مقالات



كل الخيارات مفتوحة!

11-10-2025 | 20:05
د. إيمان طاهر

لا تزال أمريكا ومن معها يعملون بمبدأ «الأخ الكبير»، فى أفلام المافيا!.. وهذا أمر وواقع ليس بجديد أو غريب، فقد كانت ذروة هيمنتها غير المسبوقة بعام 1945، ولا تزال على الرغم من تنوع قوتها وسيطرتها - وإن كان مبدأ المافيا التقليدى، والذى عهدناه عبر مشاهدة أفلامهم حاضر وبثبات - لكن القدرة على تنفيذه علنيا، أصبح أكثر تحديدا وتنفيذها على الأرض أكثر عنفا ووحشية، لدرجة زادت من شهية عقول تلك القوة الرأسمالية الإمبريالية للدمار، فلم تعد موضع شك بعد.

فكل صغيرة أو كبيرة حدثت بالماضى والآن، كانت تمهيدا لسيادة هذا المبدأ فى تمركز الأسواق واللصوصية المالية العالمية، وهيمنتها لتعلن نهاية الدول القومية وضياع الوجود الإنسانى المحترم، أمام تلك الفاشية بكل مخاطرها، والتى اتضحت أكثر أيديولوجيا منذ عودة ترامب إلى السلطة، بحيث أصبح الوضع صعب التكهن به، مما قد يبدو لنا جنونا أو عشوائيا، لكن الحقيقة أنه مدروس ومخطط له بدقة بالغة، لتثبيت وفرض أوضاع جديدة علينا بالمنطقة، وبوسط الفوضى يتغافل البشر عن حقوقهم المشروعة، ولا منفذ للهرب، فكل الخيارات مفتوحة أمام مصالح تلك القوة.
دعونا نعد قليلا إلى العدوان الثلاثى على مصر، أو حرب السويس 1956، حيث قامت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، بشن هجومهم عقب تأميم قناة السويس، وتصدى شعب مصر مع جيشها بشراسة، أذهلت تلك القوة، ودفعتها للتفكير، بأن البديل الوحيد طويل المدى للحرب التى لا نهاية لها فى الشرق الأوسط، هو تسوية شاملة على الرغم من إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بالمناطق الآهلة للسكان العرب التى استولت عليها فى 1967، ومرر الغرب انتهاكها للاتفاقية.

والآن، وبعد عقود من النزاع والحروب والاستفزازات، مازالت إسرائيل قلعة محصنة مسلحة وبحماية دولية، واتضح عمق تلك النظرية أخيرا بإمدادها بالأموال والأسلحة والمواقف المعلنة، والحقيقة أن تلك العقلية المتصلبة سواء للإسرائيليين أم القوة الغربية، أن منهجهم ثابت وهدفهم ثابت، اتضح ذلك حين تم رفضهم من شخصيات سياسية، أو شعوب وسرعان ما رفعوا لنا شعارهم الجاهز «معاداة السامية»، عن أى سامية يتكلمون؟ عن انتزاع واحتلال أراضى غيرهم، أم عن إبادة شعوب وتشريدها؟ والأدهى قد يفرض عليك عقوبات سياسية، من هنا ضاع التوازن السياسى بالمنطقة.
القضية ليست قضية فلسطين وحدها، وإن كانت كارثية بحد ذاتها، بل هى السيطرة على الشرق الأوسط بأكمله، فعند بناء السد العالى، وحين لجأت مصر للبنك الدولى، لأخذ قرض تمويلى، فأعد خططا وبرامج، وجاء جون فوستر دالاس، وألغى كل ذلك بشدة وعنف، ومنع تقديم أى مساعدات لمصر، ودعا إلى فرض عقوبات على مصر، وساوم جمال عبد الناصر، إما أن يفتح قناة السويس للسفن الإسرائيلية بحرية كشرط للتمويل، أو يمنع عنها التمويل، ورفضت مصر الخضوع.

قد يكون من السذاجة الشديدة، أن نتصور بأن إسرائيل والقوة العظمى ستمنح الفلسطينيين، أو العرب حق تقرير مصيرهم، أو أن تحقق الوجود القومى والأمنى بالمنطقة، أو غايتهم كما يدعو نشر السلام، لأن الخطوط العامة للسلام كانت مسبقا موجودة حين تم الاتفاق على حدود 1967 وقيام قوات الأمم المتحدة بحراسة المناطق المنزوعة السلاح، على جانبى الحدود، ومنح الفلسطينيين حق تقرير مصيرهم، وقبل الإسرائيليون كل ذلك واعتبر ممثلو منظمة التحرير الفلسطينية شركاء، ولهم كل الحقوق فى تشكيل دولتهم، تلك كانت المعاهدة الأمريكية، بما فيها وضع القدس كمنطقة دولية تخضع للسلطة القضائية المشتركة، بين الفلسطينيين والإسرائيليين كل تلك المعاهدات الصورية والوهمية، لم تكن إلا خططاً طويلة المدى للخداع الإستراتيجى تم تنفيذها فعليا أو الالتزام بها ولم تعترف أمريكا بفلسطين، وانتهت أية علاقة دبلوماسية تربطها بمنظمة التحرير الفلسطينية، بل فرضت عقوبات على أعضائها ورفضت منحهم تأشيرات لدخول أراضيها إلى اعترافها بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل!

وفى خطوات تفضح مدى التلاعب والزيف العالمى وأجندة حكومة العالم الجديد، جاء ترامب بعهده الثانى ليمحو أى أثر لدولة فلسطين، ودعم بنيامين نتنياهو الذى تلوث يديه بدماء الأطفال والأبرياء ممحاة وشطب كل المجازر والتعذيب والجوع للشعب الفلسطينى فى خطابه الأخير، وكأنه رسول سلام بلا أى مسئولية أو إدانة جنائية أو أخلاقية وإنسانية على الإسرائيليين، لتتلاشى بكبسة ذر جميع المآسى والاحتجاجات والغضب الإنسانى، ويعلن مكاسب أخرى عديدة على سبيل المثال، وليس الحصر مجلس السلام الدولى برعاية تونى بلير - وهو من جرم نفسه أمام أعين العالم كله حين أعترف فى مؤتمر صحفى بأن كل ما فعلوه فى العراق قد تم على أكاذيب قدموها للعالم- لتفريغ جذور الشعب الفلسطينى وتفكيك ما تبقى من آثار لأقدامهم على الأرض.

هذا التقسيم الجديد يمهد للشكل النهائى لخريطة الشرق الأوسط وإفريقيا فى مسار ومشهد يعيد تكرار نفسه من وعد بلفور واتفاقية أوسلو وغيرهم، خطوة بخطوة للمحصلة النهائية لأهدافهم.
فوجود إسرائيل وتوغلها بمنطقتنا هو الركيزة الأساسية لبقاء القوة العظمى، وضرب أى قوة حضارية بالمنطقة أو أية قوة أخرى قد تخرج من الشرق الأقصى أو الأدنى، هى إذن علاقة وجودية لتحقيق مكاسب إستراتيجية وسياسية لهم.

باختصار إسرائيل ما هى إلا بيدق، وهناك بيادق أخرى مضاعفة منذ زمن بعيد قد نعرفها أو لم يكشف عنها بعد، خاضعة لمبادئ الاستباقية ووفقا لحركة القوة العظمى التالية.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام