ثقافة



محمد بن عيسى لا يزال حيا فى «أصيلة»

11-10-2025 | 21:25
⢴ ‪ ‬ رسالة أصيلة - سيد محمود

دعا المشاركون إلى ضرورة صون إرث بن عيسى الذى كان «مواطناً مغربياً وعربياً بأفق إنسانى اتسم بروح الانفتاح والتفتح»
بن عيسى ترك خلفه رجالًا ونساءً أوفياء لرسالته من أجل ضمان استمرارية المساهمة الفاعلة لمدينة أصيلة

نجح منتدى أصيلة الثقافى، فى مواجهة التحدى الأكبر، الذى كان يهدد انعقاد دورته رقم 46، الذى تمثل فى وفاة مؤسس الملتقى، السيد الدكتور محمد بن عيسى، وزير خارجية المغرب السابق، فى نهاية فبراير الماضى.

واستطاع الأمين العام الجديد للمنتدى، الكاتب حاتم البطيوى، خلال هذه الدورة، تجاوز العتبة الانتقالية، وحشد ما يزيد على 350 مثقفا عالميا وعربيا، للتذكير بدور مؤسس المنتدى، على نحو أكد أن بن عيسى لا يزال حيا فى الغياب، وجرى تكريس فاعليات الأسبوع الأول من منتدى أصيلة، لتناول دور بن عيسى فى تأسيس المنتدى، وقدراته الفذة فى تغيير وجه (أصيلة)، لتصبح واحدة من أكبر مدن الثقافة، والإبداع فى العالم.  

أجمع المشاركون فى الندوة، التى خصصت لتكريم الراحل، على قيمة الأثر الذى خلفه، وكشف مكانته المعتبرة كرجل دولة مقتدر، ودبلوماسى محنك، أظهر كفاءة عالية فى مختلف المناصب الرفيعة التى تولاها.

كما لم يتم الاكتفاء بتكريم الراحل فى الجلسة الافتتاحية، إنما امتد تكريمه عبر ست جلسات فى الندوة الرئيسية، التى خصصت لهذا الغرض وتضمنت ما يزيد على 40 شهادة، من مثقفى ودبلوماسيى العالم، امتدت على مدى ثلاثة أيام، إضافة إلى جلسة ختامية.
أبرزت المشاركات القدرات الفذة، لبن عيسى فى المجالات التى عمل فيها، كما أبرزت جوانب متنوعة من شخصيته كرجل الدولة،كما لم تغب الجانب الإنسانى أبدا، وركزت على صورته كصديق، ومثقف ورب عائلة.
ووصف بعض المشاركين الراحل، بصفات كثيرة فهو “المعلّم الملهم”، لدى البعض، والرائد الفذ لدى البعض الآخر، مما عزز مشاعر الفقد التى جرى التعبير عنها فى مشهد فارق، حيث أصر المشاركون على الذهاب لقبر الراحل، وقراءة الفاتحة، والدعوة له بعد وفاته بنحو 7 أشهر.
ودعا المشاركون إلى ضرورة صون إرث بن عيسى، الذى كان “مواطناً مغربياً وعربياً بأفق إنسانى، اتسم بروح الانفتاح والتفتح”، بحسب ما جاء فى الكلمة الترحيبية، التى ألقاها حاتم البطيوى، الأمين العام الجديد لمؤسسة منتدى أصيلة.
حارس الأثر
تطرق البطيوى إلى صعوبة المرحلة، التى أعقبت وفاة بن عيسى، وقال إن وفاته ألزمت فريق المنتدى، ببذل الجهودً المضنية لتدارك بعضٍ من الفراغ الذى أحدثه غيابه، مشيرا إلى أنهم استطاعوا تحقيق ذلك، بفضل تماسك وتلاحم مسئولى الفريق، وتضامن المثقفين المخلصين، ودعمهم المعنوى من داخل المغرب وخارجه.
وأكد البطيوى، أن بن عيسى “ترك خلفه رجالًا ونساءً أوفياء لرسالته، من أجل ضمان استمرارية المساهمة الفاعلة لمدينة أصيلة، فى الإشعاع الثقافى للمملكة المغربية، وفى نشر القيم السامية للفكر والإبداع”.
وخلص إلى الحديث عما أسماه «رسالة الأمل»، بالإصرار على مواصلة رسالة المعلّم الملهم: رسالة الثبات على خط التنوير الفكرى، والتنمية الثقافية، والقيم الإنسانية السامية، ونهج التسامح والانفتاح وحوار الثقافات”.
ووجه الأمير بندر بن سلطان، السفير السابق للمملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة، والأمين العام السابق لمجلس الأمن الوطنى السعودى، رسالة خاصة عبر فيها عن تقديره لبن عيسى، الذى ربطته به “أواصر المحبة والأخوة والصداقة”، منذ فترة عملهما المشترك فى واشنطن.
وقال الأمير بندر بن سلطان، إن بن عيسى كان “خير العضيد، ونعم الرفيق، فى الدفاع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية”.
ووصف الأمير بندر بن سلطان، مدينة أصيلة المغربية، بـ”البهية” و”الحالمة على ضفاف الأطلسى” التى أصبحت منارة ثقافية مشعة، ورافدا مهما للحراك الثقافى والفنى، ليس فى المغرب الشقيق فحسب، بل يتعداه ليشمل الحراك الإنسانى فى أنحاء أقطار المعمورة”.
 وفى رسالة مصورة، وجه  الرئيس السنغالى السابق، ماكى صال، التحية لموسم أصيلة الثقافى، لكونه “واجهة مضيئة للعبقرية المغربية” وثمن جهود مؤسسه  الذى وصفه بـ”رجل الدولة، الدبلوماسى المخضرم، وخادم الثقافة بلا كلل”.
وخاطب أبناء أصيلة قائلا: “مدينتكم الجميلة، تجسّد الرمز الحى للصداقة المتينة، التى لا تتزعزع بين الشعبين المغربى والسنغالى”.
ومن جهته أشاد عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، بما قدمه بن عيسى، مؤكدا أن الفقيد كان “تجسيدا للمواطن المغربى، المرتبط وجدانيا بأمة عربية، ذات ثقافة ثرية، برغم تمتعه برابطة قوية بالثقافة الغربية”.
واستعرض عمرو موسى مسيرة علاقته ببن عيسى، سواء فى وزارة الثقافة أم الخارجية المغربية، وتوقف عند التطور الذى شهدته أصيلة، منذ أن “كانت مجرد قرية، تتطلع إلى المستقبل”، إلى أن رآها وقد “حققت تلك الطفرة العمرانية الهائلة”، مشددا على أن “مسئولية الجميع هى “الإبقاء على تلك الزهرة اليانعة، حية وجميلة ومرحبة. وعلى منتداها مبدعا مقداما، خصوصا أمام التحديات المتزايدة.
 ومن ناحيته أكد  نبيل الحمر، مستشار ملك مملكة البحرين لشئون الإعلام، أن الراحل “كانت لديه رؤية واضحة حول أهمية الثقافة، كوسيلة للتواصل والتفاهم بين الشعوب”، لذلك «أسهم فى بناء جسور من الفهم والتعاون بين الحضارات»، ورفع طوال مشواره دعوته إلى التمازج الثقافى، وإيمانه بأن «الثقافة ليست حكرا على شعب واحد، بل هى تجربة إنسانية مشتركة»، وقال إن الراحل كانت لديه تلك «القدرة على رؤية الجمال فى التنوع الثقافى».
وذكرت أنا بلاسيو، وزيرة الشئون الخارجية الإسبانية السابقة، إن الراحل «كان يجسد، بأناقة وانضباط، أفضل‪ ‬تقاليد الدبلوماسية، حيث تُجعل المجاملة والبروتوكول، أداة سياسية، لا مجرد زينة شكلية».
وأضافت بلاسيو، أن شخصية بن عيسى، تذكرنا “فى أزمنة التبدل والبراجماتية الباردة، وغياب اللياقة الذى يطل علينا”، بأن “الدبلوماسية ليست مجرد مفاوضات عابرة، بل بناء صبور للثقة”.
ورأى عبد الرحمن شلقم، وزير خارجية ليبيا الأسبق، أن بن عيسى “كان حشدا من الرجال والعقول، مكتبة تتحرك فى مسار طويل، من عبر بابها سكنها، ولا يغادر دنياها”.
وتحدث شلقم، عن تطور علاقته ببن عيسى، مشددا على أن “كيمياء الصدق والصداقة”، التى “كانت رحابا طفنا بها سنين طويلة”، قد “زادت اتساعا فى مسيرة الزمن”.
ووصف شلقم مدينة أصيلة، بـ «دار الحكمة الإنسانية المتجددة«، وقال «هذا الصرح الفكرى الشامخ، سيبقى مضيئا دون توقف، بقوة حضور الراحل الكبير، جدارية أصيلة ستبقى حية، تجمع العقول، تضيف إلى حياة الفكر الفاعل، بإرادة قيادة عاشت فى بستان مزهر، زرعته عبقرية  بن عيسى الرائدة».
وشدد محمد الهادى الدايرى، وزير خارجية ليبيا الأسبق، على أن سيرة الراحل، لا يمكن اختزالها فى الثقافة أو الدبلوماسية، وتكرر هذا المعنى فى حديث الكاتب الصحفى اللبنانى خير الله خير الله،  الذى وصف الراحل بـ «كتلة من النشاط، فى كلّ عمل مارسه، وفى كلّ مهمّة أوكلت إليه، كما “كان السهل الممتنع».
وجه جمال فخرو، النائب الأول لرئيس مجلس الشورى فى مملكة البحرين، رسالة لبن عيسى - “الإنسان ذو القلب الكبير، ناصع البياض، الحنون، العطوف، الكريم، ذو الأيادى البيضاء، والمحب لأبناء مدينته أصيلة، وبلاده المغرب، وعالميه العربى والإفريقى والإنسانى” - عنوانها “لا نتذكرك لأننا لا ننساك”، وتوقف عبد الوهاب بدر خان، الكاتب الصحفى اللبنانى، عند ما يميز بن عيسى، وإلى أى حد كان شفافا، الجميع يعرف كل جوانب شخصيته، من الدبلوماسى إلى المثقف إلى السياسى.
واستعاد بدرخان كيف كان ألم رحيل بن عيسى كبيرا وشديدا، غير أن العزاء يبقى فى أننا اجتمعنا اليوم، حتى فى غيابه من أجل أن نتذكره ونعترف بفضله على جيل نبل أجيال من المغرب والوطن العربي.
ونوه جمال سند السويدي، نائب رئيس مجلس أمناء مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، بالدور الرائد لمحمد بن عيسى فى الدبلوماسية الثقافية، أكد أنه كان سفيرا للمغرب فى العالم، لا بالمنصب فقط، بل بالكلمة والموقف والخلق”.
روح أصيلة
بينما توسع مصطفى نعمان، نائب وزير الخارجية وشئون المغتربين اليمني، فى إبراز إسهامات ومناقب بن عيسى، تساءل فيكتور بورجيس، وزير خارجية الرأس الأخضر الأسبق، كيف يمكننا أن ننسى نظرات بن عيسى وغيابه، وهو من جعل أصيلة ملتقى للحوار بين شخصيات من مختلف قارات العالم.

وأكد بورجيس، أن أصيلة شكّلت بالنسبة له مدرسة حقيقية، مشيراً إلى أن الكثير مما بات يعرفه عن إفريقيا والعالم العربى الإسلامي، يعود الفضل فيه إلى هذه المدينة، داعيًا إلى صون إرث بن عيسى، والحفاظ من خلاله على روح أصيلة كفضاء للحوار والتلاقي.
بعيون مغربية

ومن الجانب المغربى وجه عبد اللطيف وهبى، وزير العدل المغربى، رسالة إلى صديقه محمد بن عيسى”، تعبيرا منه على فداحة الفقد وحجم الفراغ الذى خلفه غيابه.
وقال وهبى، مخاطبا صديقه الراحل: “الدبلوماسية شيء جميل، تحاور الناس دون أن تعطيهم شيئا، تبتسم لهم دون أن تعدهم، تغازلهم دون أن تعشقهم، أما العدالة فهى ذلك الوهم الذى نصنع له صرحا، ليبدو لنا مثل القمر من بعيد دون أن نلمسه، كنت أشتكى لك من العدل، وأنت تشتكى لى من الثقافة، وما العدالة إلا ثقافة، وما الثقافة إلا إنصاف عادل لمدينة تركتها يتيمة، يتربص بها البحر ويغتالها القطار”.

استعرض سعيد بن سعيد العلوى، الروائى والأستاذ الفخرى المغربى، جوانب من شخصية بن عيسى، التى تختصر شخصيته فى صفة القدرة، مجسدة فى القيادة، والرئاسة، والزعامة، والاستطاعة والقدرة على التغيير.

وقدم العلوى ثلاثة مظاهر للروح القيادية التى ميزت بن عيسى، أولها الرؤية الواضحة والإصرار، ثم الإيمان بأن الثقافة ليست ترفا، إضافة إلى سؤال ماذا باستطاعة المجتمع المدنى أن يقدمه؟
ووجه أحمد المدينى، الكاتب الروائى والناقد الأدبى المغربى، رسالة إلى بن عيسى، جاء فيها: “أكتب إليك سيدي، أعترف لك وأعتذر، أنى لم أعرفك كما ينبغى لى مبكرًا، لكنها كما علمت اختياراتُنا وأقدارنُا، كانت أكبرَ منا، ركبنا جموحنا وكلٌّ يقول، إنه سيصنع وحده اليوم والمصير”. وأضاف المدينى: “حين التقينا فى أواسط العمر أحسستُ كأن العمرَ فى أوّله، وما ضاع تقدم أمامنا ربحناه، مع رجل، وهو سليل ماضٍ عريق، يؤمن بأن الحاضر ورؤيةَ الغد بوضوحٍ ونجاعةٍ، سواءُ الطريق”.

 وأوضح محمد الحجوى، الأمين العام للحكومة المغربية، إن بن عيسى “شخص لا يعوض”، مؤكداً أن خصاله كثيرة، وشخصيته فريدة، وانشغالاته متعددة، وأضاف أنه يعد أحد أعمدة الدولة، تولّى مهام حساسة فى مراحل دقيقة من تاريخ المغرب، وترك بصمة قوية فى خدمة الوطن وتعزيز حضوره”.

قال طارق غيلان، رئيس بلدية أصيلة، إن بن عيسى علّمنا أن الثقافة ليست رفاهية، بل رافعة للتنمية وبوابة لإشعاع البلد عالميا، كما أشار إلى الخصال الإنسانية التى ميزت بن عيسى، ومن ذلك صدقه الوطنى، خدمته لمدينته، غيرته على بلده، واعتزازه بهويته المتعددة. كما تحدث عن بن عيسى/ الإنسان، الذى تميز بدماثة الخلق وحسن المعاشرة ورقة المعاملة.
ونوه محمد نبيل بن عبد الله، الوزير والسفير السابق، وأمين عام حزب التقدم والاشتراكية المغربى، أن بن عيسى، فضلاً عن الشغف الذى يَسكُنُهُ إزاء كل ما يهتمًّ به، كان رجلا “يملك من الكاريزما

ومن الحضور الطاغي، ما يجذب الانتباه إليه، منذ أول لقاءٍ معه”
تحدث محمد أيت وعلى، سفير المغرب فى القاهرة، عن الراحل، كما عرفه واشتغل إلى جانبه فى موسم أصيلة ومؤسسة المنتدى، مشيرا إلى أن بن عيسى رحل تاركا هذه المؤسسة غير الحكومية الكبيرة والغنية، وقد “نضجت واشتد عودها، وأدركت نضجها”.

وقبل موته بأيام قليلة، يضيف أيت وعلى، “طلبنى بالهاتف، ليخبرنى بأن رحلته فى الحياة، قد أوشكت على نهايتها، قائلا “أوصيك خيرا بموسم أصيلة الثقافى الدولى، فهو أمانة عندكم، لا تتركوها مجرد ذكرى، أنتم الفريق الذى رافقنى، وأنا أرفع دعائم هذا الصرح الثقافى الدولى الكبير. وأوصيك أن تكون، كما كنت دائما عونا، للأمين العام الجديد”.
وشدد أيت وعلى، على أن أصيلة كانت عند بن عيسى، هى “العشق والمعشوق”، هو الذى “أنفق خمسة عقود من حياته، فى سبيلها”.

فى حين أكد محمد نبيل بن عبد الله، الوزير والسفير السابق، وأمين عام حزب التقدم والاشتراكية المغربى، أن بن عيسى، امتلك من الكاريزما ومن الحضور الطاغى، ما يجذب الانتباه إليه ما أكسبَهُ سحراً ناعماً، فتح أمامه أبواباً وعلاقاتٍ، ما كانت لتُفتح لغيره”.

ودعا بن عبد الله إلى الإقرار، بأن ما أسهم به بن عيسى، “لم يكن محض مصادفة، فقد كان رجلاً يمتلك مقومات ومؤهلات رجل الدولة بامتياز”، و”مدرسةً قائمة الذات.
كتاب تكريمى

من جهة أخرى، أصدرت مؤسسة منتدى أصيلة، كتابا جمع شهادات المشاركين فى ندوة تكريم بن عيسى، قام بتقديمه وتحريره عبد الإله التهانى، الكاتب والإعلامى، المدير السابق للاتصال والعلاقات العامة بوزارة الاتصال المغربية، وجاء الكتاب فى طبعة أنيقة، من 399 صفحة، متضمنا 78 شهادة، تحت عنوان “شهادات وذكربات/ محمد بن عيسى، رجل الدولة وأيقونة الثقافة”، مع إشارة على الغلاف الذى تزينه صورة للراحل، تقول إنه كان من إعداد وتنسيق حاتم البطيوى، وعبد الإله التهانى.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام