رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الخميس 13 نوفمبر 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
وجوه عبر الزمن
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
دائرة الحوار
مقالات
القابضون على التراث
30-10-2025
|
16:56
د.عمرو بسطويسى
واهاً له.. واهاً له .. واهاً لهذا الجمال و لتلك الروعة.
هذه العبارة العربية خرجت فى سالف الزمان، من معين الفصاحة اللغوية العربية، لتُقال فى حق كل من و ما يستحق الإكبار والإعجاب، هذه العبارة كأنما خُلقت لهذا اليوم العظيم، ولترافق هذا الحدث الاستثنائى الذى تتأهب له مصر كلها فى الأول من نوفمبر 2025.
هذا الحدث لا يعيد لنا كمصريين ذاكرة الأجداد العظماء وحسب، بقدر ما إنه يعيد صياغة وجودنا الحضارى أمام العالم.
فبعد عقودٍ من الانتظار، وبعد سبعة آلاف عام، من الشغف المتراكم فى الوجدان الحضارى الجمعى للشعب المصرى، ولكل شعوب العالم المهتمة بالحضارات القديمة، يستعد المتحف المصرى الكبير (The Grand Egyptian Museum ) لفتح أبوابه بشكلٍ رسمى، اليوم السبت الأول من نوفمبر، فى افتتاح فريد ومَهيب، لطالما وصفه الخبراء، بأنه أكبر مشروع ثقافى، وأثرى فى القرن الواحد والعشرين.
ومنذ وُلدت الفكرة عام 1992، كان حلم هذا المتحف يتعدى كونه مبنى ضخما يضم آثاراً، فقد كان مشروعاً لإعادة، «ميزان الحضور الحضارى والثقافى المصرى»، ومع وضع حجر الأساس فى 2002، ثم مراحل التنفيذ المتتالية، لم يكن المتحف مشروعا بنائيا، بقدر ما كان رسالة ثقافية وسياسية، تقول إن مصر هى أمة، لم ولا ولن تنفصل عن جذورها، فهى أمة لا تترك تراثها للضياع، وأن الحضور التاريخى، هو حاجة ملحة تُشعل الوجدان الوطنى، وتُلهم حضارات العالم.
يقف المتحف الجديد على بعد خطوات من هضبة الأهرام، فى تناغم معمارى نادر الوجود بين ماضٍ ما زال متألقاً بعد آلاف السنين، وحاضر مبهر، وواعد لعقود مقبلة.
نصف مليون متر من الفضاء المتصل، ومساحاتُ عرض، تتجاوز المائة ألف متر مربع، تم تصميمها لتكون مدينة حضارية متكاملة، فهو ليس بمتحفٍ تقليدى، بل مركزاً للعرض والبحث والترميم، والتعليم والتفاعل البصرى والافتراضى بين الإنسان والتاريخ.
وللمتحف بهو عظيم، يتوسطه تمثال رمسيس الثانى بوقاره وبهائه، ليُشكل بوابةً وجدانية، يدخل منها الزائرُ أول وهلة، فعلى نحو غير مسبوق، تحولت هندسة المكان إلى رؤية عميقة، لتكون جزءا من الرواية وليست مجرد إطار لها، كأنما رمسيس يقود المشهد، ليقول للزوار من كل حدبٍ وصوب، هنا تقف إحدى أعرق حضارات الأرض، وهنا يبدأ اللقاء بين الوجود والخلود.
وبين طيات كل هذا الرونق وتلك العَظَمة، يأتى عرض مقتنيات الملك توت عنخ آمون، ليكون درة التاج لهذا الصرح المتحفى، ذلك أنه، ولأول مرة فى التاريخ، تجتمع أكثر من 5400 قطعة، من كنوزه كاملة فى موقعٍ واحد، مع عرض تفاعلى وتقنيات إضاءة تُجسد لحظة الاكتشاف، كما لو أنها ما زالت حاضرة، فى حالةٍ من الإحياء الجمالى، لحقبة كاملة من الحياة والروح والثقافة.
أما مركز الترميم الملحق بالمتحف، فهو الأكبر والأحدث فى العالم، ليس فقط من حيث المساحة، بل من حيث التجهيز العلمى، والتقنى ليتحول المتحف من مجرد «مستودع للآثار»، إلى «مؤسسة لصيانة الحضارة»، تتم بأيادٍ مصرية.
أما الحضارة فلها وجهان، أحدهما ماديّ من الحجر والمعمار، والآخر غير مرئى يَسكن فى وجدان الناس، ولذا فإن هذا المتحف، يمثل إعادة لبناء رؤية المواطن المصرى عن ذاته وهويته.
هذا المتحف لن يكون مجرد مكان يعرض صوراً من الماضى، بل إنه سيصبح جزءا من تعريف الإنسان المصرى لنفسه.
ولأن «الهوية»، حين تتمسك بجذورها تُصبح قوةً ناعمة مؤثرة، فإن المتحف سيشكل «حُجةَ وجودٍ»، فى زمن تتسابق فيه الأمم، لتثبيت سرديتها التاريخية فى الوعى العالمى.
أكاد أسمع هذا المتحف الكبير ينطق ويقول، «يا أيها العالم.. تعالوا وانظروا إلى مصر التى لم تُبنَ على هامش التاريخ، بل إنها التى صنعت المتن الأول للتاريخ الإنسانى».
وكما أبدع المصرى القديم، فبقيت آثاره حتى اليوم، فكذلك أعاد المصرى المعاصر حماية تلك الآثار، وأعادها للوجود بعد أن دفنتها الرمال، ليُخَلِّد كرامتها الحضارية، وبين الاثنين تقف لحظة افتتاح المتحف، لتعلن عن استمرارية أمة عظيمة، ظن البعض أنها تناست تاريخها وحضاراتها فى خضم صراعات الزمان، فإذا بها تفاجىء الجميع، بأن ذاكرتها أكثر ديمومةً من زمانهم.
إن بُناة هذا الصرح العظيم، يرسلون اليوم رسالة عميقة المعنى، بأن حماية الجذور ليست ترفا ثقافيا، بل هى من أساسيات السيادة الوطنية، فمن يملك ذاكرته يملك مستقبله، ومن يملك تراثه يملك شرعية وجوده فى الوجدان الإنسانى.
هذا المتحف العظيم، يُثبت بلا جدال، أن المصريين هم «القابضون على التراث»، لا لأن الزمن يتهددهم، بل لأن القدر جعلهم أمناءً على تراث لا تساويه كلُ ثروات الأرض.
واهاً له.. واهاً له.. واهاً لهذا الجمال، الذى يُذَكِّر العالم كلما نظر إليه بأن الحضارة ليست مجرد كتاب فى مكتبة أو تمثال فى متحف، بل هى روح أوسع من الزمن، وجذور راسخة لا تُقتلع، وذاكرة تُبنى لتبقى أبد الدهر.
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
اشترك فى الأبدية.. عش الآن وادفع لاحقا
كيف كانت وكيف صارت.. (2)
إسرائيل ومعضلة الضم والفصل
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
وجوه عبر الزمن
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
< li>
دائرة الحوار
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام