نحن والعالم



هل توجد ضمانات أمنية أقوى من المادة الخامسة للناتو؟ روسيا وأوكرانيا بين بودابست ومينسك

23-10-2025 | 23:08
محمد الطماوى

صعوبة التوصل لاتفاق روسى - أوكرانى وسط تمسك الطرفين بشروطهما 
 
منذ اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، عاد ملف الضمانات الأمنية ليحتل صدارة النقاش الدولى، خصوصا بعد القمة التى احتضنها البيت الأبيض، وجمعت الرئيس دونالد ترامب بنظيره الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، بحضور لافت للنظر لعدد من القادة الأوروبيين، والتى جاءت فى لحظة سياسية مشحونة بعد لقاء أمريكى–روسى فى ألاسكا، وأصبح كل طرف يسعى لانتزاع صيغ مختلفة تضمن مستقبله السياسى والعسكري، روسيا تتحدث عن حياد أوكرانيا ووقف تمدد الناتو شرقاً، بينما تتمسك كييف بضمانات دفاعية ملموسة، تتجاوز الوعود التى حصلت عليها فى مذكرة بودابست عام 1994، والتى أثبتت التجربة أنها لم توفر حماية حقيقية لسيادتها ووحدة أراضيها‪.‬ 
فى الوقت ذاته، يثار تساؤل حول إمكانية تكرار سيناريو اتفاقيات مينسك التى وقعت عام 2014 بهدف تهدئة النزاع فى دونباس، لكنها بقيت حبراً على ورق، أو البحث عن بدائل جديدة تستلهم مضمون المادة الخامسة من ميثاق الناتو، لكن دون منح أوكرانيا عضوية كاملة فى الحلف، وهو ما يشكل عقدة أساسية فى المفاوضات الدولية‪.‬
وسط هذه التناقضات، يظل السؤال قائماً حول الشكل الواقعى للضمانات الأمنية الذى يمكن أن يقبله الطرفان، هل يستطيع الغرب أن يقدم لكييف التزامات عملية تشبه مظلة الناتو من دون أن يجرّ نفسه إلى مواجهة مباشرة مع موسكو؟ وأى ضمانات يمكن أن تقنع روسيا بالتراجع عن حربها، أو على الأقل تثبيتها عند خطوط جغرافية معينة؟
ويفتح هذا التحقيق الباب أمام مجموعة من التساؤلات الكبرى: ما طبيعة الضمانات التى تطالب بها روسيا، وما الذى تخشاه تحديداً؟ وكيف تختلف مطالب أوكرانيا اليوم عن تلك التى نصت عليها مذكرة بودابست التى لم تحمها من ضم القرم؟ وهل تصلح اتفاقيات مينسك كنموذج يمكن البناء عليه للسلام، أم أنها تجربة فاشلة يصعب تكرارها؟ والأهم من ذلك، كيف يمكن ترجمة مضمون المادة الخامسة من ميثاق الناتو إلى صيغة خاصة تحمى أوكرانيا دون أن تكون عضواً رسمياً فى الحلف؟ وأى سيناريو يظل الأقرب للتنفيذ: معاهدات دفاع ثنائية، وجود عسكرى غربى مباشر، أم صيغة "ناتو مصغّر" يقتصر على أوكرانيا وبعض جيرانها؟
 
الضمانات القانونية
فى البداية، قال الدكتور إبراهيم سيف منشاوي، أستاذ القانون الدولى والتنظيم الدولى المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة، إن روسيا تسعى للحصول على مجموعة من الضمانات القانونية والأمنية لتسوية النزاع بينها وبين أوكرانيا تسوية سلمية، وأوضح أن من بين هذه الضمانات ضرورة التزام أوكرانيا بوضع الحياد الدائم، وتخليها النهائى عن الانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسى، أو أى تحالفات عسكرية غربية ذات طبيعة عدائية تجاه موسكو‪.‬
 
وأضاف أن موسكو تسعى لأن تكون طرفًا مباشرًا فى آليات الضمانات الأمنية المستقبلية، مع منحها حق الاعتراض على القرارات الجوهرية، فضلًا عن إضفاء الشرعية الدولية على ضمّها للأراضى التى سيطرت عليها منذ عام 2014 وما بعده، ورفع كل التدابير القسرية الانفرادية "العقوبات" المفروضة عليها، وأشار إلى أن روسيا تطمح أيضًا إلى فرض قيود تعاقدية على القدرات الدفاعية لأوكرانيا، سواء من حيث حجم القوات أم نوعية التسليح، بما يحول دون إعادة بناء قوة عسكرية، قد تُعتبر تهديدًا لأمنها القومى‪.‬
وتابع أن أوكرانيا من ناحيتها تتمسك بضرورة أن تحصل على ضمانات أساسية فى صورة التزامات دولية ذات طبيعة تنفيذية، تشبه فى مضمونها نظام "الدفاع الجماعي" الوارد فى المادة الخامسة من معاهدة واشنطن "الناتو"، بما يكفل تدخل الدول الضامنة سياسيًا وعسكريًا فى حال تعرّضها لعدوان جديد من روسيا، وأكد أنها تتمسك أيضًا بسيادتها ووحدة أراضيها داخل حدودها المعترف بها دوليًا وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، وترفض أى ترتيبات تؤدى إلى التنازل عن أجزاء من إقليمها‪.‬
 
وأوضح أن مذكرة بودابست للضمانات الأمنية، هى اتفاق سياسى –دبلوماسي، وُقِّع فى العاصمة المجرية بودابست فى 5 ديسمبر 1994 بين أوكرانيا وكل من الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية، والمملكة المتحدة، وذلك فى سياق انضمام أوكرانيا إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وقال إنه بموجب هذه المذكرة وافقت أوكرانيا على التخلى الكامل عن أسلحتها النووية، وتسليمها إلى روسيا للتفكيك، مقابل التزامات تعهّد بها الأطراف الموقّعة، أهمها احترام استقلال أوكرانيا وسيادتها ووحدة أراضيها ضمن حدودها القائمة حينذاك، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد أوكرانيا، والامتناع عن استخدام الضغوط الاقتصادية، بهدف التأثير على سياستها السيادية، والالتزام بعدم استخدام الأسلحة النووية ضد أوكرانيا، بوصفها دولة غير نووية فى إطار معاهدة عدم الانتشار، إضافة إلى إحالة المسائل المتعلقة بهذه الضمانات إلى مجلس الأمن الدولى فى حال نشوء تهديدات‪.‬
وأضاف منشاوى أن هناك تشابهًا محدودًا بين الضمانات التى تطالب بها أوكرانيا اليوم، والضمانات التى نص عليها اتفاق "بروتوكول مينسك 2014"، فكلاهما ينطلق من ضرورة الحاجة إلى وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، مع إدراج عنصر الإشراف الدولى لمراقبة التنفيذ، وأوضح أن هذه المهمة قد أُسندت وفق اتفاق مينسك إلى منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا، فى حين أن أوكرانيا الآن تطالب بضمانات دولية أكثر صرامة تشرف عليها قوى دولية كبرى، إضافة إلى الإفراج عن الأسرى والمختطفين، وهو عنصر موجود فى كلا السياقين وإن كان بصيغ مختلفة‪.‬
 
واستطرد قائلاً: إن الفارق الجوهرى يكمن فى طبيعة ومدى الإلزام؛ فـاتفاق مينسك اشتمل على التزامات سياسية مؤقتة، دون أن يكون لها طابع ملزم أو آليات إنفاذ حقيقية، وركز على ترتيبات داخلية مثل منح وضع خاص لإقليم دونباس، فى حين أن المطالب الأوكرانية الراهنة ترتكز على وضع منظومة ضمانات مكتوبة وملزمة، شبيهة بالمادة الخامسة من معاهدة الناتو، تتضمن تدخلاً عسكريًا مباشرًا من الحلفاء عند أى عدوان، وترفض أى تسويات إقليمية تمس سيادتها‪.‬
وتساءل منشاوى قائلاً: "ما السبيل المناسب لكى تحصل أوكرانيا على ضمانات شبيهة بالمادة الخامسة من اتفاقية حلف شمال الأطلسى يكفل الدفاع عنها ضد أى عدوان على الرغم من أنها ليست طرفًا فى الاتفاقية؟‪"‬.
وأوضح أن المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسى لعام 1949 تُعد حجر الزاوية فى منظومة الناتو الأمنية، وتنص على أن أى هجوم مسلّح يقع ضدّ أحد أطراف المعاهدة فى أوروبا أو أمريكا الشمالية، يُعتبر هجومًا ضد جميع الأطراف، وبناءً عليه يتعهد كل طرف باتخاذ ما يلزم من إجراءات، بما فى ذلك استخدام القوة المسلحة، للمساعدة فى الدفاع عن الطرف أو الأطراف المعتدى عليها، وذلك فورًا وبصورة فردية أو جماعية، وفقًا لحق الدفاع الشرعى الفردى أو الجماعى المقرر فى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة‪.‬
وأكد أن السبيل الأكثر واقعية لتمكين أوكرانيا من الحصول على ضمانات أمنية شبيهة بالمادة الخامسة من معاهدة الناتو، على الرغم من أنها ليست طرفًا فيها، يتمثل فى إبرام معاهدة دفاعية خاصة ثنائية أو متعددة الأطراف، مع مجموعة من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا أو دول مجموعة السبع. وأوضح أن هذه المعاهدة يجب أن تنص صراحة على أنّ أى اعتداء عسكرى على أوكرانيا يُعد اعتداءً على الطرف الآخر أو الأطراف كافة، ويلتزم هؤلاء بالرد الفورى سياسيًا وعسكريًا وفقًا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بحق الدفاع الشرعى الفردى والجماعي‪.‬
المعضلة الرئيسية
من جانبه، قال الدكتور أيمن البراسنة، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية، إن بين رؤية الرئيس ترامب بخصوص إنهاء الحرب عبر ضمانات أمريكية–أوروبية تتعهد بحماية كييف بموجب أى اتفاق لإنهاء حرب روسيا فى أوكرانيا، وبين تشدد روسيا التى ترفض أى ضمانات لأوكرانيا لا تراعى مصالحها الحيوية، هناك موقف أوكرانيا التى تتمسك بضمانات أمنية تهدف إلى ردع أى عدوان روسى محتمل فى المستقبل، وأوضح أن أوكرانيا تصر على رغبتها فى الانضمام إلى حلف شمال الأطلسى لحماية أمنها القومي، وهو الأمر الذى يرفضه ترامب وبعض الدول فى أوروبا، باعتبار أن انضمام أوكرانيا قد يزيد بشكل كبير من فرص جر التحالف إلى مواجهة مباشرة مع روسيا‪.‬
وأضاف أن ترامب يرفض كذلك نشر قوات أمريكية على الأراضى الأوكرانية، ما يزيد من قلق كييف، ويجعلها تصر على الحصول على ضمانات، تمنع موسكو من العودة وقضم أجزاء من أراضيها مجدداً، وأشار إلى أن الأوروبيين والأمريكيين ناقشوا عدة خيارات لمساعدة أوكرانيا على حماية أمنها، منها تقديم ضمانات مستوحاة من المادة الخامسة من اتفاق الدفاع المشترك لحلف شمال الأطلسي، بحيث يتم نشر قوة عسكرية فى أوكرانيا وتوفير دعم على صعيد التدريب الجوى أو البحرى‪.‬
وتابع البراسنة قائلاً: إن روسيا ترفض مثل هذا الاحتمال، لأنها تعتبر أن توسّع حلف الناتو، ليصل إلى حدودها أحد "الأسباب الأساسية" التى أدت إلى اندلاع الحرب، كما أن الولايات المتحدة لا يمكنها منح مثل هذه الضمانات، لأنها ترفض انضمام أوكرانيا للحلف، ولا تريد فى الوقت نفسه تصعيد المواجهة العسكرية مع موسكو‪.‬
وأكد أن أوكرانيا إذا خسرت فرصة الانضمام إلى الناتو، فإنها تبحث عن بديل على شكل ضمانات قوية تحميها من أى هجوم روسى جديد، مشيراً إلى أنه إذا لم تحصل على هذه الضمانات، فإن الحرب ستظل مفتوحة بدون رؤية سياسية واضحة، وأوضح أن الخيارات المطروحة تتمحور حول استعداد أمريكا لدعم جوى لأى قوة دولية، يحتمل أن تنتشر فى أوكرانيا كضمانة أمنية فى حال التوصل إلى اتفاق سلام مع موسكو، إضافة إلى احتمال لجوء كييف لشراء أسلحة أمريكية بتمويل أوروبى، كبديل عن نشر قوات برية أمريكية‪.‬
واستطرد البراسنة قائلاً: إن تأمين المجال الجوى الأوكرانى يعد أحد الخيارات المرجحة، عبر تمركز طائرات فى قواعد جوية موجودة فى بولندا أو رومانيا وبمشاركة الولايات المتحدة، بينما ترفض روسيا وجود أى قوات للناتو فى أوكرانيا بأى شكل من الأشكال، وأضاف أن الدعم العسكرى من المرجح أن يتركز على التدريب والاستخبارات والدعم اللوجيستى، ما يساعد أوكرانيا على إعادة بناء جيشها وتوفير إمدادات مستمرة من الأسلحة‪.‬
طاولة المقترحات
من جانبه، قال الأستاذ الدكتور طارق عبد الحافظ الزبيدي، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة بغداد، إن أوكرانيا تعانى من أزمة ثقة كبيرة، إزاء التفاهمات الأولية التى جرت بين الرئيس بوتين والرئيس ترامب، مشيراً إلى أن الخوف مرتبط بالضغط الذى يمارس على كييف من أجل القبول بالشروط الروسية، مما يجعلها تتفاوض من منطلق الضعف، وأضاف أن هذا الموقف يؤكده الجانب الأمريكى على الدوام، حيث تؤكد واشنطن أن كييف لا تمتلك أى أوراق ضغط، وأن استمرار الحرب ليس فى مصلحتها‪.‬
وأشار إلى أن بعض المقترحات التى طرحت خلال النقاشات الدولية تضمنت إعادة العمل بمعاهدة بودابست لعام 1994، الموقعة بين أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والتى بموجبها تنازلت أوكرانيا عن السلاح النووى، مقابل احترام سيادتها من قبل روسيا. وأضاف أن هذه المعاهدة تم اختراقها أكثر من مرة من قبل جميع الأطراف، فضلاً عن أن الظروف والمعطيات عام 1994 اختلفت تماماً عن الأحداث والظروف الجديدة على جميع المستويات، خصوصا بعد تقدم روسيا داخل أوكرانيا، وضمها لأربعة أقاليم بعد الاستفتاءات فيها‪.‬
وتابع الزبيدى، قائلاً: إن اتفاقيات مينسك لعام 2014 فشلت منذ اليوم الأول، ولم تعد تُعتبر ضمن الضمانات الفاعلة، كون أهم بنودها كان وقف إطلاق النار بين الطرفين، وهو ما لم يتحقق حتى الآن. وأوضح أن بعض الخبراء اقترحوا أن تكون الضمانات مستندة إلى المادة الخامسة من ميثاق الناتو، التى تؤكد أن أى هجوم على أحد الأعضاء، يُعد هجومًا على جميع الدول الأعضاء، إلا أن هذا المقترح يفترض أن أوكرانيا عضو فى الحلف، وهو أمر غير واقعي، خصوصاً أن روسيا وضعت ثلاثة شروط صارمة للتفاوض، أبرزها رفض انضمام أوكرانيا للناتو، ما يجعل هذه الضمانة غير قابلة للتطبيق حتى لو حصلت على موافقة أوروبية‪.‬
وأكد أن التوصل إلى اتفاق بين روسيا وأوكرانيا صعب للغاية، لكون كل طرف يرفض التنازل عن شروطه، ولا يوجد طرف مستعد للتنازل عن الأراضى مقابل السلام، حيث يتمسك الطرفان بمواقعهما، مشيراً إلى أن الحدود بين البلدين كبيرة جداً، ما يصعب ضبطها أمنياً بعد أى هدنة مقترحة. وأضاف أن الرئيس ترامب يتحدث عن اتفاق سلام دائم، لكنه حتى الآن لم يتمكن من إحراز أى تقدم ملموس فى وقف إطلاق النار، والدليل على ذلك استمرار الحرب والقصف المتبادل، مشيراً إلى أن أفضل ما يمكن أن يتحقق فى الوقت الحالى، هو هدنة مؤقتة وهشة‪.‬
الحماية العسكرية
ويرى د. هيثم عمران، مدرس العلوم السياسية والقانون الدولى بجامعة السويس، أن قضية الضمانات الأمنية تمثل محورًا رئيسيًا فى الأزمة الروسية - الأوكرانية، حيث تنظر كل من موسكو وكييف إلى أمنها القومى من منظور مختلف، وأوضح أن روسيا تسعى لمنع تمدد حلف الناتو شرقًا ومنع انضمام أوكرانيا أو جورجيا إليه، معتبرة أن أى توسع للناتو بالقرب من حدودها يشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومى ولتوازن القوى فى أوروبا، وأضاف عمران أن موسكو تطالب بترتيبات مكتوبة وملزمة قانونيًا، تضمن عدم نشر بنية عسكرية أو أسلحة استراتيجية غربية بالقرب من حدودها، مع تعزيز ما تصفه بـ"حياد أوكرانيا‪".‬
وأشار د. عمران إلى أن أوكرانيا تنظر إلى الضمانات الأمنية من زاوية مختلفة، مؤكداً أن تجربة فقدان شبه جزيرة القرم عام 2014 والتعرض للاجتياح فى فبراير 2022 جعلت كييف، تعتبر أن أى ضمانات حقيقية يجب أن تتضمن التزامات صريحة بحمايتها عسكريًا فى حال تعرضها لأى عدوان، وأضاف أن أوكرانيا تطالب بآلية تشبه المادة الخامسة من ميثاق الناتو، لكنها تُطبق عبر اتفاقات ثنائية أو متعددة الأطراف مع دول غربية كبرى، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، بحيث تكون هذه الضمانات دفاعية جماعية وليست مجرد بيانات سياسية أو التزامات عامة‪.‬
وحول مذكرة بودابست 1994، أوضح عمران، أنها كانت مرجعًا أساسيًا عند الحديث عن الضمانات الأمنية لأوكرانيا، حيث تنازلت كييف عن ترسانتها النووية مقابل تعهدات من روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا باحترام استقلالها ووحدة أراضيها، والامتناع عن استخدام القوة ضدها. لكنه أشار إلى أن المذكرة لم تتضمن آلية إلزامية للتدخل العسكرى المباشر، وهو ما جعل كثيرين يرونها ضمانة "وهمية"، إذ لم تمنع روسيا من ضم القرم عام 2014 أو شن حرب شاملة لاحقًا، ما يجعل أى ترتيبات جديدة بحاجة لتجاوز نموذج بودابست وتقديم التزامات دفاعية فعلية‪.‬
أما بالنسبة لاتفاقيات مينسك 2014–2015، فبيّن عمران أنها جاءت كترتيبات مؤقتة لوقف إطلاق النار ومعالجة النزاع فى شرق أوكرانيا، حيث ركزت على وقف القتال وسحب الأسلحة الثقيلة، ومنح حكم ذاتى جزئى لمناطق دونيتسك ولوغانسك، لكنها لم توفر ضمانات أمنية بالمعنى التقليدي. وأوضح أن الفرق الجوهرى بين مينسك وبودابست يكمن فى طبيعة الالتزامات، فبينما ركزت بودابست على ضمانات سيادية عامة، تعاملت مينسك مع نزاع داخلى قائم، مما يجعل أوكرانيا اليوم أكثر إصرارًا فى الحصول على ضمانات مشابهة لنظام الناتو الدفاعى الجماعى‪.‬
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام