نحن والعالم



تزين شوارع أمريكا وأوروبا.. «المسلات المصرية» سفيرة الحضارة فى مدن العالم

30-10-2025 | 16:56
أحمد إسماعيل

فى شوارع نيويورك ولندن وباريس وروما، تقف مسلات مصرية عمرها آلاف السنين، شاهدة على حضارة لم تعرف حدودا، لكنها أيضا تروى جانبا من قصة «الخروج» - كيف غادرت كنوز الفراعنة أرضها الأصلية، لتصبح جزءا من ذاكرة مدن أخرى‪.‬
هى ليست مجرد أحجار منقوشة، بل شواهد حضارية مشردة، تحمل بين نقوشها تاريخا مصريا وواقعا دوليا متشابكا بين الإعارة، والهدية، وأحيانا «النهب المشروع» فى عصور الاستعمار‪.‬
 
مسلة كليوباترا فى نيويورك
 
مسلة كليوباترا فى نيويورك هي مسلة فرعونية قديمة تقع فى سنترال بارك، وأهدتها مصر إلى الولايات المتحدة احتفالا بافتتاح قناة السويس،‪ على الرغم من تسميتها، فإن المسلة لم تنسب لكليوباترا فى الواقع، بل نحتها فرعون مصر  تحتمس الثالث وحملت نقوشا له ولرمسيس الثاني،‪ ‬نقلها إلى نيويورك تطلب أكثر من شهرين بعد وصولها عبر سفينة خاصة، و‪ نقلت من الإسكندرية عام 1881، كهدية من الخديو إسماعيل إلى الولايات المتحدة‪.‬‬‬
المسلة أصلها من معبد «الشمسيات» فى هليوبوليس، عمرها أكثر من 3400 عام، نقشت فى عهد تحتمس الثالث ثم رمسيس الثاني‪.‬. تعرضت لتأكل بسبب العوامل الجوية، وتم ترميمها عدة مرات‪.‬
 
مسلة كليوباترا فى لندن
 
تضم بريطانيا الكثير من الأطلال والمبانى والآثار التى ترجع إلى فترات زمنية مختلفة، أسس الرومان المدينة فى عام 43 م، لكن ما لا يعرفه الكثير أن هناك نصبا تذكاريا على ضفاف نهر “التايمز “ يعد أقدم من لندن نفسها بحوالى 1500 عام، هذا الأثر قديم جدا، ولم يتم بناؤه فى إنجلترا، ولكن تم نقله إلى لندن من مصر وهى “ مسلة كليوباترا “ .
يبلغ ارتفاع «مسلة كليوباترا» نحو 68 قدما، وتم بناؤها فى حوالى عام 1450 قبل الميلاد فى مصر، وحاليا توجد على جسر «فيكتوريا» فى مدينة وستمنستر، ويرجع تاريخها إلى عهد الفرعون تحتمس الثالث ، من الأسرة الثامنة عشرة، بعد نحو 200 عام من صنع المسلة، وقام الفرعون المصرى رمسيس الثانى بالتوثيق بالهيروغليفية بمناسبة حملاته العسكرية الناجحة‪.‬
وكان من المفترض أن تكون المسلة ضمن المعبد الذى كانت كليوباترا تبنيه فى الإسكندرية، لكنه لم يصل بالفعل إلى المدينة إلا بعد 15 عاما من وفاتها، وبدلا من ذلك ، تم التخلص من المسلة وظلت مدفونة فى رمال الصحراء المصرية حتى عام 1819، عندما قدمها حاكم مصر حينها، محمد على باشا، إلى بريطانيا كهدية‪.‬
كان من المفترض أن تكون الهدية إحياءً لذكرى انتصار اللورد نيلسون فى معركة النيل عام 1798 وانتصار السير رالف أبيركرومبى فى معركة الإسكندرية عام 1801، لكن استغرقت بريطانيا ما يقرب من 60 عاما لتنظيم جمع وتسليم الهدية إلى المملكة المتحدة‪.‬
 
مسلة الأقصر فى باريس
 
تحتفل فرنسا بعيدها الوطنى فى 14 يوليو من كل عام، وهى مناسبة توافق اقتحام سجن الباستيل وقيام الثورة الفرنسية على النظام الملكى فى عام 1789، وتقام احتفالات رسمية وعروض عسكرية بحضور رئيس الدولة فى ساحة الكونكورد فى العاصمة باريس أمام مسلة مصرية قديمة هى مسلة معبد الأقصر، التى تعد شاهدة على كثير من الأنشطة السياسية الفرنسية منذ القرن التاسع عشر حتى الآن، لاسيما الاحتفال السنوى بالعيد الوطنى للبلاد.
وكانت مصر قد قدمت فى 29 نوفمبر عام 1830 هدية من نوع خاص إلى فرنسا، تعبيرا عن حسن التفاهم ودفء العلاقات بين البلدين، إذ أهدى محمد على باشا (1769-1849)، حاكم مصر آنذاك، مسلة الأقصر لملك فرنسا لوى فيليب الأول (1773 - 1850).
ولا تزال تلك الهدية، التى جاءت تكريما لجهود العالم الفرنسى جان-فرانسوان شامبليون (1790 - 1832) فى معرفة أسرار الكتابة المصرية القديمة، تزين ميدان الكونكورد فى قلب العاصمة الفرنسية باريس حتى الآن.
 
مسلات روما
 
تضم روما أكبر عدد من المسلات المصرية خارج مصر 13 مسلة على الأقل، أبرزها مسلة سان بييترو فى الفاتيكان (الأقدم فى روما) ومسلة بياتزا ديل بوبولو، وكلها نُقلت فى عهد الأباطرة الرومان بعد غزو مصر‪.‬. ثم تحولت المسلات إلى رموز دينية وسياسية فى الإمبراطورية الرومانية‪.‬
 
دعـاية
 
الآثار المصرية فى شوارع الغرب ليست فقط «قطعًا من الحجر»، بل «صفحات مفتوحة» من التاريخ المصرى الموزع عبر القارات.‪.‬ ومع اقتراب افتتاح المتحف المصرى الكبير، تتجدد الدعوة لإعادة النظر فى علاقة العالم بالتراث المصرى لا كغنيمة من الماضي، بل كجسر حضارى يجب أن يعود إلى أصله.
إنها رموز لا تزال تقول: «هنا بدأت الحضارة».
 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام