نحن والعالم



تحالف دولى لإسقاط الوهم الإسرائيلى

23-10-2025 | 23:13
⢴ محمد الطماوى

د. محمد عثمان:  الاتفاق أسقط مخطط التهجير القسرى من غزة
 
د. إسماعيل تركى: كشف فشل إسرائيل فى الحرب
 
يمثل اتفاق شرم الشيخ للسلام، نقطة تحول فارقة فى مسار الصراع العربى - الإسرائيلى، إذ لم يكن مجرد خطوة لوقف إطلاق النار فى غزة، بل إعلان صريح بانتهاء مرحلة من الغطرسة الإسرائيلية، وبداية مرحلة جديدة عنوانها التوازن والواقعية السياسية، فبعد شهور من العدوان الإسرائيلى الواسع على القطاع، وما خلفه من دمار إنسانى واقتصادى، جاءت قمة شرم الشيخ لتعيد صياغة المعادلة من جديد، وتُسقط ما يُعرف فى الأدبيات الصهيونية بمفهوم «إسرائيل الكبرى» - الحلم الذى سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لتحقيقه عبر التوسع والضم والسيطرة على الأرض والإنسان.
 
 
لقد أدركت تل أبيب، من خلال تفاصيل هذا الاتفاق، أن مشروعها القائم على القوة العسكرية، لم يعد قابلا للحياة فى ظل رفض عالمى متنامى، ودور مصرى محورى أعاد التوازن إلى الطاولة السياسية، فمصر لم تكتف بالتوسط لوقف النار، بل وضعت الأسس لإطار شامل يضمن حقوق الشعب الفلسطينى، ويحد من الانفلات الإسرائيلى، وجاءت بنود الاتفاق واضحة فى كل مراحلها: من وقف إطلاق النار الشامل، وفتح المعابر بإشراف دولى، وإدخال المساعدات الإنسانية، وصولا إلى بدء عملية إعادة الإعمار تحت رقابة دولية، بما ينزع من إسرائيل قدرتها على التحكم فى مصير غزة، كما كانت تفعل سابقا.
إن أهم ما فى اتفاق شرم الشيخ، أنه أعاد للقضية الفلسطينية مركزيتها على الأجندة الدولية، بعد سنوات من محاولات التهميش، وأعاد لمصر دورها التاريخى كضامنٍ للسلام العادل، وقائد لمحور الاعتدال، القادر على فرض التوازن بين أطراف النزاع، وبهذا يمكن القول إن هذا الاتفاق لم يجهض فقط أوهام «إسرائيل الكبرى»، بل وضع نهاية عملية لفكرة الأمن الإسرائيلى المطلق على حساب الحقوق الفلسطينية، مؤكدا أن زمن القوة المنفردة انتهى، وأن مستقبل المنطقة سيتشكل على أساس حل الدولتين، والاعتراف الكامل بحق الفلسطينيين فى دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
 
صخرة شرم الشيخ
فى البداية، قال الدكتور محمد عثمان، الباحث فى العلاقات الدولية: إن المشروع الإسرائيلى تحطم على صخرة شرم الشيخ، حيث تبددت أحلام التهجير والتصفية، وسقطت أوهام «إسرائيل الكبرى» التى روجت لها تل أبيب لسنوات، وأضاف أن التحول الأبرز تمثل فى الموقف الأمريكى الذى انتقل من الدعم الأعمى للمخططات الإسرائيلية إلى موقف أكثر اتزانا، يسعى إلى مراعاة بعض الحقوق الفلسطينية، وكذلك المخاوف والمتطلبات العربية عموما، والمصرية على وجه الخصوص.
وأوضح عثمان أن هذا التحول تجسد فى فرض خطة تسوية على الإسرائيليين، لا تتضمن أى إجراءات للتصفية أو التهجير، بل نصت بوضوح على حظر التهجير القسرى للشعب الفلسطينى من قطاع غزة، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، كان قد طرح فى بداية ولايته الثانية مخططا قويا للتهجير، ضمن ما عرف آنذاك بـ»صفقة التهجير الكبرى».
وأشار الباحث، إلى أن الموقف المصرى الصلب الرافض لمخطط التهجير منذ اللحظة الأولى، والذى اعتبره الرئيس عبد الفتاح السيسى خطًا أحمر لا يجوز تجاوزه، شكل نقطة التحول فى مسار الأحداث، وقال إن هذا الموقف اصطدم مباشرة بمخططات واشنطن وتل أبيب، ومع ذلك تمسكت القاهرة برؤيتها دون أى تراجع، مدعومة بالصمود الفلسطينى على الأرض، وتمسك سكان غزة بالبقاء داخل أراضيهم برغم العدوان والحصار.
وحذر الدكتور محمد عثمان، من أن اتفاق شرم الشيخ ما زال مهددا بسبب النيات الإسرائيلية الخبيثة، موضحا أن إسرائيل فشلت فى تحقيق أهدافها العسكرية، سواء بتهجير الفلسطينيين أم بإجبار حماس على الاستسلام أم استعادة جميع الرهائن بالقوة، مما يجعلها تسعى لإيجاد مبررات للعودة إلى الحرب أو التنصل من التزاماتها.
واختتم عثمان تصريحاته، مؤكدًا أن الضغط الأمريكى المستمر على إسرائيل، سيبقى عنصرا حاسمًا فى ضمان تنفيذ الاتفاق، داعيًا فى الوقت ذاته الأطراف الفلسطينية إلى التحلى بالواقعية السياسية، وتقديم المصلحة الوطنية العليا، على أى اعتبارات فصائلية، حتى لا تضيع الفرصة التاريخية التى وفّرها اتفاق شرم الشيخ، لاستعادة التوازن وتحقيق السلام العادل.
 
حرب باردة
من جانبه، أكد الدكتور إسماعيل تركى، أستاذ العلوم السياسية، إن اتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار فى غزة، المبنى على خطة ترامب للسلام، لا يمكن اعتباره مجرد هدنة إنسانية، بل هو تحول سياسى عميق وإجهاض فعلى لأوهام “إسرائيل الكبرى” التى سعت تل أبيب لتحقيقها على مدار عقود. وأوضح أن الاتفاق جاء بعد حرب إبادة وتطهير عرقى، استمرت عامين كاملين، كاشفًا فشل إسرائيل فى تحقيق أهدافها المعلنة، وهى: القضاء على حركة حماس، وتهجير سكان قطاع غزة، وتصفية القضية الفلسطينية.
وأضاف تركى أن تفاصيل الاتفاق ومراحله المتعددة، تعكس تغيرًا فى موازين القوى بفعل الإرادة الدولية والإقليمية الجديدة، مشيرًا إلى أن الاتفاق أنهى مشروع السيطرة الجغرافية والسياسية الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية والعربية، وأجهض فكرة «إسرائيل الكبرى» التى كانت تهدف إلى فرض السيطرة الأمنية الكاملة، وضم المزيد من الأراضي.
وفى تحليله لمضمون الاتفاق، شدد تركى على أن أهم مكاسبه، هو إفشال مشروع التهجير القسرى الذى كان هدفًا غير معلن للحرب الإسرائيلية، قائلاً: “كانت الخطة تهدف إلى دفع سكان غزة جنوبًا أو إلى الحدود المصرية لتفريغ القطاع، لكن الاتفاق نص بوضوح على عودة النازحين إلى مدنهم فور دخوله حيز التنفيذ”، وأشار إلى أن مشاهد عودة مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى شمال القطاع ومدنهم المدمرة تمثل - حسب وصفه - “طوفانًا بشريًا أسطوريًا، يعكس تمسك الشعب الفلسطينى بأرضه، وإسقاطًا كاملاً لفكرة التهجير القسرى، التى كانت حجر الزاوية فى مشروع إسرائيل الكبرى”.
وفيما يتعلق بتفاصيل الاتفاق، أوضح تركى أن المرحلة الأولى تضمنت تبادلًا للأسرى، ووقفًا شاملًا لإطلاق النار، حيث أفرجت حماس عن 20 أسيرًا إسرائيليًا أحياء و28 جثمانًا، مقابل إفراج إسرائيل عن 250 أسيرًا من أصحاب المؤبدات و1700 معتقل من غزة، وهو ما وصفه بأنه “نسبة تفاوضية غير مسبوقة، تعكس فشل إسرائيل فى تحرير أسراها عسكريًا، واعترافًا ضمنيًا بإخفاقها فى الحرب”.
وأضاف أن المرحلة الثانية والثالثة من الاتفاق، نصتا على إعادة إعمار القطاع بإشراف أممى وإقليمى، تشارك فيه مصر وقطر وتركيا وأوروبا، وهو ما يعنى - وفق قوله - تجريد إسرائيل من السيطرة على مستقبل غزة سياسيًا وميدانيًا، مع مطالبة القاهرة بغطاء من مجلس الأمن، يمنح الشرعية للجنة الدولية المشرفة على إعادة الإعمار.
وتابع تركى، أن تأجيل ملف نزع سلاح المقاومة إلى مراحل تفاوضية لاحقة، بدلاً من جعله شرطًا مسبقًا لوقف الحرب، يمثل دليلًا على فشل إسرائيل فى تحقيق هذا الهدف بالقوة العسكرية، وتحوله إلى ملف سياسى تفاوضى متكافئ بين الأطراف، ما يحدّ من قدرة تل أبيب على فرض شروطها.
وأشار إلى أن الدور المصرى المحورى فى التوصل إلى الاتفاق، مثّل عاملًا حاسمًا فى إعادة التوازن إلى المشهد السياسى، حيث احتضنت القاهرة قمة السلام، ونجحت فى توحيد المواقف الدولية والإقليمية، خلف رؤية واقعية للتهدئة، وإعادة الإعمار، بما أفقد إسرائيل زمام المبادرة فى رسم مستقبل غزة.
واختتم الدكتور إسماعيل تركى، تصريحاته بالتأكيد على أن اتفاق شرم الشيخ، يمثل هزيمة ساحقة للمشروع الإسرائيلى التوسعى، وانتصارًا للإرادة السياسية المصرية، التى واجهت منذ اللحظة الأولى مخططات الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير شعبها.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام