نحن والعالم



الهوية تتجدد بافتتاح أضخم مشروع ثقافى.. "المتحف المصرى الكبير" قصة وطن يبنى مجده بالحضارة لا بالحروب

30-10-2025 | 16:54
هانى فاروق

فى لحظةٍ تُعيد إلى الأذهان أمجاد الحضارة الأولى، تستعد مصر لافتتاح المتحف المصرى الكبير، أحد أضخم المشروعات الثقافية فى القرن الحادى والعشرين، ليقف شامخًا عند أعتاب الأهرامات شاهدًا على عبقرية الإنسان المصرى وقدرته على وصل الماضى بالحاضر، وصنع المستقبل من عبق التاريخ.
إنه ليس مجرد متحفٍ لحفظ الآثار، بل رسالة حضارية وسياسية واقتصادية تؤكد أن مصر لا تزال منارةً للعالم،تُعيد صياغة مفهوم القوة الناعمة وتضع الثقافة فى قلب مشروعها الوطنى لبناء “الجمهورية الجديدة”.
وفى الوقت الذى تشتعل فيه الصراعات من حولنا، تُقدّم مصر نموذجًا مغايرًا - تبنى لا تهدم، تُعيد إحياء ذاكرة الإنسانية بدلًا من طمسها، وتفتح أبوابها للعالم كى يشهد على قصة الخلود المصرية التى بدأت منذ فجر التاريخ ومازالت تُكتب بحروفٍ من نور.
من هنا، تأتى كلمات الشخصيات الوطنية، التى رأت فى هذا الحدث لحظةً فارقة، تتجاوز حدود الثقافة لتُعبّر عن رؤية الدولة المصرية الحديثة، وعن فلسفة القيادة السياسية فى استعادة الهوية وتعزيز مكانة مصر الدولية.
تصريحات الوزراء، والمفكرين، والمبدعين، والبرلمانيين، التى نعرضها فى هذا الملف، ليست مجرد انطباعات شخصية، بل لوحة وطنية متكاملة تبرز كيف يرى المصريون متحفهم الكبير: جسرًا بين التاريخ والمستقبل، بين الهوية والانفتاح، بين السلام والتنمية.
 
د. محمود مسلم: هذه مصر التى نريدها
محظوظ هذا الجيل، إنه يحلم ويرى حلمه واقعًا، يسير بجد على طريق العمل والكفاح، وتأتيه النتائج فورية، بخلاف أجيال سبقت، عملت من أجل غيرها، ولعل فى انتصار أكتوبر خير دليل، نحن نعيش فخر ما صنعه الآباء حتى الآن، لكن أبناءنا يعيشون فخر ما صنعناه بأيدينا وشاركونا صناعته.
فى عالم عنوانه الصراع والحروب، مصر تنتصر.. للسلم أولًا، للحضارة والتاريخ، لقيمة تعيش أكثر مما يعيش أصحابها، فتكتب المجد لاسم مصر العظيم، الذى هو عنوان أقدم حضارة فى العالم، توقف الملايين أمامها مبهورين قبل سنوات، فى افتتاح متحف الحضارات، لقد صنع المصريون وقتها ملحمة فى كل التفاصيل، ولولا كورونا  الوباء العالمى الذى أحاط العالم بالرعب، لكان شهد افتتاح متحف الحضارات توافد العالم كله إلى مصر لتسجيل هذه اللحظة فى تاريخهم.
الآن نحن فى أهم لحظات تاريخنا الحديث، لقد توقفت عجلة الحرب فى غزة، بسعى من مصر وجهد من أبنائها وقياداتها، وهو ما يجعل الاحتفال بافتتاح المتحف المصرى الكبير له طعم ومذاق آخريان، وفى الوقت الذى ينظر فيه البعض لحفل افتتاح المتحف باعتباره حدثًا ثقافيًا، أرى أنه تجاوز هذه القيمة بمراحل، قل عنه حدثًا تاريخيًا، سياسيًا، ثقافيًا، حضاريًا، واجتماعيًا واقتصاديًا، حدث يلخص ما نحن فيه الآن. هذه هى مصر التى نريدها، التى ينتظرها العالم ويستقبلها قبلته.
سياسيًا: كل هؤلاء الزعماء والرؤساء والملوك والشخصيات الدولية على أرض مصر بعد أسابيع من اتفاق شرم الشيخ للسلام لإنهاء الحرب.
حضاريًا: نحن نثبت أننا مهد الحضارة وأرضها الخصبة يومًا بعد يوم، منذ افتتاح متحف الحضارات وبعده افتتاح طريق الكباش، ثم الآن بأكبر متحف على مستوى العالم.
اقتصاديًا: نحن نقول إننا نبنى ونطور، وينعكس هذا على البنية التحتية وعلى السياحة وعلى جميع المجالات التى ستشهد تطورًا بفضل المتحف المصرى الكبير.
اجتماعيًا: نحن فرحون وفخورون بما أنجزته أيادى المصريين، نقف مثل صاحب البيت الذى ينتظر زواره، نرحب بضيوفنا، ليخرجوا وهم مبهورين بالبيت وأصحابه، بالحضارة وحراسها، بالتاريخ الذى تكتبه مصر بأيدى أبنائها.
 
سها جندى: كنت حجرا صغيرا فى بناء هذا الصرح
إن افتتاح المتحف المصرى الكبير، هو إعادة لصياغة التاريخ بأيادٍ مصرية خالصة، وإعادة لتوضيح الحقائق حول هذه الحضارة العظيمة التى لم تنل بعد ما تستحقه من انبهار العالم، وإعجابه حتى لحظة افتتاح هذا المتحف الفريد. إنه إعادة للتأكيد، بالأدلة الدامغة، على أننا نحن المصريين أحفاد أولئك الأجداد العظام، فالمتحف المصري الكبير يعرض عبقرية حضارتهم وثقافتهم وتاريخهم بلغة العصر، وبأدواته التكنولوجية وفكره الحديث، ليؤكد أن المستقبل لنا كما كان الماضى لهم.
واليوم، أشعر بفخرٍ عظيم لا يضاهيه فخر، لأننى كنت حجرًا صغيرًا فى بناء هذا الصرح الحضارى والتاريخى العالمى، الذي سيبقى خالدًا إلى الأبد شاهدًا على عظمة الحضارة المصرية التى لم يتمكن العلم حتى اليوم من فك كامل أسرارها.
لقد تشرفت، خلال عملى مديرًا لشئون اليابان والكوريتين بوزارة الخارجية المصرية، بالمشاركة مع زملائى فى التفاوض مع الجانب اليابانى والوكالة اليابانية للتعاون الدولى (جايكا) بشأن إنشاء المتحف المصرى الكبير. وكانت اليابان شريكًا أساسيًا صادقًا ومحبًا لمصر وحضارتها، لم ينسَ أبدًا أن مصر كانت كريمة العطاء تجاهه منذ أن استقبلت وفد الساموراى عام 1864، ليستفيد من تجربتها الغنية، وهى التجربة التى أسهمت فى إشعال شرارة النهضة اليابانية الحديثة.
واليوم، وكما هى سنن الحياة وتبادل الخبرات بين الأمم، تستعين مصر بدورها بالصديق اليابانى فى صياغة نهضتها المعاصرة من خلال هذا المشروع الحضاري العملاق: المتحف المصري الكبير.
وأشعر فى هذه اللحظة أننى أود أن أهنئ كل مصرية وكل مصرى بهذا اليوم الذى سيُخلَّد في ذاكرة التاريخ إلى الأبد، وأقول لهم: استمعوا اليوم إلى قصيدة حافظ إبراهيم “وقف الخلق ينظرون جميعًا” التي شدت بها كوكب الشرق منذ عقود، فسيكون وقعها اليوم مختلفًا على مسامع أكثر من مائة وعشرين مليون مصرى.
 
د. مهدى عفيفى: بارقة أمل فى عالم تمزقه الصراعات
المتحف المصرى الكبير، حدث تاريخى بكل المقاييس، فهو أكبر متحف مغلق على وجه الأرض من حيث المساحة والمحتوى، فالمتحف لا يضم فقط كنوزًا أثرية، بل يجسد روح الحضارة المصرية التى ألهمت العالم عبر آلاف السنين.
من خلال خبرتى وسفرياتى الطويلة فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وآسيا، لاحظت أن مصر دائمًا فى وجدان الناس، فطوال أكثر من 40 عامًا لم ألتقِ شخصًا عرف أننى مصرى إلا وأعرب عن رغبته فى زيارة مصر ورؤية الأهرامات ومتاحفها وحضارتها الفريدة.
وهذا يعكس مكانة مصر فى الوعى العالمى منذ القدم وحتى اليوم.
لذلك أرى أن الزخم الكبير المصاحب لافتتاح هذا الصرح العظيم سيكون إضافة هائلة للسياحة المصرية، وسيسهم فى تعزيز صورة مصر الحضارية أمام العالم، وعلى المستوى الشخصي، أنا دائم الدعوة لأصدقائى ومعارفى فى كل مكان لزيارة مصر، وأحرص على أن أكون موجودا دائمًا لتسهيل أى عقبات قد تواجههم، فالكثيرون يشاهدون عن مصر مقاطع وصورًا عبر الإنترنت، لكنها لا تنقل الحقيقة الكاملة لجمالها وعمقها الإنسانى.
وفى عالمٍ تمزقه الصراعات، وفى منطقة ملتهبة مثل الشرق الأوسط، فإن الأحداث الثقافية الكبرى مثل افتتاح المتحف المصرى الكبير تمثل بارقة أمل، وفرصة لتجديد الحوار الإنسانى والحضارى، لذا فإن دعوة القادة والزعماء لحضور هذا الافتتاح التاريخى أمر بالغ الأهمية، فكل شخصية بارزة ستحضر تمثل رسالة دبلوماسية وثقافية لمصر. 
هذا الافتتاح ليس فقط إنجازًا ثقافيًا، بل إضافة حقيقية للاقتصاد المصرى من خلال ما سيولده من استثمارات ضخمة فى قطاع السياحة، إلى جانب التغطية الإعلامية العالمية التى ستجعل من مصر مركز اهتمام دوليا. لقد أن الأوان أن تنال الحضارة المصرية الفريدة ما تستحقه من اهتمام عالمي، وأن تُقدَّم للعالم فى صورتها الحديثة المتطورة كما سيجسدها المتحف المصرى الكبير.
ختامًا، أتمنى لمصر كل التوفيق والتقدم والازدهار، وأن يظل هذا الوطن العظيم فى طليعة الأمم، كما كان دائمًا مصدر إلهامٍ وفخرٍ لكل إنسانٍ على وجه الأرض.
 
ماك شرقاوى: لحظة فارقة
فى عالمٍ يرزح تحت وطأة الصراعات الدولية، وتتصدر أخباره يوميًا لغة النار والدمار والحروب، تقف مصر على هضبة الجيزة  لتجعل الزمن حائرًا أمام لحظة فارقة تفتح فيها أبوابها لأعظم وأقدم حضارة عرفتها الإنسانية، إنه ليس مجرد متحف، بل هرم رابع فى القرن الحادى والعشرين، يحرس أسرار الماضى ويخاطب المستقبل.
مصر تفتتح المتحف المصرى الكبير، لا كاحتفالية شكلية، بل كرسالة قوة ناعمة فى وجه عالمٍ خشنٍ يتعامل بلغة القوة والسلاح، إنها رسالة تقول للعالم: الحضارة هى السلاح الأبقى، وأن مصر التى علمت البشرية معنى المجد، لا تزال هنا، واقفة، شامخة، وملهمة للعالم أجمع.
لا شك أن المتحف المصرى الكبير حدث يتجاوز بكثير كونه افتتاحًا لمشروع ثقافى عالمي، فهو أضخم متحف أثرى فى العالم مخصص لحضارة واحدة، الحضارة المصرية القديمة.
وفى عالمٍ مشغولٍ بالحروب والنزاعات، يأتى افتتاح هذا المتحف كفعلٍ رمزيٍّ عظيمٍ ضد سياق الدمار، يبعث برسالة واضحة للعالم: "نحن هنا… وسنظل هنا".
 رسالة بقاء وخلود من منطقة كثيرًا ما تُصوَّر فى الإعلام الغربى بأنها بؤرة صراع وعدم استقرار، لكن مصر، من قلب التاريخ،  تقول: لقد كنا هنا قبلكم جميعًا، وسنبقى هنا بعدكم جميعًا.
ويأتى هذا الافتتاح فى توقيت بالغ الدقة، فى ظل صراعات المنطقة، وتطورات القضية الفلسطينية، ومساعى القاهرة لإحياء الحوار والسلام.
كأن مصر، وهى تفتتح هذا الصرح، تقدم للعالم وجهها الآخر: وجه الحضارة والتاريخ والسلام، لقد تعاقبت على مصر حضارات كثيرة، الآشورية والفارسية والرومانية والعثمانية، فازدهرت ثم سقطت جميعها، وبقيت مصر الثابت الوحيد.
فمن خلال المتحف المصرى الكبير، تعيد مصر ترسيخ مكانتها كمركز للحضارة الإنسانية، لا مجرد دولة تؤدى أدوارًا سياسية فى محيطها، بل ركيزة أصيلة للهوية والثقافة والإنسانية.
هذه هى رسالة مصر إلى العالم:
نحن هنا لنُلهِم، لا لنتقاتل.
نحن هنا لنبني، لا لنهدم.
نحن هنا لنبقى.
وهى أيضًا رسالة استقرار واستثمار، تؤكد أن مصر بلد آمن جاذب للعالم، بلد يمتلك جذورًا تضرب فى عمق التاريخ إلى مئات الآلاف من السنين.
 
محمد العرابى: قادرون على إدهاش العالم
افتتاح المتحف المصرى الكبير اليوم لن يكون مجرد حدث ثقافى أو تدشين لمتحف جديد، بل لحظة حضارية وإنسانية عالمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فمصر فى هذا اليوم لا تفتح أبواب متحف فحسب، بل تفتح للعالم نافذة واسعة على روحها الخالدة الممتدة عبر العصور، لتقول إنها ما زالت كما كانت دائمًا، حاضرة فى ضمير الإنسانية.
فالمتحف المصرى الكبير ليس بناءً من الحجر والزجاج، بل رسالة حضارية راقية، تُعلن أن مصر لا تعيش على أمجاد الماضي، بل تصنع من تاريخها العريق مجدًا جديدًا للحاضر والمستقبل، فالحضارة الحقيقية - كما تعلمنا من مصر - ليست مجرد آثار تُعرض، بل قيمٌ تُورَّث، ورسالة تُجدد عبر الزمن.
مصر لا تُقاس بمساحتها على الخريطة، بل باتساعها فى وجدان العالم.
وما يحدث عند سفح الأهرامات اليوم ليس فقط حدثًا ثقافيًا أو معماريًا ضخمًا، بل تأكيد جديد على قدرة مصر الدائمة على النهوض والتجدد، مهما واجهت من تحديات.
هذه الأرض تعرف كيف تكتب سطور التاريخ، وكيف تبهر العالم فى كل مرة.
إن المتحف المصرى الكبير بمساحته الهائلة التى تتجاوز نصف مليون متر مربع، وما يضمه من أكثر من مائة ألف قطعة أثرية، يمثل مشروع هوية وطنية متكاملة.
إنه إعادة تقديم لمصر كما ينبغى أن تُقدَّم: دولة عريقة، متجددة، مبدعة، تعرف قدرها ومكانتها بين الأمم.
وفى قلب هذا الصرح يقف الكنز الذهبى للملك الشاب توت عنخ آمون، حيث تُعرض مقتنياته كاملة لأول مرة فى التاريخ، وكأن هذا الملك العائد من أعماق الزمن جاء ليشهد كيف صان أحفاده إرثه العظيم، وكيف حافظت مصر على ذاكرة مجدها بوفاء واعتزاز.
وراء هذا الإنجاز العظيم إرادة سياسية واعية ووطنية صادقة، آمنت بأن مصر تستحق أن تكون فى الصدارة دائمًا.
لقد كان للرئيس عبد الفتاح السيسى القرار الحاسم، والشجاعة فى دفع هذا المشروع إلى الأمام، ليخرج من دوامة التأجيل إلى واقع الافتتاح، مؤكدًا أن الحلم المصرى لا يتوقف مهما كانت التحديات.
المتحف مرّ بسنوات طويلة من العقبات التمويلية والهندسية واللوجستية، لكنه لم يتوقف، لأن خلفه كانت هناك دولة تؤمن بنفسها وبحضارتها.
لقد أثبتت مصر مرة أخرى أن الكبوات مهما طالت لا تُثنيها عن النهوض، وأنها قادرة دائمًا على أن تُدهش العالم كما كانت منذ فجر التاريخ.
المتحف المصرى الكبير ليس مجرد صرح أثري، بل بيان مصرى موجه إلى العالم يقول إن الحضارة هى القوة الأعمق، وإن مصر التى علمت البشرية معنى الخلود لا تزال تكتب فصول المجد بيديها، وتمنح العالم درسًا جديدًا فى كيف تبقى الأمم العريقة قادرة على التجدد والإبهار.
 
 
نهى زكى: هنا أول معاهدة سلام
يقف المتحف المصرى الكبير شامخًا عند أعتاب الأهرامات، ليُجسّد أعظم صور التلاقى بين الماضى العريق والحاضر المشرق، إنه ليس مجرد متحف يضم آثار المصريين القدماء، بل صرح حضارى فريد يجمع بين عبقرية التاريخ وروح الدولة المصرية الحديثة فى عصر جمهوريتها الجديدة، جمهورية تسعى لبناء الإنسان والمكان وتعزيز الهوية المصرية.
فى الوقت الذى يئن فيه العالم من ويلات الحروب والصراعات، تبرهن مصر أن دورها المحورى فى إرساء أسس السلام والاستقرار فى المنطقة على مدار العامين الماضيين، إنما هو امتداد لعراقة الدولة المصرية ودبلوماسيتها الضاربة جذورها فى التاريخ، التى دائمًا ما كانت تدعو للسلام، لا من موقف ضعف، إنما من منطلق القوة التى تفرض السلام وتحميه، حيث خرجت من مصر أول معاهدة سلام عرفها العالم فى عصر الملك رمسيس الثانى.
وكما جمعت مصر قادة العالم فى شرم الشيخ قبل أيام من أجل إرساء السلام، ها هى تجمعهم مرة أخرى ليشهدوا على قصة أعظم الحضارات الإنسانية التى وُلدت فى فجر التاريخ على ضفاف نهر النيل، التى كانت ولا تزال رمزًا للاستقرار والريادة، وليكون المتحف المصرى الكبير هدية مصر للإنسانية، ويؤكد أن الحضارة المصرية لم تكن يومًا منغلقة، بل منفتحة على الثقافات والشعوب، صانعة للسلام لا الحرب، وللإبداع لا الفناء، وتثبت أن هذه الأرض التى علمت البشرية معنى الحضارة، ما زالت قادرة على الإبهار والعطاء، تمد يدها إلى الجميع من أجل مستقبل يسوده السلام والرخاء.
 
نورا على: منارة للهوية
افتتاح المتحف المصرى الكبير يمثل صفحة جديدة فى كتاب الحضارة المصرية الذى لا ينتهى، فهذا الصرح العملاق يأتى تتويجًا لجهود سنوات طويلة، يعكس كيف استطاعت مصر أن توظف تاريخها لخدمة المستقبل، وأن تجعل من الثقافة والسياحة جسرًا للحوار والتفاهم بين الشعوب.
يُعد المتحف مشروعًا وطنيًا شاملًا يجسد رؤية مصر الحديثة فى الحفاظ على تراثها وتقديمه للعالم فى أبهى صورة. ويقدم تجربة متكاملة تحكى قصة مصر منذ فجر التاريخ حتى اليوم، وتبرز عبقرية الإنسان المصرى الذى صنع أول حضارة على وجه الأرض.
هذا المشروع العملاق يؤكد أن مصر تمتلك من القوة الناعمة ما يفوق التوقعات، فحضارتها ليست مجرد تاريخ، بل طاقة متجددة تُلهم العالم وتفتح أبواب التواصل الإنسانى والثقافى، كما يأتى هذا الافتتاح فى توقيت بالغ الأهمية، فى عالم تمزقه الصراعات، لتقدم مصر نموذجًا مغايرًا للقوة، قوة الثقافة والحضارة والسلام, فالمتحف يمثل رسالة اقتصادية وسياحية كبرى، إذ سيغير خريطة السياحة لتصبح قبلة عالمية تضع مصر فى مقدمة الدول التى تمتلك بنية ثقافية وسياحية على أعلى مستوى من الحداثة والتنظيم.
وراء هذا الصرح الكبير تقف رؤية قيادية واضحة وإرادة سياسية قوية جسّدتها توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى بأن يكون المتحف رمزًا لمصر الجديدة، التى تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتضع ثقافتها وتاريخها فى صدارة قوتها الناعمة أمام العالم. وقد جاء تنفيذ المشروع ليثبت أن المصريين حين يؤمنون بفكرتهم، يحولون الحلم إلى واقع مدهش، بمسؤوليتهم تجاه هذا التراث العظيم. فكل حجر، وكل تمثال، وكل قطعة معروضة فيه، تحكى قصة شعبٍ لم يتوقف يومًا عن الإبداع والبناء.
 
مى كرم جبر: المتحف مؤسسة حضارية
إنه لفخر لنا كمصريين أن يرانا العالم، ونحن نحترم تاريخنا وآثارنا ونقدرها حق قدرها، وهذه هى بصمة الرئيس عبد الفتاح السيسى، التى يراها العالم بأكمله، فهو حامى التاريخ والثقافة والهوية المصرية.
إن المتحف مشروع قومى ضخم ومركز عالمى للحفاظ على التراث المصرى وعرض الكنوز الأثرية بأسلوب حديث يجمع بين الأصالة والتكنولوجيا.
ويمثل افتتاح المتحف الكبير لحظة فخر لكل مصرى، ورسالة إلى العالم تؤكد أن مصر ما زالت مهد الحضارات وحارسة التاريخ الإنسانى، فهو ليس مجرد متحف، بل مؤسسة حضارية تُعيد صياغة علاقة الإنسان بالتاريخ والتراث، وتؤكد أن مصر ستظل دائمًا منارةً للمجد والخلود.
 
أميرة العادلى: التاريخ ليس مجرد ذكرى
افتتاح المتحف لحظة استثنائية تختصر فلسفة الدولة المصرية الحديثة: أن تبنى فى زمن يموج بالحروب والدمار، وأن تقدّم للعالم رسالة سلام فى وقتٍ تشتعل فيه الصراعات.
هذا المتحف، الذى يُعد الأكبر فى العالم لحضارة واحدة، هو تجسيد لرؤية مصر الجديدة التى تستثمر فى القوة الناعمة، وتؤمن بأن التاريخ ليس مجرد ذكرى، بل رصيد إستراتيجى يبنى الثقة فى الحاضر، ويمنح الأجيال المقبلة جذورًا وانتماءً ومعنى.
العالم الذى فقد بوصلته الأخلاقية والإنسانية يحتاج إلى مثل هذه النماذج من الإلهام، ومصر، بتاريخها الممتد عبر 7 آلاف عام، تملك القدرة على أن تُذكّر الجميع بما يمكن للحضارة أن تصنعه حين تكون قائمة على العلم والإبداع والتسامح.
إن المتحف المصرى الكبير لا يروى قصة حضارة فحسب، بل يقدم نموذجًا لما يمكن أن تفعله دولة تعرف قيمتها ومكانتها، وتؤمن بدورها الحضاري. إنه إعلان مصرى للعالم بأن السلام هو أعمق أشكال القوة، وأن مصر كما كانت عبر التاريخ ستظل حارسة الهوية الإنسانية وذاكرة العالم.
 
د. خلف الميرى: نقلة نوعية بعد قناة السويس
 
إن افتتاح المتحف يُعد حدثًا عالميًا ويومًا تاريخيًا فى مسيرة مصر بوجه خاص، وفى تاريخ الإنسانية بوجه عام، لما يمثله من نقلة نوعية حضارية فى مسار الحفاظ على التراث الإنسانى وتقديمه للعالم بصورة تليق بمكانة مصر.
هذا الحدث يمثل ثانى نقلة نوعية كبرى لمصر على الساحة الدولية بعد افتتاح قناة السويس فى القرن التاسع عشر، فى 18 نوفمبر عام 1869، من حيث التأثير الحضارى والرمزية العالمية والدلالة على النفوذ والمكانة المصرية،  وكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد، ليجعل من نوفمبر شهرًا مصريًا بامتياز، تتجدد فيه إنجازات مصر الكبرى. لكن اسمحوا لى أن أنظر إلى هذا الحدث من عدة زوايا متكاملة:
أولًا، يأتى الافتتاح بعد سلسلة من الفاعليات الدولية المهمة التى استضافتها مصر، مثل مؤتمر شرم الشيخ للمناخ، ودعوات مصر المستمرة للسلام والحوار بين الشعوب، وذلك يعكس النهج المتوازن الذى اختطه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى السياسة الخارجية، الذى أعاد لمصر مكانتها كدولة إقليمية كبرى لها دور فاعل فى تحقيق التوازن الدولى.
وبالتالي، فإن افتتاح المتحف الكبير لا يمثل فقط حدثًا ثقافيًا أو سياحيًا، بل تجسيد للتكامل بين الدور الحضارى والدور السياسى والدبلوماسى لمصر المعاصرة، ويؤكد أن مصر ما زالت منارة للعالم، تهدى الإنسانية حضارة وسلامًا.
وإذا تأملنا ما حققته مصر خلال العقود الخمسة الماضية، من بناء السد العالي، إلى انتصار أكتوبر، إلى إنشاء محطة الضبعة النووية، والمشروعات القومية الكبرى، سنجد أن المتحف المصرى الكبير هو التحفة الختامية التى تتوج هذه الإنجازات.
 
وليد عونى: رحلة عبر الزمن
 
المتحف المصرى الكبير، أو كما أحب أن أسميه: المتحف العالمى الكبير، ليس مجرد مشروع أثرى ضخم، بل هو رحلة مصر عبر الزمن والتاريخ، ورسالة حضارية تقول للعالم إن مصر لا تزال قادرة على أن تُعيد صياغة معنى الخلود والجمال فى القرن الحادى والعشرين.
نحن اليوم نقف أمام لحظة فارقة فى التاريخ، لحظة تُشبه عبورًا جديدًا بين الماضى والمستقبل.
أتذكر أنه فى مطلع هذا القرن، كانت مصر تحتفل بافتتاح مكتبة الإسكندرية الجديدة فى مشهد مهيب على ضفاف البحر المتوسط، بينما فى الأسبوع نفسه هزّ العالمَ حادث 11 سبتمبر فى نيويورك، كان المشهد رمزيًا للغاية: العالم يهدم، ومصر تبنى كنا نقدم تاريخ الحضارات التى مرّت على أرضنا، من الرومانية إلى اليونانية، بينما كان العالم يدخل مرحلة جديدة من الاضطراب.
خلال 25 عامًا، تغيّر العالم كثيرًا، انهارت قيم، وتبدّلت مفاهيم، حتى الهواء نفسه بدا مختلفًا. رأينا الحروب تتوالى، والثورات تقوم وتخمد، وشهدنا كيف أصبح الشرق الأوسط يغلى بالصراعات، بينما بقيت مصر هى الخط الأحمر، الأرض المحروسة التى لا تُمسّ.
وفى الوقت الذى كانت فيه دول تتهاوى وتسقط، كانت مصر تفتتح قناة السويس جديدة، وتُقيم موكب المومياوات الملكية، فى مشهد أبهر البشرية. لقد كانت رسالة واضحة: هناك من يهدم الماضي، وهناك من يصونه ليبنى به المستقبل.
وفى المقابل، كانت القوى الكبرى تتخبط فى حروبها الباردة والساخنة، بينما الاقتصاد العالمى يتراجع، ومع ذلك، بقيت مصر ثابتة الجذور، متماسكة فى حضارتها، شامخة فى ثقافتها، حافظةً لإرثها الإنساني.
لقد عرف المصرى القديم كيف يجعل من الحجر فنًّا لا يموت، وكيف يحفر فى الصخر موسيقى تسمعها الأجيال، واليوم، نُعيد نحن صدى ذلك الصوت، صوت التاريخ الذى يهمس بأن الحضارة لا تزول ما دامت فى قلب المصريين.
المستقبل ليس نحن، بل هو هذا المتحف، هذا الكيان الذى سيبقى آلاف السنين شاهدًا على عبقرية الإنسان المصرى.
لم يبقَ سوى أن ينطق أبو الهول، ليقول للعالم: “ها هى مصر… لا تزال تُدهش، ولا تزال تُبدع، ولا تزال تُعلّم الإنسانية معنى الخلود".
 
د. سوزان القلينى: رسائل سلام للعالم
يأتى افتتاح المتحف كحدث استثنائى لا يخص مصر وحدها، بل يمثل لحظة إنسانية فريدة تستعيد فيها البشرية وعيها بجذور الحضارة وأصول الإنسانية.
ففى زمن تتنازع فيه الأمم بين الحروب والصراعات والهويات المتناحرة، تطل مصر من جديد لتقدم رسالتها الخالدة: أن الحضارة الحقيقية هى التى تبنى الإنسان لا التى تهدمه، وأن القوة لا تكون فى السلاح بل فى الثقافة والمعرفة والوعي.
إن المتحف المصرى الكبير لا يُعد فقط أكبر متحف فى العالم لحضارة واحدة، بل هو إعلان مصرى عن ريادة مستمرة تمتد من ضفاف النيل إلى آفاق المستقبل، وعلى تحويل تراث الأجداد إلى مصدر إلهام للأجيال المقبلة، من خلال توظيف أحدث التقنيات فى سرد قصة مصر القديمة بطريقة عصرية تليق بمكانتها العالمية.
وسط عالم مضطرب، يبعث افتتاح المتحف برسائل عميقة: رسالة سلام تؤكد أن الحضارات الخالدة لا تعرف العنف، ورسالة إلهام بأن التنمية الحقيقية لا تكتمل إلا حين تكون الثقافة فى القلب منها.
وإذ تعيد مصر عبر هذا الافتتاح تقديم حضارتها للعالم بلغة الحاضر، فإنها ترسخ موقعها كمنارة للتاريخ والتنوير، وتثبت أن من صاغ أول أبجدية للفكر الإنسانى قادر اليوم على أن يرسم ملامح المستقبل بثقة واقتدار.
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام