رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الخميس 13 نوفمبر 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
وجوه عبر الزمن
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
دائرة الحوار
مقالات
قليل من التسامح!
16-10-2025
|
21:25
د. إيمان طاهر
دخل التعصب بصورة ملحوظة وطاغية فى كل العلاقات والمعالجات، بدءا من الأديان، وصولا للثقافة، وهذا أمر ليس بجديد، أو مستحدث لأنه ظاهرة إنسانية، وواقع فعلى للعلاقات بين البشر، لكن الغريب أنه أخذ منحنى أكثر حدة بالعصر المعاصر.
كنا عهدنا فى العصور القديمة والوسطى، كيف كانت السياسة مرتبطة بالأديان، وملامح التسامح، أو اللاتسامح، لها أبعاد خاصة بالسياق المكانى والزمانى تحديدًا للغرب، حتى تطورت المجتمعات وطرحت أفكارا لمحاولة تنظيم المجتمعات، على أساس سياسات متحررة من أشكال الاضطهاد الدينى أو الثقافى، وتدريجيا تغير بالفعل إدراكها للصور النمطية للتقاليد والعادات والمفاهيم السياسية، سواء كان هذا التغيير سلبيا أم إيحابيا، لكن مما لا شك فيه كان طريق صعب ملىء بالتعصب والعنف، واختار الكثيرون سلك دروب أخرى نحو التسامح، وهو طريق الإنسان القوى، على عكس ما قد يعتبره البعض، بأن القوة تستطيع أن تسيطر على معتقدات ومصائر البشر، أو أن تفرض عليهم واقعا ما، لأن حقيقة الطبيعة الإنسانية، أثبتت أن المعاملات الرقيقة والذوق والحوارات الهادئة تجعل أى إنسان، مهما بلغت درجة تعصبه، أكثر استعدادا لتقبل أفكار وآراء الآخرين المختلفين عنه، وأكثر انفتاحا لبحث الأسباب التى يمكن أن تقنعهم باعتناق رأى آخر، على عكس محاولة إجبار الآخرين بالقوة.
وتقريبا كان هذا هو المناخ السياسى السائد بأوروبا قديما، حتى غيرت أفكار الديمقراطية بوسائلها المتعددة ذلك التعصب، عبر ثقافة الاحترام للرأى الآخر، وصارت حتى ولو شكليا، تجسيدا لملامح التسامح عبر الحوار الدبلوماسى، هذا التجسيد الأخير للديمقراطية، لم يأت فجأة، بل تعاقب زمنيا وتصارع مع قيم ومعتقدات، بقواعد فتحت المجال للمستبعدين، أو المعارضين وأخذت فى الاتساع لتضم المهمشين، لتصل لمفهوم ثابت لحد كبير لمعنى المساواة حتى فى ظل الاختلافات بين البشر.
كل هذه الأفكار أو النظم، قامت على أسس نظرية، لمفكرين نظروا للعالم بمثالية، أرادوا بها تغييره للأفضل، وكرغبة إنسانية للوصول للحرية والمساواة، بالطبع الحرية المشروطة بمعنى، ليس القدرة على الفعل، بل القدرة على الاختيار الأخلاقى للأفعال، ويمكننا القول إنها انتشرت وغيرت بالفعل مفاهيم كثيرة لدى الكثيرين، حتى إن كان هذا التصور للأفكار الصالحة لم يترجم لأفعال سياسية، حققت على أرض الواقع لنا المدن الفاضلة، كما كنا نأملها، لكنه على الأقل فتح أبوابا مغايرة لما ساد بالعصور القديمة لقدر كبير من التفهم والحوار.
ولأننا نعيش عصرا منفتح، فالانغلاق التام والتعصب المصاحب له، سيجعلانا عاجزين عن النقاش أو التفكير والحوار.
وإذا ما نظرنا للمفهوم الأشمل لمعانى التسامح وفاعليته العملية، سنجدها تزداد فى وجود التناقضات سواء الأفكار أم السلوكيات المتضادة، لأنه ينجح فى امتصاص هذه التناقضات بأعمال العقل واحترام أفكاره الخاصة والتسامى عليها، ليصل لمرحلة حتى ولو حد أدنى من التعايش، وهذا ما حدث بالفعل فى الإطار السياسى، بين الأيديولوجيات المتعارضة للغرب والشرق ما بين أعوام 1969 و1979، بفترة عرفت بالانفتاح، حيث كانت الجيوش فى حالة تأهب دائم، والصواريخ ذات الرؤوس النووية بوضعية الإطلاق، وتم حل الكثير من النزاعات والخلافات بين الدول، ونذكر جميعا اتفاقية "كامب ديفيد" أكثر المبادرات التى جعلت السلام ممكنًا.
هذا السلام لم يكن ممكنا، إلا بعد التطور الإنسانى، وإعمال العقل على الغرائز أو وجهات النظر الخاصة، وكلما استخدم الإنسان عقله كلما كان أكثر قوة، فهو بالنهاية كائن اجتماعى بالضرورة، له قدرات عقلية ولغوية سهلت له الانخراط فى جماعات تنتمى لبعضها بعضاً، ويظهر فيها بوضوح عنصر التضامن، الذى بدوره يقود للتسامح والاحتواء، وحين يتحول هذا الانتماء لاستعلاء، تلقائيا يأخذ فى الهبوط للتعصب لاعتقاده أنه الأفضل، أما قمة النضج الفكرى، أن تكون نقطة الارتكاز الحقيقية هى عدم استبعاد تميز الآخرين أيضا، وعدم الاذدراء والتقليل من قدر ثرائهم الثقافى.
إذا أردنا وهو شرط إنسانى للغاية، عالم أفضل لابد أن يدخل مصطلح التسامح، ويحتل معنى فعل واقعى بعقولنا، ويكفى أن ندرك بالنهاية أن التسامح لا يعنى بالضرورة، أن تحب من قد تعتقد أنه عدوك بقدر ما يجب عليك احترامه والاعتراف بوجوده وأفكاره وشخصيته الخاصة، كحق إنسانى طبيعى وفضيلة غائبة للأسف.
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
اشترك فى الأبدية.. عش الآن وادفع لاحقا
كيف كانت وكيف صارت.. (2)
إسرائيل ومعضلة الضم والفصل
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
وجوه عبر الزمن
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
< li>
دائرة الحوار
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام