نحن والعالم



البرغوثى وسعدات وغيرهما مفتاح وقف الحرب فى غزة.. الإفراج عن كبار الأسرى انتصار كبير

11-10-2025 | 20:54
⢴زينب هاشم

لؤى صوالحة: نتنياهو أمام خيارين إما الحرب أو القبول بصفقة تاريخية
رائد ناجى: الإفراج عن الرموز الفلسطينية سيكون مكسبا وطنيا
نبيل كحلوش: السلام الحقيقى يتطلب الاعتراف بالهوية الأصلية للأرض أولا


خطة أمريكية جديدة طرحها الرئيس الأمريكى رونالد ترامب، بالاتفاق مع نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، لوقف الحرب فى غزة لتحقيق السلام، وطرح سبل جديدة لذلك من بينها إعادة الرهائن وإخلاء السجون الإسرائيلية، وذلك لوقف نزيف الدماء الذى شنه الاحتلال منذ السابع من أكتوبر قبل الماضي.

«الأهرام العربى» تطرح تساؤلات على بعض الخبراء، هل بالفعل يمكن أن يتم الإفراج عن الأسماء الكبيرة مثل مروان البرغوثى وأحمد سعدات وغيرهم؟ وهل خروج هؤلاء من الممكن أن يبيض السجون الإسرائيلية من جميع الأسرى؟ وإلى أى مدى يعد الإفراج عن هؤلاء محفزاً نحو قبول الصفقة ووقف الحرب؟   

بدأ الكاتب السياسى الفلسطينى، لؤى صوالحة، حديثه قائلا: فى اللحظة التى تتسارع فيها التطورات السياسية والعسكرية فى المنطقة، برزت أخيراً ملامح رؤية أمريكية جديدة قادها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى عاد بقوة إلى المشهد الدولى من بوابة الحرب الإسرائيلية على غزة. هذه الرؤية تتضمن طرحًا غير مسبوق، يتمحور حول إمكانية وقف الحرب عبر صفقة تبادل أسرى واسعة النطاق، تشمل الإفراج عن أصحاب المحكوميات العالية والمؤبدات من السجون الإسرائيلية، فى مقابل إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين فى غزة ووقف شامل للعمليات العسكرية.

ويضيف صوالحة، قائلا: هذه الأطروحات أثارت أسئلة جوهرية حول مدى واقعية إدراج أسماء فلسطينية كبيرة مثل مروان البرغوثى، أحمد سعدات، عبد الله البرغوثى، نائل البرغوثى وغيرهم فى أى صفقة قادمة، وحول تأثير خروج هؤلاء القادة على مسار الصراع والحرب، وعلى المعادلة السياسية الإسرائيلية والفلسطينية على حد سواء. حيث يعد مروان البرغوثى أحد أبرز القادة الفلسطينيين الذين يحظون بمكانة رمزية وتاريخية داخل الشارع الفلسطينى، وأحد الأسماء القليلة القادرة على تحريك المزاج الشعبى والسياسى فى آن واحد. وقد حكم عليه الاحتلال بالسجن المؤبد خمس مرات بتهم تتعلق بالمقاومة المسلحة خلال الانتفاضة الثانية، لكنه رغم ذلك بقى رمزًا للوحدة الوطنية الفلسطينية، ومرشحًا توافقيًا محتملًا فى أى مرحلة انتقالية قادمة.

ويتابع: أما أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فيمثل بعدًا فكريًا وسياسيًا مغايرًا، إذ يجسد خط المقاومة اليسارى الرافض للتسويات المفروضة. اعتقاله من قبل الاحتلال بعد مداهمة سجن أريحا عام 2006جاء فى سياق سياسى حساس، وجعل منه أيقونة للمقاومة غير القابلة للانكسار. فى المقابل، يأتى اسم عبد الله البرغوثى، المهندس العسكرى البارز فى كتائب القسام، الذى يقضى 67حكمًا بالمؤبد، كرمز للبعد العسكرى المقاوم، فى حين يمثل نائل البرغوثى، أقدم أسير فى العالم، ذاكرة نضالية ممتدة منذ أكثر من أربعة عقود.

ويمضى فى حديثه، قائلا: هذه الأسماء ليست مجرد سجناء سياسيين أو عسكريين، لكنها تمثل تيارات فكرية وسياسية متعددة داخل الساحة الفلسطينية، وتشكل بتحررها لوحة جامعة يمكن أن تعيد رسم ملامح الحركة الوطنية الفلسطينية وتوازناتها الداخلية.

وعن الرؤية الأمريكية والرهان على الصفقة الكبرى، يستكمل حديثه قائلا: ترامب، يسعى لإنجاز صفقة سياسية كبرى، تحدث صدى عالميًا، خصوصاً وأنه يدرك أن الحرب الإسرائيلية على غزة وصلت إلى مأزق إستراتيجى. فبعد مرور عامين على اندلاعها، لم تحقق إسرائيل أهدافها المعلنة لا القضاء على حماس تحقق، ولا استعادة الأسرى الإسرائيليين تمت، بينما تتآكل صورة الجيش الإسرائيلى أمام الرأى العام العالمى، ويتزايد الضغط الدولى لوقف الحرب.

ويضيف: من هذا المنطلق، طرح ترامب عبر قنوات خلفية رؤية تتضمن “مبادلة تاريخية”يتم فيها وقف شامل لإطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، مقابل الإفراج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم ذوو الأحكام العالية، على أن يترافق ذلك مع ترتيبات سياسية جديدة فى غزة والضفة الغربية، وربما إدارة انتقالية تحظى برعاية إقليمية ودولية.

وهذه الرؤية تحمل فى طياتها رغبة أمريكية فى إنهاء الحرب، قبل أن تتحول إلى مستنقع سياسى وأمنى يصعب الخروج منه، وتُستخدم الورقة الإنسانية الأسرى والمحتجزين كجسر لإنهاء العمليات العسكرية وفتح الباب أمام تسوية سياسية.

ومن هنا يطرح صوالحة السؤال. هل تقبل إسرائيل بالإفراج عن القادة الكبار؟ ويجيب قائلا: تاريخيًا، أبدت إسرائيل مرونة فى صفقات الأسرى، عندما كانت تتعرض لضغوط عسكرية أو سياسية كبيرة، كما حدث فى صفقة أحمد جبريل عام 1985وصفقة شاليط عام 2011. فى الصفقة الأخيرة، أُفرج عن أكثر من ألف أسير، بينهم محكومون بالمؤبد، رغم المعارضة الداخلية، لكن الوضع الحالى أكثر تعقيدًا لأن الحكومة الإسرائيلية اليمينية بقيادة نتنياهو تواجه انقسامات داخلية وضغوطًا من عائلات الأسرى الإسرائيليين، مقابل ضغط من التيار اليمينى المتطرف الرافض لأى صفقة واسعة. والإفراج عن شخصيات مثل البرغوثى وسعدات قد ينظر إليه داخل إسرائيل كهزيمة إستراتيجية، لأنه يعيد إلى الساحة الفلسطينية شخصيات قادرة على إعادة توجيه البوصلة السياسية وربما قيادة مرحلة ما بعد الحرب.

ويتابع: مع ذلك، فإن طول أمد الحرب واستعصاء الحسم العسكرى، إلى جانب تآكل الدعم الدولى لإسرائيل، يجعل من خيار الصفقة الواسعة خيارًا لا مفر منه فى لحظة ما. وقد يشكل تدخلا أمريكيا قويا من خلال شخصية مثل ترامب ذات التأثير على اليمين الإسرائيلى كعامل ضغط حاسم لتمرير مثل هذه الصفقة، خصوصًا إذا ما ربطت بوقف كامل للحرب وضمانات أمنية لإسرائيل.

ويشير لؤى صوالحة إلى أنه حتى لو شملت الصفقة الإفراج عن كبار القادة وأعداد كبيرة من الأسرى، فإن الحديث عن إفراغ السجون الإسرائيلية بالكامل يبدو مبالغًا فيه. فعدد الأسرى الفلسطينيين بعد 7أكتوبر 2023ارتفع إلى أكثر من 10آلاف أسير، بينهم مئات من الأطفال والنساء وآلاف من المعتقلين الإداريين دون محاكمة، فالإفراج عن البرغوثى وسعدات وعبد الله البرغوثى ونائل البرغوثى، إلى جانب دفعات من الأسرى أصحاب المؤبدات، سيشكل بلا شك أكبر عملية تحرير منذ عقود، لكنه لن يغلق ملف الأسرى نهائيًا، بل سيعيد ترتيب أولوياته.

ويوضح أن الأثر الحقيقى لمثل هذا الإفراج الذى لن يكون فقط على مستوى العدد، بل على مستوى الرمزية السياسية والوطنية لأن خروج هؤلاء سيشكل تحولًا نوعيًا فى الوعى الجمعى الفلسطينى، وقد يعيد الروح إلى الحركة الوطنية بكل أطيافها، ويعيد تشكيل مركز ثقل جديد قادر على التأثير فى أى تسوية قادمة.

ويضيف: من الناحية السياسية، فإن إدراج القادة الكبار فى أى صفقة سيعد حافزًا كبيرًا للفصائل الفلسطينية، وخاصة حماس والجهاد والجبهة الشعبية، للموافقة على ترتيبات وقف النار، نظرًا للثقل الرمزى لهؤلاء فى الشارع الفلسطيني. كما أن الإفراج عنهم سيقدم للجمهور الفلسطينى كنصر سياسى ومعنوى، يعادل فى بعض جوانبه صمود غزة فى وجه آلة الحرب الإسرائيلية،وعلى الجانب الإسرائيلى، فإن استعادة الأسرى والمحتجزين تمثل مطلبًا شعبيًا ضاغطًا على الحكومة، خصوصاً فى ظل التظاهرات المستمرة لعائلاتهم.

ومع تصاعد الكلفة البشرية والاقتصادية للحرب، قد يجد نتنياهو نفسه أمام خيارين، إما المضى فى حرب لا أفق لها أو القبول بصفقة تاريخية يمكن تسويقها كإنقاذ للأرواح واستعادة للأمن.

أما دوليًا، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والعديد من القوى الإقليمية تسعى لإغلاق ملف الحرب قبل أن تنفجر المنطقة أكثر، خصوصاً فى ظل تصاعد التوتر مع حزب الله واحتمال اتساع الجبهة الشمالية. وبالتالى، فإن أى صفقة تشمل القادة الكبار ستكون موضع ترحيب دولى، بإعتبارها مدخلًا لحل سياسى أوسع.

ويتحدث د. رائد ناجى، أستاذ جامعى، ومحلل سياسى جزائرى، عن 21بندا، سقط منها بند بعد التدخلات، خصوصاً كوشنر ومن معه يتضمنهم المقترح الأمريكى من أجل إنهاء الحرب قائلا: إطلاق سراح أسرى الاحتلال لدى حركة حماس دفعة واحدة أحياء وجثامين أهم بند فى الصفقة وبالمقابل يفرج الاحتلال عن الأسرى الفلسطينيين القابعين فى سجون الاحتلال، منهم من تم أسره بعد 7من أكتوبر 2023، ومنهم من هم فى محكمة عالية أو مؤبدة، ولكن ما هو موقع أصحاب المؤبدات العالية والأسماء البارزة من هذه الصفقة فى حال تمت الصفقة أصلا.

ويضيف: فمن خلال السياق التاريخى والعودة إلى التجارب السابقة مثلا صفقة شاليط 2011، وكذلك صفقات الثمانينات والتسعينيات، كان الاحتلال يتحفظ بشدة على إطلاق قيادات ذات رمزية مثل مروان البرغوثى “فتح”أو أحمد سعدات “الجبهة الشعبية” او قيادات حماس أو الجهاد ذات الأحكام العالية، ويمكن أن نستنتج أن الاحتلال سيحفظ أيضا على مثل هذه الأسماء ولكن إدخال هذه الأسماء ضمن أى صفقة يعلق بميزان القوى وضغط الحرب واعتبارات أخرى داخلية أو خارجية سياسية كانت أو دبلوماسية أو استحقاقات انتخابية خصوصاً عند الاحتلال، فإذا أمنت حكومة الاحتلال التقلبات الداخلية السياسية واحتوتها لصالحها، ورأت أن وقف الحرب واستعادة أسراها إلا عبر هذه التنازلات فالإفراج يصبح ممكنا.

ويشير ناجى إلى أن موافقة الاحتلال على الإفراج عن أسماء قيادية بارزة لا يخلى السجون، فاليوم يقبع فى سجون الاحتلال أكثر من 10000أسير فلسطينى، ومنهم المئات المسجونون تحت وطأة الأحكام العالية والمؤبدة، لذا لا يمكن الحديث عن إخلاء سجون الاحتلال من الأسرى الفلسطينيين ولو تم التسليم بإخلائها على احتمال ضعيف، فإن الاحتلال سيقوم باعتقال المئات خلال أيام فقط.

ويستكمل الحديث، قائلا: أعتقد أن الإفراج عن الأسماء الكبيرة كلها قد يكون مستحيلا بعض الشيء لما يحمله الإفراج عنهم من دلالات رمزية، وسيعتبر ذلك بمثابة تحول إستراتيجى ورسالة بأن الحرب أفرزت مكاسب وطنية كبرى، فعلى المستوى الشعبى الفلسطينى فإن الإفراج عن رموز وطنية مثل مروان البرغوثى وغيره من القيادات الوازنة يعتبر مكسبا وطنيا، إذ إن الجماهير ترى فيهم أيقونات وطنية قضوا سنوات طوالاً فى الأسر، وهذا ما سيجعل شريحة كبيرة من الرأى العام الفلسطينى، تميل لتقبل الصفقة حتى لو تضمنت تنازلات أو لم تشمل جميع الأسرى، وعلى المستوى الفصائلى والسياسى، أرى أن حركة حماس ستقدم تلك الصفقة على أنها إنجاز إستراتيجى، لأنها أجبرت الاحتلال على الإفراج عن قادة من كل الفصائل مما يعزز صورتها كمرجعية وطنية، وأما حركة فتح ستعتبر الإفراج عن البرغوثى مثلا ورقة سياسية قوية وقد يعيد خلط أوراق القيادة الفلسطينية بعد الحرب، وأما على صعيد الفصائل الأخرى كالجبهة الشعبية مثلا فى حال إطلاق سراح سعدات ستكسب رمزية كبيرة بخروج قياداتها مما يعطى الصفقة طابعا وطنيا جامعا بدلا من أن تحسب على طرف واحد.

ويمضى ناجى فى الحديث، قائلا: وعلى مستوى الاحتلال سيسبب خروج القيادات الفلسطينية وأصحاب الأحكام العالية والمؤبدة صدمة حقيقية داخل شارع الاحتلال، ولكن يمكن لحكومته أن تبرر ذلك بأنه الثمن الضرورى لوقف الحرب وإعادة الأسرى، مع التنويه أن هذا النوع من الصفقات لن يمر إلا فى ظل ضغط أهالى الأسرى والأحزاب المعارضة وضغط المجتمع الدولي.

وكذلك التحفيز العام نحو قبول الصفقة ووقف الحرب، لأنه إذا وافقت حكومة الاحتلال على الإفراج عن القادة الكبار معنى هذا أنه ستتنامى رمزية عالية تجعل من الصعب على أى طرف فلسطينى رفض الصفقة حتى لو لم تحرر جميع الأسرى، بل قد يشكل هذا شرعية وطنية للصفقة بدلا من أن ينظر إليها كتسوية مقيدة، بل ستقدم كإنجاز تاريخى يعزز الوحدة الوطنية، وهذا ما سيسهل العملية التفاوضية، حيث سيعتبر الإفراج مفتاحا رئيسيا لإنهاء الحرب، لأن غيابه قد يضعف كثيرا دوافع الفلسطينيين للموافقة.

ويتحدث نبيل كحلوش، خبير الدراسات الإستراتيجية، عن ثغرات الخطة الأمريكية قائلا: المراد هنا بمصطلح غزة منزوعة التطرف أى شرعنة استخدام القوة لإلغاء هوية المقاومة وإعادة الإعمار دون ربطه بالمحاسبة على جرائم الكيان وهو إعادة بناء مادى ليبقى مجرد قشرة تغطى الخراب دون علاج للجروح، فالانسحاب التدريجى من القطاع هدفه الحقيقى هو محاولة خلق الرابط مع الأهالى بالتدرج الزمني.

ويستكمل حديثه، قائلا: تبادل الأسرى والجثث دفعة واحدة فى 72ساعة فقط هى محاكاة لتبادل الأرواح والأجساد ضمن ديناميكية النفى والعودة، أى كمحاولة للاستفادة من الكل أحياء وأمواتا فى دفعة واحدة. أما تحديد المقابل وهو 15مقابل كل أسير واحد، فهى دلالة على الدين الباهظ الذى تورط فيه الكيان. مما يعنى فقدانهم للتوازن وتورطهم فى عدالة مشوهة وكذلك نفى عناصر المقاومة محاولة إصلاح زائفة لأن الإصلاح الحقيقى هو إعادة الأرض لأصحابها لا إبعادهم منها.

ويمضى فى الحديث، قائلا: لذلك تشكيل حكومة تكنوقراطية خارجية هى صورة عن شجرة بلا جذور. أى محاولة إنشاء مملكة بدون أساس شعبى، فنزع السلاح وتدمير الأنفاق لا يهدف إلى إقامة التوازن بل إلى تفريغ القطاع من قوته. والخطة كلها تبدو مشروعا للإصلاح الزائف، إذ تظهر نفسها كنزعة سلام ولكنها فى العمق تستعمل القوة وتقصى الشعب. فى الوقت نفسه تبدو كأنها بناء لغزة الجديدة لكن بلا اتحاد مع قواها المحلية لتبقى قشرة بلا روح، إذن هى تأجيل للخلاص وزيادة للمنفى لأن السلام الحقيقى يتطلب الاعتراف بالهوية الأصلية للأرض أولا.

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام