منع التهجير القسرى للفلسطينيين ضمن خطة ترامب للسلام.. انتصار للدبلوماسية المصرية د. عمر البستنجى: الأمة العربية بقيادة القاهرة أعادت صياغة معادلة الردع السياسى محسن الشوبكى: مصر والأردن تواصلان دوريهما فى توحيد الصف الفلسطينى د. أريج جبر: تصدرت الجبهة الدبلوماسية العربية لتثبيت الحقوق الفلسطينية د. عمرو حسين: القاهرة قادت تحركا عربيا وأوروبيا لدعم إعادة إعمار غزة منذ عقود، كانت مصر فى قلب المعادلة الفلسطينية، تتبنى نهجًا واضحا يرتكز على دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، ورفض أى محاولات لتغيير الواقع الجغرافى أو السياسى، بما يخدم الاحتلال، فمنذ اندلاع العدوان الإسرائيلى على غزة، لم تدخر القاهرة جهدًا فى التصدى لمخططات التهجير والتصفية، مستخدمة أدواتها الدبلوماسية والسياسية والإستراتيجية، لإفشال المشروع الصهيونى الذى سعى لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وفق حسابات الاحتلال ومصالحه.
ويعكس إدراج بند منع التهجير القسرى للفلسطينيين، ضمن خطة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب للسلام، انتصار الدبلوماسية الرئاسية المصرية، حيث نجحت جهود القاهرة فى حماية حقوق الفلسطينيين وفرض موقفهما على صانع القرار الدولى، مؤكدة قدرتهما على إدارة الأزمات وتحقيق التوازن بين الأطراف المعنية، ما يمثل خطوة مهمة لتعزيز الاستقرار الإقليمى وحماية المدنيين. الموقف المصرى لم يكن مجرد تصريحات، بل تجسد فى تحركات عملية، بدءًا من الدعم الإنسانى العاجل لأهالى غزة، مرورًا بالمفاوضات الشاقة لوقف العدوان، وصولًا إلى الحشد الدولى الرافض لعمليات التهجير القسرى، كما لعبت مصر دورًا محوريًا فى تحقيق المصالحة الفلسطينية، ووضعت رؤية متكاملة لإعادة إعمار غزة، بما يحفظ الهوية الوطنية الفلسطينية ويعزز صمودها. وبرغم الضغوط الدولية والإقليمية، بقيت مصر متمسكة بثوابتها التى ترفض أى حلول على حساب الأراضى الفلسطينية، أو الأمن القومى العربى، وهو ما أفشل مرارًا المشاريع الصهيونية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، لكن يبقى التساؤل الأهم: ما المبادئ والثوابت المصرية التى أفشلت المشروع الصهيونى فى فلسطين؟ وكيف يمكن للدعم العربى الكامل للرؤية المصرية أن يمنع تصفية القضية الفلسطينية؟
موازين القوى
قال الدكتور عمر البستنجى، خبير العلاقات الدولية: «منذ اللحظة الأولى للحرب على غزة، كان المشهد الإقليمى والإسرائيلى، ينذر بتبدلات جذرية فى موازين القوى والرؤى السياسية»، وأضاف أن «الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، سعت لإعادة صياغة الواقع الفلسطينى، وفق منطق القوة والعقاب الجماعى، بينما راهنت بعض الدوائر داخلها على تصدير الأزمة عبر بوابة التهجير، سواء نحو مصر فى الجنوب أم الأردن شرقا».
وأشار إلى أن «مصر أدركت مبكراً، أن المخطط الإسرائيلى يتجاوز حدود الحرب على غزة إلى محاولة نسف ركائز الأمن القومى المصرى والعربى، عبر تحويل الأراضى العربية إلى عمق جغرافى إسرائيلى»، لافتاً النظر إلى أن «مصر بقيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى، واجهت هذا المشروع منذ بدايته برفض قاطع وواضح».
وأكد أن «الرئيس السيسى، رفض كل المغريات المادية والسياسية التى طُرحت فى الكواليس الدولية، مقابل تمرير مخطط التهجير، مؤكداً أن مصر دولة سلام، لكنها تعرف تماماً كيف تدافع عن أمنها القومى». وأضاف البستنجى أن «هذا الموقف المبدئى، الذى تكرر فى أكثر من خطاب رسمى، وبرز بوضوح خلال القمة العربية والإسلامية الأخيرة، مثّل لحظة فاصلة فى إعادة رسم حدود الحوار الدولى حول غزة، حيث لم يعد ممكناً تجاوز القاهرة فى أى نقاش يتعلق بمستقبل فلسطين والمنطقة».
وأوضح البستنجى أن «الموقفين، المصرى والأردنى، كانا ركيزتين صلبتين انطلقت منهما الدبلوماسية العربية، لتعيد تموضعها وتوازنها فى مواجهة المشروع الإسرائيلى»، مشيراً إلى أن «دخول قطر والمملكة العربية السعودية بثقلهما الدبلوماسى، حوّل المواجهة من رفض إقليمى إلى حراك عربى منظم، قاد إلى بناء جدار سياسى ودبلوماسى عالمى رافض لفكرة التهجير، ومؤكد مركزية القضية الفلسطينية فى الضمير الإنسانى والعالمى».
وأضاف أن «مصر رفقة حلفائها العرب، خاضت معركة سياسية ودبلوماسية كبرى، أسهمت فى تحويل النهج الدبلوماسى العربى من الدفاع إلى الهجوم السياسى الإيجابى، ما أثمر عن تحولات دولية غير مسبوقة، حيث شهد العالم فى الأشهر الأخيرة موجة من الاعترافات بالدولة الفلسطينية، وتزايد العزلة السياسية لإسرائيل، حتى على مستوى حلفائها التقليديين». وعن خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لوقف الحرب، قال البستنجى: «شكلت هذه الخطة صفعة موجعة للاحتلال، بعد أن رحبت بها حركة حماس بذكاء وواقعية سياسية نادرة، ما جعل الموقف الإسرائيلى فى غاية الارتباك»، وأكد أن «رد الحركة لم يكن وليد اللحظة أو محصوراً فى منطق الفصائلية الضيقة، بل جاء نتاج مشاورات ومساندة دبلوماسية عربية على أعلى المستويات، خصوصاً من مصر وقطر والأردن والسعودية، التى أسهمت فى بلورة موقف فلسطينى متزن، وضع اليمين الإسرائيلى فى مأزق غير مسبوق، وأفشل رهاناته على استمرار دوامة الحرب والفوضى».
وختم البستنجى تصريحاته بالقول: «ما تحقق لم يكن مصادفة، بل نتيجة لرؤية عربية متكاملة قادتها القاهرة، واحتضنتها عمّان والدوحة والرياض، وباركتها الحكومات العربية، التى أدركت أن أمنها لا يتجزأ، وأن الخطر على فلسطين هو خطر على كل عاصمة عربية»، وأضاف: «لقد فشلت خطط التهجير بفضل صلابة الموقف السياسى، فى ظل قيادات واعية تدرك أهمية الأمن القومى العربى».
وأكد أن «الأمة العربية بقيادة القاهرة، أعادت صياغة معادلة الردع السياسى، وأكدت للعالم أن فلسطين ليست قضية يمكن تجاوزها، وأن القضية الفلسطينية، ستبقى البوصلة التى تحدد مصداقية المواقف الدولية والإنسانية على حد سواء». المساعدات الإنسانية
من جانبه، قال محسن الشوبكى، الخبير الأمنى والإستراتيجى الأردنى، إن موقف الدولة المصرية، برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسى، كان واضحًا وغير موارب منذ بداية العدوان الإسرائيلى على غزة، موضحًا أن القيادة المصرية كانت تمتلك قراءات متقدمة لما تخطط له إسرائيل، خصوصا فيما يتعلق بخطط تهجير أبناء غزة. وأضاف الشوبكى، أن ما كان يطرحه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين لم يكن جديدًا، بل كان ضمن محاولات لإحداث تغيير فى الواقع الجيوسياسى، فإن هذه المحاولات فشلت مجددًا، مشيرًا إلى أن هذا الفشل يعود إلى النشاط الدبلوماسى المصرى المكثف بقيادة الرئيس السيسى، والذى ركز على وقف حرب الإبادة، وإنقاذ المدنيين، علاوة على تدفق المساعدات الإنسانية المصرية، لدعم صمود الفلسطينيين فى غزة.
وأوضح الشوبكى، أن مصر، كجزء رئيسى فى إحباط مخطط تهجير أبناء غزة الذى تنازل عنه ترامب، وعملت على وضع خطة إستراتيجية تنفيذية محكمة لإعادة إعمار غزة، دون أى تهجير، مشيرًا إلى أن الخطة تضمنت إنشاء صندوق لتمويل هذا المشروع على المستويين الإقليمى والدولى.
وأكد الشوبكى، أن هذه الجهود المصرية حظيت بدعم عربى غير محدود، وهو ما ظهر جليًا خلال قمة الرياض، التى سبقت القمة العربية فى القاهرة، موضحًا أن هناك وحدة فى الموقف العربى، بقيادة مصر تجاه القضية الفلسطينية.
وتابع الشوبكى موضحًا أن مصر خاضت معركة مفاوضات شرسة مع قطر فى مواجهة التعنت الإسرائيلي، مضيفًا أن القاهرة تمكنت من احتواء أى تداعيات خطيرة، وهو ما أدى إلى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، مؤكدًا أن القاهرة تراقب عن كثب محاولات إسرائيل التملص من التزاماتها، وتعمل على ضمان تنفيذ الاتفاق بما يحقق الأمن والاستقرار فى القطاع.
موقف ثابت من جانبها، قالت د. أريج جبر، أستاذ العلوم السياسية الأردنية، إن جمهورية مصر العربية قطعت أشواطًا صعبة فى ترسيخ حقوق الشعب الفلسطيني، وسعت على الصعيدين ـ الدولى والإقليمى ـ لمنع الكيان المحتل من ابتلاع المشروع الوطنى الفلسطينى وقضم حقوق هذا الشعب، مؤكدةً أن حق تقرير المصير للشعب الفلسطينى هو ثابت لا يقبل المساومة.
وأوضحت جبر أن مصر لم تكتفِ بالدبلوماسية، بل لعبت دورًا محوريًا فى إحياء ضمير الأمة، وتجسيد مفاهيم القومية والعروبة، وخلق إجماع عربى ثابت حول مسار القضية الفلسطينية ووحدتها، مؤكدةً أن موقف مصر ظل ثابتًا خلال عدوان “طوفان الأقصى”، برغم التحديات الأمنية والتصعيد الإقليمى العسكري، حيث رفضت أى مشروعات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين قسرًا.
وأشارت جبر، إلى أن مصر أدركت مبكرًا الأجندة الإمبريالية الإحلالية للكيان المحتل، ولذلك أعلنت بوضوح وصرامة موقفها الرافض لسياسات الترويع والتجويع والتطهير العرقى فى قطاع غزة والضفة الغربية، مؤكدةً أن القاهرة تدرك جيدًا مكانتها الإقليمية، وقدرتها على التأثير الدبلوماسى.
وأكدت جبر، أن الرئيس عبد الفتاح السيسى، حرص على خلق جبهة موحدة مصرية - أردنية، يمكن وصفها بأنها “خلية إستراتيجية” للتعاطى مع تداعيات عدوان “طوفان الأقصى”، مشيرةً إلى أن مصر والأردن أعلنا بشكل قاطع رفضهما القاطع للتهجير أو التوطين، وشددا على ضرورة التصدى لجرائم الحرب والإبادة والتطهير العرقى، التى يرتكبها الاحتلال، مع دعوة المجتمع الدولى،
والأمم المتحدة لتحمل مسئولياتهما ووقف ممارسات الاحتلال الوحشية. واستطردت جبر موضحةً، أن مصر تبنت مسارًا دبلوماسيًا تفاوضيًا، وتصدرت مشهد الوساطة لوقف شلال الدم والدمار فى غزة، بالتوازى مع تصديها لمشاريع التهويد والتخريب فى الضفة الغربية،
مشيرةً إلى أن مصر تبنت خطابًا فلسطينيًا عربيًا موحدًا، يرفض أى تنازل عن الحقوق الفلسطينية أو السماح، بأن يكون الحل على حساب الدول العربية. وتابعت جبر قائلةً: إن مصر لوحت بإمكانية تجميد العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيونى، كما أشارت مرارًا إلى اتفاقية السلام واتفاقية إدارة المعابر، واستخدمتها كأدوات ضغط إستراتيجية، مؤكدةً أن الاحتلال يدرك خطورة أى انسحاب مصرى من الوساطة، لما قد يشكله من تهديد وجودى له فى المنطقة.
وأوضحت جبر، أن مصر عملت على تمتين الجبهة الفلسطينية الداخلية، ودعت إلى مصالحة وطنية حقيقية، مستندةً إلى مخرجات مؤتمر بكين، بهدف خلق خارطة طريق لإدارة قطاع غزة، ومحاسبة الاحتلال على جرائمه، إضافةً إلى البدء فى إعادة الإعمار.
خط أحمر من جانب آخر، قال د. عمرو حسين، الكاتب والمحلل السياسى، إن موقف مصر القوى والثابت، منذ اندلاع العدوان الإسرائيلى على غزة فى السابع من أكتوبر عام 2023، من قضية التهجير، والذى أكده الرئيس عبد الفتاح السيسى فى أكثر من مناسبة باعتباره “خطًا أحمر”، كان عاملاً حاسماً فى تحديد موقف عربى واضح، ضد تهجير الفلسطينيين من غزة وفقاً لخطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، التى كانت تهدف من قبل إلى “شراء غزة”. وأوضح حسين، أن زيارات الرئيس عبد الفتاح السيسى، المهمة إلى إسبانيا ودول الاتحاد الأوروبى، واتصاله بنظيره الفرنسى، إيمانويل ماكرون، أسهما فى حشد موقف أوروبى قوى رافض لمخططات التهجير، ومؤيد لحل الدولتين.
وأشار حسين، إلى أن القمة العربية المصغرة، التى استضافتها المملكة العربية السعودية، وجهت رسالة واضحة برفض التهجير، وأكدت دعم الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، وهى الخطة التى وضعت جدولاً زمنياً يمتد من ثلاث إلى خمس سنوات، بهدف إعادة الحياة إلى القطاع. واستطرد حسين موضحاً أن هذه الخطة، تشمل إدخال أكثر من 20 شركة متعددة الجنسيات لإعادة الإعمار، بالإضافة إلى موافقة أكثر من 12 دولة أوروبية على تمويل عمليات الإعمار.
وتابع حسين قائلاً: إن القمة العربية فى القاهرة شهدت قرارات قوية وحازمة تؤكد رفض التهجير، ودعم مصر والأردن فى مواجهة تلك المخططات التى تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، مع التشديد على ضرورة الحفاظ على حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لمبادرة العاهل السعودى الراحل الملك عبد الله بن عبدالعزيز خلال القمة العربية لعام 2002.