رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الخميس 13 نوفمبر 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
وجوه عبر الزمن
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
دائرة الحوار
وجوه عبر الزمن
السياسى النزيه..محمود المليجى كتب عمره على جدار الثورة وعاش مرافعة طويلة عن الوطن (1)
23-10-2025
|
21:42
إلهامى المليجى
«وُلدتُ فى ثورة…
وعشتُ فى ثورة…
وأعتقد أننى سأرحل
عن الدنيا فى ثورة».
بهذه العبارة الموجزة
رسم محمود المليجى معالم رحلته الفكرية والنضالية؛ رجلٌ عاش قرنًا من التحولات، لم يعرف فى أيٍ من فصوله راحة السكون أو نعمة الحياد، منذ أن وُلد على أطراف ثورة 1919، إلى أن غاب قبيل انفجار أحداث 25 يناير 2011 بأسابيع، ظلّ يرى فى الثورة معنى الحياة ذاته؛ حركةٌ دائمة بين الحق والعدل،
بين الضمير والموقف.
لم يكن المليجى مجرّد محامٍ بارعٍ أو سياسيٍ نزيه، بل كان ضميرًا وطنيًا يقظًا حمل همّ العدالة منذ طفولته فى قرية البجلات، حيث تعلم التقشف كفضيلة، والكرامة كقانون فطرى للحياة. من الكُتّاب إلى مدرسة الزرقا، ومن المنصورة إلى القاهرة، ظلّ مؤمنًا أن العدالة ليست نصوصًا فى الدساتير، بل سلوكٌ يومى وموقف أخلاقى، وأن القانون بلا إنسانية يتحول إلى عصا فى يد الأقوياء.
تكوّنت رؤيته مبكرًا فى أحضان مشروع القرش، حين أدرك أن الوطن لا يبنى بالهتاف بل بالوعى والعمل، ثم انخرط فى حركة مصر الفتاة التى مثّلت أول محاولة لصياغة هوية وطنية حديثة مستقلة عن الاستعمار. ومع مرور الزمن، لم يهادن، بل تطوّر من ناشط وطنى إلى محامٍ نضاليٍ ومعارض سياسيٍّ متجذّر، كان من مؤسسى حزب العمل الاشتراكى إلى جانب إبراهيم شكرى، ثم شارك لاحقًا فى تأسيس حزب مصر الفتاة الجديد مع على الدين صالح، ليصبح أحد أعمدة التيار الوطنى المعارض فى سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى.
لم يكن المليجى رجل شعارات، بل رجل أفعال، آمن بالاستقلال الفكرى، وظل وفيًا لضميره حتى حين جُمّدت الأحزاب التى أسهم فى بنائها لأنها تجاوزت الخطوط الحمراء للسلطة.
وبرغم انخراطه فى الحياة العامة، لم ينسَ أبدًا جذره الإنسانى، ظلّ يرى فى الحوار أساسًا لكل إصلاح، وفى التسامح شرطًا للثورة الحقيقية، كان حاضرًا فى ذاكرة الحركة الوطنية كصوتٍ للعقل، وفى ذاكرة أسرته كظلٍ من الوقار والرحمة.
وقد جمعتنى به القرابة أولًا، ثم الفكر ثانيًا، ثم النضال أخيرًا، حتى غدا القريب قريبًا مرتين: بدمه وبإيمانه.
المشهد الأول: حين جمع الدم ما فرّقته السياسة… درسٌ فى فنّ الخلاف
كانت لقاءاتنا متباعدة بحكم إقامته فى القاهرة وانشغالاته الكثيرة، غير أنّ الأقدار رتّبت أن أعيش فى المنصورة عام 1971؛ حين انتقل شقيقى للدراسة هناك، وانتقلتُ أنا إلى مدرسة أحمد حسن الزيات بطلخا (ثانية «تاني» للمتفوقين)، فأقمتُ معه مؤقتًا فى شقةٍ كانت مغلقة، علمتُ لاحقًا أنها كانت مكتب المحاماة القديم للأستاذ محمود المليجى قبل أن يستقرّ نهائيًا فى القاهرة.
لم أكن أدرك يومها أن تلك الجدران التى آوتنى فى سنواتٍ باكرة ستُصبح يومًا خيطًا خفيًا يربطنى به أكثر، وأنها كانت قد شهدت أولى مرافعاته ونقاشاته الحامية، كأنها تحتفظ ببصمات صوته ودفء قناعاته فى هواء المكان.
وجاء اللقاء الحاسم بعد انتخابات عام 1976، أول انتخابات تعددية بعد انقسام التنظيم السياسى إلى أحزاب، كنت حينها أحد شباب حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى، الذى رشّح أحمد فتيح عن العمال، ودعم أحمد مجاهد عن الفئات.
فى المقابل، كان إبراهيم المليجى - ابن نائب العمدة، وصاحب النفوذ التقليدى فى البجلات – قد أغلق أبواب القرية أمام الجميع إلا عبد الرؤوف حسن، المرشح عن حزب مصر العربى الاشتراكى الحاكم، وهو رجلٌ ثريّ لا يحمل من مؤهلات السياسة إلا المال.
تمرّدنا – أنا، ومحمد السيد المليجى، وعوض محمد عوض وشقيقه محمود، ومحمد العدوى وآخرون – على تلك الوصاية القديمة، وقررنا أن يكون لنا اختيارنا الحرّ. تصاعد الخلاف حتى بلغ حدّ التلاسن العنيف، وتحولت المعركة الانتخابية إلى اختبارٍ لعصب العائلة أكثر من كونها مواجهة سياسية، وبدافع الحماسة – وربما الطيش – اشتريت من حداد القرية أكثر من فرد محلى، ووزعته على بعض الرفاق، لتشكيل «فريق حماية» صغير لا يتجاوز أصابع اليد، لكنه كان يملأ القرية ضجيجًا بالثقة والتحدى.
انتهت الانتخابات، لكن جمرها ظلّ مشتعلًا
فجأة جاءنى محمد أنور المليجى، أحد أبناء العائلة الذين ناصرونا قلبًا دون إعلان، ليبلغنى أن العمّ محمود فى بيتهم ويريد لقائى.
ذهبت، فوجدت اجتماعًا موسّعًا حضره إبراهيم المليجى والأستاذ أنور إبراهيم المليجى وعدد من شباب العائلة.
دخل محمود المليجى بهدوئه المهيب، كأنه قادم من زمنٍ آخر؛ حيّانا جميعًا، ثم التفت إليّ وقال بصوته الرزين الذى يمزج الحزم بالحكمة:
«أحيّيكم على دفاعكم عن المرشّح الذى ترونه أقرب إلى فكركم، فهذا حقّ لا يُنتزع، ومن حقّ إبراهيم المليجى أيضًا أن يدافع عن مرشّحه، لكن ليس من اللائق بعائلة المليجى أن يبلغ الخلاف بين أبنائها حدّ الخصومة، تختلفون فى الرأى، نعم؛ لكن بعد انتهاء المعركة، يجب أن تعود العلاقة كما كانت. فالدم لا تفرّقه الانتخابات.»
ثم ابتسم وأضاف: «يسعدنى أن أرى شباب العائلة ينحازون للتغيير. تُذكّروننى بشبابي؛ فقد اختلفتُ يومًا مع والدى نائب العمدة، ومع خالى محمود موسى العمدة، اللذين كانا – بحكم موقعيهما – يؤيدان مرشح الحكومة.»
خرجت من ذلك اللقاء وأنا أحمل داخلى شعورًا مزدوجًا: بالاعتزاز لأننا فرضنا احترامنا بالجرأة، وبالإعجاب برجلٍ استطاع أن يُعيد للعائلة توازنها وللخلاف معناه الشريف.
كان ذلك الاجتماع درسًا فى أدب الاختلاف، ومحطة فارقة فى علاقتى به؛ فمنذ تلك الليلة لم يعد العمّ محمود مجرد قريبٍ موقّر، بل قدوة فى السلوك ومثال فى الحوار، يجمع بين صرامة المبدأ ورحابة القلب.
ظلّ الثورة الذى لم ينطفئ
ذلك اللقاء لم يكن سوى المشهد الأول فى علاقةٍ امتدت لسنوات، رافقته خلالها فى محطاتٍ فكرية وسياسية عديدة، وكنت شاهدًا على ما لم يُكتب بعد من سيرة رجلٍ عاش عمره مرافعةً مفتوحة عن العدالة والحرية.
رأيته المحامى الذى حول المرافعة إلى منبرٍ للضمير، والسياسى الذى خاض التجربة حتى نهايتها – من مصر الفتاة إلى حزب العمل الاشتراكى، ثم مصر الفتاة الجديد – مؤمنًا أن الاختلاف طريق النضج، والمعارضة شرف، والحرية غاية لا وسيلة.
رحل محمود المليجى قبل أن يسمع هدير يناير، لكن فكره سبقها؛ فقد كان يؤمن أن الثورة الحقيقية تبدأ من داخل الإنسان، لا من الشوارع وحدها. ترك وراءه إرثًا من المواقف والمرافعات والمبادرات الوطنية، وكتابًا واحدًا يلخّص كل ذلك: خرابيش على جدار الزمن، الذى كان ثمرة إلحاحى عليه لتدوين ذكرياته، ونشرته لاحقًا فى دار رع التى كنت أديرها، لتخرج إلى النور شهادة جيلٍ حمل الثورة فى قلبه قبل أن تحملها الشوارع.
وفى الحلقات المقبلة من «وجوه عبر الزمن» سنمضى معه فى محطاته الكبرى، التى تتقاطع فيها التجربة الشخصية مع التاريخ العام:
< من البجلات إلى المنصورة: الجذور التى أنبتت وعيه الوطنى الأول، والطفل الذى صار يرى فى الكلمة مسؤولية وفى التعليم خلاصًا من القيود.
< من مشروع القرش إلى مصر الفتاة: صعود جيلٍ جديد على أيدى رواد الفكر والإصلاح، وفى مقدمتهم الدكتور الشيخ أحمد الشرباصى الذى أسهم بدورٍ بارز فى توجيه الوعى الشبابى نحو فكرة الأمة والنهوض.
< سنكشف أيضًا كيف التقى فى المعتقلات برجالٍ من عصورٍ متباينة: من هنرى كورييل فى سجن الأجانب، إلى أنور السادات وموسى صبرى وآخرين فى سجن المنيا بصعيد مصر، وكيف تحولت الزنازين إلى مدارس فكرٍ وسياسة.
< ولماذا كان الخواجة بيار الجميل - والد الرئيسين أمين وبشير الجميل - يتردد مرة كل شهر على مقر حزب مصر الفتاة فى المنصورة، وما الذى جمع بين الزعيم المارونى والوطنيين المصريين فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي.
< من حزب العمل إلى مصر الفتاة الجديد: مرحلة النضج السياسى والفكرى، حيث جمعته الصداقة والنقاشات العميقة مع الدكتور رفعت السعيدالذى رافقه فى سجن المنصورة فى الأربعينيات، ثم سعى لاحقًا إلى وقف تجميد الحزب فى التسعينيات وفاءً لروح التجربة الأولى.
الخاتمة
وأخيرًا:
خرابيش على جدار الزمن - وثيقة جيلٍ لم يكتب عن الثورة فحسب، بل عاشها، وخطّها على جدار التاريخ بحبر التجربة والوجدان.
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
السياسى النزيه.. محمود المليجى ما بين الزنزانة والمنبر (2)
السياسى النزيه.. محمود المليجى ما بين الزنزانة والمنبر (2)
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
وجوه عبر الزمن
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
< li>
دائرة الحوار
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام