حسام حسن يصنع الحدث العالمى لاعبا ومدربا
هناك أيام تتحول من مجرد تواريخ إلى أيقونات فى الذاكرة الجمعية، ويبدو أن 8 أكتوبر صار علامة استثنائية فى حياة المصريين وتاريخ الكرة المصرية، ليس لحدث سياسى أو اجتماعى، بل بسبب كرة القدم، ففى هذا اليوم 8 أكتوبر من عام 2017، انفجرت مصر فرحًا، بعدما سجل محمد صلاح هدفًا قاتلًا فى مرمى الكونغو، ليعيد الفراعنة إلى كأس العالم بعد غياب 28 عامًا، ليلة خرجت فيها الجماهير إلى الشوارع، وامتزجت الدموع بالأعلام فى مشهد غير مسبوق، قبل أن يخوض المنتخب بعدها مباراة «تحصيل حاصل» أمام غانا، وقد حسم التأهل مبكرًا. اليوم، وبعد ثمانى سنوات كاملة، تتكرر الملامح ذاتها على نحو مدهش، ففى 8 أكتوبر 2025 يخوض منتخب مصر مواجهة حاسمة أمام جيبوتى فى المغرب، على ملعب العربى الزاولى بالدار البيضاء، ضمن الجولة التاسعة من التصفيات الإفريقية المؤهلة للمونديال، حيث يكفيه الفوز، ليعلن تأهله رسميًا قبل جولة من النهاية، تمامًا كما فعل فى 2017. المشهد يزداد إثارة مع انتظار مباراة "تحصيل حاصل" أخرى ضد غينيا فى الختام، ومع احتمال أن يكون صلاح هو من يكتب لحظة الصعود مجددًا، لكن هذه المرة بصفته قائدًا مخضرمًا وأسطورة كروية عالمية. الفارق بين الأمس واليوم أن المنتخب يدخل المباراة متصدرًا المجموعة برصيد 20 نقطة من 8 مباريات، دون أى هزيمة، مع هجوم قوى ودفاع صلب، ليجعل من 8 أكتوبر موعدًا جديدًا مع التاريخ، وربما مع هدف آخر يحمل توقيع صلاح، ومن المقرر أن تنطلق المباراة فى تمام السابعة مساء بتوقيت القاهرة، بينما ستقام مباراة غينيا بيساو فى العاشرة مساء. منتخب مصر يتصدر ترتيب المجموعة الأولى فى تصفيات إفريقيا المؤهلة إلى كأس العالم برصيد 20 نقطة من 8 مواجهات، فيما يأتى بوركينا فاسو فى الوصافة برصيد 15 نقطة، ويحتل سيراليون المركز الثالث برصيد 12 نقطة، بينما يأتى غينيا بيساو رابعا برصيد 10 نقاط، وفى ذيل المجموعة يأتى إثيوبيا برصيد 6 نقاط، ودخل منتخب مصر التصفيات، وهو يدرك أن أى تهاون قد يكلفه غاليًا، لكن البداية جاءت مثالية ومنحت الفريق ثقة مبكرة، ففى الجولة الأولى، ضرب الفراعنة بقوة بعدما سحقوا جيبوتى بسداسية نظيفة، فى مباراة أكدت الفارق الكبير بين الطرفين، ورسخت صورة منتخب يريد أن يحسم مقعده مبكرًا، ثم جاء الفوز الثانى على سيراليون بثنائية نظيفة خارج الديار، ليتصدر المنتخب المجموعة منذ الخطوة الأولى، والمواجهة الأصعب كانت أمام بوركينا فاسو فى القاهرة، حيث نجح المصريونفى الفوز بنتيجة 1-2 فى واحدة من أهم محطات التصفيات، قبل أن يتعادلوا مع غينيا بيساو بهدف لمثله خارج الأرض، تعادل لم يضعف الصدارة لكنه أرسل رسالة بأن الطريق لن يكون مفروشًا بالورود، ومع العودة إلى القاهرة، استعاد المنتخب صلابته ليتغلب على إثيوبيا بهدفين نظيفين، ثم كرر التفوق على سيراليون بهدف دون رد. وأكمل سلسلة نتائجه القوية بالفوز على إثيوبيا مرة أخرى، ليتأكد أن الصدارة باتت فى قبضة الفراعنة، ثمانى مباريات كانت كافية لتجميع 20 نقطة كاملة: ستة انتصارات وتعادلان فقط دون أى هزيمة، مع حصيلة هجومية بلغت 16 هدفًا ودفاع صلب لم يستقبل سوى هدفين، الفارق اتسع إلى خمس نقاط عن بوركينا فاسو أقرب المطاردين، لتصبح مواجهة جيبوتى فرصة مثالية لحسم بطاقة العبور إلى المونديال رسميًا. وقد قرر الجهاز الفنى لـمنتخب مصر الأول لكرة القدم، بقيادة حسام حسن، انطلاق المعسكر الإعدادى رسميًا يوم 5 أكتوبر الجارى، استعدادًا لمواجهتى جيبوتى وغينيا بيساو، وأكد الاتحاد المصرى لكرة القدم هذا الموعد من خلال الخطابات الرسمية التى أرسلها إلى إدارة استاد القاهرة الدولى، محددًا فيها موعد بدء تجمع اللاعبين وخوض التدريبات، ومن جانبه كشف الاتحاد الدولى لكرة القدم "فيفا"، عن الطاقم التحكيمى الذى سيدير مواجهة منتخب مصر أمام نظيره جيبوتى، واستقر الاتحاد الدولى لكرة القدم "فيفا" على تعيين طاقم تحكيم جابونى، لإدارة المباراة بقيادة ميبيامى باتريس، ويعاونه الثنائى أبيينى ندونج آموس، وإيتونو أوندو أوريل، ويتواجد دوس سانتوس أولاديو كحكم رابع، وفى مباراة الجولة العاشرة بين مصر وغينيا بيساو على ملعب استاد القاهرة، سيتولى إدارة المباراة، طاقم تحكيم غانى بقيادة الحكم الدولى دانيال لاريا، ويعاونه كل من مواطنيه رولاند نى دودو حكم مساعد، أبارينجا أكورجى سيفوليس حكم مساعد ثان، وقدرى عبد اللطيف حكمًا رابعًا. العميد يعادل الكفة الصعود إلى كأس العالم ليس مجرد رقم يضاف فى السجلات، بل خط فى كتاب التاريخ يحدد كيف تبنى الشعوب ذاكرتها الكروية، ومع منتخب مصر كان هذا الكتاب مليئًا بالفصول النادرة، فالبداية جاءت مبكرًا جدًا عام 1934، حينما قاد الإسكتلندى جيمس ماكراى المنتخب إلى أول مشاركة فى المونديال، ليكون أول حضور عربى وإفريقى فى البطولة، لكنه ظل إنجازًا يتيمًا بلا تكرار لعقود طويلة، ثم جاء الجنرال محمود الجوهرى، المدرب الوطنى الذى حمل الحلم على كتفيه وأعاد الفراعنة إلى المونديال بعد غياب 56 عامًا كاملة، ليكتب بمداد من ذهب صعود 1990، وكان ضمن تشكيلته وقتها لاعب شاب متوثب اسمه حسام حسن، لم يكن مجرد مهاجم عابر، بل أحد الوجوه التى ربطت جيلًا كاملًا بلحظة العودة. مر الزمن، وجاءت المحاولة الثالثة بقيادة أرجنتينى هذه المرة، هيكتور كوبر، الذى أعاد مصر إلى الساحة العالمية فى 2018 بعد انتظار دام 28 عامًا أخرى، ليصبح سجل الصعود مقسومًا بين مدرب أجنبى ومدرب وطنى، فى معادلة غير متوازنة ظلت تبحث عن عدالة، وهنا يظهر حسام حسن، ليس فقط كمدرب جديد، بل كامتداد لمدرسة كاملة، وصف طويلاً بأنه خليفة الجوهرى، لأنه تشبع بفلسفته، وتربى فى معسكراته، ولعب تحت إدارته فى أكبر لحظات المنتخب. واليوم يقف العميد أمام امتحان التاريخ: أن يُكمل ما بدأه أستاذه، ويعيد للمدرب الوطنى مكانته كصانع إنجاز، لا مجرد حل مؤقت. إذا تحقق التأهل هذه المرة، فسيصبح الصعود الرابع فى تاريخ مصر إلى المونديال، لكنه فى الوقت نفسه سيحمل دلالة رمزية عميقة، معادلة الكفّة بين الأجانب والمصريين بواقع مرتين لكل طرف، لتعود العدالة إلى دفتر التاريخ.. والأهم أن هذا التأهل سيكرّس صورة حسام حسن كخليفة شرعى للجوهرى، الرجل الذى فتح الباب قبل 35 عامًا، بينما يأتى تلميذه ليؤكد أن أبناء البلد قادرون على استكمال المسيرة وصناعة المجد. وبين الجوهرى بهدوئه وحكمته، والعميد بعنفوانه وحماسه، تكتمل الثنائية التى ترسم خطًا متصلًا فى ذاكرة الكرة المصرية: من 1990 إلى 2025، من المعلم إلى التلميذ، ومن الحلم إلى الحقيقة، بل إن "العميد" حسام حسن سيصنع التاريخ كأول مصرى يتأهل لكأس العالم لاعبا ومدربا.