مقالات



نتنياهو - ترامب .. نزال الحرب والسلام

23-10-2025 | 21:24
د.عمرو بسطويسى

لم يكد مؤتمر شرم الشيخ للسلام ينفرط عقده، وتعود تلك الوفود الرئاسية والملكية إلى ديارها، ولم تكد فرحة الرئيس الأمريكى ترامب تأخذ مداها بعدما وجد ذلك الدعم الرئاسى والدبلوماسى المصرى، الذى لولاه لما تحقق هذا الاتفاق التاريخى، إلا وقد فوجئ العالم بمؤشراتٍ على أرض غزة تهدد ذلك الاتفاق.
والحقيقة أن ما يحدث على أرض غزة -أو على الأحرى ما يصلنا من ادعاءات - يتنافى فى أغلبه مع المنطق، ذلك أن الادعاء بقيام حماس بعمليات ضد القوات الإسرائيلية لا يتماشى أبداً مع منطق التهدئة الذى يجب أن يكون بعد اتفاق السلام التاريخى، الذى سيرفع عن غزة وأهلها عبء التدمير والقتل والخراب ويوقف هذه المأساة المروعة.
كذلك ما سمعناه من ادعاءات إسرائيلية بوقوع هجمات خارج الخط الأصفر من قبل أفراد فلسطينيين يتنافى مع المنطق لنفس السبب، حيث أن فرحة أهل غزة باتفاق السلام لا تتماشى مع فكرة أية مواجهة جديدة خصوصا فى هذه الفترة التى تستدعى كل ما يؤكد وقف إطلاق النار، ونذكر هنا نفى الرئيس الأمريكى لأية علاقة بين حماس الرسمية وأية تجاوزات حدثت بعد الاتفاق.
وهناك الحادثة التى دُمرت فيها ناقلة هندسية عسكرية إسرائيلية عن طريق الخطأ فى اشتباك بين حماس وميليشيات المدعو أبو شباب والمدعوم إسرائيلياً، التى نفت حماس أية علاقة بها، وكان رد الفعل الإسرائيلى عنيفاً، حيث تم قصف العشرات من النقاط التى يدعون أنها عسكرية، بالإضافة إلى نفق كبير كانوا يعتقدون بوجود أسرى به سابقاً للاتفاق، وهذا يتنافى مع المنطق حيث تنتظر إسرائيل العديد من جثث الأسرى، التى كان من المحتمل وجودها فى هذا النفق، وبالتالى نرى أن هذا الفعل متعمد لإضاعة الفرصة على حماس للعثور على الجثث، وهنا تظهر الحجة الإسرائيلية باستمرار العدوان على القطاع.
والواضح بشكل جلى للمراقبين هو وجود دوافع لدى رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو، وكذلك قوى اليمين الإسرائيلى المتطرف بشكلٍ موازٍ لاستمرار القتال.
فإذا توقف إطلاق النار وحق السلام على الأرض، انقلب اليمين المتطرف على نتنياهو، وانسحب من حكومته لتسقط آخذةً معها الرجل إلى غياهب المحاكمات التى تنتظره منذ سنتين للتحقيق فى الاتهامات المتعددة فى قضايا فساد، بالإضافة إلى المحاسبة التى تنتظره من المجتمعين - السياسى والمدنى - فى إسرائيل، حيث يُتهم بتعمد إطالة الحرب حفاظاً على كرسى حكمه وهرباً من القضاء الإسرائيلى. وكذلك هناك اتهامات قوية بتسببه فى مقتل العديد من الأسرى الإسرائيليين بسبب القصف العشوائى لقطاع غزة، هؤلاء الأسرى كان من الممكن عودتهم أحياء بالمفاوضات السلمية، حتى إننا لم نر أيا من الأسرى قد عاد بقوة السلاح منذ بداية الحرب.
وعلى الجانب الآخر هناك الرئيس الأمريكى الذى حقق إنجازاً تاريخياً بدعم مصرى فى المقام الأول، وكذلك بدعم عربى ودولى، كانت مصر تقف من ورائه بحنكة دبلوماسية مُبهرة.
هذا الرئيس الطامح إلى وضع اسمه فى سجل الحائزين على نوبل للسلام، لن يقبل بأى تهور إسرائيلى يقوِّض عملية السلام ويعود بها للخلف، وقد بدا هذا واضحاً حين أرسل ترامب مبعوثيه - ويتكوف وكوشنر - إلى إسرائيل لتثبيت وقف إطلاق النار.
ومن هنا يتضح أن طريق السلام الذى صنعته مصر والدول العربية والصديقة مع الرئيس الأمريكي، لا يروق لنتنياهو ولا لقوى التطرف اليمينى الإسرائيلي، بقدر ما يروق للدول المذكورة والدول الأوروبية والإسلامية الداعمة للسلام، وبالطبع للشعب الغزاوى الذى ذاق الأمرين فى هذه الحرب العبثية.
وانطلاقا من حقيقة أن نتنياهو وحكومته لا يرضخان إلا للضغط الأمريكى بشكل رئيسى، فنحن ندرك أن الكواليس تشهد هذه الأيام نزالاً بين رغبات نتنياهو الجامحة فى استمرار العدوان والحرب، وبين رغبة الرئيس الأمريكى ترامب فى تثبيت اتفاق السلام التاريخى فى شرم الشيخ، واستمرار وقف إطلاق النار والدخول فى الجولات التالية للاتفاق.
هى فترة حرجة تحتاج الكثير من الحنكة السياسية والرقابة المخابراتية والقراءة السليمة للأحداث، وهذا ما تقوم به مصر فى صمت وصلابة رأيناهما فى تولى الرئاسة المصرية وأجهزة الدولة للملف السلمى أخيرا، كما سنرى الكثير من الإجراءات فى الفترة المقبلة، ذلك أن تحقيق السلام وديمومته كمن يرعى وليداً غضاً بين جمرات الجحيم.
تحقيق السلام فى المنطقة سيتطلب انتصارا لنهج الرئيس ترامب بمعاونة مصر والدول العربية فى مقابل النزعة العدوانية لنتنياهو وفريقه اليمينى المتطرف.
إن السلام الآن يتقاطع بقوة مع بقاء السيد نتنياهو فى سُدة الحكم.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام