مقالات



بطولات الحروب و حكمة السلام

16-10-2025 | 21:20
د.عمرو بسطويسى

لم تكن المباهاة والتفاخر من صفاتى الشخصية، مثلى مثل سائر أهل وطنى من المصريين، إننا شعب يحب البساطة، ويتسم بالتواضع، وإن بلغنا عنان السماء.
 
لكن فى حقيقة الأمر، وعندما ننظر إلى مجريات الأمور، على الصعيد السياسى فى المنطقة العربية، منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023، فإننى أجد نفسى - مضطراً - لأن أذكر بكل فخر كيف تناولت مصر - القائد والحكومة، والجيش والشعب من خلفهم - تلك المحنة القومية الشديدة، التى بدأت بهجوم تنظيم حماس يوم السابع من أكتوبر، ومن ثم حرب الإبادة التى شنتها إسرائيل على غزة، التى تسببت فى استشهاد ما يزيد على 67 ألف فلسطينى، وإصابة أكثر من مائة وعشرين ألفا آخرين - حسب تقارير وزارة الصحة الفلسطينية - وهدم وتدمير أكثر من 90%، من مبانى القطاع، وامتد ليشمل الكثير من الاعتداءات على لبنان وسوريا، وإيران وقطر، وكان من المتوقع مع زيادة الضغط اليمينى فى الحكومة الإسرائيلية، أن يتصاعد التوتر فى المنطقة، ليشمل المزيد من الدول، مع احتمالات تفاقم المواجهات العسكرية، التى قد تشعل حرباً عالمية ثالثة. 
 
وفى خضم كل هذه الصراعات، طالت العيون الكثير من المواقف الدولية والإقليمية كرد فعل لهذه الأحداث، كُلٌ بما أوتى من خبرات سياسية وحنكة دبلوماسية. 
ومن بين كل هذه المواقف، كان الموقف المصرى، هو الأكثر إبهارا، ذلك الذى لم يتمكن الكثيرون من فهمه، واستيعابه فى بادئ الأمر، فقد كانت المواقف المصرية ثابتة، وقوية لا تتغير، كانت هادئة بلا تنازلات، عاقلة بلا تشنجات، رزينة بلا ضوضاء. 
 
كان الثبات المصرى أمام التغول الإسرائيلى فى المنطقة، والمدعوم أمريكياً مثيراً للعجب، فقد قالت مصر كلمتها واضحة بلا جدال، لا تهجير للفلسطينيين، ولا قبول بأية مغريات أو ضغوط أحاطت بمصر، من كل جهة، من أجل الرضوخ والذهاب فى طريق نهايته معلومة، وهى "تصفية القضية الفلسطينية". 
ثبتت مصر على المبادئ، وأعلنت سياستها بلا تردد، ووقفت قائداً، وحكومةً وجيشاً وشعباً وقفةَ رجلٍ واحد، فلم تفلح محاولات التهجير ولا تصرفات الصبية حول سفاراتنا بالخارج، للتشكيك فى الثوابت القومية المصرية، وبذلك اختارت مصر الطريق الطويل الصعب، فقط لكى لا تتنازل عن المبادئ والقيم الوطنية. 
 
ونتيجةً لهذا المجهود الوطنى والقومى المصرى، منه ما نعرفه مُعلناً، ومنه ما نجهله، الذى انتهى بتوقيع صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، برعاية مصرية وعربية فى أحضان شرم الشيخ - مدينة السلام - مما جعل الإدارة الأمريكية، والرئيس الأمريكى، يلمسان عن قرب تلك البراعة الدبلوماسية المصرية، والقدرة التفاوضية والفهم العميق لمشاكل المنطقة والتمكن من المعطيات السياسية والاستخباراتية، مما أدى إلى ذلك التحول الكبير فى الموقف الأمريكى، لنجد الرئيس الأمريكى يستجيب فوراً لدعوة الرئيس المصرى لزيارة شرم الشيخ، وإعلان دعمه لاتفاقية السلام التاريخية بين إسرائيل وحماس، فى 13 أكتوبر 2025، ليوقع على وثيقة الدعم لهذه الاتفاقية، كل من الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا، ولكى يتم تثبيت وقف إطلاق النار. 
 
هذا كله، أعاد تكريس دور مصر كوسيط، وضامن قوى فى القضية الفلسطينية، وبدعم دولى وعربى، وإن لم يحضر ممثلون عن إسرائيل وحماس لأسباب لوجستية، فإن هذا الدعم العالمى، كان هو الأكثر حضوراً وتأثيراً. 
 
لم تكن هذه الاستجابة الأمريكية، هى الدلالة الوحيدة على قوة مصر السياسية، فها هم رؤساء وملوك وأمراء، العديد من دول العالم، يلبون دعوة الرئيس السيسى، لحضور قمة السلام فى شرم الشيخ، فى خلال أربعٍ وعشرين ساعة، ليسجلوا بذلك دعمهم المعلن لتلك الاتفاقية ولينضموا للدعم الأمريكى، لكى تجعل مصر من هذا كله ضمانةً أمريكية ودولية وعربية، لاستمرار تنفيذ بنود الاتفاق، ولكى تغلق على الجانب الإسرائيلى أية محاولة لإعاقة التنفيذ، والعودة إلى أتون الحرب. 
 
نحن ندرك أن هذا الاتفاق ليس نهاية الأمور، بل إنه بداية لمشوار طويل من المجهود المصرى، والعربى، والدولى، لكى يتحقق السلام لأهلنا فى فلسطين وفى طريق تحقيق حل الدولتين. 
هذا الطريق لم تكن بدايته تتحقق، لولا تلك الحنكة الدبلوماسية المصرية ومعها - بلا شك - الدعم العربى من الأشقاء، والأصدقاء فى قطر والسعودية والإمارات والأردن وتركيا. 
ومع ذلك كله، يظل تنفيذ الاتفاقية رهناً بعقباتٍ سياسية داخلية، وإقليمية، وتحقيق الاستقرار، سيتطلب الكثير من الجهد طويل الأمد. 
 
وهكذا كانت، وتكون، وستكون دائماً مصر، الوطن العظيم العريق الذى لا يسعى أهله، وجيشه إلا فى طريق الحق، وهم فى الحروب أبطال لا يُشق لهم غُبار، وهم كذلك أبطال السلام، عندما تتحقق له الظروف، سلام الأقوياء، وبلا أدنى تنازل. 
نحن أهل الحق ..
ونحن أبطال الحرب وحكماء السلام. 
تحيا مصر.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام