نحن والعالم



من الغذاء والدواء إلى إعادة الإعمار.. جهود أوروبية لدعم غزة

29-10-2025 | 02:25
رشا عامر

الأمم المتحدة تحذر: الاحتياجات فى غزة «هائلة» و«غير مسبوقة»
 
المفوضية الأوروبية تعلن مساعدات إضافية وتدعم مشروعات البنية التحتية والإسكان
 
بعد أن أعلنت حماس وإسرائيل وقف إطلاق النار، واستعدادهما لتبادل الرهائن والأسرى، تأتى المساعدات الإنسانية، كأول شىء يمكن أن يقدمه العالم لقطاع غزة، بالطبع وقف القتال وحده لن يحل كل شىء فى القطاع الفلسطينى، حيث لا يزال سكان غزة فى قبضة أزمة إنسانية تصفها المنظمات الدولية بأنها «مرعبة» و«غير مسبوقة»، فإذا لم تعد القنابل تسقط على غزة منذ اتفاق وقف إطلاق النار، فهذا ليس نهاية حالة الطوارئ، فالسكان ينزفون فى قبضة المجاعة، وفقا لتحذير أصدره خبراء الأمم المتحدة فى أغسطس الماضى، فالاحتياجات هائلة مثل الغذاء والرعاية الطبية والمعدات، وترميم البنية التحتية والمياه والكهرباء والطرق والوقود، فقد تم تدمير ما يقرب من ٪80، من المنازل ومع اقتراب فصل الشتاء، أصبح مليونا شخص بلا مأوى.
 
وفقا للأمم المتحدة هناك كان 500 ألف شخص، فى حالة «كارثية» هذا الصيف، وبوقف إطلاق النار هذا عادت المساعدات الإنسانية أخيرا، حيث تنص المرحلة الأولى من خطة السلام الأمريكية، على إنشاء ممر إنسانى دولى، تحت سلطة الأمم المتحدة والصليب الأحمر.
 والسؤال الذى يظهر على السطح: هل سيغير اتفاق السلام الوضع الإنسانى؟ وهل ستتمكن من إيصال المساعدات إلى قطاع غزة وبأية كميات؟ وما مقدار المساعدات الإنسانية التى تدخل قطاع غزة حاليا؟
وفقا للأمم المتحدة، فإن المساعدات الحالية، بعيدة كل البعد عن تلبية احتياجات السكان، حيث تمكنوا من إدخال أقل من 20 فى المائة يوميا من عدد الشاحنات التى يجب إرسالها إلى القطاع، فى حين أنه كان يجب إدخال مئات الشاحنات يوميا.
ووفقا لخطة السلام الأولية التى قدمها دونالد ترامب، وقدمها البيت الأبيض فى 29 سبتمبر، فإن الموافقة على الاتفاق، كان من المقرر أن يتبعها دخول مساعدات إنسانية «فورية»، إلى قطاع غزة بكميات «على الأقل»، مساوية لتلك التى دخلت الأراضى الفلسطينية خلال الهدنة السابقة بين الجانبين، أى من 19 يناير إلى 1 مارس، حيث كانت 500 إلى 600 شاحنة تدخل قطاع غزة كل يوم.
وتنص الخطة الأولية للبيت الأبيض، على أن دخول وتوزيع المساعدات سيتم دون تدخل أى من الجانبين.
ما مقدار المساعدات التى يمكن إرسالها؟
تقول الأمم المتحدة، إنها أعدت خطة مفصلة، وقد وضعت مسبقا 170 ألف طن، من المواد الغذائية والدواء وغيرها من السلع، وتخطط لإرسال عدة مئات من الشاحنات يوميا إلى قطاع غزة، لمدة 60 يوما.
وتوفر خطة الأمم المتحدة، مساعدات غذائية لـ 2.1 مليون شخص، ومساعدات غذائية أكثر تحديدا لـ 500 ألف شخص، يعانون من سوء التغذية الحاد، بمن فيهم النساء الحوامل والأطفال، ويشمل التوزيع العينى ودعم المخابز، والمطابخ الجماعية، بالإضافة إلى النقد لـ 200 ألف عائلة لشراء الطعام، وتخطط الأمم المتحدة أيضا، لتوفير خدمات المياه والصرف الصحى لـ 1.4 مليون شخص، وإصلاح شبكة المياه وإزالة النفايات.
وتريد المنظمة أيضا استعادة النظام الصحى المدمر، وتوفير المزيد من المعدات والأدوية، وزيادة عمليات الإجلاء الطبى، ونشر المزيد من فرق الطوارئ الطبية، وتعزيز الرعاية الأساسية، وإدارة قضايا الصحة العقلية وتشمل الخطة إعادة فتح مراكز التعليم المؤقتة لـ 700 ألف طفل. 
وقد تطوعت عدة بلدان أخرى للمشاركة، حيث تريد ألمانيا تنظيم مؤتمر دولى لإعادة إعمار قطاع غزة، وهدفه الرئيسى تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحا، مثل إعادة إعمار إمدادات المياه والطاقة والرعاية الطبية، وتعهدت ألمانيا بتقديم 29 مليون يورو، إضافية كمساعدات إنسانية، والمساعدة فى الدعم الطبى والنفسى للرهائن المحررين، بالإضافة إلى تقديم مساهمات سريعة فى المجال الطبى لتجهيز المستشفيات.
ولهذا تدعو الأمم المتحدة إلى حماية العاملين فى المجال الإنسانى، وقبل كل شىء إلى توفير التمويل الكافى، فحتى الآن تم تمويل ٪28 فقط من الخطة الإنسانية لعام 2025، البالغة قيمتها 4 مليارات دولار، للأراضى الفلسطينية، ولن تكون المساعدات البالغة 170 ألف طن التى وضعتها الأمم المتحدة بالفعل، كافية لتغطية برنامجها الذى يستمر 60 يوما، حيث لن يتم حل هذه المشكلة فى غضون شهرين.
 
الدعم الأوروبى
وبجانب الأمم المتحدة، ستلتزم أوروبا التزاما كاملا بإعادة الإعمار، وستعود إلى العمل بكامل طاقتها بعد نهاية العام، وستقدم أوروبا مساعدات غذائية، ومساعدات إنسانية لقطاع غزة، مع مراعاة الظروف الغذائية والصحية لتلبية احتياجات السكان المتضررين، وقد أعلنت المفوضية الأوروبية، عن مساعدات إنسانية إضافية لغزة، كما أنها ستشارك فى دعم إعادة الإعمار، من خلال تمويل مشاريع لإعادة بناء البنية التحتية والإسكان والمؤسسات العامة، كما أنها تشجع الحوار بين الأطراف لإيجاد حلول شاملة ومعالجة القضية، وأخيرا فهى ستعمل على تحديث وضع اقتصادى جديد فى غزة، وستعزز التجارة والاستثمار فى الأراضى الفلسطينية، وقد أنشأ الاتحاد الأوروبى برامج مساعدات خارجية بما فى ذلك مكتب المساعدات الإنسانية، التابع للاتحاد الأوروبى وصندوق المساعدات الإنسانية الأوروبى، وستواصل أوروبا لعب دور مهم فى إعادة الإعمار.
لن يقتصر دور أوروبا على تقديم الغذاء والدواء والمأوى، ولا دعم جهود إعادة الإعمار فى غزة، إنما ستعمل على دعم عملية السلام، عن طريق دعم الجهود الرامية إلى تعزيز المؤسسات الفلسطينية، وتعزيز الاستقرار السياسى والأمنى فى المنطقة، ودعم الحقوق الفلسطينية عن طريق الاعتراف بحق الفلسطينيين فى تقرير المصير والاستقلال، ودعم إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وتعزيز حقوق الإنسان، والديمقراطية فى فلسطين من خلال دعم الجهود الرامية إلى تعزيز المؤسسات ومشاركة المواطنين.
أما على الجانب الاقتصادى، فستعمل أوروبا على دعم المبادرات الاقتصادية للفلسطينيين، بما فى ذلك تعزيز التجارة والاستثمار فى الأراضى الفلسطينية، والمساعدة فى تطوير القدرات الاقتصادية الفلسطينية، من خلال توفير التدريب والخبرة اللازمة لتعزيز الاقتصاد الفلسطينى، ويأتى التواصل الدبلوماسى، ليشكل أهم جزئية فى التعاون، حيث ستعمل أوروبا على استخدام نفوذها الدبلوماسى لتشجيع الأطراف المتنازعة على احترام اتفاقيات وقف إطلاق النار، والعمل على إيجاد حل سلمى، وكذلك دعم جهود الوساطة الدولية لحل الصراع الإسرائيلى - الفلسطينى بطريقة عادلة ودائمة، باختصار يمكن لأوروبا أن تلعب دورا رئيسيا فى حل القضية الفلسطينية من خلال تقديم دعم شامل ومتعدد الجوانب، بدءا من المساعدات الإنسانية وصولا إلى دعم عملية السلام وتعزيز الحقوق الفلسطينية.
ويريد الاتحاد الأوروبى، أن يلعب دورا فى خطة دونالد ترامب للسلام، وأن يكون جزءا من الهيئة الانتقالية الدولية الجديدة، المزمع إعدادها فى غزة، فأوروبا ترى أن لها دورا مهما، وأنها يجب أن نكون أيضا جزءا من ذلك.
وتجب الإشارة إلى أن الدعم، ليس مقتصرا فقط على دعم الحكومات، أو المؤسسات الدولية، بل إنه يمتد وبشكل أكثر تأثيرا إلى الشعوب، حيث خرج مئات الآلاف فى مسيرات فى أوروبا، دعما للفلسطينيين فى كل من أمستردام وبرشلونة وروما، وكان ذلك بعد أن اعترضت إسرائيل أسطول المساعدات الدولى لفلسطين.
 
اجتماع فرنسى وغضب إسرائيلى
وبعيدا عن تأييد الشعوب لفلسطين، فقد أثار الاجتماع الذى عقد فى باريس، لوزراء من دول أوروبية وعربية لمناقشة «طرق الالتزام الجماعى»، لفترة ما بعد الحرب فى قطاع غزة انزعاج إسرائيل التى تندد بمحاولة تدويل الصراع، وترى فرنسا أن هذا الاجتماع، هو خطوة جديدة فى استمرار جهودها طويلة الأمد لإنهاء الحرب فى غزة وفتح طريق للسلام، كما أن الاجتماع تناول المعايير الرئيسية لفترة ما بعد الحرب، وهى الأمن والحوكمة وإعادة الإعمار.
لكن بالنسبة لإسرائيل، فإنها ترى أن هذه المبادرة للحكومة الفرنسية فى مثل هذه اللحظة الحساسة من المفاوضات، غير ضرورية ومتحيزة، فى حين أن مصادر دبلوماسية فرنسية، أكدت أن وزراء «الخماسى الأوروبى» «ألمانيا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة»، و«الخماسى العربى» «مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وقطر»، بالإضافة إلى وزراء الاتحاد الأوروبى، وكندا وتركيا أظهروا اعتزامهم للمفاوضات الجارية، على أساس الخطة التى اقترحها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
بالنسبة للإسرائيليين، فإن هذا الاجتماع، كان محاولة أخرى من قبل الرئيس ماكرون لتحويل الانتباه عن مشاكله الداخلية على حساب إسرائيل، فى إشارة إلى الأزمة السياسية الجديدة التى غرقت فيها فرنسا، منذ الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء، سيباستيان ليكورنو، ولذلك فهم يرون أنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق فى غزة دون موافقة إسرائيل، إذ إنه لن يتم اتخاذ قرار بدون إسرائيل لأنها لن تقبل تدويل الصراع، لكن برغم كل ذلك، فإن معظم أوروبا مثل إيطاليا وألمانيا وفرنسا بالطبع والعديد من الدول الأخرى مستعدون للنظر فى النشر المحتمل لقوات الشرطة الجديدة فى قطاع غزة، والضفة الغربية، بما فى ذلك المساهمة فى قوة الأمن الدولية، لتحقيق الاستقرار التى توقعتها خطة الرئيس ترامب، كما ترى أوروبا أنها مستعدة للالتزام بضمان نجاح خطة السلام الأمريكية، وأن يصبح الأمل فى السلام حقيقة واقعة، حيث يحتاج سكان قطاع غزة قبل كل شىء إلى فرص سياسية واقتصادية، بالإضافة إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام