رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الخميس 13 نوفمبر 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
وجوه عبر الزمن
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
دائرة الحوار
وجوه عبر الزمن
جمعة المهدى الفزانى.. حين يتحوّل الإيمان بالعروبة إلى مبادرات تُؤسِّس للحلم العربى (4)
16-10-2025
|
22:00
إلهامى المليجى
لم يكن المثلث الذهبى سوى محطة على دربٍ طويل، سرعان ما حمل جمعة الفزانى إلى فصولٍ أشد وطأة وأكثر درامية.
فالدبلوماسى العروبى الذى جعل من الفكرة مؤسسة، مضى ليؤسس جمعية رجال الأعمال المصرية – الليبية، ساعيًا لأن يتحوّل التكامل إلى واقع.
لكن القدر باغته بأزماته القلبية، بين القاهرة ودمشق وعمّان، ليظهر فى وجهه الإنسانى الأعمق: رجلٌ قاوم خيانة الجسد بإيمانٍ لا يلين، وظلّ يرى فى العروبة حلمًا يستحق أن يُعاش حتى اللحظة الأخيرة.
المشهد السادس: من الحلم إلى الاستثمار… العروبة بلغة الاقتصاد
كان جمعة الفزانى، يرى أن ما يجمع مصر وليبيا، من وشائج التاريخ والجغرافيا والاجتماع، أعمق بكثير مما تبدو عليه العلاقات الرسمية، كان يؤمن بأن الأقدار رسمت للبلدين، مصيرًا مشتركًا لا يكتمل أحدهما دون الآخر، وأن الجوار ليس جغرافيا فحسب، بل هو قدرٌ حضارى وإنسانى.
وكان لا يخفى امتعاضه من فتور العلاقات، التى تلت عودة الدفء الدبلوماسى بين البلدين، مُرجعًا بعض المسئولية إلى السفراء الذين اكتفوا بإدارة الشكليات، متناسين أن فى العلاقات بين مصر وليبيا، ما يتجاوز المراسلات إلى المصير الواحد.
ومن هذا الإحساس بالمسئولية، انطلق الفزانى فى نشاطٍ دؤوب، لتجديد الروابط وتوسيع دوائر التعاون، مؤمنًا بأن السياسة وحدها لا تصنع القرب، وأن للاقتصاد دورًا لا يقل شأنًا فى توثيق العرى بين الشعوب.
هكذا ولدت فى ذهنه فكرة تأسيس جمعية رجال الأعمال المصرية - الليبية، كجسرٍ جديد بين البلدين، يُبنى على أساس المصالح المشتركة ويستظل بروح العروبة.
وكان الدينامو الحقيقى لتأسيس الجمعية، وصديق الفزانى الأقرب فى هذا المشروع، هو الدكتور سالم بيت المال، المدير العام لفرع شركة تام أويل الليبية فى مصر، الذى تولى رئاسة الجمعية، كأول رئيس لها، «سالم بيت المال» مثل الفزانى، أن العلاقات بين البلدين تستحق ما هو أكثر من الكلمات، فاندفع بحماسٍة شديدة لتجسيد الفكرة على الأرض.
بدأ بالاتصال برجال الأعمال الليبيين، أصحاب الاستثمارات فى مصر، وبالمصريين الذين كانت لهم شراكات أو مشاريع فى ليبيا، ومع تتابع الجهود، لقيت المبادرة ترحيبًا واسعًا من رجال الأعمال فى البلدين، كان من أبرزهم رجل الأعمال الليبى، عبد الحفيظ المنصورى، ومن الجانب المصرى، محمد جمال أبو العينين، ومحمد محمد أبو العينين، والمهندس فتح الله فوزى، والمهندس محمد عبد الوهاب، وزير الصناعة المصرى الأسبق، إلى جانب رئيس مجلس إدارة بنك قناة السويس، الذى كان يمثل استثمارًا مشتركًا بين البلدين.
وبتنسيقٍ متقن بين السفير جمعة الفزانى، والدكتور سالم بيت المال، أقيم احتفال ضخم لإشهار الجمعية فى أحد الفنادق الكبرى بالقاهرة، حضره عدد كبير من الشخصيات الاقتصادية والسياسية، فكان بحقّ حدثًا مميزًا فتح صفحة جديدة فى العلاقات الثنائية.
وواصلت الجمعية نشاطها الحيوى، كما كنت أتابعها عن كثب عبر تواصلى الدائم مع الصديق الدكتور سالم بيت المال – شفاه الله وعافاه. وقد تميز نظامها الداخلى، بتداول الرئاسة بين الجانبين، بحيث يتولاها ليبى ثم مصرى، وهكذا، فتولى الرئاسة بعد الدكتور بيت المال، المهندس فتح الله فوزى، واستمرت الجمعية فى أداء دورها كأحد الجسور النشطة فى تطوير وتنامى استثمارات القطاع الخاص بين البلدين، قبل أن تتوقف أعمالها للأسف، تاركةً وراءها أثرًا لا يُمحى فى مسيرة التقارب الاقتصادى المصرى – الليبى.
وهكذا، لم تكن الجمعية مجرد كيان اقتصادى، بل كانت تتويجًا لرؤية الفزانى، التى آمنت بأن العروبة لا تُصان بالشعارات، بل تُبنى بالمصالح والعمل الملموس، فكما صاغ المثلث الذهبى ليجمع المثقفين، أراد للجمعية أن تجمع رجال المال تحت سقف الفكرة نفسها: أن العروبة مشروع حياة، لا حنين إلى ماضٍ جميل.
المشهد السابع: الرحلة الأخيرة… بين القلب والوطن
ذات مساءٍ من أمسيات القاهرة، هاتفنى السفير جمعة الفزانى بصوته الهادئ، الذى خفّت نبرته، وقال إنه تعرّض لوعكة صحية اضطرته لدخول مستشفى دار الفؤاد، أثنى كثيرًا على الأطباء وكفاءتهم، لكنه لم يُخفِ شكواه من ضعف أداء التمريض، فى مزجٍ بين صراحته المعهودة وحسّه الإنسانى الذى لا يفارقه.
وبعد أيام من خروجه، بدا أكثر حرصًا على الحركة والنشاط، كان يمشى كثيرًا، كأنما يريد أن يستعيد لياقته ولحظاته مع الحياة، وفى بعض الجمع والعطلات، كان يمرّ أمام منزلى، يركن سيارته ويقول بابتسامته الدافئة: “هيا بنا نسير قليلًا، فالمشى يطيل أعمار الأفكار”، نمضى معًا فى طرقات الحى، وكنت أشعر أنه لا يمشى بقدميه فقط، بل يسير خلف حلمٍ لا يشيخ.
ثم جاء قرار نقله إلى مكتب الإخوة بدمشق، السفارة الليبية فى سوريا. رحّب بالقرار بصفته التزامًا وظيفيًا، لكنه لم يُخفِ غصته، فقد كان يتمنى أن يبقى فى القاهرة، ليُكمل ما بدأه من برامج تطوير للعلاقات المصرية - الليبية، ومع ذلك، كان يرى فى دمشق امتدادًا لروحه العروبية، فهى كما وصفها عبد الناصر يومًا: “قلب العروبة النابض”.
غير أن القدر كان يخبئ له فصلًا آخر، إذ عاودته الأزمة القلبية فى دمشق، فاضطر للسفر إلى مدينة الحسين الطبية فى عمّان، ومن هناك هاتفنى مرة أخرى بصوتٍ متعب، قال فيه بصدق تجربته: “الأطباء هنا ليسوا بكفاءة أطباء مصر، لكن التمريض والعناية والمتابعة أفضل بكثير”، كان صوته يختلط بين الاعتراف المهنى والتأمل الفلسفى فى تفاصيل الحياة، وكأن قلبه الذى أنهكته الأزمات، ما زال يبحث عن توازنٍ بين الألم والإيمان.
لم يُكمل مدته فى دمشق، فاستُدعى إلى طرابلس ليتولى مهام أمين المركز الوطنى للمخطوطات والوثائق فى اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام، وهو المنصب الذى بدا كأنه يردّه إلى جذوره الأولى، إلى عالم الكلمة والتاريخ والذاكرة.
لكنه لم يلبث هناك طويلًا، فبعد بضعة أشهر فقط، باغتته الأزمة القلبية الثالثة، وكانت القاضية، رحل جمعة الفزانى فى الأسبوع الأخير من عام 2007، رحيلًا هادئًا كطبعه، تاركًا وراءه أثرًا لا يُمحى وحنينًا لا يهدأ.
كان رحيله بالنسبة لى أكثر من فقدان صديق؛ كان غياب عقلٍ مضيء وقلبٍ آمن بأن العروبة ليست شعارًا يُرفع، بل وجدانًا يُعاش، ورسالةً تُحمَل حتى اللحظة الأخيرة.
الختام الكبير: حين يصبح الحلم سيرةً تُروى
لم يكن جمعة الفزانى، مجرد اسمٍ فى سجلّ الدبلوماسية الليبية، بل كان ضميرًا عروبيًا حيًا، يشتعل كلما خبت جذوة الإيمان بالوحدة. حمل فكر عبد الناصر فى قلبه لا فى خطاباته، وآمن بأن العروبة ليست رايةً تُرفع فوق المنابر، بل حوارٌ بين العقول وتكاملٌ بين المصالح وتواصلٌ بين البشر.
منذ أن جمع المثقفين فى المثلث الذهبى، إلى أن وحّد رجال المال فى جمعية رجال الأعمال المصرية – الليبية، كان يرى فى كل مبادرة تجسيدًا لحلمه القديم: أن تتحول الفكرة إلى مؤسسة، وأن يجد الحلم العربى بيتًا يعيش فيه.
عاش الفزانى كما يفعل الكبار: يزرع ولا ينتظر الحصاد، كان يعرف أن الأوطان لا تُبنى بالخطابات، بل بالعمل، وأن الوحدة لا تتحقق بالحنين، بل بالإصرار، وبينما أرهق المرض جسده، ظلّ عقله وقلبه مشتعليْن بالعروبة، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة وفى روحه يقينٌ بأن الغد، وإن تأخر، آتٍ لا محالة.
رحل جمعة الفزانى، لكن صوته ما زال يتردّد فى ذاكرة من عرفوه، يقول كمن يهمس للتاريخ:” قد يرحل الجسد، لكن الفكرة إن كانت صادقة، تبقى كجمرةٍ تحت الرماد، تنتظر من ينفخ فيها لتضيء من جديد”.
كلمة وفاء
إلى روح الصديق السفير جمعة الفزانى
إلى ذلك العروبى النبيل الذى آمن بأن الكلمة فعل، وأن الفكرة لا تموت ما دامت تخدم الإنسان.
عرفتك نقيًّا كالمبدأ، صادقًا كالحلم، ثابتًا كجذور الزيتون فى أرضٍ تعرف العطاء والصبر.
كنتَ تجسّد فكرة العروبة كما لم يفعل غيرك: لا شعارًا سياسيًا ولا حنينًا إلى ماضٍ، بل إيمانًا يتجلى فى كل ما أنجزت من مبادرات ومواقف ومؤسسات.
الخاتمة رحلتَ قبل أن ترى حلمك العربى مكتمل الملامح، لكنك تركت لنا ما هو أسمى من الحلم ذاته: الإيمان بأنه يستحق الحياة.
سلامٌ على روحك التى جمعت بين الحكمة والودّ، بين الدبلوماسية والإنسان، وبين الفكرة التى وُلدت
فى القلب وبقيت
فيه حيّة.
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
السياسى النزيه.. محمود المليجى ما بين الزنزانة والمنبر (2)
السياسى النزيه.. محمود المليجى ما بين الزنزانة والمنبر (2)
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
وجوه عبر الزمن
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
< li>
دائرة الحوار
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام