رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الخميس 13 نوفمبر 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
وجوه عبر الزمن
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
دائرة الحوار
مقالات
الصدمة الأولى والصدمة الثانية
16-10-2025
|
22:41
زياد عبد الفتاح
كاتب وروائى فلسطينى
ورئيس وكالة وفا السابق
ماذا أكتب لـ «الأهرام العربى»، ولى فيها أصدقاء كثيرون، أنفقوا عمرا يتابعون القضايا الوطنية والقومية والتقدمية، نذروا حياتهم ليس لمصر وحدها وقضاياها وهمومها، وإنما للوطن العربى كله، وفى مركزه القضية الفلسطينية. وأنا كفلسطينى استمتعت بدأبهم اللافت للنظر، فهم أحياناً فلسطينيون أكثر منا، عاشوا بيننا فى بيروت ودمشق وبغداد، تقاسموا معنا الهموم والمعاناة، وأنفقوا زمنا يواسوننا ويطبطبون علينا، أحياناً كانت مكابدتهم تفيض وكنا نحن الذين نواسيهم، بخاصة عندما يصبح العجز والقهر يضرب فينا وفيهم أحياناً حتى حدود اليأس.
ولدى الكثير مما أقوله وأعنيه، حتى أكاد أصبح انفجارا هائلا، كنت فى القاهرة فى إذاعة العاصمة فى وسط البلد على ضفاف واحد من أهم شوارع العاصمة المصرية، شارع قصر النيل، وكنت أقضى نهارى فى الطابق الثالث من مبنى تاريخى، كانت تقيم فيه إذاعة ماركونى البريطانية أيام الاحتلال الإنجليزى والاستعمار، فلما تحررت مصر بعد ثورة 23 يوليو 1952، وقرر الرئيس الخالد جمال عبدالناصر تحرير مصر من الاحتلال البريطانى إلى الأبد، أهدانا، فيما أهدى الفلسطينيين الذين أفاقوا على قضيتهم كقضية لا تحررها إلا سواعدهم، انتصر لهم جمال عبد الناصر الذى خدم فى الأساس ضابطاً مقاتلاً، دفاعاً عن مصر وعن فلسطين التى تربى هو ورفاقه الضباط الأحرار على حبها.
هذه فلسطين التى تآمر عليها الاستعمار كله، وأولهم سلطة الانتداب التى تواطأت مع الصهاينة وأهدتهم وعد بلفور، ومكنتهم عسكرياً وسياسياً بل ونفسياً، حيث شنت حرب إرهاب ارتكبت خلالها العصابات الصهيونية برعايتها وتخطيطها مذابح رهيبة، أرعبت الأقربين والأبعدين، ففرّ من خاف وهاجر فى ظل دعاية رافقتها إشاعات بأن الحرب لن تطول، وأن الفلسطينيين سيعودون إلى ديارهم بعد أسبوع أو أسابيع على الأكثر، فالعرب كلهم ينتصرون لهم، وسرعان ما يبتلع اليهود بحر العرب.
كان هذا مرورا مقتضبا أردت به أن أطل على الحاضر بعمق، فما حدث بعد ذلك أننا صبرنا وصبرنا، وركبنا خيام اللجوء تسترنا بها زمناً طال وراح يطول، حتى قارب ثمانين عاماً.
لقد كان لابد من رؤية أخرى، هى أن نأخذ أقدارنا على أكتافنا، فلا أحد يقاتل عنك وأنت متواكل أو نائم، هنا ظهرت فتح، ولحقت بها المنظمات التى أفرزتها الأنظمة العربية، فتلك الأنظمة باستثناء مصر كانت تسعى للاستفراد بفتح ثم فيما بعد بمنظمة التحرير، ما حرف القرار الفلسطينى أحيانا عن استقلاليته.
لماذا تغنيت بالزعيم جمال عبد الناصر؟ لأنه نأى بمصر عن الدخول فى مزايدات، أو بتعبير أدق، فى خلافات مع أهل القضية، بل إنه، وهنا أعود إلى وسط البلد وشارع الشريفين المتفرع من شارع قصر النيل، أهدى عبد الناصر جزءاً مهما من مبنى إذاعة ماركونى واستوديوهاتها إلى حركة فتح، التى أنشأت فيها الحركة إذاعة صوت فتح، صوت الثورة الفلسطينية.
كانت الإذاعة تكاد تكون سرية، فهى تكاد تختبئ بين الناس، بين المارة وعابرى السبيل، الذين لا يكادون يتبينون أنهم يتنفسون أثير فتح، ينطلق من بينهم ويخرج فيهم ومنهم إلى كل مكان، وأذن تصدح بأناشيد فتح: «فتح مرت من هنا»، «عاصفة، احذروا عاصفة»، وكان صوت العاصفة يبث منطلقات ونداءات للفدائيين، يرشدهم إلى الأهداف التى عليهم أن يهاجموها.
ما علينا، كنت أردت أن أخيط هذه البسطة كى ألفت الانتباه إلى أمر لم ينتبه له الكثيرون وإن تكرر، وشكّل علامة فارقة تمثلت فى مفارقتين لم يلتفت لهما الجيش ولا الساسة العباقرة والدهاة فى إسرائيل، هما السادس من أكتوبر 1973، والسابع من أكتوبر 2023، فعدا عن أن الحربين كانتا حرب المفاجأة والدقة والتخطيط، إلا أنهما، وهذا الأهم، كانتا حرب المبادأة والمواجهة فى ميدان العدو وقلب التحصينات. لأول مرة يخرج المصريون إلى خط بارليف بخراطيم المياه الجبارة التى أذابت التحصينات، وخلفت ما كان يفخر به العدو إنجازا لا يملك أحد صده أو إزالته.
كذلك كان لحماس والجهاد ما أرادتاه من المفاجأة التى أطاشت صواب العدو وجعلته يخطو مترنحاً لا يدرى ماذا حصل ولا كيف حدث. لقد ركب المقاتلون، كل اثنين، دراجة نارية شراعية، وطارا بها من فوق البحر، بهدوء وسلاسة، حتى النوارس لم تفزع، ولا المتنزهون من كبار السن الذين يعاينون ما يحيط بهم عادة بفضول خارق، لم يقلقوا ولم ينتبهوا، وبالتالى فإن القبة الحديدية التى صممت لأى اختراق ضحك عليها المقاتلون مرتين: مرة عندما طاروا على علو أقل من قدرة القبة الحديدية على الالتقاط، وثانية عندما ضحكوا على ذقون المتنزهين، فأوهموهم بأن ما يقومون به ألعاب بمناسبة الأعياد.
فى الحقيقة، فإننى قد أردت من خلال هذه البسطة، أن أسجل أن السبب الأساسى فى تفوقه ليس هو السلاح فحسب، الذى حشدت له الولايات المتحدة كل قدراتها التكنولوجية، وزودت به هذا العدو المستعرض المتباهى، الذى كشفت حرب العامين أنه لولا الولايات المتحدة والغرب لما كان قد صمد، بل بعبارة أخرى، لكان انهار، وكانت الحرب كما تهيأ للكثيرين، أنها حرب تحرير وضرب تحت كل حزام تمنطق به الجيش الذى لا يقهر!
أنا شخصياً لم أقف فى أية لحظة مع حماس، بل إننى أخالفها معتقداتها، فأنا أهوى الشعر وأحب الموسيقى، ولو كانت سنى تسمح لى لمارست هوايتى فى الرقص حتى أشدها.
لطالما تناقشت مع حمساويين أو من الجهاد، إذ هم لا يحبون الحب ويعرضون عن التشبيب، وهذا لا يروق لي. لكن الذى لا أقبله كذلك هو أنهم يأخذون الناس إلى ما لا يريدون أو يكرهون، ولا يقع فى أمزجتهم. لكننى منذ اليوم الثانى من السابع من أكتوبر قبلتهم وأيدتهم، بل باركت هذه العملية الكبرى.
أنا شخصيا كنت قلقا على القضية الفلسطينية، كانت تذوى وتذبل، ونحن نقبل بأى شيء وكل شيء! ذات مرة، فيما كنت أسافر من رام الله إلى الخارج، كان على أن أتحرر من حزامى، وأضعه ليمر عبر البوابة الإلكترونية، ولم أعترض، فذلك أمننا جميعاً، حتى إننى لم أتمسك بعدم المرور، لكننى طلبت من رجل الأمن الإسرائيلى أن يسمح بتفتيشى يدوياً، وقد وافق على الرغم من كونى دبلوماسياً، ودخلت إلى غرفة التفتيش، ولما فتشنى الضابط توقف وسألنى سؤالاً غريباً: هل أنت تلبس ملابس داخلية؟ فاجأنى سؤاله، فسألته: ما شأن ما نحن فيه بما تسأل؟! قال: هكذا يقول الكتاب. أدركت أننى أمام استكبار واستعلاء ومحاولة إهانة، ووجدتنى فى موقف محرج، ماذا لو طلب أن أخلع سروالى ليتأكد؟ قلت له: فضها سيرة وسأمر من البوابة ولو توقف القلب!
ماذا بعد؟ ماذا بقى من أوسلو ومن كرامتنا؟ أنا لا أكتب منتقداً ولا متشفيا، ولكنها قناعاتى أمام عدو جبار ومتكبر، أنا أحب صفة “نمر من ورق”، ولكننى فتشت فى أدبياتى فلم أجد سوى أنه كذلك.
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
اشترك فى الأبدية.. عش الآن وادفع لاحقا
كيف كانت وكيف صارت.. (2)
إسرائيل ومعضلة الضم والفصل
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
وجوه عبر الزمن
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
< li>
دائرة الحوار
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام