رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الخميس 13 نوفمبر 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
وجوه عبر الزمن
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
دائرة الحوار
ثقافة
مصر أم البدايات وأول التاريخ.. اختراع الكتابة.. والمرأة فى وظيفة «الكاتب»
30-10-2025
|
16:57
عزمى عبد الوهاب
الكتابة والمرأة هما دليلا تمدن وتحضر أى شعب من الشعوب، ومنذ فجر التاريخ أو الضمير كانت مصر البلد الذى صدر للعالم الكتابة وفنونها وعلومها، وقدم المرأة فى أبهى صورة باعتبارها حاكمة وملكة، ومنخرطة فى الحياة العامة، فمصر هى أقدم حضارات العالم، وأكثرها خصوبة، وأطولها عمرا.
حضارة مغلقة لا آباء لها، لم تخلف أحدا، ولم تأخذ من أحد، وهى من صنع الإنسان المصرى، الذى عاش عمره على ضفاف النيل، ويقول أرنولد توينبى عن الحضارة المصرية، إنها امتدت على مدى ألفى عام، كما أن لها أطول خاتمة فى التاريخ (ألفى عام) تقوم فيه وتكبو، إلى أن انتهت.
مصر أم البدايات وأول التاريخ، بل يقولون إن مصر كانت، ثم جاء التاريخ، وهم محقون، فعلى أرض مصر بدأت أولى محاولات الإنسان فى اختراع الكتابة، كرموز يسجل بها المعلومات، التى تتوارد على خاطره، وقد بدأت الكتابة عن طريق التصوير، ثم تطورت إلى كتابة مقطعية، ثم إلى كتابة أبجدية.
أول وأصل الأبجديات، هى الأبجدية السينائية، التى أخذها الفينيقيون وطوروها ونشروها فى جميع أنحاء العالم، فالعالم مدين لهذه الأبجدية بأبجدياته جميعا، سواء تلك التى اندثرت أم تلك التى لا تزال قيد الاستخدام.
عرف المصريون القدماء أربع كتابات: الهيروغليفية التى كانوا يكتبون بها أساسا على الآثار، وهى الكتابة الرسمية، والكتابة الهيراطيقية التى اشتقها الكهنة من الهيروغليفية، لاستخدامهم الخاص بالكتابات الدينية الكهنوتية، ولذلك لم تنتشر إلا بينهم، والكتابة الديموطيقية التى اشتقتها طوائف، لاستخدامها فى التعليم والأغراض اليومية، ثم الكتابة السينائية وهى أبجدية كاملة لم تنتشر بين أفراد الشعب انتشارا كبيرا، لأن الظروف لم تكن مواتية حيث كانت الحضارة المصرية تواجه المتاعب تلو المتاعب إلى أن قام الفينيقيون الذين كانوا يعملون فى مناجم الفيروز فى سيناء بتطويرها ونشرها فى حوض البحر الأبيض المتوسط، وحيث وصلت مستعمراتهم.
يقول د. شعبان خليفة فى كتابه عن مكتبة الإسكندرية، إن الفروق بين اللغة المصرية وتلك التى كان يتكلمها أهل الشام والجزيرة العربية وشمال إفريقيا من جهة، وبين المراحل المختلفة فى اللغة المصرية القديمة هى فروق لهجات، وليست فروق لغات، وأن ما أفسد قراءتنا ومعرفتنا باللغة المصرية القديمة هو أننا قرأناها عن طريق لغة وسيطة، اللغة اليونانية القديمة، ومن ثم فإننا لم نقرأها حق قراءتها ولم نعرفها حق معرفتها.
ظهرت على أرض مصر أولى مواد الكتابة المصنعة لهذا الغرض خصيصا، والمقصود هنا ورق البردى، الذى صنعه المصريون القدماء من سيقان نبات البردى الذى كان ينمو على ضفاف النيل والبرك والمستنقعات، نموا طبيعيا.
ثم أخذ المصريون فى زراعته خصيصا لذلك الغرض، وانتشرت مصانع ورق البردى انتشارا كبيرا، وصدره المصريون إلى جميع دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وغدا من السلع الاقتصادية المدرة للربح على الفرد والدولة، ويقال إن أحد أباطرة الرومان كان يمول جيوشه المحاربة من دخل ورق البردي.
تأنق المصرى القديم فى صناعة أدوات الكتابة من أقلام وأحبار ومحابر ولا يزال الحبر الذى كتبوا به على ورق البردى ظاهرا واضحا كأنه كتب بالأمس القريب، وكان التعليم لدى المصرى القديم مسألة مقدسة، وكانت الكلمة المكتوبة ذات مكانة خاصة، وتقديس الكلمة المكتوبة أحد أسرار عظمة الحضارة المصرية القديمة.
هناك نصوص تؤكد على مكانة الكتاب، وأهمية التعليم، من بينها هذا النص: «ضع قلبك وراء الكتب فما من شيء يعلو على الكتب، ليتنى أستطيع أن أجعلك تحب الكتب أكثر مما تحب أمك، وليتنى أستطيع أن أريك جمالها، إنها أعظم من أى شيء آخر» وفى إحدى البرديات وصف لما ينتظر الميت فى العالم الآخر من أنه: «سوف يحصل على الملابس والقوت بجوار الكتب».
كانت وظيفة الكاتب من الوظائف العليا فى مصر القديمة، وأكثرها احتراما، سواء انصرف هذا المصطلح إلى الناسخ أم المؤلف، وهناك نص بعنوان «كن كاتبا» يؤكد ليس فقط على المكاسب المادية لمهنة الكتابة، وإنما أيضا على المكاسب الأدبية وفرصة الخلود، يقول النص: «المرء يتحلل وجسمه يصير ترابا، وتختفى عشيرته جميعا، لكن كتابا واحدا يخلد ذكره من خلال فم مرتله وقارئه».
استتبع الإنتاج الفكرى الغزير والعظيم والمتنوع الذى كان ينشر على أرض مصر، إنشاء دور الكتب التي تجمع ذلك الإنتاج وتنظمه وتحفظه وتيسر الانتفاع بما فيه من معلومات، وقد عرفت مصر فى العصور القديمة أنواعا شتى من المكتبات من بينها مكتبات المعابد، ومكتبات القصور (قصر الحاكم) والمكتبات الخاصة.
لقد وصلنا عقد توظيف أمين مكتبة لدى سيدة عندها مكتبة فى بيتها، وكان لأمين المكتبة وضع متميز فى مصر القديمة لدرجة أن أمين مكتبة القصر كان يعين بحكم وظيفته عضوا فى مجلس الثلاثين الحاكم، وأشهر مكتبة فى التاريخ «تحوت» وأشهر أمينة مكتبة فى التاريخ «حاتحور» وتبرز مكتبة رمسيس الثانى فى منتصف الألف الثانية قبل الميلاد كأضخم وأكبر مكتبة فى العصور القديمة قبل مكتبة الإسكندرية فى القرن الثالث ومكتبة آشور بانيبال فى القرن السابع قبل الميلاد.
كان اختراع الكتابة جزءا من تميز مصر القديمة، على نحو لم يعرفه العالم، وتميزت الحضارة المصرية القديمة، عن باقى الحضارات بتنوع مظاهرها العلمية والفنية والأدبية والاجتماعية والسياسية، وفى ظل هذا التميز والتنوع حظيت المرأة فى مصر القديمة بمكانة لم تحظ بها امرأة أخرى فى شتى المجتمعات والحضارات.
هذه النقطة كانت مثار اهتمام الدكتور ممدوح الدماطى فى كتابه «ملكات مصر» فآثار الحضارة المصرية القديمة تشهد بذلك من خلال تمثيل المرأة فى هيئة مساوية للرجل فى تماثيل منفردة، أو مزدوجة، أو عائلية، كما تظهر فى نقوش المقابر بكامل زيها وزينتها إلى جوار الرجل فى رحلات الصيد والولائم، أو إلى موائد القربان، كما تظهر فى حفلات نسائية مصحوبة بشتى أنواع الموسيقى والرقص.
يقول الدماطى: إن المرأة المصرية اهتمت بأناقتها وجمالها، فحرصت دائما أن تكون فى أبهى صورها، وعادة ما كانت تظهر فى زى كتانى أبيض جميل، ذى طيات أنيقة، وتلبس باروكة شعر وحليا تتماشى مع زيها، كما تظهر مناظر الملكة نفرتارى فى مقبرتها بوادى الملكات بطيبة الغربية، أو حتى فى أبسط الأوضاع الاجتماعية مثل منظر مقبرة سنجم وزوجته فى دير المدينة التى تظهرهما يعملان معا فى حرث وزراعة أحد الحقول.
أوضحت الآثار أن المرأة المصرية لم تهتم فقط بأناقتها، بل اهتمت بشتى أنواع المظاهر الحضارية، فقد اعتنت برشاقتها، ومارست الرياضة واهتمت بالحفلات الاجتماعية المصحوبة بألوان الرقص والموسيقى والغناء وغيرها من متطلبات الحياة المتمدنة والمجتمع الراقي.
من أهم الآثار التى تظهر مكانة المرأة ومدى ما حظيت به فى المجتمع المصرى، ما ورد فى النصوص الأدبية فأحد الحكماء ينصح ولده قائلا: «يا ولدى إذا كنت عاقلا فأسس لنفسك بيتا، وحب زوجتك من كل قلبك، إياك أن تقسو عليها فإن القسوة خراب للبيت الذى أسسته فهو بيت حياتك».
ونصح حكيم آخر ابنه: «لتكن شريكة حياتك التى تختارها امرأة قنوعة ومتواضعة فى أحلامها ومطالبها وسعة تفكيرها، كبيرة القلب، امرأة يجعل منكما الرباط المقدس روحا واحدة وقلبا واحدا وآمالا واحدة تربطه الثقة المتبادلة».
أما عن حقوق المرأة فى الزواج والطلاق فكان لمصر السبق فى تحرير وثائق للزواج والطلاق، كان العقد فى البداية يتم مشافهة بين كبار أفراد الأسرتين، ثم تطور فيما بعد إلى نص مكتوب وكان الأهل والأقارب وأهل القرية يحضرون حفل العرس، ويشهد على العقد شهود تسجل أسماؤهم فى الوثيقة، ويحرر فى العقد تعهدات الزوج، وينص كتابة على قيمة الصداق من أوزان الفضة ومكاييل الغلال، فضلا عن مؤجل معين يدفعه إذا شب بينه وبين زوجته ما يدعو إلى الانفصال.
كان للمرأة فى المجتمع المصرى القديم دور كبير فى الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، فقد حصلت على مناصب مهمة فى الدولة، فكانت قاضية مثل السيدة «بنت» من الأسرة السادسة والتى لقبت بالقاضية، ووزيرة الملك، وهو من أعلى الألقاب مكانة، وعملت المرأة طبيبة مثل طبيبة الملك «بسشت» التى كانت من أقرب أطباء الملك فى الأسرة الرابعة، وعملت المرأة أيضا فى وظيفة الكاتب، وهذه الوظيفة كانت تؤهل صاحبها إلى مناصب حكومية عالية.
يشير الدماطى إلى سيدة أعمال كالسيدة «نى نفر» وهى صاحبة أراض شاسعة وأملاك وعقارات فى عهد الدولة الحديثة، وكان لها وكلاء تجاريون للترويج لمنتجاتها، وكانت تقوم بدفع الضرائب المطلوبة منها، وبصفة عامة تمتعت المرأة فى العصور القديمة بكافة الحقوق الاقتصادية التى تكفلها الدولة مثلها مثل الرجل كالإعفاءات الضريبية وتوفير العمالة وغير ذلك من الحقوق.
كما تمكنت المرأة فى مصر القديمة من أن يكون لها دور فى الحكم، مع زوجها الملك الشرعى أو من خلاله، كما كان الحال مع الملكة تى زوجة الملك أمنحوتب الثالث حوالى 1388 – 1350 ق.م والملكة نفرتيتى زوجة إخناتون التى يعتقد البعض أنها حكمت منفردة وكلتاهما من الأسرة الثامنة عشرة، بل تمكنت من الوصول إلى سدة الحكم فتوجت ملكة حاكمة مثل نيت – إقرت فى نهاية الأسرة السادسة، ونفروسوبك فى نهاية الأسرة الثانية عشرة وحتشبسوت من الأسرة الثامنة عشرة وتاوست فى نهاية الأسرة التاسعة وكليوباترا السابعة فى نهاية الأسرة البطلمية حوالى 51 – 30 ق. م.
وصلت المرأة إلى أعلى سلطة دينية فى الأقصر، وحصلت على لقب المتعبدة الإلهية لآمون، وهو اللقب الذى مكن لصاحبته حكم الجنوب كملك مشارك، للملك الشرعى الذى يحكم الشمال – كما يقول الدماطى – وتمكنت خمس سيدات ممن حملن هذا اللقب من الحصول على نفوذ واسع وحكم شبه مطلق فى طيبة أكثر من قرنين من الزمان.
فى فترات استثنائية خلا فيها العرش من وريث شرعى ذكر انحصرت شرعية الملك فى سيدة مكنتها من التربع على العرش، وكأنها الملاذ الذى ينقذ مصر فى مثل هذه الظروف، وحتى ينتقل العرش إلى خليفة ذكر غالبا ذى صلة بالقصر الملكى، وصاحب نفوذ تيسر له الجلوس على العرش بلا اضطرابات تذكر، وقد حكمت حتشبسوت فى ظروف مشابهة عندما انحصرت وراثة العرش فى شخصها، لقد سبقت المرأة فى مصر جميع الأمم بالتفرد والتميز.
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
مصر تدق طبول السلام بالدبلوماسية الثقافية
المرأة.. ملكة فى مصر القديمة
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
وجوه عبر الزمن
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
< li>
دائرة الحوار
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام