الهجرة إلى القدس وربط اليهود بالقدس.
 بعد ذلك تفرّغ "باري" لتأسيس “جمعيته إلعاد” من أجل تسريع عملية الاستيطان فى سلوان خصوصًا أن العمل الأساسى الذى أشرفت عليه “إلعاد” آنذاك هو إدارة الموقع الأثرى شمال سلوان .
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام