رئيس مجلس الإدارة:
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير:
جمال الكشكي
الخميس 13 نوفمبر 2025
نحن والعالم
حياة الناس
سوق ومال
فنون وفضائيات
مقالات
ثقافة
فجر الضمير
المزيد
وجوه عبر الزمن
رياضة
الملفات
أرشيف المجلة
أول الأسبوع
منوعات
Business Leaders
دائرة الحوار
مقالات
من أرض كمت..
30-10-2025
|
16:57
د. إيمان طاهر
الثناء لك يا «خا كاو رع» يا حويا يا صقرنا المقدس الموجود، الذى يحمى الأرض ويمد حدودها، الذى يقهر البلاد الأجنبية بتاجه، الذى يضم الأرضين بين ذراعيه، الذى يمسك الأراضى الأجنبية بقبضته، والذى يضرب رمّاه السهم من غير عصا، والخوف منه أخضع النو فى بلادهم، هو الذى يفوق السهم كالآلهة سخمت، وإن لسان جلالته هو الذى يحكم توبيا، ومن لا يجعل شعبه يدب فيه الوهن، بل يجعل الناس ينامون فى أمان حتى مطلع الفجر، وشباب جنوده ينامون، لأن قلبه هو المدافع عنهم، وأوامره قد أقامت حدوده.
من هنا… من أرضى… من كمت، كان الملاح المتعب ينشرح صدره حين يرى – بعد ما طاف بكل بحار العالم القديمة – اختلاف ألوان أراضيها، وتنعكس زهورها من فوق مياه البحر، منثورة كاللآلئ بجميع الجهات، وكم تاهت عين الملاح فى عشقها، وكأن ماءها وريحها أشبه بمنارات تهتدى بها السفن، بزمن قديم لم تُعرف فيه البوصلة بعد، ترحب به بشعاع شمسها التى لا تكاد تحتجب ليخرج منه الليل، وتنشر ضوءها بحضارتها وآثارها، وكأنها رسالة تحمل كل فضائل الخير والسلام لكل العالم.
عبر أوراق التاريخ القديم تَلألأت جنباتها بالعظمة والرقة والإنسانية، تراها فى جمال ملابسهم ونظافة بيوتهم وحبهم للعمل والثقافة والموسيقى والغناء، وكم أغرت كمت العالم أجمع بتفردها بسائر العلوم والثقافات، ليستلهموا حتى الآن من كنوز معارفها.
حتى الثقافة الإغريقية التى أيقظت العقل الأوروبى من جموده، ووجدت فيها غذاءً لروحه، كان الفكر المصرى والأدب والأساطير المصرية هم أساس المعرفة الإغريقية، وقد أكدت الأبحاث أن الشاعر الإغريقى الكبير “هوميروس” صاحب أعظم ملحمتين شعريتين وهما الإلياذة والأوديسا، واللتان ظلّتا عبر التاريخ حتى وقتنا هذا من أعظم الأعمال الأدبية، قد استقى الكثير من خياله البديع وقصصه المختلفة فيهما، من أدب قدماء المصريين وأساطيرهم. وكم جاءت لمصر وفود من الفلاسفة تلقوا على أيدى الكهنة العلوم والآداب والفلسفة.
فى أرضنا القديمة كان المصريون هم أول من اهتدى لعبادة الآلهة والتوحيد، وأول من آمن بالبعث بعد الموت، وبالعالم الآخر والثواب والعقاب، وكتب “بلوتارك” فى كتابه الرائع عن أسطورة إيزيس وأوزوريس بكل تفاصيلها، التى رصدت مدى تحضّر المصريين القدماء وتمسكهم بالفضائل التى انعكست على أخلاقهم وتعاملاتهم، لدرجة أن عبادة إيزيس وأوزوريس انتشرت بين الإغريق، وأقاموا لها معابد داخل إيطاليا.
وكلما أبحرنا فى الكتب الأوروبية، سنجد الكنوز المصرية القديمة برسائلها الأخلاقية كغذاء للنفوس، ولعل هذا يفسر لنا تهافت الغرب على تلك الحضارة، واستمرارها حيّة حتى الآن، وإن كانت من أكثر الكتابات التى خصّها الغرب كانت لأسطورة إيزيس وأوزوريس، فقد أفرد لها “هيرودوت” و”ديودور الصقلى” الكثير من الأوراق والصفحات، فى تبجيل وتقدير لمدى الإخلاص والخير الإنسانى وأهميته لهذا الوجود.
تقول الأسطورة إن الآلهة أحبت أرض مصر، فأرسلت إليهم “أوزوريس” إله الخير وزوجته “إيزيس” فى هيئة بشر، وإن أوزوريس علّم الناس كيف يزرعون الأرض، وشرع لهم القوانين، ونشر المدنية والأخلاق الفاضلة والعلوم والثقافة، وعلّمت إيزيس النساء كيف يستخدمن الطبيعة من حولهن فى صنع الأدوية وتطييب المرضى وكيف يصنعن الخبز؟ كما أنها كانت تشترك مع زوجها فى الحكم وتقود البلاد فى غيابه.
لكن كان لأوزوريس أخٌ حاقد طماع اسمه “سِت”، وكان قبيح الوجه ويكره الجمال والفضائل، أراد ملك أخيه، فغدر به ووضعه فى صندوق أو تابوت، وصبّ عليه الرصاص ورماه فى النهر، وعندما فرغ ذهب ليستولى على حكم أخيه والمدينة، حاولت إيزيس الدفاع والتصدى بشدة، لكنه فى النهاية تمكن من الدخول، فهنا ألقت إيزيس بتعويذة حولتها إلى طائر صغير وفرت من المدينة، وكانت تهبط إلى الأرض من حين لآخر لتبحث عن زوجها.
وبعد زمن طويل وجدت امرأة تجلس قرب النهر، فسألتها عن التابوت، فقالت لها، إن الجنيات قلن إنهن رأين تابوتًا يطفو على سطح النهر، ويشع من حوله نور، فتتبعت إيزيس النهر إلى أن وصلت إلى دلتا لها فرعان واحتارت أين تمضى، وكان هناك أطفال يلعبون، وبينهم طفل يبكى، فسألته لماذا تبكى؟ فقال لها إنه كان يريد الصندوق الذى كان فى النهر وأشار باتجاهه، ففرحت وتبعته حتى قابلت كبير الجنيات، الذى قال لها إن الصندوق ظلّت تتقاذفه الأمواج حتى وصل إلى شجرة من أشجار الحور فابتلعته، وجاء رجال الملك “بيبلوس” وقطعوا تلك الشجرة، وهى الآن تحمل سقف الملك، فشكرته وأهدته هدايا عديدة، وتابعت طريقها إلى قصر الملك، الذى صادف مرض ابنه، فقامت بعلاجه لأيام حتى استعاد الطفل صحته وأخذ يلعب، ففرحت أمه الملكة، وعند عودة زوجها الملك أخبرته بأنها ربة من الربات الإلهية، فركع الملك تحت أقدامها، وسألها أن تطلب منه أى طلب، فطلبت الشجرة، وأمر العمال أن ينزعوها، وحملها العمال إلى قارب كبير بأمر الملك إهداءً لإيزيس، حتى وصلت إلى أرض مهجورة وظلت تحاول فتح التابوت وتمكنت من إزالة الرصاص والأقفال، وبدأت فى صلاتها ودعائها وإلقاء التعاويذ حتى عاد أوزوريس إلى الحياة، وعاشا بسعادة وهناء فى كوخ صغير وطعام قليل، وأنجبا خلاله ابنهما «حورس» الذى علّمه – على الرغم من صغر سنه – الكثير من المعارف والصيد والأسلحة واستخدامها.
وفى يوم خرج أوزوريس للصيد وتأخر، فشعرت إيزيس بالخوف الشديد وخرجت تبحث عنه، فوجدت القارب الذى أتت به مع زوجها يجلس عليه “سِت” وأجبرها على ركوب القارب، وأخبرها أنه قتل زوجها وقطّعه وأمر رجاله بتوزيع كل جزء فى مختلف البلاد، حتى لا تستطيع إعادته للحياة. فحاولت إلقاء تعاويذها عليه، فأخبرها أنه اتخذ كل احتياطاته وأتى بالكهان لحمايته، وعندما وصلوا طيبة وضعوها بأحد القصور وأغلقوا عليها، فظلّت تصلى وتدعو حتى ألهمتها الآلهة بطريقة الهروب، ووجدت معها سبعة عقارب تخبرها أين تذهب، حتى وصلت إلى مدينة “تب”.
فحاولت أن تقيم بقصر الأمير، ولكن زوجته خافت منها وطردتها، وكذلك أهل المدينة، فقررت أن تعمل حيلة، وأمرت أحد العقارب بلدغ ابن الأميرة، ثم ذهبت سريعًا لإنقاذه، مما جعل الأميرة تتراجع عن قرارها. وفى هذه الأثناء، ولما علم «سِت» بهروبها أرسل عقربًا سامًا فقتل ابنها “حورس”، ولم تستطع إنقاذه، وظلت تصلى وتدعو للآلهة، حتى عاد إلى الحياة، فأخذته وخبّأته عند كاهنة تعيش بجزيرة مسحورة لا يستطيع “سِت” الوصول إليها، وانطلقت مرة أخرى تبحث عن زوجها، وبعد عناء ومشقة، استطاعت أن تجمع أجزاء جسده، وظلت تصلى وتدعو حتى عادت لأوزوريس الروح والحياة مرة أخرى.
ولم تنتهِ الأسطورة، بل بدأ الصراع ما بين «حورس» و«سِت» فى رمزية بالغة الدقة والرهبة، حيث يتصارع الخير والشر، ومن منهما سينتصر لتحقيق توازن هذا الكون. وظل هذا الصراع لثمانين عامًا، انتصر بنهايته «حورس» ممثلاً كل معانى الخير السامية.
هكذا كانت مصر القديمة الملهمة، وكما ازدهر ماضيها ازدهرت حواضرها…
فخورة وتملؤنى السعادة بهدية المتحف المصرى الكبير للعالم، فكل أثر وجدار يحكى أسطورة من فضائلنا.
رابط دائم
اضف تعليقك
الاسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
الاكثر قراءة
اشترك فى الأبدية.. عش الآن وادفع لاحقا
كيف كانت وكيف صارت.. (2)
إسرائيل ومعضلة الضم والفصل
اعلى
< li>
نحن والعالم
< li>
حياة الناس
< li>
سوق ومال
< li>
فنون وفضائيات
< li>
مقالات
< li>
ثقافة
< li>
فجر الضمير
< li>
وجوه عبر الزمن
< li>
رياضة
< li>
الملفات
< li>
أرشيف المجلة
< li>
أول الأسبوع
< li>
منوعات
< li>
Business Leaders
< li>
دائرة الحوار
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام، ويحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة الأهرام