رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الخميس 13 نوفمبر 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
وجوه عبر الزمن
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
دائرة الحوار
نحن والعالم
المتحف المصرى الكبير.. عبقرية المكان تتجدد
30-10-2025
|
16:54
عزمى عبد الوهاب
زار «طاليس» أبو الهندسة الإغريقية مصر.. ووضع بعض حساباته الرياضية حول الهرم الأكبر
كان القناصل يقومون بتهريب الآثار على نطاق واسع.. لحساب المتاحف الأوروبية
فى وقت الهيمنة العثمانية على المنطقة العربية.. حمل الرحالة إلى أوروبا كمية ضخمة من البرديات.. وأجزاء من المومياوات
بقيت حدود الدولة المصرية قائمة دون تغيير.. فهى لا تختلف كثيرا عن حدودها فى الألف الثالثة قبل الميلاد
ظل كتاب «وصف مصر» مليئا بالسحر والغموض.. حتى توصل العالم الفرنسى شامبليون إلى فك رموز اللغة المصرية القديمة.. بعد العثور على حجر رشيد
كان الخديو سعيد يهدى أفضل القطع الأثرية إلى الأجانب.. ويذكر لميريت أنه رفض إهداء الإمبراطورة «أوجينى» قطعة كانت تريدها
اكتسبت الحضارة المصرية القديمة نوعا من الغموض الساحر.. ومن أجل حمايتها من لصوص التنقيب أنشئت هذه المتاحف
لا يخلو متحف كبير فى أية دولة من دول العالم، من ركن، يضم جانبا من آثار مصر القديمة، ولا تخلو جامعة عريقة من دراسة ما يطلق عليه «علم المصريات» وفى عدد من مدن العالم تزهو «المسلة» المصرية بشموخها، الصاعد إلى السماء، ويقف الجمهور طوابير تحت المطر لرؤية «رأس نفرتيتى» فى ألمانيا، فهل كان الغرب أكثر احتفاء بميراث مصر القديمة من أبنائها؟ واقع الحال يقول: لا، فهناك مواقف دالة، مسجلة تاريخيا، على جدران المعابد، وفى البرديات.
وفقا لنقش حجرى (اكتشف عام 1881) فإن الأمير الشاب تحتمس فى عام 1440 ق.م كان فى رحلة صيد قرب أهرامات الجيزة، وحين أصابه التعب، تمكنت منه غفوة، تحت رأس أبى الهول، الذى كان جسده مطمورا بالرمال، وقتذاك، وفى المنام طلب أبو الهول من تحتمس أن يزيل الرمال من حول جسده، كى يتنفس بيسر، وقد وعده بأن يجعله ملكا على مصر، وأزال الأمير الشاب الرمال، وعلى نحو ما وعد أبو الهول، أصبح الملك تحتمس الرابع ملكا على عرش مصر.
تقول النقوش أيضا إن الابن الرابع لرمسيس الثاني، عهد إليه بإعادة كتابة أسماء بعض المقابر، بعد أن أصابت عوامل التعرية النقوش الأصلية، التى تحمل أسماء مالكيها، وفيما بعد بدأ الاهتمام الأجنبى المبكر بالآثار المصرية، مع الرحالة اليونانيين والرومانيين القدماء، ويعود أقدم سجلاتهم إلى القرن السادس قبل الميلاد، ففى ذلك الوقت زار "طاليس" أبو الهندسة الإغريقية مصر، ووضع بعض حساباته الرياضية حول الهرم الأكبر، كانت زيارة مصر أمرا تقليديا، فعلها سولون، وأفلاطون، وفيثاغورس، وهيرودوت.
تراجعت الحضارة المصرية القديمة (كما يقال) عام 30 ق.م حين قررت جيوش القيصر الرومانى الزحف نحو مصر، وجعلت منها ولاية، تلبى حاجة روما من المحاصيل الزراعية، فقد كانت مصر سلة غذاء العالم آنذاك، وأهملت الإدارة الرومانية المعابد المصرية، وأساءت إلى الكهنة والمؤسسات الدينية، ومع دخول العرب مصر، تعرضت البلاد لموجة جديدة من عدم الاهتمام، كان أكثرها سوءا ما شهدته الآثار قرب القاهرة، فقد جرى تفكيكها، واستخدام صخورها فى بناء القنوات المائية والمساجد، وتدعيم جدران المدينة (القاهرة).
فى وقت الهيمنة العثمانية على المنطقة العربية، حمل الرحالة إلى أوروبا كمية ضخمة من البرديات، وأجزاء من المومياوات، لكن أول دراسة عن الرموز الهيروغليفية، نشرت عام 1643 وفى الوقت نفسه راجت تجارة المومياوات، وكان القناصل يقومون بتهريب الآثار على نطاق واسع، لحساب المتاحف الأوروبية، لتصبح هذه الآثار نواة، قامت عليها متاحف أوروبية عديدة.
فى عام 1798 كانت دراسات الحضارة المصرية القديمة، على موعد مع مرحلة جديدة على يدى نابليون بونابرت، فبالإضافة إلى 40 ألف جندى كانوا قوام حملته العسكرية على مصر، جلب معه لجنة علمية متخصصة، مؤلفة من 150 عالما فى مختلف التخصصات، من الجغرافيا إلى الجيولوجيا والتاريخ والنباتات والطب واللغويات والحيوان، وكان بحوزتهم مكتبة شاملة، تضم كل ما نشر عن مصر، فضلا عن المطبعة، وتأسيس المجمع العلمى المصرى.
بعد ذلك بسنوات وضعت المسلة الكبرى فى ميدان الكونكورد، ما يشهد على "ولع فرنسى بمصر" حسب تعبير "روبير سوليه" وقد انبهر الفرنسيون بتلك الحضارة، حينما شاهدوا معابدها، وظل كتاب "وصف مصر" مليئا بالسحر والغموض، حتى توصل العالم الفرنسى شامبليون إلى فك رموز اللغة المصرية القديمة، بعد العثور على حجر رشيد، وقام "محمد على" والى مصر آنذاك، بإهداء مسلتى الأقصر إلى فرنسا، ومنذ ذلك الوقت أخذ الاهتمام بالحضارة المصرية بعدا آخر، فقد ولد علم جديد هو علم المصريات.
اتخذ حاكم مصر "سعيد باشا" خطوات للسيطرة على عملية التنقيب عن الآثار، بهدف منع تهريب القطع الأثرية، فأسس فى عام 1858 هيئة الآثار المصرية، تحت إدارة الفرنسى "أوجست ميريت" (1821 - 1881) وكانت هذه الخطوة بداية لعصر جديد فى الكشف عن الحضارة المصرية، ولعل واحدا من أهم إنجازات ميريت تأسيس المتحف المصرى فى عام 1863 وهو أول متحف وطنى فى الشرق.
رغم تأسيس هيئة الآثار فإن ذلك لم يحم الأثر، فقد كان الخديو سعيد يهدى أفضل القطع الأثرية إلى الأجانب، ويذكر لميريت أنه رفض إهداء الإمبراطورة "أوجينى" قطعة كانت تريدها، وفيما بعد سمح فقط بمنح القطع الأثرية، التى توجد منها نسخ مكررة، إلى الضيوف الكبار وبعثات التنقيب، وأحيانا كان يسمح ببيع الفائض بأسعار زهيدة، للعاملين فى الحفر والتنقيب.
يقول البعض - كما أشرنا من قبل - إن الحضارة المصرية القديمة، أو تراجعت تماما، لكن هذا لا يتناسب وحجم المظاهر العديدة للثقافة المصرية،التى لا تزال مستمرة إلى اليوم، قد يقال إن هناك تحولات ما، فقد قاومت مصر فترات من اللامركزية والغزو الأجنبي، ممثلا فى الاحتلال على يدى الهكسوس والفرس والآشوريين والإغريق والرومان، وبقيت حدود الدولة المصرية قائمة دون تغيير، فهى لا تختلف كثيرا عن حدودها فى الألف الثالثة قبل الميلاد، وظلت هكذا فى العهدين المسيحى والإسلامي، ولم يحدث انفراط فى عقد الدولة، يمكن مقارنته بانهيار الدولة فى روما القديمة.
طالت المقدمة التاريخية قليلا، لكنها كانت ضرورية حتى نقف على اللحظة الراهنة، فاليوم يحلو للمسئولين المصريين، فى بداية العقد الثالث من الألفية الثالثة، أن يقولوا إنهم يقدمون "المتحف المصرى الكبير هدية مصر للإنسانية والعالم"، حيث يشكل المتحف مجمعا أثريا وثقافيا وبحثيا وعلميا عالميا، فهو أكبر من كونه متحفا، بل قبلة للباحثين من كل أنحاء العالم لدراسة التاريخ والحضارة المصرية، ولذا كان إنشاؤه حلما كبيرا بدأ فى عام 2002 .
فى وداع الملك
يعود كثير من المصريين بالذاكرة إلى منتصف ليلة من ليالى عام 2006 حين لم تنم مصر، ففى مشهد تابعه العالم، نقل تمثال رمسيس الثانى (يصل وزنه إلى 83 طنا) من باب الحديد بالميدان، الذى يحمل اسم ذلك الملك المصرى الأسطوري، إلى نقطة انطلاق التاريخ، بجوار الأهرامات فى الجيزة، حيث تقرر فى 25 يناير 2018 نقل التمثال إلى المتحف المصرى الكبير، الذى كان تحت الإنشاء آنذاك.
كان من الممكن تقطيع التمثال حتى يسهل نقله، مثلما حدث من قبل، حين تقرر أن يوضع فى ميدان رمسيس، مشهد التمثال واقفا على عربة نقل كبيرة مكشوفة، تقطع الطريق إلى المتحف، كان يبعث الفخر والمهابة فى نفوس المصريين، الذين اصطفوا على جانبى الشارع، وكأنهم يودعون ملكا، يحكمهم الآن، وامتدت الرحلة من بعد منتصف الليل إلى الصباح، حيث ظل المصريون فى الشوارع، فى انتظار أن يطل الملك عليهم، ليرفعوا أيديهم له بالتحية.
كانت الوجهة النهائية للملك الذى انتصر على الحيثيين فى معركة قادش، وعقد أول معاهدة سلام فى التاريخ 1259ق م حيث يقع المتحف المصرى الكبير على أول طريق مصر إسكندرية الصحراوي، بالقرب من أهرامات الجيزة، وقد أقيم المتحف على مساحة 117 فدانا، ويضم روائع الآثار فى الحضارة المصرية، وتبدأ من عصر الدولة القديمة، ثم الوسطى، ثم الحديثة (العصر اليونانى والرومانى).
الدرج الأعظم
حط الملك المصرى القديم رمسيس الثانى رحاله، فى مكان يسمى "الدرج الأعظم"أو "البهو الرئيسي"ليكون فى استقبال زوار المتحف الكبير، ويحتوى هذا الدرج على 60 قطعة أثرية من القطع الثقيلة، يصل وزن بعضها إلى 35 طنا، وكل أثر يخضع لمعايير علمية ودولية فى التحكم البيئي، سواء درجات الحرارة، أم نسبة الرطوبة، أم الإضاءة.
يضم الدرج - إلى جانب تمثال الملك رمسيس الثانى - تمثالى الملك سنوسرت اللذين كانا معروضين بحديقة متحف التحرير، بوسط القاهرة، ورأس بسماتيك الأول، وعامود مرنبتاح، ويحتوى الدرج على 108 درجات، بارتفاع 26 مترا، عن الأرض، ما يقارب ارتفاع عقار، مكون من 9 أدوار، يعرض عليها أكبر القطع الأثرية بالمتحف، ويوجد به أربعة مستويات للدخول.
فى مشهد ينتهى بالأهرامات يأخذك الطريق من فوق الدرج العظيم بالمتحف، وكأن ملوك الفراعنة فى استقبالك، فى عرض من أهم العروض المتحفية، ويتكون من سلالم تؤدى إلى واجهة زجاجية، تطل على الأهرامات، ويركز سيناريو العرض المتحفى للدرج العظيم، على الملوك والآلهة، ويضم تماثيل ضخمة، وهو بمثابة طريق صاعد، كالطرق التى صنعها المصريون القدماء، لتمهيد بناء معابدهم وأهراماتهم.
طبقا لسيناريو العرض المتحفي، فإن الدرج يحتوى أربعة موضوعات رئيسية، الأول: الهيئة الملكية، وذلك من خلال عرض مجموعة متميزة من تماثيل الملوك، التى مرت بمراحل تطور وتغيرات، شهدها الفن الملكى فى مصر القديمة، وبالرغم من ذلك من السهل التعرف إلى سمات الملوك، من خلال ملامحهم فى التماثيل.
الموضوع الثانى يخص"أماكن العبادة" وكانت مسئولية بناء المعابد، تقع على عاتق الملك، وتؤول إليه شئون صيانة مرافق المعابد، وقد خصصت المعابد الجنائزية للملوك بعد وفاتهم، وكل معبد بمثابة السكن الخاص بالمعبود، فروحه تكمن فى التماثيل الموضوعة أمام المعابد، حسب اعتقاد المصريين القدماء.
كان الملك حلقة الوصل بين المعبودات والبشر، ومركز الوجود كله، باعتباره ممثلا للمعبود على الأرض، وكان مسئولا عن حكم مصر، والحفاظ على أمن واستقرار الدولة وتأمين حدودها، وفى هذا الجزء تعرض مجموعة من التماثيل، وكان الموت عند قدماء المصريين بوابة المرور إلى العالم الآخر، حيث البعث والحياة الأبدية؛ لذا اهتم الملوك فى مصر القديمة بالحفاظ على أجسادهم بعد الوفاة، ودفنوا إما فى الأهرامات أو المقابر الملكية، وفى هذا الجزء تعرض مجموعة من التوابيت الملكية.
المسلة المعلقة
لم يقتصر استخدام المسلات كأشكال زخرفية فقط، بل كعلامات لتحديد الطرق والنقاط الأقصر للوصول من مكان إلى آخر، أو لتخليد ذكرى ما، يكون لها فى الوقت نفسه معنى خفي، وكان هناك خلط بين المسلة والهرم فى فرنسا فى عصر نابليون، ويصح القول إن هذين الأثرين كانا متقاربين شكلا، لكن المسلة كانت مبهرة بنقاء خطوطها وحالتها الهندسية التجريدية، أو حالتها العملية، فهى يمكن تصنيفها كنصب تذكاري، يمكن كتابة نصوص أو رسوم عليها، بشكل أيسر من الكتابة على أدوات أخرى.
كان المصريون القدماء، وفق معتقداتهم، يرون أن الشمس تسطع على قمة المسلة، لتضىء العالم كل يوم عند الفجر، فكانت المسلة تأخذ طاقة الكوكب، وربما تمثل شعاعا متحجرا، وكانوا يرون أن فيها مثالا للأرض الأولى، التى بدأ عليها الخالق فى شكل نور، لحين إنهاء عملية الخلق، وكانت المسلة بساقها التى تربطها بالأرض، وبهريمها اللامع المرتفع فى السماء، تقوم بالربط بين العالم الأرضى، والعالم الإلهي.
بذلك تكتسى المسلات أهمية كبرى فى التاريخ المصرى القديم، ولا بد أن تحتل مساحة تليق بها فى المتحف المصرى الكبير، ولذا نقلت ثلاث مسلات من منطقة صان الحجر بالشرقية (إحدى محافظات الوجه البحرى) اثنتان منها اتجهتا إلى العاصمة الإدارية الجديدة، والثالثة وهى خاصة بالملك رمسيس، كانت من نصيب المتحف الكبير (يبلغ ارتفاعها 18 مترا) ويطلق عليها اسم المسلة المعلقة، وتقع خارج المتحف، أمام المدخل الرئيسى فى ميدان مساحته 30 ألف متر.
وعند نقل المسلة إلى المتحف الكبير، فوجئ المسئولون أثناء المعاينة بوجود "الخرطوش" فى القاعدة من الأسفل، "الخرطوش" دائما يكون فى برواز، أسفل الأثر، مكتوب فيه اسم الملك، ونبذة عنه، وعن إنجازاته، والحقبة التاريخية التى ينتمى إليها، ويكون بمثابة ختم ملكى لملوك مصر القديمة.
قال المتخصصون إن الملك رمسيس كان يقوم بحفر اسمه من الأسفل، لأن الملوك فى الماضى كانوا يقومون بنقش أعمالهم على جدران المسلات، لتخليد إنجازاتهم، ويأتى ملك آخر ليزيل "الخرطوش" الخاص بالملك الذى سبقه، وكان الملك رمسيس شديد الوعى بذلك، فقرر أن يقوم بنقش "الخرطوش" الخاص به، ووضعه فى كعب المسلة، وهذا الجزء مدفون فى الأرض، لن يراه أحد من الزائرين، من هنا أتت فكرة وضع تصميم هندسي، يتيح لكل من يمر بالمتحف،أن يراه من خلال الأعمدة، التى تحمل المسلة،على ارتفاع ثلاثة أمتار.
يحيط بالمتحف 100 ألف متر من الحدائق والمساحات الخضراء، مزروع بها أهم النباتات العطرية والأشجار والفاكهة المصرية، التى زرعها المصرى القديم، مثل "الرمان والتوت والبلح" فزراعة هذه الأنواع لها فلسفة فى التصميم الجديد للمتحف، وحين يدير الزائر ظهره لتلك الحدائق، يرى فى مرمى البصر، أكثر من سبعة مداخل للمتحف: الأول مخصص لكبار الزوار، والثانى للسائحين، والثالث للمنطقة التجارية، والرابع خاص بالموظفين، ومن يديرون المتحف، والخامس خاص بدخول القطع الأثرية، والسادس والسابع مدخلان للطوارئ.
يصل ارتفاع المبنى إلى 46 مترا، وجميع الأنظمة الخاصة بالصيانة، تم تنفيذها مع عملية الإنشاء، فمنذ شهر يوليو 2017 انتهى هيكل المبنى وتغطية السقف، ومرت أعوام، شهد خلالها المكان تأثيرات مناخية مختلفة، ما أتاح أن يكون هناك نظام خاص بتصريف المطر، إذا ما تساقط أو تجمع فى باحات المتحف، وتوفير أوناش مصممة خصيصا لتنظيف الواجهات المائلة أو الزجاجية، وهناك معدات خاصة أيضا بتغيير وحدات الإضاءة.
قناع الملك الذهبي
ينقسم المبنى إلى ستة أجزاء، اثنان منها يخصان قاعة الملك توت عنخ آمون، التى تحتوى على 5600 قطعة من كنوزه، مجتمعة لأول مرة تحت سقف واحد، وهى تنقسم إلى قاعتين، مساحة كل واحدة منهما 7 آلاف متر، ونقلت العجلة الحربية الأخيرة للملك أربعة صناديق، تم فكها ونقلها إلى معامل الترميم، وكانت عملية النقل شديدة التأمين والحرص، فهذه القطع يتجاوز عمرها 4500 سنة، وهناك سيناريو خاص بعملية الفك والتركيب، تم الاتفاق عليه مع الجانب الياباني، المشارك فى إنشاء المتحف، ووضعت خطة دقيقة لذلك من خلال المرممين.
ضمن مقتنيات الملك توت عنخ آمون بالمتحف المقاصير والتوابيت الذهبية، التى مثلت التحدى الأكبر فى مراحل النقل والترميم، لتفاصيلها المعقدة فى التركيب، وتعرض لأول مرة داخل المتحف على مساحة 7500 متر، بعد تجميعها من أماكن مختلفة: من المتحف المصرى فى ميدان التحرير، وكان يضم 2006 قطع، على مساحة 700 متر، إضافة إلى العجلة الحربية بالمتحف الحربي، و200 قطعة أخرى للملك فى الأقصر، تم تجميعها داخل المتحف، ولم يبق سوى 220 قطعة، أشهرها القناع الذهبى الخاص بالملك توت عنخ آمون، والتابوت المذهب، ووزنه 114 كيلوجراما، والتابوت الأوسط، وكرسى العرش، وبعض الحلي، وهى بحالة جيدة، وسوف يتم نقلها قبل موعد الافتتاح، بوقت كاف.
فى كتابه "توت عنخ آمون ملك الملوك" يتحدث زاهى حواس عن عصر مصر الذهبى أثناء حكم الأسرة الثامنة عشرة، بالإضافة إلى حياة الملك الشاب وأهم مقتنيات مقبرة توت عنخ آمون، حقيقة لعنة الفراعنة وأهم رحلات توت عنخ آمون والكشف عن أسرة الملك الذهبي.
يؤكد المؤلف أن هذا الكتاب يعتبر من الكتب المهمة التى يمكن أن تقدم لعاشقى حضارة مصر الفرعونية، خاصة أن هذا الكشف هو أهم كشف أثرى حدث فى القرن العشرين، ولا يزال توت عنخ آمون يبهر العالم كله.
الكشف عن مقبرة الملك الشاب توت عنخ آمون حظى باهتمام كبير، لأن المقبرة هى الوحيدة التى كانت سليمة بجميع محتوياتها وقد عثر بداخلها على 5398 قطعة أثرية من ملابس ومجوهرات وأثاث، وأسلحة وعجلات حربية وقناع ذهبي، وكرسى العرش.
ويضيف حواس أن "لعنة الفراعنة" ما هى إلا قصص وروايات تعد خيالًا علميًا مثل تلك القصص التى تحكى عن دراكولا وفرانكشتاين، ومثل هذه القصص ظهرت لأول مرة بعد الكشف عن مقبرة توت عنخ آمون، فعندما مرض اللورد كارنوفان الإنجليزى الذى قام بتمويل الكشف عن المقبرة، انتشرت قصة اللعنة بواسطة الصحافية الإنجليزية ماريا كوريلا، التى اخترعت اسم لعنة الفراعنة.
يتحدث حواس عن أسرة الملك الذهبى ويقول إن هناك بعض العلماء الذين يعتقدون أن أخناتون هو والد الملك توت عنخ آمون، كما يتناول موضوع موت الملك توت، الذى يؤكد فيه أنه مات مقتولا، وذلك لوجود فتحة خلف رأس الملك جعلت البعض يشير إلى أن هناك شخصًا ضربه على رأسه فقتله.
هناك جزء خاص بعرض القطع الضخمة ثقيلة الحجم، وهذا الجزء مفتوح على مثلث كبير، يصل طول ضلعه إلى 200 متر، موضوع عليه أكبر القطع، بداية من تمثال رمسيس الثاني، وصولا إلى كل القطع فى الحقب المصرية المختلفة، ويصل عددها إلى 87 قطعة، و8 قطع بالبهو، بخلاف ميدان المسلة المعلقة، الذى تمت إضافته بالبهو الخارجى للمتحف، وبقية الأجزاء تمثل القاعة الأساسية للعرض، وتحتوى على 25 ألف قطعة، وهناك قاعة للعرض المؤقت للقطع، التى تمثل مصر فى المعارض الخارجية، ووضع قطع بديلة لها، وتم اختيار تلك القطع بدقة، من خلال لجنة علمية متخصصة فى العرض المتحفي.
مركز الترميم
يضم المتحف المصرى الكبير 17 معملا للترميم، منها سبعة معامل أساسية، وبداخل المعامل تستقر القطع المنقولة إليه، لإعادة ترميمها، وتأهيلها من جديد، لاستقبال الزوار، ويتم تجهيز الآثار بداية من العصور الأولى، أو ما قبل الأسر الملكية، حتى العصر اليونانى والروماني، ويختص المعمل بصيانة الأثر غير العضوي، سواء كان فخارا أم زجاجا أم خشبا، وتبدأ مرحلة الصيانة والحفاظ على حالته الطبيعية، فمجموعة توت عنخ آمون كانت غارقة فى المياه الجوفية تحت الأرض،وتم ترميمها داخل هذا المعمل، بحيث تعود،لحالتها الأولى، التى كانت عليها منذ آلاف السنين.
هناك أيضا ستة مخازن مصممة على أحدث التقنيات، لتستوعب أكثر من 50 ألف قطعة، والغرض من إنشائها، استمرار عمل مركز الترميم، الذى يضم نخبة من المتخصصين على مستوى العالم، فالمركز يستقبل الآثار من أنحاء مصر، وفى معمل ترميم القطع الثقيلة، تأتى الآثار فى معظمها من الوجه القبلى وبعضها من الوجه البحري.
فى معمل الأحجار والنقوش الجدارية، يقوم الفنيون بالتوثيق والتصوير، وفحص القطعة بجهاز البخار، وتنظيفها بمواد كيماوية، والتعامل معها بشكل علمي، حسب طبيعة كل أثر، سواء كان جيريا أم رمليا أم ملونا، ويقع مركز الترميم على مساحة 32 ألف متر، وهو موجود تحت مستوى سطح الأرض بـ10 أمتار تقريبا، وتم إنشاء نفق ما بين المركز والمتحف، يتم من خلاله نقل الآثار بشكل آمن بطوله 300 متر.
يضم المركز عدة معامل يتم فيها ترميم مختلف أنواع الآثار، وإعادتها لشكلها الطبيعي، ويعد واحدا من أكبر مراكز الترميم فى الشرق الأوسط، ويحتوى على معامل متخصصة للفحوص والتحاليل، فهناك معمل لترميم الأخشاب، وآخر لترميم الأحجار، ومعمل لترميم الآثار الثقيلة، وآخر لترميم الآثار غير الثقيلة، ومعمل للآثار العضوية وغير العضوية والبقايا الآدمية.
تحتوى منطقة التجهيزعلى معمل للصيانة الوقائية، ومن أهم هذه المعامل معامل التوثيق، ويوجد بها أحدث الأجهزة لتوثيق الآثار،وكل ذلك يتم من خلال إدارة مصرية متخصصة على أعلى مستوى، يتفرد بها المتحف المصرى الكبير، وتم تدريب العاملين به فى بلدان عديدة منها اليابان وأمريكا.
مراكب خوفو
واجه القائمون على المتحف مشكلة فى نقل مراكب خوفو لعرضها بالمتحف، لكنهم تغلبوا عليها، فأثناء دراسة المبنى الخاص بمراكب الشمس أو خوفو، كان هناك تخطيط مبدئي، وضع من خلال المصمم، ليعرض داخل القاعة الرئيسية بالمتحف، لكنه لم يفكر: كيف يعرض بهذا الحجم، فطول المركب يصل إلى 44 مترا، وارتفاعه 8 أمتار، وارتفاع أى شخص طبيعى 170 سم، وبالتالى نحتاج إلى رؤية مختلفة للمركب فى عدة مستويات.
من هنا جاءت فكرة تصميم مبنى خاص، ليضم المركبين الأول والثانى فيما بعد، وأن يتم تصميم متحف مستقل للمراكب، وأن يشرف هذا المبنى على بهو تمثال الملك رمسيس الثاني، ويرى الزائر من البهو مبنى مراكب الشمس، الذى يطل فى اتجاه الشرق.
كانت الحالة الأثرية لمركب خوفو الثانى سيئة، لوجود مياه بجسمه فى الأسفل، فقد قام المصريون القدماء بتغطية حفرة المركب، بقطع حجرية، يصل وزنها إلى 11 طنا، وطول الحفرة التى يوضع بها المركب 50 مترا، وحدثت أضرار جسيمة بالخشب، فطرحت فكرة نقل المركب الأول إلى المتحف، وأتوا بشركات عالمية، لتقوم بعملية النقل منذ 13 عاما، لكن الفكرة باءت بالفشل، لأن الجميع رفض، خوفا من عملية النقل نظرا لحالتها السيئة.
نجح المرممون المصريون مع الجانب اليابانى فى ترميم 900 قطعة من أصل 1260 قطعة خشبية، كما تم استخراج حوالى 1060 قطعة، ففى مركز الترميم، تم تجميع الـ 900 قطعة، وعرضها داخل المتحف المخصص لعرض مراكب الشمس، بعد الانتهاء من عمليات ترميمها وتجميعها.
حائط الأهرامات
هناك أيضا "الحائط الجداري" أو حائط الأهرامات، وتتجاوز مساحته 22 ألف متر، ويتكون من سبعة أهرامات، ويشمل الحائط على ضلعين فى اتجاه الشرق، بطريق الإسكندرية، والثالث من ناحية الشمال، وهو خاص بالواجهة الزجاجية، ورقم سبعة له مدلول نفسى وديني، فى الحضارة القديمة، كما أن الحائط مكون من الزجاج، ليكون نافذة على العالم، للتأكيد من خلاله على دور مصر، فهى منبع الحضارات، التى بدأت من الجنوب للشمال، وانتقلت إلى الغرب، الذى طورها، مؤكدا على استمرارية هذا الدور، من خلال ذلك المشروع الكبير.
"تم تنفيذ هذا الحائط فى ثلاثة أشهر، من خلال شركة مصرية، وقد جرى ذلك بطريقة بالغة التعقيد، لأنه لا يوجد ضلع أو زاوية مثل الأخرى، فهناك فراغات بين القطع، ولا تعتمد كل قطعة على سابقتها فى التركيب، فمن الطبيعى أن يتم التركيب من أسفل إلى أعلى، و الرخام له طريقة ميكانيكية واحدة فى العالم كله، لكن ما نفعله هو خلاف ذلك، لنؤكد فلسفة الإنشاء الخاصة والفريدة بتصميم المتحف، وهناك تأمين كامل بكل قطعة، ففى حالة الصيانة يتم التعامل مع كل واحدة على حدة بمنتهى السهولة."
"كانت الميزانية المبدئية لتنفيذ الحائط 200 مليون دولار، وكانت هناك حاجة إلى ما يزيد على 29 ألف متر من الرخام المستورد، وتم توفير 180 مليون دولار من المبلغ الخاص بالحائط، الذى نفذ بأياد مصرية، فالتصميم الأصلى للحائط يبعد 17 مترا عن مبنى المتحف، جرى تعديله ليكون جزءا من تصميم الواجهة، وليس مجرد حائط بعيد عن المتحف، وأصبح هو الواجهة الرئيسية للمشروع، واستخدم فى تنفيذ تلك الرؤية خامات محلية".
شعار المتحف
وقع الاختيار على شعار المتحف، من خلال لجنة علمية كبيرة، كانت تضم 17 أستاذا من المتخصصين فى هذا المجال، وصمم الشعار فنان هولندى من أصل لبناني، ويمثل الشعار التخطيط الأفقى للمتحف، الذى تنفرج جوانبه، لتطل على الأهرامات، ويأخذ الشعار اللون البرتقالى، الذى يعكس اللون الذى تضفيه الشمس على هضبة الأهرامات، ساعة المغيب، أما كتابة اسم المتحف بخط عربى انسيابي، فقد استلهمه الفنان من الكثبان والتلال الرملية للبيئة المحيطة، وجميع الإرشادات فى المتحف مكتوبة بثلاث لغات: العربية والإنجليزية والهيروغليفية.
فجر الشعار خلافا حادا بين الخبراء، فاعترض البعض على بساطته وألوانه، فيما رأى آخرون أن استخدام شكل هندسى بسيط للشعار، يشبه كثيرا شعارات المتاحف الكبرى فى العالم، ومن المقرر أن يستوعب المتحف المصرى الكبير5 ملايين زائر سنويا، قابلة للزيادة تدريجيا، ولذا فإن يوما واحدا لا يكفى للإلمام بكل ما فى المتحف من تفاصيل، ويعد هذا المتحف أول متحف أخضر فى أفريقيا والشرق الأوسط.
نظرية المثلثات
يضم المحيط الخاص بالمتحف مساحات، تشمل فرصا استثمارية واعدة، متمثلة فى مركز للمؤتمرات، وسينما حديثة، ومحال تجارية، ومطاعم وكافتيريات، وساحات مكشوفة، تصلح لإقامة الفاعليات الثقافية والترفيهية، وهناك مخطط لإنشاء ثلاثة فنادق بالمنطقة، تحت اسم خوفو وخفرع ومنقرع، كل فندق منها له إطلالة على الهرم الخاص به، بالإضافة إلى إنشاء منطقة تجارية ضخمة على مساحة 130 ألف متر.
فى تلك المنطقة يجرى الإعداد لإطلاق أكبر مول تجارى متخصص فى الحرف اليدوية، بخلاف بازارات على مساحة 45 ألف متر، ويكون على اتصال مباشر بالمتحف، بالإضافة إلى ساحة الصوت والضوء الجديدة، وهى الأكبر فى مصر، ومقامة على مساحة 11 فدانا، وبها مسرح يسع 10 آلاف متفرج، ليشاهد الزوار الأهرامات الثلاثة، أثناء العرض، ويتم استغلال هذه الساحة فى الأنشطة الثقافية.
نظرا لوقوع المتحف أمام أهرامات الجيزة، تم تصميم الواجهة على شكل مثلثات، تنقسم إلى مثلثات أصغر فى إطار رمزى للأهرامات، وذلك طبقا لنظرية رياضية لعالم بولندي، تتحدث عن التقسيم اللانهائى لشكل المثلث، وتحتل المبانى مساحة 100 ألف متر، من ضمنها 45 ألف متر للعرض المتحفي، والمساحة المتبقية تضم مكتبة متخصصة فى علم المصريات، ومركزا للمؤتمرات، ومركز أبحاث، وسينما ثلاثية الأبعاد، وأماكن مخصصة لخدمة الزائرين، مثل المطاعم، ومحال بيع المستنسخات والهدايا، ومواقف انتظار السيارات.
قاعات العرض الرئيسية يبلغ عددها 12 قاعة ، تبدأ من عصر ما قبل الأسرات إلى العصر اليونانى الروماني، وتحكى عن أنشطة الحياة اليومية؛ سواء فى الزراعة أم الصناعة، إلى جانب الحديث عن الحياة الأخرى فى مصر القديمة، كما أن القاعات الرئيسية مجهزة على أعلى مستوى، فى العرض المتحفي، ومن المقرر أن تستمر احتفالات الافتتاح 12 يوما، تبدأ باليوم الأول الذى يحضره قادة العالم من الرؤساء والملوك وكبار المسئولين، وتم تشكيل لجنة عليا للإعداد والإشراف على الاحتفالية، ويعرض خلال أيام الافتتاح فاعليات مختلفة، منها أوبرا خاصة بالملك توت عنخ أمون.
يقال إن المصرى القديم، كان يضع بابا وهميا فى المقابر، لمواجهة لصوص سرقة الآثار، وهو مماثل للباب الحقيقى للمقبرة الأصلية، ويكون تحت الباب الوهمى بئر عميقة، وبمجرد محاولة اللص فتح الباب الوهمي، يسقط فى البئر، ليدفن فيه، ويكون باب المقبرة الأصلى فى مكان آخر، من هنا اكتسبت الحضارة المصرية القديمة نوعا من الغموض الساحر، ومن أجل حمايتها من لصوص التنقيب أنشئت هذه المتاحف، وعلى رأسها "المتحف المصرى الكبير" هدية مصر للإنسانية فعلا.
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
بعد خطاب زوجته للرئيس ترامب.. هل يصبح «مروان البرغوثى» رئيسًا لفلسطين؟
حضور دولى غير مسبوق فى افتتاح المتحف المصرى الكبير.. العالم يعزف لحنا واحدا
استثمارات وعائدات مالية وفرص عمل.. تحويل التراث الحضارى إلى مورد اقتصادى
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
وجوه عبر الزمن
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
< li>
دائرة الحوار
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام